مقاصد النهي في البيوع المحرمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 994 - عددالزوار : 122319 )           »          إلى المرتابين في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          رذيلة الصواب الدائم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          استثمار الذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حارب الليلة من محرابك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حديث: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ذكر الله تعالى قوة وسعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          السهر وإضعاف العبودية لله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مميزات منصات التعلم الإلكترونية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-09-2019, 09:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,513
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد النهي في البيوع المحرمة

مقاصد النهي في البيوع المحرمة




د. جميل يوسف زريوا[*]



ملخص البحث:


توصلت في هذا البحث إلى أن البيوع المحرمة يرجع مقاصد النهي عنها إلى أربعة أمور: ما نهي عنه لكونه من وسائل الشرك, فقد نهي عن بيع الأصنام حفظا لجانب التوحيد, (فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ), وما نهي عنه لكونه يتضمن ضررا للبائع أو المشتري, كما في بيع الثمار قبل بدو صلاحها, وتلقي الركبان, وما نهي عنه لتضمنه غررا ومخاطرة, كما في بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة, وما نهي عنه لكونه من وسائل الربا, وأكل أموال الناس بالباطل, فقد نهي عن بيع العينة والمزابنة, لإفضائهما إلى الربا, وهذا يدل على حسن الشريعة ومراعاتها مصالح العباد, ودرئها ما يضرهم, والشريعة كلها محاسن وجلب للمصالح, ودرء للمفاسد.

Abstract:


From this research, I arrived at the conclusion that the main objectives behind the prohibition of some business transactions can be classified into four: that which was prohibited because it is among the avenues to polytheism, thus selling idols was prohibited in order to preserve Islamic monotheism..that which was prohibited because it is harmful to the seller or buyer as in the case of selling crops before they show sign of ripeness, and, that which was prohibited because of high risk and danger as in the case of trade of Mulamasa, Munabadha, and trade of Habalu Alhabala. that which was prohibited because it is among the avenues to usury and embezzlement, thus trade of Al'eena and Al-muzabana were prohibited because they lead to usury. All these show the beauty of the Sharia and its consideration for the benefits of the people and their protection from harm. The sharia in its entirety is full of goodness, benefits and protection against harm.

المقدمة:


الحمد لله الذي انفرد بالتحليل والتحريم لتحقيق مصالح العباد, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, الذي اعتبر المقاصد في كل أقواله وأفعاله, أما بعد, فلا يستطيع الإنسان العيش بدون التعامل والتعاون مع الآخرين، فالإنسان بمفرده لا يستطيع توفير حاجياته من الغذاء والكساء وبناء البيت وغيرها، وقد يجنح بمقتضى حاجته الملحة إلى أخذ ما في يد الغير عن طريق المغالبة أو المقاهرة، أو يلجأ إلى السؤال وتكفف أيدي الناس، وفي ذلك من المفاسد العظام ما لا يخفى، ومن الذل والصغار ما لا يقدر عليه الإنسان, ويعتبر البيع في الجملة من الأمور الحاجية, وقد يرقى البيع إلى الأمور الضرورية عند ما يؤدي عدمه إلى فوات أصل من الأصول الخمسة، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال[1], فالأصل في البيوع الجواز إلا ما حرّمه الشارع، بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع إلا ما دلّ الدليل على مشروعيته؛ لأن الشارع يسد باب البدعة, والبيوع مع أن الأصل فيها الإباحة إلا أنه ورد على بعض أجناسها وأنواعها نواهٍ كثيرة, مما يجب على المسلم معرفته, ومعرفة مقاصد النهي في هذه البيوع مما يساعد على فهمها وتطبيقها بشكل صحيح, فمقاصد الشريعة هي سر التشريع, وبها يوقف على المفاسد التي أرادها الشارع من مناهيه.
وقد أردت في هذه الأوراق أن أبين بعض مقاصد النهي في البيوع المحرمة, وليس القصد هو الاستقراء ولا البسط, ولكن الإشارة إلى أهمها, لأن الاستيفاء غير ممكن, لطبيعة البحث.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره

كون هذا الموضوع يتعلق بمقاصد الشريعة, وهو مما يحتاج إليه لمعرفة ما تتضمنه نواهي الشارع من أسرار ومصالح وحِكم.
بدراسة هذا العلم يتعرّف على حلّ مشكلات العالم وفق الضوابط المقرّرة, الموافقة للفطر السليمة والعقول الصحيحة.
حاجة المكتبة الإسلامية إلى مزيد من الدراسات المقاصدية، لاسيما فيما يتعلق بمقاصد المعاملات المحرمة، ولعل هذه الدراسة تضيف جديدا أو تسد فراغا.
كون الناس بأجمعهم محتاجون إلى البيع والشراء لقضاء أوطارهم, فمعرفة ما حرم منها من الضرورة بمكان, والعلم بمقاصدها يُسهل تطبيقها.
خطة البحث:

وتتضمن مقدمة وتمهيد وأربعة وعشرين مطلبا وخاتمة وفهارس.
المقدمة: وتتضمن الافتتاحية وأسباب اختيار الموضوع ومنهجي في البحث.
التمهيد: ويتضمن ثلاثة فروع:
الفرع الأول: تعريف مقاصد الشريعة الإسلامية.
الفرع الثاني: الفائدة من دراسة علم المقاصد.
الفرع الثالث: تعريف البيوع المحرمة.
المطلب الأول: مقاصد النهي عن بيع الرجل ما ليس عنده.
المطلب الثاني: مقاصد النهي عن تلقي الركبان.
المطلب الثالث: مقاصد النهي عن ربح ما لم يضمن.
المطلب الرابع: مقاصد النهي عن بيع المسلم على بيع أخيه.
المطلب الخامس: مقاصد النهي عن الربا.
المطلب السادس: مقاصد الحجر على السفيه والمجنون والمدِين.
المطلب السابع: مقاصد النهي عن بيع فضل الماء.
المطلب الثامن: مقاصد النهي عن حلوان الكاهن.
المطلب التاسع: مقاصد النهي عن بيع الحصاة.
المطلب العاشر: مقاصد النهي عن بيع الملامسة والمنابذة.
المطلب الحادي عشر: مقاصد النهي عن بيع حَبَل الحبلة.
المطلب الثاني عشر: مقاصد النهي عن بيع عسب الفحل.
المطلب الثالث عشر: المقصد الشرعي من تحريم بيع الأصنام.
المطلب الرابع عشر: مقاصد النهي عن الميسر.
المطلب الخامس عشر: مقاصد النهي عن البيع وقت نداء الجمعة.
المطلب السادس عشر: مقاصد النهي عن بيع السلاح وقت الفتنة.
المطلب السابع عشر: مقاصد النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها.
المطلب الثامن عشر: مقاصد النهي من تحريم النرد.
المطلب التاسع عشر: مقاصد النهي عن بيع السلعة قبل أن تنقل من مكانها.
المطلب العشرون: مقاصد النهي عن الاحتكار.
المطلب الحادي والعشرون: مقاصد النهي عن بيع العينة.
المطلب الثاني والعشرون: مقاصد النهي عن سلف وبيع.
المطلب الثالث والعشرون: مقاصد النهي عن المزابنة.
المطلب: الرابع والعشرون: مقاصد النهي عن النجش.
الخاتمة: وفيها ذكر أهم النتائج.
منهج البحث:

وضع مقدمة في كل مطلب تعين على فهمه.
جمع ما تيسر من الوقوف عليه مما يتعلق بمقاصد كل مطلب.
عزو الآيات للقرآن الكريم بذكر سورها وأرقامها وكتابتها بالرسم العثماني.
عزو الأحاديث إلى مصادرها.
توثيق النصوص وأقوال العلماء من مصادرها.
الالتزام بعلامات الترقيم وضبط ما يحتاج إلى ضبط.
خدمة البحث بوضع فهرس المراجع.
الفرع الأول


تعريف مقاصد الشريعة


وردت تعريفات عدة لمقاصد الشريعة, وسأقتصر هنا على ذكر بعضها:
قال محمد الطاهر بن عاشور: "مقاصد التشريع العامة, هي المعاني والحِكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها, بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة"[2].
وعرفها الشيخ علال الفاسي : بقوله: "المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها، والأسرار التي رمى إليها الشارع الحكيم عند تقريره كل حكم من أحكامها"[3].
وعرفها شيخنا الدكتور اليوبي بقوله: "المقاصد هي: المعاني والحِكَم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عمومًا وخصوصًا، من أجل تحقيق مصالح العباد"[4].
وعرفها الدكتور يوسف البدوي بقوله: "الحكم التي أرادها الله من أوامره ونواهيه لتحقيق عبوديته وإصلاح العباد في المعاش والمعاد"[5].
الترجيح:

يظهر أن التعريف الأخير هو الراجح, وذلك لأنه جُمع فيه بين أصل المقاصد وأهمها وهو تحقيق العبودية لله تعالى ومصالح العباد, فالتعريف الأول تعريف للمقاصد العامة فقط, وأما التعريف الثاني فإنه شامل للمقاصد العامة والخاصة, غير أنه لم يذكر القصد منها, وأما تعريف شيخنا الدكتور اليوبي فلم يذكر فيه أصل المقاصد والغاية منها, وهو تحقيق العبودية لله تعالى[6].
الفرع الثاني


فوائد معرفة علم المقاصد


علم مقاصد الشارع له مقام عظيم, وذلك لأن معرفة حقيقة المصالح والمفاسد متوقفة عليه, فهو مفتاح لفهم نصوص الشريعة, ولذا يكتسب بالضرورة الحالة من الاحترام والتقدير, بحيث ينفرد العلماء المتخصصون في استنباطه وتوضيحه وتجليته للناس, ولذا تتبين فائدة علم مقاصد الشارع والغاية منه فيما يأتي:
إبراز علل التشريع وحِكمه ومراميه الجزئية والكلية, العامة والخاصة, في شتى مجالات الحياة وفي مختلف أبواب الشريعة[7].
وضع القواعد التي يستعين بها المجتهد على استنباط الأحكام الشرعية، ومعرفة المصالح التي قصدها الشارع من تكليف العباد بالأحكام[8].
قدرة المجتهد بعد وضع القواعد على استنباط الأحكام الشرعية، ووصوله إلى معرفة المصالح التي قصدها الشارع من تشريع الأحكام[9].
القدرة على تحقيق المناط في الحوادث التي لم تكن موجودة في زمن السابقين, حتى تعطى الحكم الشرعي المناسب[10].
القدرة على التنسيق بين الآراء المختلفة, ودرء التعارض بينها والترجيح بين الأقوال, واختيار الراجح منها عند عدم إمكانية الجمع[11].
عون المكلف على القيام بالتكليف والامتثال على أحسن الوجوه وأتمها, ذلك أن المكلف إذا علم مثلا أن المقصد من الحج التأدب الكامل مع الناس, والتحلي بأخلاق الإسلام العليا, فإنه إذا علم ذلك فسيعمل جاهدا ومجتهدا قصد تحصيل المرتبة العليا, التي تجعل صاحبها عائدا بعد حجه كيوم ولدته أمه[12].
إكساب المجتهد إحاطة بأحكام الشرع، ومعرفة كلياته المفيدة في معرفة جزئياتها[13].
الاطمئنان إلى ما نقل من أحكام في كتب المتقدمين؛ حيث جاءت وفق قواعد ثابتة، ومقاصد راسخة[14].
التقليل من الاختلاف والنزاع الفقهي, والتعصب المذهبي[15].
قدرة العالم بهذه القواعد والمقاصد على الرد على منكري حجية القياس, وتصور مطالبه وتطبيقها على الحوادث[16].
تفيد المجتهد فيما إذا خالف النص الشرعي مقاصد الشارع؛ فإن هذه المعرفة تعطي المجتهد ظناً غالباً أن لهذا النصِّ معارضاً؛ فتستدعيه هذه المعرفة أن يبحث عن المعارض بحثاً قويَّاً[17].
التوفيق بين خاصتي الأخذ بظاهر النص, والالتفات إلى روحه ومدلوله على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص, ولا العكس, لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض[18].
معرفة أن دين الإسلام صالح لكل زمانٍ ومكانٍ؛ حيث إن قواعده قادرة على إيجاد الأحكام لكل ما يجدّ من حوادث في أي مكانٍ وزمان[19].
معرفة أن دين الإسلام يراعي حال المكلّف عند تكليفه بالأحكام[20].
وواضح أن الفوائد المرجوة بالنسبة للمسلم العامي والداعية يمكن إجمالها في كونها أمورا: إيمانية, مناعية تحصينية, الغاية منها زيادة إيمان المسلم وتحصينه ضد التيارات والأفكار الضارة, من أجل تحقيق مهمة العبودية لله تعالى على أتم وجه
الفرع الثالث

تعريف البيوع المحرمة

البيوع جمع بيع, والمقصود بالبيع هو: مبادلة مال بمال على وجه مخصوص مع التراضي[21].
وأما المحرمة فمأخوذة من الحرام, وهو: ما يعاقب على فعله ويثاب على تركه, فمن فعله يعاقب على ذلك كشرب الخمر ونحو ذلك من المحرمات، ومن تركه يثاب على تركه[22].
فالبيوع المحرمة هي التي نهى الله عن تعاطيها وفعلها والتعامل بها, لمقصد من المقاصد التي تجلب مصلحة, أو تدفع ضررا.
المطلب الأول
مقاصد النهي عن بيع الرجل ما ليس عنده
وردت أحاديث في النهي عن بيع الرجل ما ليس عنده, منها:
حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: "يا رسول الله, الرجل يأتيني يسألني البيع ليس عندي فأبيعه منه, ثم أمضي إلى السوق, فأشتريه وأسلمه إياه, فقال: "لا تبع ما ليس عندك "[23].
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع, ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ما ليس عندك"[24].
يتلخص من كلام العلماء أن مقصد النهي عن بيع ما ليس عندك, هو: دفع الغرر والمخاطرة في البيع, وذلك أن البائعَ إذا باعَ ما ليس في مُلكه، ولا له قُدرة على تسليمه، ليذهب ويحصله، ويسلمه إلى المشتري، كان ذلك شبيهاً بالقمار والمخاطرة مِن غير حاجة بهما إلى هذا العقدِ، ولا تتوقَّفُ مصلحتُهما عليه, والبائع متردد بين الحصول وعدمه, فكان غررا يشبه القمار فنهي عنه[25].
المطلب الثاني


مقاصد النهي عن تلقي الركبان


روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا تلقوا الركبان, ولا يبع بعضكم على بيع بعض"[26].
وصورة ذلك: أن يعلم إنسان بقدوم رفقة تحمل سلعا وأمتعة فيستقبلهم على قصد أن يشتري منهم, ويتقدم إليهم ليكذبهم في سعر البلد, ويشتري منهم شيئا من سلعهم أو جميعها بغبن"[27].
يظهر من كلام شراح الحديث أن الشارع منع من تلقي الركبان, لمقصدين عظيمين:
دفع الضرر عن أهل المدينة الذين يجلب إليهم السلعة.
منع غبن الركبان الذين لم يتعرفوا على أسعار السوق.
قال الماوردي: اختلف أصحابنا في المعنى الذي لأجله نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك ومنع منه أي: تلقي الركبان, فقال جمهورهم: إن المعنى فيه أن قوما بالمدينة كانوا يتلقون الركبان إذا وردت بالأمتعة فيخبرونهم برخص الأمتعة وكسادها ويبتاعونها منهم بتلك الأسعار، فإذا ورد أرباب الأمتعة المدينة شاهدوا زيادة الأسعار وكذب من تلقاهم بالأخبار, فيؤدي ذلك إلى انقطاع الركبان وعدولهم بالأمتعة إلى غيرها من البلدان, فنهى النبي صلى الله عليه و سلم عن تلقيهم نظرا لهم, ولما في ذلك من الخديعة المجانبة للدين.
وقال آخرون: بل المعنى في النهي عن تلقيهم أن من كان يبتاعها منهم يحملها إلى منزله ويتربص بها زيادة السعر، فلا يتسع على أهل المدينة ولا ينالون نقصا من رخصها، فنهى النبي صلى الله عليه و سلم عن تلقي الركبان للبيع حتى ترد أمتعتهم السوق فتجتمع فيه وترخص الأسعار بكثرتها فينال أهل المدينة نفعا برخصها، فيكون هذا النهي نظرا لأهل المدية والله أعلم[28].
وقال ابن تيمية: "ونهى عن تلقي السلع, وذلك لما فيه من تغرير البائع أو ضرر المشتري"[29].
ويقول السعدي :: "والحكمة من تحريم تلقي الجلب: أنه خديعة للجالب, لأنه يجهل السعر, فلو باع في هذه الصورة فهو بالخيار إذا هبط السوق, ويجب تأديب المتلقي له"[30].
المطلب الثالث


مقاصد النهي عن ربح ما لم يضمن


الضرر منفي شرعًا، فلا يحل لمسلم أن يضر أخاه المسلم بقول، أو فعل، أو سبّ بغير حق وسواء كان له في ذلك نوع منفعة أم لا؟, والضرر يرجع إلى أحد أمرين: إما تفويت مصلحة، أو حصول مضرة بوجه من الوجوه، فالضرر غير المستحق لا يحل إيصاله وعمله مع الناس، بل يجب على الإنسان أن يمنع ضرره وأذاه عنهم من جميع الوجوه، وكل معاملة من هذا النوع، فإن الله لا يبارك فيها، لأنه من ضارّ مسلما ضاره الله، ومن ضاره الله، ترحّل عنه الخير، وتوجه إليه الشر وذلك بما كسبت يداه، وكل ما كانت مضرته وإثمه أكبر من نفعه، فإن رحمة الله وحكمته تقتضي المنع منه وتحريمه على عباده[31].
ورد حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع, ولا ربح ما لم تضمن ولا بيع ما ليس عندك"[32].
لقد نهى الشارع عن ربح ما لم يضمن تحقيقا للعدل بين المتابعين ومنعا لأكل أموال الناس بالباطل, ذلك أنه ما من مبيع إلا وهو عرضة للهلاك والنقص, كما أنه محتمل للزيادة والربح, فمن عدل الشريعة أن جعلت الزيادة والربح لضامن الهلاك والنقص, لأن من الحيف أن يجعل الضمان على أحدها والربح للآخر, فمن العدل ألا يأخذ ربح المال إلا من تحمل تبعة هلاكه ونقصه.
يقول ابن تيمية: "فلا يبيع بربح حتى يصير في حوزته ويعمل فيها بعمل التجارة, إما بنقلها إلى مكان آخر, وإما حبسها إلى وقت آخر, إلى أن قال: والربح إنما يكون للتاجر الذي نفع الناس بتجارته, فأخذ الربح بإزاء نفعه, فلم يأكل أموال الناس بالباطل"[33]
يقول ابن القيم: "والنهي عن ربح ما لم يضمن قد أشكل على بعض الفقهاء علته وهو من محاسن الشريعة, فإنه لم يتم عليه استيلاء, ولم تنقطع علق البائع عنه فهو يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه, وإن أقبضه إياه فإنما يقبضه على إغماض وتأسف على فوت الربح, فنفسه متعلقة به لم ينقطع طمعها منه, وهذا معلوم بالمشاهدة, فمن كمال الشريعة ومحاسنها النهي عن الربح فيه حتى يستقر عليه ويكون من ضمانه, فييأس البائع من الفسخ, وتنقطع علقه عنه[34].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 180.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 178.71 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.95%)]