|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() سبق الحديث أن منهج التزكية في فكر الدكتور ماجد الكيلاني يشمل محورين تم تناول الأول في تقرير سابق وفي هذا التقرير سيتم تناول المحور الثاني.
تزكية البيئة العامة: يقصد البيئة العامة في معناها الشامل؛ أي البيئة الطبيعية وما يجري فيها من نشاطات إنسانية تحتوي على مجموعة الاعتقادات والأعراف والتقاليد والعادات والنظم والسياسات، وشبكة العلاقات الاجتماعية والمؤسسات التي تفرزها حضارة ما وترعاها عبر الزمان والمكان، وتتمثل أهمية هذه التزكية في الأسباب التالية: السبب الأول: أثر البيئة العامة في صلاح سلوك الأفراد أو فساده؛ ذلك أن السلوك هو ثمرة التفاعل بين الإنسان والبيئة العامة المحيطة في لحظة معينة. السبب الثاني: هو ضعف النفس الإنسانية بشكل عام أمام مؤثرات البيئة المحيطة، لأن النفس فيها ميل للراحة والتثاقل عن مواجهة المشكلات والتردد إزاء التحديات. السبب الثالث: أن الإنسان يتوجه إلى البيئة المحيطة لإشباع سلم حاجاته المختلفة، فهو يتوجه إلى البيئة الطبيعية للحصول على حاجاته الأساسية في الغذاء والكساء والمأوى، ويتوجه إلى البيئة الاجتماعية للحصول على حاجاته في الأمن والانتماء والحب والاحترام، ويتوجه إلى البيئة الدينية للحصول على إجابات أسئلته المتعلقة بالنشأة والحياة والمصير، ويتوجه إلى البيئة الثقافية لتحقيق حاجاته في الإنجاز والإبداع المؤدية إلى تحقيق الذات. أما تفاصيل هذه التزكية فهي كما يلي: 1. تزكية البيئة الدينية: المحور الرئيس في تزكية البيئة الدينية هو تنمية" التوحيد "، وتطبيقاته في ميادين الحياة المختلفة ثم تطهيرها من مظاهر" الصنمية " التي انحدرت من الجيل السابق أو الأجيال السالفة، والتوحيد في حقيقته يعني توحيد الله بالخضوع والولاء، ويتجسد الخضوع – في التطبيقات العملية – من خلال تربية الناشئة وتشكيل تقالبد اليافعة ونظم حياتها وفنونها ونشاطاتها وشبكة العلاقات الاجتماعية فيها على عدم الإذعان والانقياد لغير الله؛ أي أن التوحيد هو القطب الإيجابي المقابل لثقافات التبعية السلبية العمياء، وأما الولاء فيجسده محبة الله وحمده دون سواه، وقيام دوائر الانتماء الإنساني طبقاً للروابط التي حددها، وتفضيل هذه الروابط على العصبيات المختلفة. أما الصنمية فأساسها ثلاثة أصول: الأول" دعّ " الأقوياء للضعفاء؛ أي سلبهم حرياتهم وقهرهم والتسلط عليهم، والثاني سلبهم ممتلكاتهم والاستئثار بمصادر العيش دونهم، والثالث تشكيل عقولهم وإراداتهم ليصبح الدعّ والسلب المشار إليهما جزءاً من معتقداتهم وقيمهم ونظم حياتهم. 2. تزكية البيئة المعرفية: الإنسان مخلوق يعيش ويناضل من أجل اكتشاف معانٍ جديدة، ولذلك يكون المحور الرئيس في تزكية البيئة المعرفية هو تنمية الحرية الفكرية التي تمكن الإنسان من المرابطة عند أطراف الكون المشهود والاجتماع القائم للاجتهاد والتعرف على مجاهيل الكون المغيب والاجتماع المتجدد، ولكن المأساة هي أن الإنسان لا يشعر أن من حقه توليد المعاني الجديدة بعيداً عن موافقة قطيع البشر، مع أن هذه المعاني لا تتولد إلا من الأعماق المبدعة في داخل الفرد، وفي العادة يقف المجتمع من الفرد موقفين متناقضين؛ الأول: الطلب إلى الفرد إنتاج مفاهيم جديدة تبلور معنى الحق والصواب والخير والجمال لمواجهة التحديات والمشكلات التي يواجهها المجتمع، والثاني: مقاومة الأفكار الجديدة خوفاً من زعزعة مألوفاتهم وحياتهم المستقرة، ولذلك لا يوفر نموذج الحرية الذي يطرحه البشر للفرد الفرصة الكاملة لاكتشاف المعاني الجديدة وتوليدها، ولذلك تكون المشكلة التي يواجهها منهاج التزكية في التربية الإسلامية هي تحرير الفرد من تبعية القطيع وتغلبه على ترغيبهم وترهيبهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال تحرر الإنسان من استعباد المعاني والأفكار والقيم والعادات والتقاليد الشائعة بين الآخرين. 3. تزكية البيئة السياسية: للبيئة السياسية دور هام في سلوك الأفراد وعلاقات الجماعات وتشكيل اتجاهاتهم النفسية وأخلاقهم الاجتماعية؛ فإذا اتصفت هذه البيئة بالصلاح والحكمة استقامت الممارسات وصفت الاتجاهات وحسُنَت العلاقات. وأول عناصر البيئة السياسية التي يركز عليها منهاج التزكية هو – العدل – لأن العدل هدف رئيس في الرسالات الإلهية، ومن أجله أنزله الله كتبه وأرشد إلى الميزان ليكون الأداة التنفيذية للعدل في الحياة العملية، وخلق الحديد ليصنع منه السلاح الذي يحرس العدل، ولتقام منه الصناعات التي ترتقي بحياة الناس في مجتمعات العدل؛ لقوله تعالى:" لقد أرسلنا رُسُلَنا بالبيّناتِ وأنزلنا مَعَهُمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ النَّاسُ بالقسطِ وأنزلنا الحديدَ فيه بأسُ شديدُ ومنافعُ للنَّاسِ وليعلمَ اللهُ من ينصُرُهُ ورسُلَهُ بالغيبِ إنَّ اللهَ قويٌّ عزيز "[ الحديد:25 ]، ولقد عرّف ابن تيمية العدل بأنه وضع الشيء في موضعه، وأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه؛ ولذلك كان العدل جماع الحسنات وكان الظلم جماع السيئات. ولا بد لمنهاج التزكية وهو يعمل على تحلية البيئة السياسية بقيم العدل وتطهيرها من قيم الظلم أن يبدأ بتطهير نفوس المظلومين من آثار الظلم وتزيينها بآثار العدل؛ لذلك يحتاج أن يعرف المظلومين ببشاعة الظلم حتى درجة الوعي وأن يدربهم على مقته حتى درجة التقزز والنفور، وأن يوجد لهم أوضاعاً جديدة وممارسات وأنشطة تساعدهم على التخلص من آثار الظلم النفسية والعقلية حتى درجة العافية والنضج الإنساني. وثاني عناصر البيئة السياسية التي يجب تركيز منهاج التزكية عليه هو – الولاء – والأساس في التربية الإسلامية أن تكون الموالاة لله ثم لرسوله والمؤمنين، ومن هذه الموالاة تتفرع موالاة النظم الدائرة في فلك الرسالة الإسلامية؛ وهذه الموالاة تأتي في قمة الإيمان وتطبيقاته، أما ثالث عناصر البيئة السياسية التي يركز عليها منهاج التزكية هو – تنمية الوعي بأهمية التخطيط والإعداد والنظام– في مقابل تطهيرالبيئة من مظاهر الارتجال والفوضى، ويتفرع عن هذه القيم قيم فرعية لا حصر لها، وهي قيم تشكل أبرز مقومات عصر العالمية والعلم الذي جاء الإسلام على أبوابه لترشيد الإنسانية لعبوره. 4. تزكية البيئة الاجتماعية: للبيئة الاجتماعية دور رئيس في تشكيل السلوك الإنساني، وعناصر هذه البيئة متنوعة متقلبة بعضها خيّر يتفق مع أهداف التربية الإسلامية وبعضها يتعارض مع هذه الأهداف. وحين يولد الطفل يكون لديه الاستعداد للتعلم في أي بيئة وأن يصبح عضواً في أي مجتمع، ولكن النماذج الاجتماعية والثافية وعمليات التطبيع الاجتماعي تمده بالاعتقادات والاتجاهات وأشكال السلوك تهيؤه للدور الاجتماعي الذي يلعبه وقيم المجتمع الذي ينشأ فيه، وانطلاقاً من هذه الأهمية التي تتصف بها البيئة الاجتماعية إزاء سلوك الإنسان واتجاهاته احتلت تزكية البيئة المذكورة مكانة هامة في منهاج التزكية في التربية الإسلامية، والمحور الذي تدور حوله تزكية البيئة الاجتماعية هو صيانة " إنسانية " الإنسان من" السَفَه "؛ أي الانتقاص والحفاظ على كرامته التي خصّه الله سبحانه بها وأشار إليها عند قوله:" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطَّيبات وفضَّلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلا "[ الإسراء:70 ]، ومن أجل هذا الهدف يركز منهاج التزكية على تطهير البيئة الاجتماعية من جميع الممارسات والثقافات والنظم وشبكة العلاقات الاجتماعية التي " تسفِّه " أي تنتقص إنسانية الإنسان وتنال من كرامته واستبدالها بتلك التي تصون هذه الإنسانية والكرامة تحت أي ظرف من ظروف الفقر أو الغنى، والضعف أو القوة، والغضب أو الرضى، والحب أو الكره، والصواب أو الخطأ والصلاح أو الانحراف، والسلم أو الحرب، والحياة أو الموت. 5. تزكية البيئة الاقتصادية: للبيئة الاقتصادية أثر رئيس في توفير الطمأنينة للإنسان وفي استقراره واستقامته أو إثارة الاضطراب والقلق في حياته والتسبب في انحرافه فكرياً واجتماعياً ونفسياً، وبسبب هذه الأهمية كان دعاء إبراهيم عليه السّلام إلى الله أن يرزق ذريته التي أسكنها في جوار البيت الحرام من الثمرات وأن يوفر لهم المحبة من الآخرين ليتمكنوا من عبادته وشكره:" ربَّنا إنّي أسكنتُ من ذُرِّيَّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عندَ بيتكَ المحرّم ربَّنا ليقيموا الصَّلاةَ فاجعل أفئدةً من النَّاسِ تهوي إليهم وارزقهم مّنَ الثَّمراتِ لعلَّهم يشكرون "[ إبراهيم:37 ]، والواقع أن المعالجات الاقتصادية تحتل في القرآن والحديث مساحة كبيرة لأن إشباع الحاجات الجسدية هو " الماعون " الذي يعين الإنسان على التفرغ للعبادة والتفكر الموصل إلى اليقين، وأول مظاهر تزكية البيئة الاجتماعية هي تطهير المقررات الدراسية والبرامج الإعلامية والقيم الاجتماعية من- صنمية المال – إذ يلاحظ أن التحذير من الصنمية تركز في القرآن والحديث على التحذير من حب المال حباً يلغي الاستجابة لتوجيهات الله ورسوله. 6. تزكية البيئة الأدبية والفنية: البيئة الأدبية والفنية كالبيئة الاجتماعية تحتاج دائماً إلى التزكية وإعادة النظر في محتوياتها من جيل إلى جيل لتظل مستقيمة مع الأهداف العامة لمنهاج التزكية في التربية الإسلامية ولتطهيرها من مظاهر الانحراف التي تتسرب إليها وتنمية مظاهر الاستقامة المباحة فيها، وأول عناصر البيئة الأدبية والفنية هو الشعر؛ فالشعر شأنه شأن كل وسائل الحياة يحتاج إلى غاية نبيلة يستعمل من أجلها، فإذا لم يرتبط بأمثال هذه الغاية تحول إلى وسيلة لخدمة الأهواء والشهوات، وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى:" والشُّعرآءُ يتَّبِعُهُمُ الغاوون* ألم ترَ أنَّهم في كلِّ وادٍ يهيمون* وأنَّهم يقولونَ ما لا يفعلون* إلاّ الَّذينَ ءامنواْ وعملواْ الصَّالحاتِ وذكرواْ اللهَ كثيراً وانتصرواْ من بعدِ ما ظُلِمواْ وسَيعلمُ الَّذين ظلموآ أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون "[ الشعراء:224-227 ]، وواضح من تفسيرات الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيقات الشعر في زمانه أن المقصود بالذين آمنوا من الشعراء هم الذين يضعون وسيلة الشعر في خدمة الرسالة؛ فإن لم يرتبط الشعر بالرسالة تحول إلى أداة غواية، لذلك يحتاج تزكية نفوس المتعلمين من آثار موروثات الشعر الغاوي وأساليبه في قلب الحقائق والتعمية والتضليل. 7. تزكية البيئة الطبيعية: البيئة الطبيعية هي المحضن الواسع الذي يضم في داخله مختلف البيئات التي مر الحديث عنها، ولذلك كانت تزكية هذا المحضن أمراً ضرورياً لنجاح التزكية في البيئات المذكورة، وتقوم تزكية البيئة الطبيعية على مبدأين اثنين: الأول؛ التعمير، والثاني؛ النظافة. أما عن التعمير فإن من مسؤوليات مناهج التزكية الإعداد لتدريب إنسان التربية الإسلامية على تعمير الأرض وتزيينها بمظاهر الإنجازات الحضارية المختلفة، والتوجيهات القرآنية التي ترشد إلى إعمار الأرض والاستفادة من مواردها كثيرة ومتنوعة وشاملة، ومثلها الأحاديث النبوية الكثيرة التي تبلغ في حثها على العمل لتزكية البيئة الطبيعية من عوامل الفقر والتخلف حداً تدعو إنسان التربية إلى الاستمرار في ذلك حتى إذا قامت القيامة وبيد الزارع فسيلة فليغرسها، ولا شك أن الدلالة العميقة لحديث الفسيلة هو استمرار التعمير وعدم التوقف عن ذلك خلال فترات الاستقرار أو فترات الأزمات ولو تصاعدت هذه الأزمات حتى تبلغ قيام الساعة التي تبدل فيها الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات. أما عن المبدأ الثاني- أي مبدأ النظافة – فيتكامل مع مبدأ التعمير لتشكيل البيئة الطبيعية المزكّاة الراقية، وأهمية هذه النظافة تتصاعد حتى تصبح جزءاً من الإيمان، والحقيقة أن النجاح في تزكية البيئة الطبيعية هو نجاح في تحويل التوجيهات الإسلامية إلى إنجازات حضارية عملية، وبدون هذا النجاح تبقى التوجيهات المذكورة مجرد مُثُل عليا مخزونة في عالم الأفكار دون الأعمال. 8. تزكية الثقافة والتراث: المقصود بالثقافة هنا مجموعة الاعتقادات والأفكار والعادات والأعراف والتقاليد والقيم والمؤسسات والنظم وسائر أشكال العلاقات والممارسات التي تحتوي عليها حضارة ما أو مجتمعات معينة. وإلى لقاء آخر لبيان المزيد من مفهوم التزكية وأساليبها، للراغبين في التوسع والوقوف على مزيد من التفصيلات ينصح بقراءة كتاب: مناهج التربية الإسلامية والمربون العاملين فيها، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |