|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التقليد عند فقد المجتهد الشيخ وليد بن فهد الودعان في هذا المطلب نعرض لمسألة قد تطرأ على المقلد، وذلك فيما إذا لم يجد من يقلده أو من يفتيه من المجتهدين، أو من يقوم مقامهم في الفتوى وتعليم الناس، وهذا ما يسميه بعض الأصوليين بفتور الشريعة[1]، سواء كان فتورًا كليًّا بفقد فروع الشريعة وأصولها ومنقولات العلماء، أو جزئيًّا بفقد شيء من ذلك. وفيما يلي نبين رأي الشَّاطبي في المسألة. رأي الشَّاطبي: يرى الشَّاطبي أن المقلد إذا فقد المجتهد والمفتي، فلا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون النقل عنهم موجودًا، وفي هذه الحالة يلزمه أخذ أقوالهم وفتاويهم، ولا يجوز له بحال أن يتبع عاميًّا مثله. قال الشَّاطبي: "وعلى هذا لو فرضنا خلو الزمان عن مجتهد لم يمكن اتباع العوام لأمثالهم"، ثم قال: "بل يتنزل النقل عن المجتهدين منزلة وجود المجتهدين؛ فالذي يلزم العوامَّ مع وجود المجتهدين هو الذي يلزم أهل الزمان المفروض الخالي عن المجتهد"[2]. وعلى هذا، فعليهم أن يجتهدوا، ويأخذوا بالأرجح من المنقولات بحسب ما يتبين لهم، كما هو الحال إذا اختلفت على العامي فتاوى المجتهدين. والحالة الثانية: أن يفقد النقل عنهم بالكلية، وفي هذه الحالة يسقط التكليف بالعمل عن المقلد. قال الشَّاطبي: "يسقُطُ عن المستفتي التكليف بالعمل عند فَقْد المفتي إذا لم يكن له به علم، لا من جهة اجتهاد معتبر، ولا من تقليد"[3]. وقد أشار الشَّاطبي إلى أن فقد العلم بالعمل يكون على إحدى صورتين: الصورة الأولى: أن يفقد العلم به بالكلية، وحينئذ فهو كمَنْ لم يرد عليه تكليف البتة. والصورة الثانية: أن يفقد العلم بوصفه مع بقاء علمه بأصله؛ كأن يعلم بالطهارة، أو الصلاة، أو الزكاة على الجملة، ولكن يفقد كثيرًا من العلم بتفاصيلها وصفتها ونحو ذلك. وقد ذكر الشَّاطبي أنه يتعلق بالمسألة أحكام بحسب الوقائع، وبحثها في علم الفروع[4]. وقبل أن أختم رأي الشَّاطبي في هذه المسألة لا بد أن أقول: إن الذي يبدو من كلام الشَّاطبي هو أن اندراس الشريعة بالكلية، وسقوط التكليف بالكلية محل فرض؛ ولهذا قال: "لأنه إن فرض في زمان ما ارتفعت الشريعة ضربة لازب"[5]، فالأمر عنده لا يعدو كونه مجرد افتراض. ويؤيد هذا أن الشَّاطبي قد قرر أن تحقيق المناط المرتبط بإيقاع التكليف على المكلفين لا ينقطع إلى قيام الساعة[6]، وعلى هذا فلو جاز اندراس التكليف بالكلية عقلًا، فهو غير واقع شرعًا، غير أن هذا لا يمنع من وقوع ذلك بحسب الأعيان، فيكون الاندراس جزئيًّا، فكلامه ليس فيه ما ينفي هذا النوع من الاندراس. ورأي الشَّاطبي في هذه المسألة - وهو وجوب اجتهاد المقلد وترجيحه حال وجود النقل عن العلماء السابقين -: وافقه عليه ابن القيم[7]. وخالفه من قال: له حكم ما قبل الشرع على الخلاف فيه[8]: وقال ابن حمدان عن هذا الرأي: هو أقيس"[9]، وقطع به ابن مفلح[10]، واختاره ابن النجار[11]. وقيل: إن عليه أن يعمل كالمجتهد عند تعارض الأدلة على الخلاف في ذلك[12]. وقيل: يتوقف حتى يجد من يبين له الحكم: واختاره السمهودي[13]. ووافق الشَّاطبي في سقوط التكليف عن المقلد عند فَقْد المجتهد المفتي: الجويني[14]، وتبعه الغزالي[15]، واختاره ابن الصلاح[16]، وأقره النووي[17]، وهو اختيار ابن القيم[18]. قال الجويني: "إذا درست فروع الشريعة وأصولها، ولم يبقَ معتصم يرجع إليه ويعول عليه انقطعت التكاليف عن العباد، والتحقت أصولهم بأصول الذين لم تبلغهم دعوة، ولم تُنَطْ بهم شريعة"[19]. وخالف الشَّاطبيَّ أبو الحسن الأشعري، فقال: يبقى التكليف مع اندراس الشريعة وفتورها[20]. وقال أبو إسحاق الإسفراييني: يبقى تعبُّد على الخَلْق بإفتاء محاسن العقول[21]. وذكر الجويني أن قول أبي الحسن مبني على أصله من تجويز التكليف بما لا يطاق، وأن قول أبي إسحاق مخالف لقوله في أن العقل لا يحسن ولا يقبح[22]. وقيل: له حكم ما قبل الشرع على الخلاف في ذلك[23]: وقال ابن حمدان: "هو أقيس"[24]، وقطع به ابن مفلح[25]، واختاره ابن النجار[26]، وذكر المرداوي أنه الصحيحُ من مذهب الحنابلة[27]. أدلة الشَّاطبي ومن وافقه: يمكن أن يستدل للشاطبي على أن على المقلد عند فقد المجتهد المفتي مع وجود النقل أن يجتهد ويرجح حسب طاقته: بأن إطلاق العِنان للمقلد حتى يتخير دون اجتهاد مفضٍ إلى اتباع الهوى، وهو ممنوع في الشرع[28]. واستدل الشَّاطبي على سقوط التكليف عن المقلد عند فقد المجتهد بالكلية بثلاثة أدلة، وهي: الدليل الأول: أنه لما أن كان المجتهد يسقط عنه التكليف عند تعارض الأدلة عليه؛ لعدم تمكنه من الترجيح على الصحيح، فلأنْ يسقُطَ التكليف عن المقلد عند فقد العلم بالعمل رأسًا أحقُّ وأولى[29]. الدليل الثاني: أن هذه المسألة راجعة إلى العمل قبل تعلق الخطاب، والأصل في الأعمال قبل ورود الشرائع سقوط التكليف؛ إذ لا حكم عليه قبل العلم بالحكم؛ إذ شرط التكليف العلم بالمكلف به، ومن فقد العلم بالعمل كان غير عالم به، فلا يكون مكلفًا به لسبب فقدانه الشرط[30]. الدليل الثالث: أن فاقد العلم بالعمل لو كان مكلفًا به، لكان ذلك من تكليف ما لا يطاق؛ لأنه غير عالم بالعمل، ولا يمكنه الوصول إلى حقيقة العمل، فلو كان مكلفًا بما لا يقدر على الامتثال فيه، لكان مكلفًا بالمحال، وهو باطل[31]. [1] انظر: البرهان (2/ 880) المنخول (596) أدب المفتي (55). [2] الاعتصام (2/ 453). [3] الموافقات (5/ 334). [4] انظر: الموافقات (5/ 335). [5] الموافقات (5/ 39). [6] انظر: الموافقات (5/ 11 وما بعدها). [7] انظر: إعلام الموقعين (4/ 168). [8] انظر: أدب الفتوى (55) المسودة (550). [9] صفة الفتوى (27). [10] انظر: أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1551). [11] انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 553). [12] انظر: إعلام الموقعين (4/ 168). [13] انظر: العقد الفريد (18/ أ). [14] انظر: غياث الأمم (241). [15] انظر: المنخول (596). [16] انظر: أدب الفتوى (55). [17] انظر: المجموع (1/ 96) روضة الطالبين (8/ 102). [18] انظر: إعلام الموقعين (4/ 168) علمًا أن كلامه ليس في وقت اندراس الشريعة بكمالها، إنما إذا لم يجد من يفتيه، سواء في بلده، أو غيره في زمن معين لا يلزم منه اندراس الشريعة بإطلاق. [19] غياث الأمم (241) والجويني يفرق بين هذه المرتبة، وهي دروس فروع الشريعة وأصولها، وبين أن تبقى أصول الشريعة، فهو في هذه الحالة يرى أن على العامي الاجتهاد والرجوع إلى أصول الشريعة، وإسقاط التكليف عنه حينئذ زَلَلٌ ظاهر، وحينئذ فلا يكون رأيه مخالفًا لرأي الشاطبي، خلافًا لمن ظن ذلك بسبب الخلط بين المرتبين، وانظر: غياث الأمم (192، 197). [20] انظر: البرهان (2/ 881). [21] انظر: البرهان (2/ 881) المنخول (596). [22] انظر: البرهان (2/ 881). [23] ذكره في أدب الفتوى (55). [24] انظر: صفة الفتوى (27). [25] انظر: أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1551). [26] انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 553). [27] انظر: الإنصاف (11/ 190). [28] وقد استدل الشاطبي بهذا على المنع من تخير المقلد عند اختلاف الفتوى؛ انظر: الموافقات (5/ 77، 81، 96 - 97). [29] انظر: الموافقات (5/ 334). [30] انظر: الموافقات (5/ 334). [31] انظر: الموافقات (5/ 334).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |