|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مقاصد الشريعة (1) فضل ربي ممتاز زادة مقاصد الشريعة (1) المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن الله تعالى خلق الخلق لمقصد عظيم وغاية شريفة، ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى وحده لا شريك له حيث قال عز من قائل: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[1]. ولم يترك الله تعالى الناس سدى يتصرفون في أمور حياتهم بحسب أهوائهم وشهواتهم قال سبحانه وتعالى: { أيحسب الإنسان أن يترك سدى}[2] بل إنه سبحانه وتعالى أنزل إليهم شريعته أفضل الشرائع ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى، وأرسل رسوله – صلى الله عليه وسلم- ليكون قدوة وأسوة للبشر في السير نحو الخير والسعادة. وقد أنزل الله تعالى شريعته لأهداف ومقاصد عظيمة؛ حيث إنها تنظم في إطارها حياة الإنسان وتحقق مصالح العباد، وتدرأ عنهم المفاسد وتجعلهم يسيرون وفق منهج الله العليم الخبير الذي خلقهم ويعلم مصالحهم وما يحقق لهم ذلك قال الله تعالى: [ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير][3]. فما من خير إلا وقد دلت إليه شريعة الله تعالى، وما من شر إلا وقد حذرت عنه، فأصبح الناس في مهجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. ولما كان الله تعالى قد أنزل شريعته لهذه المقاصد والغايات فإن لمعرفة هذه الغايات والمقاصد والحكم أهمية عظيمة في التعرف على أحكام الله تعالى، واستنباط الأحكام لما تتجدد من الحوادث والوقائع، ولمعرفة حكم الله تعالى فيها وفق هذه المقاصد ومهتدياً بها. كما أن عدم العلم بهذه المقاصد والحكم يؤدي إلى الوقوع في أخطاء كثيرة في استنباط الأحكام من النصوص الشرعية، وإلى القصور في فهم هذه النصوص، بل قد يؤدي إلى استعمال هذه النصوص في غير موضعها، وأخذ مفاهيم غير مرادة منها. ولما كانت الشريعة الإسلامية قد أنزلها الله تعالى لتكون منهاج الحياة للناس، وتكون مطبقة في الواقع، وكانت شريعة عالمية نزلت إلى الناس كافة، وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، فلابد من معرفة مقاصدها وأهدافها لاستنباط الأحكام المناسبة للوقائع الجديدة منها وفق مقاصدها وغاياتها، فمعرفة مقاصد الشارع تمكن المسلمين من العيش تحت ظل الشريعة وتنظم حياتهم وفق أحكام الشريعة. كما أن معرفة مقاصد الشارع تعين العالم والمجتهد على فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بالشكل الصحيح عند تطبيقها واستنباط الأحكام منها، وكما أن الاسترشاد بمقاصد الشارع تعين المجتهد لتحديد مدلولات الألفاظ ومعرفة معانيها عند الاستنباط منها. وأيضاً فإن معرفة الحكم والعلل والمعاني المقصودة من النصوص الشرعية لابد منها لاستنباط الحكم لما تتجدد من الوقائع عن طريق القياس ومعلوم أن العلة أحد أركان القياس. ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة لمقاصد الشريعة أردت الكتابة فيها و اسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها. الفصل الأول : تعريف مقاصد الشارع وإثباتها وأهميتها. المبحث الأول: تعريف مقاصد الشارع: المطلب الأول :تعريف المقاصد لغة المقاصد لغة: جمع مقصد والمقصد مصدر من الفعل (قصد) يقال : قصد يقصد قصداً ومقصداً[4]. وتأتي كلمة القصد في اللغة لمعان عديدة: المعنى الأول: الاعتماد والأم وإتيان الشيء[5]. قال ابن فارس: " القاف والصاد والدال أصول ثلاثة يدل أحدها على إتيان الشيء وأمه ..."[6]. ومنه: أقصده الهم : إذا أصابه فقتل مكانه وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه[7]. المعنى الثاني: الكسر قال ابن فارس: "قصدت الشيء كسرته، والقصدة: القطعة من الشيء إذا تكسر، والجمع قصد"[8]. المعنى الثالث: القصد استقامة الطريق[9] ومنه قول الله تعالى: [وعلى الله قصد السبيل ...][10] أي: على الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة[11]. المطلب الثاني:تعريف مقاصد الشريعة اصطلاحاً لم أجد عند العلماء المتقدمين الذين بحثت في كتبهم تعريفاً محدداً لمقاصد الشريعة حتى العلماء الذين عرفوا باهتمامهم فيها مثل الغزالي[12] والشاطبي[13] رحمهما الله تعالى. وأما الغزالي فقد ذكر مقاصد الشريعة وبين أنواعها ولم يذكر تعريفاً محدداً لها وقال: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة"[14]. ويبدو أن الغزالي رحمه الله تعالى لم يرد بكلامه هذا أن يعطي حداً دقيقاً للمقاصد، وإنما أراد حصر المقاصد في الأمور المذكورة. وأما الإمام الشاطبي مع كثرة عنايته بمقاصد الشريعة واهتمامه بها فلم يذكر أيضاً تعريفاً محددا لها وإنما بين أنواعها وتفاصيلها في كتابه الموافقات. ويرى الدكتور أحمد الريسوني أن السبب في عدم ذكر الشاطبي تعريفاً للمقاصد مع اهتمامه بها يرجع إلى أنه لعل اعتبر الأمر واضحاً ويزداد وضوحاً بما لا مزيد عليه بقراءة كتابه المخصص للمقاصد من الموافقات ولعل ما زهده في تعريف المقاصد كونه كتب كتابه للعلماء بل للراسخين في علوم الشريعة[15]. إذا كان الأمر كذلك فلابد من البحث عن التعريف المحدد لمقاصد الشارع في كتب المتأخرين الذين كتبوا في الموضوع، وفيما يلي أذكر بعض عباراتهم في تعريفها: 1-وقد عرفها الشيخ ابن عاشور[16] رحمه الله تعالى بقوله: "مقاصد التشريع العامة هي : المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة"[17]. ثم قال: "فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها"[18]. وذكر الشيخ ابن عاشور هذا التعريف عند ذكره لمقاصد الشارع العامة، وأراد به أن يعطي حدا لمقاصد الشارع العامة كما صرح هو بذلك، ويصلح هذا التعريف بأن يكون تعريفاً لمقاصد الشارع بمعناها العام والشامل. ولذا عرف ابن عاشور مقاصد الشارع الخاصة في مكان آخر بقوله: "وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة كي لا يعود بسعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالاً عن غفلة واستزلال هوى وباطل شهوة..."[19]. ثم تابع يقول: "ويدخل في ذلك كل حكمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس مثل قصد التوثيق في عقد الرهن وإقامة نظام المنزل والعائلة في عقدة النكاح، ودفع الضرر المستدام في مشروعية الطلاق"[20]. وقد اعترض على هذا التعريف بأنه: "في الواقع ليس تعريفاً للمقاصد لأن التعريفات لا تكون بهذا الأسلوب وإنما هو بيان وتفصيل للمواطن التي تلتمس فيها المقاصد من الشريعة"[21]. ومهما تكن الاعتراضات على تعريفه للمقاصد إلا أنه أعطى تصوراً دقيقاً عن المقاصد العامة والخاصة للشارع ولذا نجد الذين جاءوا بعده قد بنوا تعريفاتهم على ما قال هو، وبذلك هو فتح الطريق أمام الآخرين. 2- تعريف الشيخ علال الفاسي (ت 1394هـ)[22]. وقد عرفها بقوله: "المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها"[23]. وتعريفه هذا يشتمل على مقاصد الشارع العامة والخاصة فأشار إلى مقاصد الشارع العامة بقوله: "الغاية منها أي من الشريعة وأشار بقوله: "والأسرار التي وضعها عند كل حكم من أحكامها، إلى مقاصد الشارع الخاصة من كل حكم من أحكامه"[24]. وهذا يتميز بالشمول والوضوح والإيجاز. 3-وعرفها الريسوني بقوله: "إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد"[25]. 4-عرفها الزحيلي بقوله: "هي المعاني والأهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها أو هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها"[26]. وهذا التعريف في الحقيقة مركب من تعريف ابن عاشور في شطره الأول، وتعريف الفاسي في شطره الثاني كما هو واضح، وقد لاحظ ذلك أيضاً بعض الباحثين[27]. وأرى أن تعريف الريسوني هو أحسن هذه التعريفات، حيث قال: "هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد". وذلك للأمور التالية: 1-وضوحه وعمومه حيث إنه واضح وشامل للمقاصد العامة والخاصة للشريعة. 2-أنه موجز وشأن التعريفات أن تكون موجزة بخلاف عبارة الشيخ ابن عاشور في ذلك حيث إنها طويلة. 3-أنه مبني على تعريفات وتوضيحات العلماء لمقاصد الشارع قديماً وحديثاً كما ذكر هو ذلك[28]. 4-أنه ذكر مصالح العباد في التعريف وأن الشريعة وضعت لأجلها، وهذا يتفق مع آراء العلماء قديماً وحديثا في أن مقاصد الشريعة هي جلب المصلحة ودفع المفسدة كما سبق عبارة الغزالي في ذلك، وقال الآمدي[29]: "المقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مضرة أو مجموع الأمرين بالنسبة إلى العبد لتعالي الرب عن الضرر والنفع"[30]. وقال الشاطبي: "إذا ثبت أن الشارع قد قصد بتشريع الحكم إقامة المصالح الدنيوية والأخروية وذلك على وجه لا يختل لها النظام"[31]. وقال الأستاذ عبد الوهاب الخلاف: "المقصود العام للشارع من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس بكفالة ضرورياتهم وتوفير حاجياتهم وتحسينياتهم"[32] . وقال الدكتور عبد العزيز الربيعة: " أن الحكمة هي المعنى المقصود من شرع الحكم وذلك هو المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم جلبها أو تكميلها أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم درءها أو تقليلها"[33]. المبحث الثاني : تعريف الألفاظ المرادفة للمقاصد في الشريعة: قد يعبر العلماء أحياناً عن المقاصد بالحكمة أو العلة أو المعاني، ولذا من المستحسن بيان هذه الألفاظ وعلاقتها بمقاصد الشارع. المطلب الأول : تعريف الحكمة: تستعمل كلمة حكمة بمعنى قصد الشارع أو مقصوده فيقال: هذا مقصوده كذا أو حكمته فلا فرق، وإن كان الفقهاء يستعملون لفظ الحكمة أكثر مما يستعملون لفظ المقصد[34]. وقد تتبع الدكتور عبد العزيز الربيعة استعمال لفظ الحكمة عند الأصوليين فتوصل إلى أنهم يستعملون لفظ الحكمة بإطلاقين: الإطلاق الأول: " هو أن الحكمة هي المعنى المقصود من شرع الحكم وذلك هو المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم جلبها وتكميلها أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم درءها أو تقليلها"[35]. وأما الإطلاق الثاني فيراد به "المعنى المناسب لتشريع الحكم أي المقتضي لتشريعه"[36]. ويؤكد الدكتور بدران أبو العينين هذا الترادف بين المقصود من تشريع الحكم وحكمته في اصطلاح الفقهاء وغيرهم فيقول: "على أن جمهور الفقهاء كانوا يذهبون في اجتهاداتهم إلى أن ما شرعه الله من أحكام لم يشرعه الله إلا لمصلحة جلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم فلهذا كانت تلك المصلحة هي الغاية المقصودة من التشريع وتسمى حكمة"[37]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |