|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الانضباط الذاتي في الحج: مفهومه - أصوله - آثاره د. محمد عبد رب النبي سيد محمد الحمد لله الذي جعَل البيتَ مثابةً للناس وأمْنا، وشرع للناس حجه وعمارته تكرمًا منه ومَنا، وجعل تعظيم حرماته وشعائره من تقوى القلوب، ودليلًا على تعظيم علَّام الغيوب، وأصلِّي وأسلِّم على من أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرا، وعلى آله وصحبه وحزبه صلاة دومًا وتسليمًا كثيرا. أما بعد: فإنَّ الحج عبادة مميزة في كيفيتها وشعائرها، وأحكامِها ومكانها وزمانها، وهي ذات آثار تربوية جليلة، تنبع من خصائص هذه العبادة وشعائرها وزمانها ومكانها؛ فالحاجُّ ينبغي أن يستشعر عظمةَ المناسك التي يؤدِّيها، والشعائر التي يقوم بها، وحُرمة البلد الحرام التي يؤدِّيها فيه، وحرمة الأشهر والأيام الفضيلة التي يقوم بها فيها، وينبغي أن ينعكس ذلك كلُّه على سلوكه بالانضباط نيَّة وقولًا وعملًا، ولا يُفرض عليه ذلك الانضباطُ من خارج نفسه؛ بل ينبغي أن ينبع من داخل ذاته، وأن يضبط نفسه بنفسه بدافع استشعاره لحرمة الزمان والمكان والشعائر، ومن ثمَّ فالحجُّ فرصة عظيمة لتربية النفس على الانضباط الذاتي للمسلم في جميع حياته. أهمية البحث: وتتجلى أهمية البحث في عدة أمور: 1- أنَّ انضباط الحاج الذاتي لازم من لوازم إحرامه بالنُّسك، وقد أناط الشارع به قَبول حجه وبره. 2- توقف سلامة الحجيج وأمنهم على تحمُّل كل منهم مسؤوليته الفردية في انضباطه الذاتي. 3- وجوب تعظيم حُرمات الله وشعائره، ولا يتأتى ذلك إلا بالانضباط الذاتي. 4- ينبغي أن يظهر المسلمون أثناء أدائهم لهذه الفريضة العظيمة التي يتابِعها العالَم كله عبر شاشات التلفزة الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام بثًّا مباشرًا بمظهرٍ حضاري، يَعكس صورة الإسلام الحضارية. 5- أنَّ القرآن والسنَّة قد اهتمَّا بتربية المسلم في حياته عامة، وفي عباداته خاصة، بضبط النفس ومحاسبتها، وبالتحرُّز من سيِّئ الأخلاق والأقوال والأعمال، والتحرِّي لأحسنها. مشكلة البحث: إنَّ عبادة الحج متميزة في طابعها؛ حيث يؤدِّيها ملايين المسلمين في زمان واحد وفي مكان واحد، في أداء جماعي متسق ومتناغم؛ ومن ثمَّ كان من الواجب على كل منهم أن يتحمَّل مسؤولية ضبط الذَّات والتحكُّم في سلوكيات نفسه ليحافظ على أمنه وسلامته، وكذلك أمن وسلامة إخوانه من الحجيج، تمشيًا مع حرمة المكان والزمان والحدث، واستجابة لأوامر الله، واتباعًا لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في ضبط نيَّته وأقواله وأفعاله. أهداف البحث: يهدف البحث إلى تَحقيق عدَّة أمور، أهمها: 1- توعية الحجَّاج بالمسؤولية الفردية عن الانضباط الذَّاتي خلال أداء مناسك الحج. 2- تربية المسلم وتعويده من خلال أداء هذه العبادة على الانضباط الذَّاتي، دون حاجة إلى توجيه خارجي أو رقابة خارجية. 3- توجيه المرشدين والدُّعاة إلى توعية الحجاج بضرورة الانضباط الذاتي وأهميته؛ ليكون حجهم مبرورًا. 4- التركيز على أهميَّة تنمية مهارة الانضباط الذاتي باعتباره واحدًا من مقاصد الحج. 5- تقليل نِسبة الحوادث والمخاطر الناتجة عن السلوك الفردي الخاطئ لبعض الحجاج. 6- توجيه الحاج إلى ضرورة التعاون مع الجهات المنظِّمة للحج؛ للمساهمة في إنجاح الموسم. 7- إظهار المسلمين بمظهر حضاري نابِع من روح دينهم وعقيدتهم أثناء أدائهم لهذه المناسك التي يتابعها العالَم كلُّه عبر وسائل الإعلام المختلفة. منهج البحث: أقوم إن شاء الله باستِقراء أقوال المفسِّرين وأهل العلم في تَفسير النصوص الشرعية واستنباطِ وجه دلالتها على وجوب الانضباط الذاتي في الحج، مع عزو الآيات إلى سورها وذِكر أرقامها، وتخريج الأحاديث، ونسبة الأقوال إلى أصحابها، والنصوص إلى مَراجعها، مع وضع الآيات والأحاديث والنصوص المنقولة بين علامتي تنصيص، وترتيب المراجع في نهاية البحث على حسب أسماء المؤلفين على حروف الهجاء، فسَنة النشر، فعنوان الكتاب، فاسم الناشر، فمدينة النشر. سائلًا المولى العلي القدير أن يهبني التوفيق والسداد، ويهديني سبيل الرشاد، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المبحث الأول مفهوم الانضباط الذاتي وأهميته في الحج يعدُّ مصطلح "الانضباط الذاتي" من المصطلحات الحديثة التي أصبحتْ متداولة في مجالات عديدة؛ منها مجال التنمية البشرية، فما معنى هذا المصطلح؟ وما أهميَّة تحقيقه أثناء أداء مناسك الحج؟ المطلب الأول: مفهوم الانضباط الذاتي: قبل تعريف هذا المصطلح بالمعنى اللقبي، يجدر تعريفه بالمعنى الإضافي: أولًا: تعريف الانضباط في اللغة: هو انفعال من الضَّبْط، وهو: "لُزُومُ الشَّيْءِ وحَبْسُه، ضَبَطَ عَلَيْهِ، وضَبَطَه يَضْبط ضَبْطًا وضَباطةً، وَقَالَ اللَّيْثُ: الضَّبْطُ لزومُ شَيْءٍ لَا يُفَارِقُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وضَبْطُ الشَّيْءِ: حِفْظُه بِالْحَزْمِ، وَالرَّجُلُ ضابِطٌ؛ أَي: حازِمٌ"؛ [ابن منظور، 1414هـ]. وفي الاصطلاح: هو "ضبط الميول والسلوك؛ إمَّا بإرادة الفرد نفسه، أو بتأثير سلطة خارجية"؛ [مجمع اللغة العربية، 1984م]. ومن هذا التعريف يتَّضح لنا أن الانضباط إمَّا أن يكون ذاتيًّا؛ أي: نابعًا من داخل الفرد، أو يكون ناتجًا عن مؤثِّرات صادرة من خارج ذاته. ثانيًا: تعريف الذاتي: نسبة إلى الذات، وهي "مَا يصلح أَن يعلم ويخبر عَنه، مَنْقُول عَن مؤنث (ذُو) بِمَعْنى الصاحب، وَقد يُطلق الذَّات وَيُرَاد بِه الحَقِيقَة، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِه ما قَامَ بِذَاتِهِ، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِه المستقل بالمفهومية، ويقابله الصِّفة بِمَعْنى غير مُسْتَقل بالمفهومية، وَقد يُسْتَعْمل اسْتِعْمَال النَّفس وَالشَّيْء فَيجوز تأنيثه وتذكيره"؛ [الكفوي، بدون]. و"الذاتي لكلِّ شيء: ما يخصه ويميزه عن جميع ما عداه، وقيل: ذات الشيء: نفسه وعينه"؛ [الجرجاني، 1403هـ - 1983م]. إذًا فكلمة الذَّاتي قيد للانضباط، يُخرِج المعنى الثاني ويُبقي المعنى الأول، ومن ثمَّ يمكن تعريف الانضباط الذاتي بالمعنى اللقبي بأنه: "سلوك أو فعل يتمُّ وفق القواعد الأخلاقية أو القانونية المعتمدة، وتأدية الواجب بإتقان بدون مراقب خارجي"؛ [تقية حسان، 2014م]. ويعتمد هذا النوع من السلوك على قمع النَّزعات السلبية، والرغبات الشريرة، ويقوم على قوة الإرادة، والعزم، والتحكُّم في النفس، وعدم الانصياع للأهواء"؛ [محمود إسماعيل عمار، 1999م]. المطلب الثاني: أهمية الانضباط الذاتي في الحج: تتجلَّى أهمية الانضباط الذاتي عمومًا في كونه السمة الأولى التي تقوم عليها حياة الإنسان العملية؛ فبدون هذا الانضباط لا يمكن للمرء أن يحقِّق أي نجاح يُذكَر في حياته؛ [عبدالله بخيت، بدون]. فهو يشكِّل نوعًا من أنواع أخلاقية العمل، ويدعم سلوك الأفراد في ميدان الممارسة على مستوى جميع نشاطات العمل، سواء كانت مؤسَّسات ذات أهدافٍ اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، والالتزامُ بسلوك الانضباط الذَّاتي يقوم بتقليل الخسائر واكتشافِ نقاط التقصير، ومحاولة علاج هذا القصور، وتعديل الانحرافات في العمل قبل تفاقمها، واستشعار العاملين فيها، ومحاسبة النَّفس باستمرار، والحرص على أداء دورهم بروح من المسؤولية والإخلاص، كلها تعتمد على هذا السلوك الرشيد في تحقيق أهدافها؛ [تقية حسان، 2014م]. فإذا نظرنا إلى أهميَّة الانضباط الذاتي في الحج خصوصًا، فإننا لا نبالغ إذا قلنا: إنَّه لا يمكن لهذه العبادة أن تؤتيَ ثِمارَها في نفس الفرد والجماعة على حدٍّ سواء ما لم يلتزم الحجيج به. إنَّ الإحرام هو الركن الأول من أركان الحج - عند الجمهور - وهو شرط من شروط صحَّته عند الحنفيَّة، وهو نيَّة الدخول في حرمات الحج والعمرة، أو هو نفس الدخول، وبه يحرُم على الحاجِّ أمورٌ كثيرة لم تكن محرَّمة قبله؛ كلبس المخيط، والتطيُّبِ، والجماع ومقدِّماته، وعقدِ النكاح، وتغطية رأسه، وصيد البَرِّ، وإزالة شيء من شعره أو أظفاره، عامدًا ذاكرًا مختارًا، وارتكابُ بعض هذه المحظورات يفسِد الحجَّ ويُوجِب الهَدْيَ، وبعضها يوجِب الفِديةَ، وبعضها يوجب الجزاءَ، وهو الصيد، واجتناب المُحْرِم لهذه المحظورات يَقتضي منه أن يكون على درجات الانضباط الذَّاتي؛ ليكون حجه صحيحًا مبرورًا، وليكون ذنبه مغفورًا، وسعيه مشكورًا، وأجره موفورًا. ومن ثمَّ فإن الانضباط الذَّاتي في الحج له أهمية عظيمة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. فعلى المستوى الفردي: 1- لا بد أن يتحمَّل كلُّ حاج مسؤوليته في الانضباط الذاتي ليكون حجه مبرورًا، وسعيه مشكورًا، فيعود منه كيومَ ولدتْه أمُّه، وهذا غاية ما يسعى إليه من حجِّه، ولا يتأتَّى ذلك إذا حدث منه ما يخلُّ بأداء هذه الشعيرة العظيمة؛ من سوء نيَّة أو قول أو فعل. 2- ولا بد لتحقيق سلامته الشَّخصية في ظلِّ هذا العدد الضخم من الحجيج أن يكون على مستوى عالٍ من الانضباط الذاتي، فيتبع تعليمات رجال الأمن والمرور وغيرهم من المسؤولين عن خدمة الحجيج وتوجيههم وإرشادهم، ويتعاون معهم على أداء مهامِّهم بنجاح. 3- في التزاحم قد يتعرَّض الحاج لبعض المضايقات من بعض الناس؛ كالتدافع مثلًا، فعليه أن يتحمَّل ذلك، لا أن يشارك فيه ويبادل فاعِلَ ذلك بمِثلِه، وربما تطوَّر الأمر إلى التلاسُن، وربما التشاجر؛ وهذا كله لا يتناسب مع حُرمة الزمان والمكان وحرمة هذه العبادة العظيمة، بل لا بد أن يتحلَّى بالصبر ورباطة الجأش واحتمال الأذى، وليس فقط كفه عن الآخرين. 4- في تحمُّل الحاج لمسؤوليته في الانضباط الذاتي ما يجعل أعمال الحج سهَّلةً عليه ميسَّرة؛ بحيث تقل أعباؤها ومشقتها، ويستطيع أداءها على الوجه الأكمل دون أن يَفوته منها شيء أو ينقص منها شيء. أمَّا أهمية الانضباط الذاتي في الحج على المستوى الجماعي، فتتجلَّى في عدَّة أمور، أهمها: 1- تحقيق سلامة جموع الحجيج وأمْنهم؛ فبانضباط الأفراد ذاتيًّا يحصل الانضباط الجماعي الذي ينتج عنه تقليلُ الحوادث التي قد تقع نتيجة الأخطاء التي قد يَرتكبها بعض الحجَّاج؛ كالتدافع والتزاحم، وعدم الالتزام بتنبيهات رجال الأمن وقواعد السلامة، أو عدم الالتزام بالمسارات المحدَّدة للحجَّاج في تنقُّلهم بين المشاعر، أو أثناء وجودهم فيها. 2- ظهور الحجَّاج بمظهر حضاري أمام العالم، يعبِّر عن حضارية الإسلام وحضارية شعائره وسموها وعظمتها. 3- تحقيق ما يقصده الشَّرعُ من هذه العبادة العظيمة؛ كالتعارف بين المسلمين والتآلف، والتقارب والتراحم، بديلًا عن التشاغب والتخالف، والتضارب والتزاحم، فيكونون عباد الله إخوانًا كما أمَرَهم الله، ويصبحون كالجسد الواحد وكالبُنيانِ المرصوص؛ كما مثَّلهم رسولهم صلى الله عليه وسلم. 4- الشعور بروحانية العبادة وقدسيتها لا يتحقَّق إلا بقيام المجموع بالانضباط الذاتي، وذلك بمراعاة حرُماتِ الله وتعظيم شعائره، فيجب عليهم ملاحظة حُرمة المكان والزَّمان والأركان. المبحث الثاني أصول الانضباط الذاتي في الحج اهتمَّ القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة بحثِّ الحجيج على الانضباط الذاتي من أول شروعهم في مناسك الحج حتى نهايتها، وربَطَ قَبولَ العبادة منهم وتحقُّق ما يرجونه من مغفرة السيِّئات، وكسب الحسنات، ورفع الدرجات، وتحقيق الحجِّ المبرور - به؛ وذلك يتجلَّى بوضوح في كثير من الآيات والأحاديث التي بيَّنتْ أحكامَ الحج وآدابه. المطلب الأول: الانضباط الذاتي في الحج في القرآن الكريم: بيَّن القرآن الكريم أنَّ هذه العبادة العظيمة قد اختار الله لها أقدسَ مكانٍ، وهو البلد الحرام، وأشرفَ زمان، وهو الأشهر المعلومات؛ فللمكان حرمةٌ عظيمة، وللزمان كذلك، وللشعائر التي يؤدُّونها كذلك حرمةٌ عظيمة، ومن ثمَّ كان لا بد لمن تلبَّس بهذه الشعائر العظيمة في هذا المكان المقدَّس وفي هذه الأيام الفضيلة أن يراعي حرمتَها، فيضبط نيَّته وأقواله وأفعاله عن كلِّ ما يخلُّ بها وينتهك حرمتها، وقد توعَّد الله بأشد الوعيد مَن انتهك هذه الحرمات ولو بمجرد النيَّة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]. "وقوله تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ [الحج: 25]، هو وصفٌ للمسجد الحرام؛ إذ جعله الله تعالى موضع تنسُّك لكلِّ من أتاه وأقام به، أو يأتيه للعبادة ثمَّ يخرج منه، فالعاكف - أي: المقيم فيه - كالبادي الطارئ القدوم إليه، هم سواء في حقِّ الإقامة في مكَّة والمسجد الحرام للتعبُّد، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ [الحج: 25]؛ أي: ﴿ يُرِدْ ﴾ بمعنى: يَعتزِم الميل عن الحقِّ فيه، بظلمٍ يرتكبه؛ كالشِّرك وسائرِ الذنوب والمعاصي القاصرة على الفاعل أو المتعدية إلى غيره، وقوله تعالى: ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾؛ هذا جزاء مَن كفر وصدَّ عن سبيل الله والمسجدِ الحرام، ومن أراد فيه إلحادًا بظُلم لنفسه أو لغيره"؛ [أبو بكر الجزائري، 1424هـ - 2003م]. "هذا، ولم يؤاخِذ الله تعالى أحدًا من خلقه على الهمِّ بالمعصية ما لم يرتكبها، ولا بالشروع فيها ما لم يأتها، إلَّا في المسجد الحرام؛ فإنَّ مَن يهم فيه بالذنب كمن يَقترفه؛ وذلك لأنَّ الإنسان يجب عليه أن يكون في الحرم طاهرَ الجسم، نقيَّ القلب، صافي السريرة، خالصًا بكليته لله، طامعًا في مغفرته، مشفقًا من غضبه، وإن مَن ينتهك حرمة الملِك بمعصيته في حِماه وداخل بيته، أجرَأُ على المعصية ممَّن يرتكبها بعيدًا عنه، وحقًّا إنَّ من تهجس نفسُه بالسوء وهو في داخل الحرم الآمن لَجديرٌ بالجحيم، والعذاب الأليم"؛ [ابن الخطيب، 1383هـ - 1964م]. وقد ربط القرآن الكريم ضبْطَ الحاج لنفسه وسلوكياته مراعاةً لحرمة المكان والزمان والعبادة التي يمارِسها والحالة التي هو عليها من الإحرام، بالأجر والثواب من الله تعالى، قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |