|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تجدد كتجدد الزمن
تجدد كتجدد الزمن د. محمد خالد الفجر ساعاتٌ تدقُّ وقلبٌ يخفِق وأفكارٌ تتصارع، ضجيج يلف ذواتنا بغبارٍ تراكم من ماضٍ فائت وحاضرٍ صارخٍ من شدة الألم ومستقبلٍ مجهولٍ عجَزَت عن توقعه عقولُ الحُلماء والنجباء. وسَطَ هذا التخبط البشري الذي يعيشه بنو الإنسان، على المرء أن يسعى لفتحِ صفحةٍ أخرى، صفحةٍ تُريه حقائقَ الأمور، تتجاوزُ المكان لتسبحَ في بحر الزّمن الذي يمضي ويمرُّ ولا يبقى منه إلا صفحاتٌ تُروى خاليةً من الألم الذي مضى والألم الذي كان والتخبطِّ الذي وقع. مهما حاولنا أن نُخفِي حركةَ الكون ونغطِّي بياضَها بسوادِ الإحباط واليأس، فإنَّ تفتُّحَ الأزهار يخترق السوادَ الوهمي، وزغردةَ العصافير على غصونها الميّادة، تُلغي فكرتَنا عن توقُّف الفرح وسيطرةِ السواد وتغطيته لكلِّ مفاصل النور في هذا الكون الفسيح. كم يا تُرى يضحك ذلك الشيخ المسنّ الذي مرّتْ به السنون، كم يضحكُ على تصرفاته التي اصطدمت بمواقفَ تمنّى معها توقف الحياة، أو لنقل كم يتأثر؛ لأنّه (مرَّد: أي جعل الحدث كالمارد) تلك اللحظاتِ التي ظنّ أنّ الكون معها يعلنُ نقطة النهاية، وكم وكم يتلظّى فؤاده؛ لأنه ما فقِه أنها لحظةٌ عابرةٌ لن تمكث إلا برهةً من زمن، ثم تصبح ذكرى تُروى بسخرية لاذعة سخرية من اللحظة؛ لأنها ما استطاعت إيقافَ الحياة، ولذعةً ولوعةً من تصرفٍ في ذلك الوقت الذي سخره للاستغراق معها وظنها أنها خالدة، وكأنها أقوى من الحياة، وكم هي الدموع التي يذرفها على خدِّه؛ لأنّ يأسه سرق من عمره لحظاتٍ هي أعزُّ وأثمن من كلِّ لحظات الحزن الذي سرقها. لتكن أيامُنا وليالينا عبارةً عن سيارةٍ مِقودُها بيدِنا ومكبحُها تحت قدمنا، نتحكَّم بسيرها وَفقَ معرفتنا ورؤيتنا مشاهدين لا خاضعين، قائدِين لا مَقودين، مُسيِّرين لا مُسيَّرين، عندها فقط ستكون لنا البصمةُ التي تُتّبع وعندها لو تحدّثنا عن الابتسامة سيبتسم من يسمع، وعندها فقط إن انسالت على ألسنتنا حكمٌ لن تكون إلا تمثيلاً لأفعالنا، لا تنظيرًا غريبًا عن ذواتنا. أنت أيها الإنسان وحدك الطبيبُ ووحدَك الحكيم ووحدَك الفيلسوف إن أدركت قدراتِك، ولا يكون الإدراك إلا إذا غُصْتَ في بحر نفسِك وبحر تحولاتك وبحر تغيراتك التي تخضع لزمن يتحرّك الحزن لا يوقفه واليأس لا يكبحه والقنوط لا يمحوه، فتماهَ مع الزمن لتتجاوز اللحظات التي تخضع لها فتكون خاضعةً لك، تماهى مع الزمن بل تصالح معه؛ لأنّ من يصالحه، يطير على جناحيه كبساط السندباد ينظر إلى الأحداث الأرضية من علٍ، فيرى كل شيءٍ بعينه الباصرة لا بحسه القاصر، من تجرّد من المحسوس فإن أفق الزمن يفكُّ أسرَه وانكسارَه، وبذلك يصبح قدوةً ونبراساً وعندها يقال له: (فلعل غيرك إن رآك باسمًا طرح الكآبة جانبًا وتبسَّما). الزمنُ يمشي كي تسايرَه، الزمنُ ينطلق كي تنطلق، الزمنُ يترك وراءه كلَّ اللحظات كي يبقى متجدِّداً. فخذِ الدرس منه وافقَهْه، وكن أنت والزمن سِيّان تتجددان بتجدُّد اللّيل والنهار وتتركان خلفكما كلَّ ماضٍ ينغِّصُ صفوَ وبهاءَ الجِدّة والتجدِّد والحيوية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |