فلسفة الدفاع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أبو الفتح ابن سيد الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 1446 )           »          ما أحلى سويعات قربك يا أمي!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          دور المسجد في الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          هل تشكو من عصبية زوجك أو ولدك أو جارك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أصحاب الأخدود... عبر ودروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 51 )           »          العُمَران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          إني أحبك أيها الفاروق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          المنهج التربوي وثقافة المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          بين الرأي والحديث.. لماذا وكيف تمذهب المسلمون ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > فلسطين والأقصى الجريح
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-05-2008, 04:54 PM
ابو مصعب المصرى ابو مصعب المصرى غير متصل
مشرف سابق
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
مكان الإقامة: egypt
الجنس :
المشاركات: 2,577
الدولة : Egypt
افتراضي فلسفة الدفاع

من السنن الكونية المدركة بالإخبار (الوحي)، وبالتأمل المنصف (العقل الواعي) سنة "المدافعة"، التي تمثّل إحدى معادلات الكون والحياة. إن الكون في حقيقته، والحياة في فطرتها يقومان على ثنائيات متغالِبة يدفع بعضها بعضاً، فالخير على سبيل المثال والعموم يدفع الشّر، والحق يغالب الباطل، والموت يصارع الحياة، وكذا الأمر بين الإسلام والكفر، والعدل والظلم، و الإعمار والإفساد، والحرية والاستعباد وهلم جرا، وصدق الله العظيم في قوله الحكيم: )فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (سورة البقرة:225
لقد جاءت الآية في سياق التعقيب على صراع نبي الله داود ممثل الخير وداعيته مع "جالوت" زعيم الشر وحامل لوائه كما يفهم من قوله سبحانه )فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) (البقرة:251)
إن قيام الملْك العدْل، وامتلاك الحكمة والعلم أمور ترتبط بشكل أو بآخر بقتال الظلم ودفعه، وكأنه لا حكمة ولا علم ولا ملك مع ترك الظالمين وظلمهم يعدون على المؤمنين،لأن في ذلك الترك إفساد في الأرض. ومن ثم جاء التعقيب الإلهي على قصة القتال الخاصة المحددة بين " داود عيه السلام وجالوت" تعقيباً عاماً يكشف عن حقيقة هامة تقول: إن رفع الإفساد في الأرض بغض النظر عن فاعله لا يكون إلا بدفعه وقتاله وصرْعه، والتغلب عليه. وإن الدفع نفسه، و ما قد يتلوه من علو الحق ورفع للفساد، إنما هو فضل الله على العالمين.
إن آية " الدفع" هذه تنتقل بنا من الخاص إلى العام، لتقرر سنة الله الكونية والحياتية التي تنْظم العلاقات بين مكونات الحياة والكون. هذه العلاقات قائمة على المدافعة والمغالبة، وهي تسكن طرفي المعادلة التي نلخصها عادة بمعادلة (الخير والشر) . وجوهرها يقول : إنْ تخلّفت المدافعة بسبب سكون الخير وأهله، عمّ الفساد والإفساد، و مَلَكَ وحكم واستغلظ واستعصى، وربما تألّه ونادى لنفسه بالربوبية.
إن التوقف عن المدافعة يعنى السكون والاستسلام، ويعنى الإفساد في الأرض حيث يقيم الإنسان حياته وحضارته، ويمارس رحلة الاستخلاف والاختبار والعبادة التي قضاه الله على آدم وذريته. ثم إن هذا "الإفساد" الوارد في آية سورة البقرة بلفظ العموم يشرحه ويفصله الخطاب القرآني الكريم في آية الحج في قوله تعالي: ) وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:41)
فهو إفساد بمعنى الهدم والتدمير للصوامع والبيع والمساجد، وهذه مكونات مادية مكانية تحتوى الإنسان القائم على الصلاة والذكر فيها وفق معادلة الخلق والتكْليف والاستخلاف، غير أن ذكْر الخطاب" للصلاة والذكر" بين المكونات المادية يخبرنا أن غرض الإفساد الأول و الرئيس يتجه إلى هدم "الدين"، وهدم حامله، قبل أن يتجه إلى هدم مكان العبادة والصلاة. غياب المكان: "المسجد أو الصومعة، أو البيعة " لا يمنع المؤمن من القيام بواجبات دينه، وتحقيق معادلة الاستخلاف والعبادة في حياته وفق ما يطلب الشارع الحكيم، ومن ثمّ جاء في الحديث الشريف ما يفيد أن هدم الكعبة المشرفة- على قداستها ومنزلتها- أهون عند الله سبحانه وتعالي من قتل امرئ مسلم ظلماً.
إن حقيقة الإفساد التي يعرفها قادته، والتي تسكن فكرهم وفعلهم، تتجه دوماً إلي المسلم هدماً وقتلاً وتدميراً ، قبل أن تتجه إلى المكان ممثلاً في المسجد أو المؤسسة أو المركز، وإن هدم المسلم يؤول في النهاية إلي هدم الدين ذاته، وإحلال شرْعة الظالم نفسه، بغض النظر عن المصطلحات المعنونة لهذه الشرعة من كفر أو علمانية أو شيوعية، أو غيرها.
إن مِنْ ظَلَمة اليوم المعتدين من يقوم ببناء المساجد والمراكز والمؤسسات ذات العلاقة بالدين، ليظهر أمام الناس وكأنه حارس للدين وخادم له، بينما هو حرب على عمار المساجد والمؤسسات والمراكز الدينية حين يعمرونها على وجه الحقيقة وفق تكاليف الوحي وسنة الأنبياء عليهم السلام، أو قل حين يعمرونها بوعّي وفهم لسنة المدافعة التي نص عليها الخطاب القرآني وحرض عليها، وكشف عن جوهرها وطبيعتها التي يجب أن تتجه إلى رفع الإفساد بمقاتلة الظالم المفسد وردعه عن ظلمه وإفساده.
إن بلاغة الخطاب القرآني تنبهنا إلى طبيعة هؤلاء الظلمة، وإلى ما يخفونه في مخططاتهم وبرامجهم وأنفسهم، حين جمع الخطاب بين المكان والصلاة والذكر في إعلان واضح أن حرب هؤلاء تتجه أصلاً إلى الدين، وإلي الإنسان حامل هذا الدين بالهدم والتدمير قبل أن تتجه إلى المكان بالهدم أو الإغلاق، أو المصادرة، أو منع إقامته ابتداءً، ومن ثّم سَنّ الخطاب في الآيتين للمسلمّ المدافعة وأوجبها عليه حفظاً لدينه ودمه، وتحقيقاً للعدل والحرية، و وممارسة للحياة وفق مقتضيات الوحي والاستخلاف، واستجابة لنداء الأجيال التالية المطالبة بالإسلام والعيش في ظلال الوحي والعدل والحرية
إنه لا خيار للمسلم إن فقه دينه، وفقه الحياة الكريمة، وفقه سنن الله الكونية والحياتية، بين أنْ يمارس المدافعة الرافعة للإفساد، وبين أن يترك دفع الظالمين وإفسادهم في الأرض. لأن إسلام المرء لا يكتمل بغير المدافعة، وإن الحياة الإسلامية الكريمة لا تكون بغير مدافعة الظلم والإفساد، وإنه ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا. ولا تكون الذلّة إلا بعلو الكافر والمنافق والظالم وتحكّمه في رقاب المؤمنين، بل والأدهى من ذلك وأمر أن يتحكم الظالم بدين المؤمنين يقبل منه ما يشاء ويرفض منه ما يشاء، تحكيما لهواه وشرعته.
إنّ آية المدافعة آية كونية وحياتية لمن أراد حياة نبوية رسالية، فمن أعرض عنها، أو غفل عنها، أو قبل بغيرها، فقد بإعراضه الحياة الحرة الكريمة، وضل الطريق الموصل إليها، وهذه في الدنيا لعمرك خسائر فادحة من أجلها تقوم الصراعات والحروب، ولكن خسارته الكبرى التي لا يملك لها عوضاً ما يلحق دينه من هدم وتدمير، يفقد معهما الرضوان والقبول، وهما غاية الحياة وأمنيتها عند كل مسلم صادق؛ ومن ثمّ وهذه خسارة أكبر أن يتوارث الأبناء، وتتوارث الأجيال هذا الهدم، لأن الأباء لم يفعلوا ما يجب لإيقافه ودفعه.
إن آية المدافعة جاءت في سورة البقرة بعد قصة القتال المباشر بين داود عليه السلام وجالوت الظالم المفسد، وكانت النتيجة أن أعز الله داود وأتاه الملك والحكمة والعلم بفضله وكرمه. وإن آية المدافعة في سورة الحج خُتمت بقاعدة عامة وحكمة ربانية شاملة تقول : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: 40) وهذه هي ايضاً تشير إلى قتال مباشر يكون بين من ينصر دينه، ومن يسعى لهدم دينه وقتل أوليائه، ومن ثمّ فإن قوة الله و عزته تتحرك فعلاً وعملاً ونتيجة مع مَنْ يتحرك بالفعل لنصرة دينه وإعزاز شرعه الكريم، وَ مَن تخلف عن الحركة فسكن واستنام فقد القوة والعزة والنصر، وبهذا نعلم أنه لا نصر ولا كرامة ولا حياة إلا بالمدافعة، التي أخذت في الآيتين شكل القتال والدم، وهو أعلى أشكال المدافعة التي لا يحصى لأشكالها المحصون عدّاً ولا حصراً.
وما يؤكد هذه المعاني ويعززها أيضاً قول الحق للمنتصرينالَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)(الحج:41)
فالنصر والتمكين في الإسلام لا يكون بمجرد هزيمة الظالمين المفسدين وحسب، بل يكون فيما يتلو ذلك، وهو إقامة دين الله وتحكيم شريعته التي تتجسد عملياً بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهنا لم يذكر الخطاب القرآني بناء المسجد أو الصومعة في ملفوظ الخطاب، لنعلم- والله أعلم- أن إقامة الدين والصلاة والذكر هو الغاية والهدف، وأن المكان ليس إلا إطارا أو أداة تعين على هذا الذكر، فإن توفر المكان فبها ونعمت، وإن غاب فلا يجب أن يغيب بغيابه الذكر والصلاة والدين.
إن الخطاب القرآني يهيل التراب على من يتظاهرون بإقامة دين الله من خلال بناء المساجد أو نشر المصاحف أو تحسين الخدمات في المناسبات الدينية،وحسب وإن وإنه كانت هذه أشكال مطلوبة، لكنها في مفهوم إقامة الدين وإعادة الإسلام إلي الحياة قائداً وحاكماً لا تساوي شيئا كبيراً، لا سيما إذا صاحبها في الخفاء ملاحقة لدعاة الله، والمجاهدين في سبيله بالقتل والاعتقال تحت دعاوى كاذبة متعددة الألوان والمسميات.
إن تحقق التمكين في الأرض لا يتحصل عليه المسلم إلا بعد المدافعة الواعية المتسننة بسنن الأنبياء والخلفاء والصالحين. وإن النصر والتمكين حين تحققهما بالمدافعة هما في الأساس والجوهر تفضل من الله وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)(البقرة: 251). وإن بقاء التمكين واستمراره لا يكون إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. وتلكم واجبات الشكر على تفضل الله ومنّه على المدافعين بالنصر والتمكين، فإن تخلف الشكر، تخلف التمكين وتراجع، وهنا تعود للظالمين الكرة والسطوة، وهكذا هي الحياة دواليك.
إنه لم يغب" التمكين" عن الأمة الإسلامية تاريخياً إلاّ بعد غياب المدافعة، وتخلف التفضل الرباني عليها. إنه بسبب هذا الغياب وما يصاحبه من نقض أبناء الإسلام لدين الله عروة عروة ، بدءا بالحكم الذي استقر على واقع علماني فاسد، وهانحن اليوم نعايش آخرها مع من لا يصلون من قادتنا وحكامنا وأبنائنا .
إن توقف" المدافعة" بمفهومها الرسالي في عصرنا كشف عن تناقض خطير مع سنن الله الكونية والحياتية، وكان من نتائجه إفساد دين الأمة وفساد حياتها، وتسلط جالوت وأمثاله من اليهود والصليبين عليها ، فاغتصب اليهود فلسطين، وتحكم الأمريكان والغرب بالمنطقة العربية والأمة الإسلامية، من خلال سيطرتهم على حكامها وقادتها، فنزعوا من بين يديها دينها ومصادر عزتها وكرامتها.
إن تقاعد الأمم السالفة عن نصرة دين الله وعن المدافعة أداة التمكين استدعى لها فيما تقدم خسفاً وتدميراً ، حدث ذلك مع قوم نوح وعاد وثمود وفرعون عقاباً لهم، واعتباراً لمن خلفهم، غير أن الله الكريم سبحانه رفع الخسف والإهلاك كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم، واستبقى قاعدة العقاب حية تلاحق من تخلف عن نصرة دينه وترك مدافعة الظالمين، وقد تجسدت هذه القاعدة بتسليط الشعوب والأمم بعضها على بعض، كما في حال اليهود وغصبهم لفلسطين، أو بتسليط القادة الفجرة المتجبرين على أممهم يسمونها سوء العذاب، يفسدون عليهم حياتهم ودينهم وآخرتهم. إن الذلة والمهانة، والفساد والإفساد، والضعف والتخلف، والتبعية وقلة الحيلة، والفشل والهزيمة، التي تسكن الوطن العربي والإسلامي هي النتاج الطبيعي لترك سنة المدافعة، وبالذات في شكلها القوي القائم على القتال وإراقة الدم في سبيل الله. وحين يصبح دين الله أغلي من الدم ومن الحياة ستتغير الوقائع وترتفع المذلة والهزيمة.
إن ظاهرة الشهادة والاستشهاد التي تحياها الأرضي الفلسطينية المحتلة تمثل جزءاً مهما من هذه العودة الحكيمة المنتظرة، التي تحكي أن شعباً مظلوماً بدأ يستيقظ على حقائق الكون والحياة والمدافعة كما أرادها الوحي، لا كم يريدها عبّاد الدنيا وتجار القضية، وأنه بدأ يدرك أن دين الله أغلي من الدم والنفس، وأنه جدير بإهراق الدم وتفتيت الجسد، وأن المدافعة التي عرّفوها بخيار المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق، أو لنقل لإعزاز دين الله ورفع رايته، ثم تحقيق الحياة الكريمة الحرة، وهذا ما سنقف معه بعد حديثنا عن الحياة والشهادة في الإسلام.
فلسفة الحياة في الإسلام:
إن للحياة في الإسلام فلسفة متميزة قوامها الإيمان والعزة والحرية وما شاكل ذلك من معانٍ ، وهذا الجانب من تلك الفلسفة يَعْرفه العامة من المسلمين ممن هداهم الله إلى دينه وأرشدهم إلى اتباع نبيه ، ولكن ما يعرفة خاصة المسلمين ، أو لنقل خاصة الخاصة من المسلمين ممن رزقهم الله البصيرة مع البصر ، وأرشدهم إلى رؤية متكاملة راشدة ، ترتكز على كليات الإيمان والحياة الرسالية ، فإنهم يرون أن الحياة الكاملة الجديرة بالاحترام والتقدير لا تكتمل إلا بالشهادة والاستشهاد ، ذلك لأن الإيمان نفسه والحرية والعزة وما شاكلها من المعاني لا تتجسد واقعاً في حياة الفرد ، أو في حياة الأمم ، وبالذات حين ظهور الأعداء واغتصابهم للأرض الإسلامية ، وعدوانهم على الله ودينه وأوليائة- إلا بالشهادة والاستشهاد ولهذا الاعتبار قيل في الشهداء إنهم أحياء عند ربهم يرزقون نافياً عنهم الموت ومحذراً المخالفين حتى على مستوى اللفظ قبل تحذيرهم على مستوى الفهم فقال : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتٌ ، بل أحياء ولكن لا تشعرون " (سورة البقرة154 ) ، وقال " ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون " (آل عمران169 )
ولأن الشهداء أحياء بلفظ الخطاب القرآني في كيفية يعلمها الله ونجهلها، أو نجهل طبيعتها وكيفيتها نحن ، ولا بأس في ذلك ، ففي الخطاب القرآني كفاية إعلام وإخبار لنا تغني في البحث عن الكيفية وعن الصفة التي نعلم أنها بلغت فيها اللذة والنعمة مبلغاً لا يبلغه الناس في الحياة وإن علت في نعيمها وعطائها ورفاهيتها ، وهذا ما يخبرنا به الشهداء أنفسهم حين يتمنون مع أول دفقة دم من دمائهم على الله أن يعيدهم إلى الحياة ليعودوا إلى القتال والشهادة مرة أخرى ، ولا يكون ذلك التمني إلا لشيء أحسوا به وذاقوا لذته ، على نحو لم يحسوا به أو يتذوقوه في الدنيا وهم أحياء بين ذويهم وأحبابهم .إن تلكم الرؤية التكاملية لفلسفة الحياة في الإسلام ، لا تدركها الثقافات الغربية والتحليلات السياسة، ولا يدركها بعض أبناء المسلمين ممن وقفوا بسواحل الرؤية الإسلامية ، والفهم المتكامل للإسلام ، وأخذوا يتابعون الغربيين في بعض أقوالهم ومفاهيمهم ، وأعرضوا عن جواهر دينهم الناطقة بالحق الصادقة في الإرشاد والتوجيه
الدين في الإسلام قبل الحياة ، ومصيبة المرء في دينه أعظم من مصيبته في نفسه وولده وماله ، فإنّ تًلف النفس والمال والولد لا يضر المسلم في شيء ، بل قد يترتب عليه حسن الجزاء والجنة ، ولكن تلف المرء في دينه يمثل الخسارة التي لا يعوضها المال ولا الولد ولا الملك ولا الحكم . وإعراض المسلم عن الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن دينه ، فيه تلف لدينه أولاً ثم لمكونات الحياة الكريمة ثانياً
وإن وقوف القادة والحكام بين المسلم وطلبه للشهادة يزودونه عنها لا لسبب غير أن خيارهم الاستراتيجي صار السلام مع العدو ؟! والتعايش مع ما اغتصبه وكأنه واقع لا مفر منه ؟! فيه إتلاف لدينهم أولاً ، ثم لدين الأمة ثانياً ، مع أن مسئوليتهم الأساس هي حراسة الدين وسياسة الرعية ، فلا هم بأفعالهم أدوا الحراسة ولا قاموا بالسياسة ، بل إنهم قد يلحقوا بركب المعتدين الظالمين حين يستنكروا على الشهداء أفعالهم باسم السياسة، أو المصلحة، أو عدم ملائمة الظرف . إنّ أقوالهم هذه لا تضير الشهداء ولا تنقص من منزلتهم ، وإن كان فيها تثبيط لمن خلفهم ، ومخالفة صريحة لوحي ربهم ، ومتابعة الظالمين متابعة تفسد دنياهم وآخرتهم
رفع الله سبحانه وتعالى منزلة الشهداء فأسكنهم من الجنة الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين ، وهذه مرتبة عالية جديرة بالتأمل والاعتبار . فلِم استحقوا ذلك ؟ ونحن نعلم أن النبوة اصطفاء واختيار إلهي كريم يخص به الله عبداً من عباده دون الآخرين ، وينزل عليه وحيه ، ويستأمنه على أداء رسالته إلى خلقه
إن عدد الأنبياء والرسل، وإن كَثُر في العدّ والإحصاء عند بعض العالِمين، إذا قيس بعدد الشهداء في الفترة نفسها كان قليلاً . وبعبارة أخرى إنّ عدد الشهداء موزع في الأقوام والأجيال ،وهم موزعون على الأعمار فمنهم الطفل والشاب ، ومنهم الكهل وكبير السن ، ومنهم الرجل والمرأة ،منهم القائد والجندي وجميعهم عند تحصّلهم على قبول الله في الفردوس الأعلى مع الأنبياء ، فهل هذا يعني أن في الشهادة جزءاً صالحاً من النبوة؟! ، وإن رفع منزلة الشهيد إلى تلك المنزلة النبوية السامقة جدير بالتأمل!! جدير بأن نسعى إلى الكشف عن هذا الجزء النبوي المتألق أو الكامن في الشهادة ما هو؟ وكيف يكون؟
إن النبوة اصطفاء واختيار لصاحب الاصطفاء المطلق ، والاختيار المطلق، الذي لا يُسأل عما يفعل وبارك الله فى جميع كتائب الجهاد فى فلسطين والعراق
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.34 كيلو بايت... تم توفير 1.61 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]