|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مثل الكلب ! قال الله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الأعراف / 175-177 . المشهور في سبب نزول هذه الآيات أنَّ رجلاً من المتقدمين في زمن بني إسرائيل آتاه الله – سبحانه – عِلم الكتاب ، فصار عالماً كبيراً ، وحَبْرَاً نِحْريراً ، لكنه انسلخ من هذا العلم ، ونبذ كتاب الله وراء ظهره ، فتسلّط عليه الشيطان ، ودفعه إلى المعاصي دفعاً ، فأصبح من الغاوين ، بعد أنْ كان من الراشدين المُرشدين ، ففعل ما يقتضي الخذلان والهوان ، فخذله الله – تعالى – وأوكله إلى نفسه ، فاتَّبَع هواه ، وترك طاعة مولاه ، وباع دينه بدنياه ، فمثله في شدة حرصه على الدنيا ، وانصراف قلبه إليها كمثل الكلب لا يزال لاهثاً في كل حال إنْ حملتَ عليه ، أو تركته . وهذا حال كل مَن آتاه الله العلم والإيمان ، فتَنَكَّبَ عن الصراط ، ولم ينتفع من ذلك بشيء ، فَسَاء وقَبُحَ مثلُ مَن كذَّبَ بآيات الله وظلم نفسه بأنواع المعاصي . وفي الآيات السابقة ترغيب في العمل بالعلم ، وترهيب من تركه واتِّّباع الشيطان والهوى ، نعوذ بالله من الهوان والخذلان . البعث والنشور قال الله تعالى : (( :أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) )) ، يس : 77-79 .المشهور في سبب نزول هذه الآيات أنَّ الإنسان الذي عُني هنا هو : أُبيّ بن خَلف ؛ إذ جاء إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام – وفي يده عظم رميم ، وهو يفُتّه ويَذروه في الهواء ؛ ويقول : يا محمد ! أتزعمُ أنّ الله يبعث هذا ؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " نعم ! يبعث الله هذا ، ثم يُميتك ، ثم يُحييك ، ثم يُدخلك نار جهنم " . وقيل : نزلت في العاص بن وائل ؛ حيث أخذ عظماً من البطحاء فَفَتّه بيده ؛ ثم قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - : أَيُحيي الله هذا بعد ما أرى ؟ فقال رسول الله – عليه الصلاة والسلام - : " نعم ! يُميتك الله ، ثم يُحييك ، ثم يُدخلك جهنم " . وسواء نزلت الآيات في أُبيّ بن خلف ، أو في العاص بن وائل ، أو فيهما ؛ فهي عامّة في كلّ مَن أنكر البعث والنُّشور على مرّ الأزمان والعصور ، وسيُقنون بمصيرهم المحتوم حينما يُوضعون في القبور . شادي السيّد خشوع القلوب قال عَزَّ مِن قائل في كلامه الطائل : ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) )) ، الحديد – 16 ، المشهور في سبب نزول هذه الآيات ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود – رضي الله عنهما – قال : " ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين " . وقال ابن عباس – رضي الله عنهما - : " إنَّ الله استبطأ المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن " . وقيل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، ورُوي أنَّ المِزاح والضحك كثُر في أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – لمّا ترفهوا بالمدينة ؛ فنزلت الآية .ومعناها : ألم يَحِنْ للذين صدَّقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم عند الذكر والموعظة وسماع القرآن ، فتفهمه وتنقاد له ، وتسمع له وتُطيعه ، ولا يسلكوا سبيل اليهود والنصارى ؛ فقد أُعطوا التوراة والإنجيل فطالت الأزمان بهم فقست قلوبهم ، فاخترعوا كتاباً من عند أنفسهم ، فاستحقوا غضب الله ونقمته . جعلنا الله – بفضله وبرحمته – ممّن يقولون بلسان حالهم قبل مقالهم : " بلى يا ربُّ قد آنَ " وهدانا إلى صراط المؤمنين الموحّدين ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين ، اللهمّ آمين . شادي السيّد شراءُ النَّفْسِ في سبيل الله قال الله تعالى : ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)) ، البقرة : 207 .المشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنها نزلت في صُهَيْب بْن سِنَان الرُّومِيّ - رضي الله عنه - ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ بِمَكَّة ، وَأَرَادَ الْهِجْرَة ليلحق بالنبي – عليه الصلاة والسلام - مَنَعَتهُ قريشٌ أَنْ يُهَاجِر بِمَالِهِ ، وَإِنْ أَحَبَّ فعليه أَنْ يَتَجَرَّد مِنْهُ وَيُهَاجِر ، ففَعَلَ ليَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ ، وَأَعْطَاهُمْ مَاله ؛ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ هَذِهِ الْآيَة ، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب – رضي الله عنه - ، وَجَمَاعَةٌ إِلَى طَرَف الْحَرَّة في المدينة النبوية ؛ فَقَالُوا لَهُ : رَبِحَ الْبَيْعُ . فَقَالَ : وَأَنْتُمْ فَلَا أَخْسَرَ اللَّهُ تِجَارَتكُمْ ، وَمَا ذَاكَ ؟ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة . وَيُرْوَى أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ : " رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْب ". ولا يَمنعُ أنها نزلتْ فِي كُلّ مُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( إِنَّ اللَّهَ اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ )) . فللهِ دَرُّك يا صهيب ! شَرَى نفسَه طلباً لرضوان الله - تعالى - هكذا تكون التضحية ، وإلا فلا ! هذا صُهيبٌ ، وهذا فِعلُه قد غَدَا قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ؛ فماذا قدّمنا نحن طلباً لمرضات الله سبحانه ؟ وماذا بذلنا من أموالنا ، وأنفسنا ، وأوقاتنا لنصرة دين الله – تعالى – في زمن الغُربة التي أفقدت كثيراً من المسلمين توازنهم ، وزلزلت كِيانهم ، وشَوَّهَتْ أفكارهم ؛ إلا مَن رَحِم ربي ؟ اللهمّ استرنا ولا تفضحنا ، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا . شادي السيّد ألا تُحِبُّون مغفرة الله قال الله تعالى : ((وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) ، النور: 22 .المشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنها نزلت في أَبِي بَكْر الصديق ، وَمِسْطَح بْن أُثَاثَة - رضي الله عنهما - ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قريباً لأبي بكر ، وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْمَسَاكِين الذين شهدوا غزوة بدر ، وَكَانَ أَبُو بَكْر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - يُنْفِق عَلَيْهِ لِمَسْكَنَتِهِ ، وَقَرَابَته ; فَلَمَّا وَقَعَ أَمْرُ (الإِفْك) ، وَقَالَ فِيهِ مِسْطَح مَا قَالَ , حَلَفَ أَبُو بَكْر ألاَّ يُنْفِق عَلَيْهِ ، وَلا يَنْفَعهُ بِنَافِعَةٍ أَبَدًا , فَجَاءَ مِسْطَح فَاعْتَذَرَ . ورُوِيَ فِي الصَّحِيح أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ : " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بالإفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ " الآيات ؛ قَالَ أَبُو بَكْر : " وَاَللَّه لا أُنْفِق عَلَيْهِ شَيْئًاً أَبَدًا – يعني مِسْطحاً - بَعْد الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ " ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : ((وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة)) إِلَى قَوْله : ((أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِر اللَّه لَكُمْ)) ; فَقَالَ أَبُو بَكْر : " وَاَللَّه إِنِّي لأُحبُّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي " ; فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ يُنْفِق عَلَيْهِ ، وَقَالَ : " لا أَنْزِعهَا مِنْهُ أَبَدًا " . وهذه الآية عامّة لكل الأمة إلى قيام الساعة . فيا سبحان الله ! إذا كان هذا لطف الله – تعالى – بالقَذَفَة العُصاة الفقراء ، فما بال أقوام يحرمون أقاربهم الأتقياء الأنقياء ممّا آتاهم الله من فضله ! اللهمّ ارزقنا غنىً لا يُطغينا ، وصحةً لا تُلهينا ، واجعلنا من المنفقين المحسنين . شادي السيّد لا تُزَكوا أنفسكم قال الله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) ، النساء : 49 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حِين قَالُوا : ((نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)) ، وَفِي قَوْلهمْ : (( لَنْ يَدْخُل الْجَنَّةََ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى )) ، وكَانُوا َيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لا ذُنُوب لَهُمْ ، وقولهم : " آباؤنا سَيشفعونَ لنا ويُزكّوننا " ، وقد ذكرَ أهلُ العلمِ أنها نزلت في ذَمّ التَّمَادُح ، وَالتَّزْكِيَة ، وأنَّ لفظ الآيةِ عَامّ فِي ظَاهِره ، وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ الْمِقْدَادِ بْن الأسْوَد قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَحْثُو فِي وُجُوه الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رأى رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُل ؛ فَقَالَ : " وَيْحكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبك " ، ثُمَّ قَالَ :" إِنْ كَانَ أَحَدكُمْ مَادِحًا صَاحِبه لا مَحَالَة ؛ فَلْيَقُلْ : أَحْسَبهُ كَذَا ، وَلا يُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا " ، ولذلك قال الرَّبُّ – جَلَّ ثَناؤه : ((بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاء)) ، وقال في آيةِ النَّجْمِ : ((فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اِتَّقَى)) ، فَإِنَّهُ تَكْذِيبٌ مِنْ اللَّهِ للْمُزَكِّينَ أَنْفُسهمْ مِنْ الْيَهُود ، وَالنَّصَارَى ، وغيرهم ؛ أَيْ الْمَرْجِع فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، لأنَّهُ أَعْلَم بِحَقَائِق الأمُور ، وَغَوَامِضهَا ، فَلْيَحْذرِ المسلمُ مِن تزكيةِ نفسه ، أو الاغترار بعمله ، أو مَدحِ الناسِ وتزكيتهم دونَ حاجةٍ ، أو مَقصدٍ شرعيّ ، والقَصْدُ والتوسط في الأمور خير . اللهمَّ زكِّ نفوسنا ، وطَهِّر قلوبنا ، ولا تؤاخذنا بما يقولُ الناسُ عنّا ، واجعلنا عندكَ خيراً ممّا يقولون . شادي السيّد القَوْلُ على اللهِ بِلا عِلْم قال الله تعالى : ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ)) ، الحج : 8 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في النَّضْر بْن الْحَارِثِ من بَني عَبْدِ الدَّار ، وعليه أغلبُ المفسرين ، وَقَدْ قِيلَ : نَزَلَتْ فِيهِ بِضْع عَشْرَةَ آيَة ؛ وذلك أنه أنكرَ البعثَ ، والنُّبوّة ، وكان من قولهِ : " الملائكةُ بَناتُ الله " ، تعالى اللهُ عمّا يقولُ الكافرون عُلوّاً كبيراً ، فهو – أي النَّضْرُ – قد زَعَمَ ما قاله َبِغَيْرِ بَيَان مَعَهُ لِمَا يَقُول وَلا بُرْهَان ، وَبِغَيْرِ كِتَاب مِنَ اللَّه أَتَاهُ لِصِحَّةِ مَا يَقُول ، وَإِنَّمَا يَقُول مَا يَقُول مِنَ الْجَهْل ظَنًّاً مِنْهُ وَحِسْبَانًا ، بِِلا عَقْل صَحِيح ، وَلا نَقْل صَرِيح بَلْ بِمُجَرَّدِ الرَّأْي وَالْهَوَى ، وهذا حالُ الضُّلاّل الجُهَّال المُقَلِّدين في كل زمانٍ ومكانٍ ، فتراهم يَهْرِفون بما لا يَعْرفون ، ويقولون ما لا يَفْقَهون ، فَسَاءَ ما يَصنعونَ . وَحَريٌ بالمسلمِ أن يَنْأى بنفسه عن القولِ على الله بلا عِلْم يُرشده ويَهديه ؛ فذاك من أعظم المُحَرَّمات ، ولهذا حَذّرنا ربنا – تَقَدَّستْ أسماؤه – بقوله : ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ، النَّحل : 116-117 . اللهمَّ عَلّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا . شادي السيّد جزاءُ التكذيب بآيات الله قال الله تعالى : ((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17))) ، المدثر : 11-17 . المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيات الكريمات أنها نزلتْ في الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة الْمَخْزُومِيّ , وَإِنْ كَانَ النَّاس خُلِقُوا مِثْل خَلْقه . وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لاخْتِصَاصِهِ بِكُفْرِ النِّعْمَة ، وَإِيذَاء الرَّسُول – صلى اللهُ عليه وسلّم - , وَكَانَ يُسَمَّى – أي : الوليد - الْوَحِيد فِي قَوْمه . قَالَ اِبْن عَبَّاس – رضي الله عنهما - : " كَانَ الْوَلِيد يَقُول : أَنَا الْوَحِيدُ بْن الْوَحِيد , لَيْسَ لِي فِي الْعَرَب نَظِير , وَلا لأبِي الْمُغِيرَة نَظِير" , وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيد ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : (( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْت " بِزَعْمِهِ " وَحِيدًا   ![]()
__________________
![]() ![]() |
#2
|
||||
|
||||
![]() حرص اليهود على الدنيا قال الله تعالى : ((وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) ، البقرة : 96 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في اليهود ؛ فهم أشدّ الناس حرصاً على الحياة في الدنيا ، وأشدّهم كراهة للموت ، والخطاب في الآية للنبي محمد – صلى الله عليه وسلّم - : وَلَتَجِدَنَّ - يَا مُحَمَّد - الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَحْرَص النَّاس عَلَى حَيَاة وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَإِنَّمَا وَصَفَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْيَهُود بِأَنَّهُمْ أَحْرَص النَّاس عَلَى الْحَيَاة لِعِلْمِهِمْ بِمَا قَدْ أَعَدَّ لَهُمْ فِي الآخِرَة عَلَى كُفْرهمْ بِمَا لا يُقِرّ بِهِ أَهْل الشِّرْك , فَهُمْ لِلْمَوْتِ أَكْرَه مِنْ أَهْل الشِّرْك الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ ; لأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ , وَيَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ هُنَالِكَ مِنْ الْعَذَاب , وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ , وَلا الْعِقَاب . ووقائع التاريخ في كل عصر ومِصْرٍ شاهدة على ذلك ، وأنَّ (يهود) من أجبن البشر ، وأحرصهم على حياة ، لكن لمّا ابتعد المسلمون عن دينهم سلَّط الله عليهم أحقر أُمم الأرض – وهم اليهود – وها هم يقتّلون إخواننا في فلسطين ، ولبنان ، والعراق ، وغيرها ، ويعيثون في الأرض فساداً ، والله – سبحانه - لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالهمْ , بَلْ هُوَ بِجَمِيعِهَا مُحِيط وَلَهَا حَافِظ ذَاكِر حَتَّى يُذِيقهُمْ بِهَا الْعِقَاب جَزَاءَهَا . اللهمّ عَجّل بنصر إخواننا في فلسطين ، ولبنان ، والعراق ، وأَرِنَا في (يهود) يوماً أسودَ تشفي به قلوب قوم مؤمنين . شادي السيّد وفاء المؤمنين قال الله تعالى : ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)) ، الأحزاب : 23 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في أنس بن النَّضْرِ ، وغيره من أصحابه – رضي الله عنهم جميعاً - ؛ فقد َرَوَى الْبُخَارِيّ ، وَمُسْلِم ، وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : " قَالَ عَمِّي أَنَس بْن النَّضْر : سُمِّيت بِهِ . وَلَمْ يَشْهَد بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبُرَ عَلَيْهِ فَقَالَ : أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غِبْت عَنْهُ , أَمَا وَاَللَّه لَئِنْ أَرَانِي اللَّه مَشْهَدًا مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَعْد لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَعُ . قَالَ : فَهَابَ أَنْ يَقُول غَيْرهَا , فَشَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْم أُحُد مِنْ الْعَام الْقَابِل , فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْد بْن مَالِك فَقَالَ : يَا أَبَا عَمْرو أَيْنَ ؟ قَالَ : وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّة ! أَجِدهَا دُون أُحُد , فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , فَوُجِدَ فِي جَسَده بِضْع وَثَمَانُونَ مَا بَيْن ضَرْبَة وَطَعْنَة وَرَمْيَة . فَقَالَتْ عَمَّتِي الرُّبَيِّع بِنْت النَّضْر : فَمَا عَرَفْت أَخِي إِلا بِبَنَانِهِ . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة " . ومعنى الآية : أَيْ مِنْهُمْ مَنْ بَذَلَ جُهْده عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِهِ حَتَّى قُتِلَ , مِثْل حَمْزَة ، وَسَعْد بْن مُعَاذ ، وَأَنَس بْن النَّضْر وَغَيْرهمْ – رضي الله عنهم - ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر الشَّهَادَة ، وَمَا بَدَّلُوا عَهْدهمْ وَنَذْرهمْ ، وَمَا غَيَّرُوا عَهْد اللَّه وَلا نَقَضُوهُ وَلا بَدَّلُوهُ . وهذا شأن المؤمنين الخُلّص في كل مكان وزمان ، يصبرون على الشدائد ، ويثبتون عند الفتن ، جعلنا الله – بفضله وكرمه – منهم ، وحشرنا في زمرتهم . شادي السيّد المصائب من عند أنفسنا ! قال الله تعالى : ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ، آل عمران : 165 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في المسلمين الذين شهدوا غزوة أُحُد ، وذلك حين ابتُلوا بقتل سبعين مِن خِيارهم يوم أُحُد – رضي الله عنهم – بخلاف الجرحى ، وأُصيب النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – في هذه العركة ؛ وما ذاك إلا لأنهم خالفوا أمرَ الله – تعالى – وعصوا نبيّه – عليه الصلاة والسلام – فكانت المصيبة يوم أُحُد ، ولمّا تعجبوا وقالوا : " أنَّى هذا " وَمِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا , وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , وَهُمْ مُشْرِكُونَ , وَفِينَا نَبِيّ اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , يَأْتِيه الْوَحْي مِنْ السَّمَاء , وَعَدُوّنَا أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَشِرْك ؟! جاءهم الجواب من الرّب – سبحانه - : ((قل – لهم يا محمد – هو من عند أنفسكم)) ، بسبب ذنوبكم ، ومخالفتكم أمر نبيكم ، وترككم طاعته في هذا اليوم ، لا من عند غيركم ، ولا من قِبَل أحد سواكم . فيا رحماك يا رب ! إذا كان هذا البلاء نزل بالمسلمين يوم أُحُد بسبب مخالفتهم للنبيّ ، والنبيّ – عليه الصلاة والسلام – بين أظهرهم ، وهم في خير القرون ، ويقاتلون في سبيل الله – تعالى - ، فكيف بنا اليوم نرجو نصراً على عدونا ، وقد عصينا أمر ربنا ، وابتعدنا عن ديننا ، وقاتل بعضنا تحت رايات جاهلية ! ثم نقول بعد ذلك – كما قال الأولون - : " أنَّى هذا " ؟! فكلُ ذلك – وربّ الكعبة – بذنوبنا ، ومعاصينا ، وفرقتنا ، وتشرذمنا إلى شيع وأحزاب ، كلُّ حزب بما لديهم فرحون ، وكلٌّ يدّعي وصلاً بالدين ، وبهدي سيد المرسلين ! اللهمَّ ردَّ المسلمين إلى دينك ردَّاً جميلاً ، واجمع كلمتهم تحت راية التوحيد ، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ، اللهمَّ آمين . شادي السيّد وجوب طاعة الله والرسول قال الله تعالى : ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)) ، الأحزاب : 36 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ زَيْنَب بِنْت جَحْش الأَسَديّة – رضي الله عنها - , وَكَانَتْ بِنْت عَمَّته , فَظَنَّتْ أَنَّ الْخِطْبَة لِنَفْسِهِ , فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدهَا لمولاه زَيْد بن حارثة – رضي الله عنه - , كَرِهَتْ وَأَبَتْ وَامْتَنَعَتْ , فَقَالَتْ : " لَسْت بِنَاكِحَتِهِ : أَنَا خَيْر مِنْهُ حَسَبًا " ، وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِيهَا حِدَّة ؛ فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " بَلَى ! فَانْكِحِيهِ " ، قَالَتْ : " يَا رَسُول اللَّه ! أُؤَامَر فِي نَفْسِي ؟ " فَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الآيَة عَلَى رَسُوله – عليه الصلاة والسلام - فَأَذْعَنَتْ زَيْنَب حِينَئِذٍ وَتَزَوَّجَتْهُ ، وهذا شأن جميع الصحابة – رضي الله عنهم – في طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم - . ومعنى الآية : لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَة إِذَا أَمَرَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وَرَسُوله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ أَنْ يَعْصِيَاهُ ، وهَذِهِ الآيَة عَامَّة فِي جَمِيع الأُمُور ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا حَكَمَ اللَّه وَرَسُوله بِشَيْءٍ فَلَيْسَ لأحَدٍ مُخَالَفَته ، وَلا اِخْتِيَار لأحَدٍ هَاهُنَا وَلا رَأْي ، ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ ضَلَّ ، وَجَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَسَلَكَ غَيْرَ سَبِيل الْهُدَى وَالرَّشَاد . وهذه الآية من آيات البلاء ، والامتحان ، والتمحيص ؛ حيث إنها تضع المؤمن على المحك الحقيقي لإيمانه ليتميز الصادق من الدَّعِي ، والكيّس من العاجز ، وتكشف حقيقة الإيمان عندما يصطدم أمر الشرع مع هوى النفس ، وعندما يكون أمر الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - في كِفة ، وحظوظ النفس وشهواتها في كفة. اللهمَّ اجعل أهواءنا تَبعاً لما أمرت به ، وارزقنا الصدق في القول والعمل . شادي السيّد سبحان الذي وسع سمعه الموجودات قال الله تعالى ، في مطلع سورة المجادلة :{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }المجادلة1 المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنّها نزلت في خَوْلة بنت ثعلبة ، والتي جاءت تشكي زوجها أَوْس بن الصامت – رضي الله عن الصحابة جميعاً – إلى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - ؛ فقد روى البخاريّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعه الأصْوَات , لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَة تَشْكُو إِلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَأَنَا فِي نَاحِيَة الْبَيْت مَا أَسْمَع مَا تَقُول , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : (( قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا)) " . وفي رواية عند أصحاب السُّنن : " تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُه كُلّ شَيْء , إِنِّي لأسْمَع كَلام خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضه , وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجهَا إِلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَهِيَ تَقُول : يَا رَسُول اللَّه ! أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْت لَهُ بَطْنِي , حَتَّى إِذَا كَبِرَ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي , اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ! فَمَا بَرِحْت حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيل بِهَذِهِ الآيَة : " ، ويُروى أنَّ خولة التقت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو يسير مع الناس فَاسْتَوْقَفَتْهُ فَوَقَفَ لَهَا وَدَنَا مِنْهَا وَأَصْغَى إِلَيْهَا رَأْسه ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتهَا وَانْصَرَفَتْ فَقَالَ لَهُ رَجُل : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ حَبَسْت رِجَالات قُرَيْش عَلَى هَذِهِ الْعَجُوز ؟! قَالَ : وَيْحك وَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ : لا ! قَالَ : هَذِهِ اِمْرَأَة سَمِعَ اللَّه شَكْوَاهَا مِنْ فَوْق سَبْع سَمَوَات ؛ هَذِهِ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة ، وَاَللَّه لَوْ لَمْ تَنْصَرِف عَنِّي إِلَى اللَّيْل مَا اِنْصَرَفْتُ عَنْهَا حَتَّى تَقْضِي حَاجَتهَا إِلَى أَنْ تَحْضُر صَلاة فَأُصَلِّيهَا ثُمَّ أَرْجِع إِلَيْهَا حَتَّى تَقْضِي حَاجَتهَا . وأصل (الظِّهَار) أن يقول الرجل لامرأته : " أنتِ عليّ كظهر أمي " ؛ أي : كحرمة ظهر أمي ، وهو حرام لا يجوز الإقدام عليه ؛ لأنه كما أخبر الله عنه منكر من القول وزور وكلاهما حرام ، فإذا أمسك الرجل زوجه فلا يقربها حتى يُكفّر كفارة ظهار وهي كما قال تعالى : ((فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا)) ، والظهار كان طلاقاً في الجاهلية فقرر الشرع أصله ، ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة غير مزيل للنكاح ، فعلى المسلم أن يحفظ لسانه ، فهو أصل البلايا والرزايا ؛ وقديماً قالوا : ما مِن شيء أحوج إلى طول حبسٍ من لسان ! اللهمّ احفظ ألسنتا أن نقول زوراً ، أو أن نغشى فجوراً . شادي السيّد تمكين الكفار في الأرض قال الله تعالى : ((لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) ، آل عمران : 196-197 .المشهورُ في سببِ نزولِ هاتين الآيتين الكريمتين ؛ أنَّ الخطاب فيهما للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – والمراد : الأمة ؛ وذلك أنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : هَؤُلاءِ الْكُفَّار لَهُمْ تجارة ، وَأَمْوَال فِي الْبِلاد , وَقَدْ هَلَكْنَا نَحْنُ مِنْ الْجُوع ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية . أَيْ لا يَغُرَّنَّكُمْ سَلامَتُهُمْ بِتَقَلُّبِهِمْ فِي أَسْفَارهمْ ، وضربهم في الأرض . وما أشبه الليلة بالبارحة ! فحينما يتسلل الإحباط ، واليأس إلى نفس المؤمن ، وهو يرى ما عليه الكفار اليوم من التمكين في الأرض ، وما يملكونه من القوة والهيمنة ، وعندما يرى جيوشهم ، وعددهم ، وعتادهم ، ويرى صناعاتهم وتقنيتهم فينتابه شعور بالنقص إزاء ما حققّه القوم من رقي ، وتقدم في عالم الحضارة والمدنية ، ويصبح متأرجح التفكير في حاضر ماثل للعيان يجسد ضعف أمة الإسلام وهوانها بين الأمم ؛ تأتي هذه الآية الحكيمة كالبلسم الشافي تعيد إلى نفس المؤمن توازنها ، وتشعره بالعزّة ، وتضع الأمور في نصابها في بيان حقيقة ومصير أولئك القوم ومآلهم الذي سيصيرون إليه ؛ فتتحقق له الطمأنينة ويستشعر عزّة الإسلام ونعمة الإيمان التي امتنَّ الله بها عليه يوم أن جعله مؤمناً بالله موحداً له ، ومنزّهاً له عن الشرك . إنهم مهما بلغوا من الرقي ومن التطور ومهما ملكوا من الدنيا فإنه (متاع قليل) إذا ما قُورن بنعيم الآخرة ، ثم مأواهم جهنم هي حسبهم ، وبئس المآل ، والقرار . اللهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذلّ الشرك والمشركين . شادي السيّد رحمة الله بالناس في رمضان قال الله تعالى : ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) ، البقرة : 187 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآية الكريمة ؛ أنَّ المسلمين في ابتداء الصيام كان إِذَا أَفْطَرَ أَحَدهمْ إِنَّمَا يَحِلّ لَهُ الأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع إِلَى صَلاة الْعِشَاء أَوْ يَنَام قَبْل ذَلِكَ فَمَتَى نَامَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاء حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْجِمَاع إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّة كَبِيرَة ، ويُروى أنّ قَيْس بْن صِرْمَة الأنْصَارِيّ كَانَ صَائِمًا , وَكَانَ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْيَوْم فَعَمِلَ فِي أَرْضه , فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَار أَتَى امْرَأَته فَقَالَ : هَلْ عِنْدكُمْ طَعَام ؟ قَالَتْ : لا , وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُب لَك . فَغَلَبَتْهُ عَيْنه فَنَامَ , وَجَاءَتْ امْرَأَته قَالَتْ : قَدْ نِمْتَ ! فَلَمْ يَنْتَصِف النَّهَار حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ , فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَة ، وأصبحت رخصة من الله – تعالى – للمسلمين . قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : " إِنَّ النَّاس كَانُوا قَبْل أَنْ يَنْزِل فِي الصَّوْم مَا نَزَلَ فِيهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَحِلّ لَهُمْ شَأْن النِّسَاء فَإِذَا نَامَ أَحَدهمْ لَمْ يَطْعَم وَلَمْ يَشْرَب وَلا يَأْتِي أَهْله حَتَّى يُفْطِر مِنْ الْقَابِلَة ، فَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب بَعْدَمَا نَامَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْم وَقَعَ عَلَى أَهْله ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَشْكُوا إِلَى اللَّه وَإِلَيْك الَّذِي صَنَعْت ، قَالَ : " وَمَا صَنَعْت ؟ " قَالَ : إِنِّي سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَوَقَعْت عَلَى أَهْلِي بَعْدَمَا نِمْت وَأَنَا أُرِيد الصَّوْم ؛ فَنَزَلَ الْكِتَاب (( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُمْ)) " . اللهمّ بلّغنا رمضان ، وأعِنّا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال . شادي السيّد الطاعات بعد رمضان قال الله تعالى : ((وَاعْبُدْ ربَّكَ حتى يأتيكَ اليقين)) ، الحجر : 99 .المُخَاطَب في هذه الآية الكريمة هو النبي – صلى الله عليه وسلم – والخطاب عامٌّ لجميع الأمة ، و(اليقين) هنا هو الموت ؛ وكان عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – يقول : " ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدّون له " . والمراد بالآية : استمرار العبادة مدّة الحياة ، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم دوماً ؛ فما يخرج من طاعة إلا ويدخل في أخرى ، مستقيم على دينه ، ثابت على شرعه ، لكنّ فئاماً من الناس يعبدون الله في شهر دون شهر ، أو في مكان دون آخر ، وكأنّ ربّ رمضان ليس هو ربّ شوال ، بل ربّ سائر العام ! والمسلم الحقّ يكون ربّانيّاً وليس رمضانيّاً ، وبئس العبد الذي لا يعرف ربّه إلا في رمضان ، ولا يعرف الصلاة في المساجد ، وتلاوة القرآن ، والصيام إلا في رمضان . وإذا كان رمضان قد ذهب شاهداً لنا أو علينا ؛ فإن الطاعات والقُربات وجميع الأعمال الصالحة في كل وقت وزمان . ومن علامات قبول العمل أن يُتبع بعمل صالح مثله ؛ كما قال المولى سبحانه : ((فإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ وإلى ربّك فارْغَبْ)) ، وأن يكون العبد بعد العمل الصالح في حال أحسن من حاله السابق ، وأن ترى فيه إقبالاً على الطاعات ، وبعداً عن الذنوب والسيئات . فالله الله في الطاعات بعد رمضان ، والثبات على الدّين حتى يأتينا اليقين . اللهم توفّنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، يا ربّ العالمين . شادي السيّد سُنّّة الله في الظالمين قال الله تعالى : ((ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ ، إنّما يُؤخّرهُم ليومٍ تَشْخَصُ فيهِ الأبصارُ )) ، إبراهيم : 42 .المُخَاطَب في هذه الآية الكريمة هو النبي – صلى الله عليه وسلم – والخطاب عامٌّ لجميع الأمة ؛ أي : لا تظننّ – يا محمد – أنّ ربّك ساهٍ عمّا يفعله المشركون من قومك ، بل هو عالمٌ بهم ، وبأعمالهم محصيها عليهم ليجزيهم بها . وأنّ تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم ؛ بل سُنّة الله في إمهال العُصَاة مدّة ، وفي الصحيحين أنّ النبيّ – عليه الصلاة والسلام – قال : " إنّ الله ليملي للظالم ؛ حتى إذا أخذه لم يفلته ؛ ثم قرأ : ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد)) " . قال ميمون بن مهران : " هذا وعيد للظالم ، وتعزية للمظلوم " . ويا لله ! كَمْ في هذه الآية من تسلية وشفاء لقلوب المؤمنين الموحّدين ، وجبر لخواطر المكلومين في زمن كُثر فيه الظلم والعدوان ، وتداعتْ علينا أذلّ وأحقر أمم الأرض ! وإنّ المرء لتخنقه العَبَرات ، وتحرقه الزفرات والآهات ، حتى يكاد يموت كمداً وهَمّاً لما يحدث للمسلمين في بقاع الأرض ؛ فيسمع هذه الآية فتكون بلسماً شافياً – بإذن ربّ العالمين – لتذكره أنّ حقه لن يضيع ، وأنه سوف يقتصّ ممّن اعتدى عليه وظلمه ، وأنّ الظالم مهما أفلتْ من العقاب في الدنيا ؛ فإنّ جرائمه مسجّلة عند مَن لا تخفى عليه خافية ، ولا يغفل عن شيء ، فسبحان مَن حرّم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده مُحرّماً ، وانتصر لعباده المظلومين ولو بعد حين . اللهم أهلِك الكافرين بالكافرين ، وأهلِك الظالمين بالظالمين ، وكُنْ لإخواننا المضطهدين المظلومين ، يا ناصر المستضعفين . شادي السيّد لطيف علم الله تعالى قال الله تعالى : ((يا بُنيّ إنها إنْ تَكُ مِثقالَ حبةٍ من خَردلٍ فَتَكُنْ في صخرةٍ أو في السمواتِ أو في الأرض يأتِ بها اللهُ إنّ اللهَ لطيفٌ خبيرٌ )) ، لقمان : 16 .هذه موعظة بليغة ، وكلمات جامعة ، وأسلوب بديع ذكره ربّنا – سبحانه – على لسان لقمان الحكيم وهو يُؤدّب ابنه ، مبيناً له سَعة علم الله - عزّ وجَلّ - وإحاطته بجميع الأشياء صغيرها ، وكبيرها ، ودقيقها ، وجليلها ، وأن الله - تبارك اسمه ، وتعالى جَدّه - مُطّلعٌ على دقائق الأمور كلها لا تخفى عليه خافية ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء . فلو أنَّ الحسنات ، والسيئات كانت مثل حبة خردل متناهية في الصغر ، وكانت في بطن صخرة صماء ، أو كانت في أرجاء السموات ، أو في أطراف الأرض لعلم مكانها وأتى بها - سبحانه وتعالى - فهو لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِهَا خَبِير بِمُسْتَقَرّهَا ، فلا إله إلا الله الذي أحاط علمه بكل شيء ، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء ، ويرى مخ ساقها وجريان الدم في عروقها ؛ فأين يختبئ منه العاصي إذا أراد أن يعصيه ؟ والمسلم إذا تدبّر هذه الآية ، واستشعر معانيها ؛ فإنّه يوقن أنّ الله يراه ويراقبه في كل حين ، فتعظم المراقبة في نفسه ، ويجعل خشية الله في قلبه ، فلا يجرؤ على عصيان مولاه الذي يراه ، ولسان حاله يقول : إذا ما خلوت بريبة في ظلمة ...... والنفس داعية إلى العصيان فاخشَ من نظر الإله وقل لها ...... إنّ الذي خلق الظلام يراني اللهمّ ارزقنا خشيتك في السرّ والعلن ، واسترنا ولا تفضحنا ، وعاملنا بما أنت أهله ؛ فأنتَ – سبحانك – أهل التقوى ، وأهل المغفرة . شادي السيّد عداوة الكفار للمؤمنين قال الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا بِطَانةً مِن دُونكم لا يَألُونكم خَبالاً ودُّوا ما عَنِتُم قد بَدَتْ البَغْضَاءُ من أفواههم وما تُخْفي صدُرُهم أكبر)) ، آل عمران : 118 .في هذه الآية الكريمة ينهى الله – تبارك وتعالى – عباده المؤمنين – في كل زمان ، ومكان – عن اتخاذ المنافقين ، والكفار أولياء ، وأصدقاء أصفياء يكون لهم ما يكون للأصدقاء من واجبات وحقوق ؛ لأنهم لن يدّخروا جهداً في إلحاق أشدّ الضّرر بالمؤمنين ؛ لأنّ دينهم الغشّ والخداع ، والمكر شعارهم ودثارهم ، وإنْ أبدوا خلاف ذلك ؛ فإنّ عداوتهم ظاهرة بما يُنطقهم الله به على ألسنتهم ، وبإصرارهم على كفرهم ، وتكذيبهم ، وضلالهم ، وعداوتهم على الدّين . ومع هذا : فما تُخفيه صدورهم ، وما يُضمرونه للمؤمنين من البغض والعداوة أكبر وأعظم ممّا بدا وظهر على ألسنتهم . وفي الآية زجر عن الركون إلى الكفار والوثوق بهم ، واصطفائهم من دون المؤمنين الموحّدين ؛ فالكفر ملّة واحدة ، وعداوتهم للدّين باقية بقاء الدنيا ما داموا على كفرهم . وقد تواترت الدّلالات على مدار التاريخ – قديمه وحديثه – ما يُبيّن أنّ ما أخبر الرّب – سبحانه – به في هذه القضية هو الحق الذي لا مِراء فيه ، والشواهد كثيرة : فمن فتنة الخوارج وحرب الرِّدّة التي تصدّى لها الصّدّيق أبو بكر – رضي الله عنه – وما مرّ من أحداث في خلافة عمر وعثمان وعليّ – رضي الله عنهم – مروراً بالحملات الصليبية التي استمرّت قرنين من الزمان ، ثم جاء بعدها الاحتلال العسكريّ (الاستعمار) لبلاد المسلمين . ولا تزال حملات النَّيْل من الإسلام ، ومن نبيّه – صلى الله عليه وسلم – مستمرة إلى يومنا هذا ، وإلى أنْ يرث الله الأرض ومَن عليها ، ومع هذا لا يزال بعض أبناء ملّتنا يتعاموْن عن الآيات التي بيّنها لنا ربنا – جّل ثناؤه – عمّا تضمره ضمائر أعدائنا ، فإلى متى الغفلة وكتاب الله بين أيدينا ؟! منقول صيد الفوائد
__________________
![]() ![]() |
#3
|
||||
|
||||
![]() شعار الموحِّدين قال الله تعالى : ((قُلْ إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحْيَايَ ومَمَاتي للهِ ربِّ العالمينَ ، لا شريك له)) ، الأنعام : 162- 163 .الخطاب في الآية الكريمة للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – وهو خطاب عامٌ لكلّ المسلمين ، وهكذا ينبغي أن تكون جميع أعمالنا وأفعالنا لخالقنا – سبحانه – ولا نصرف شيئاً من العبادة والقصد والتوجّه إلا له – جَلّ وعزّ - ؛ فلا ندعو إلا الله ، ولا نسأل إلا الله ، ولا نذبح إلا لله ، ولا نتوكل إلا على الله ، ولا نطوف إلا ببيت الله ؛ وبهذا يتحقق المفهوم الشموليّ المتكامل للعبادة في دين الإسلام ، فالدين كلٌ لا يتجزّأ . وفي الصحيح من حديث عليّ – رضي الله عنه – أنّ النبيّ – عليه الصلاة والسلام - كان إذا قام إلى الصلاة قال : " وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين . إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً ؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبّيك وسعديك ، والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك " . وما خسر المسلمون إلا حينما كانت الحياة لغير الله ؛ ويا لله ! كم من صنوف العبادة تُصرف لغير الله : من دعاء ، واستغاثة ، وذبح ، وطواف ، وغير ذلك ! ولهذا يجب أن تكون القضية العظمى التي يُعنى بها الدّعاة والمصلحون ؛ هي : الدعوة للإسلام النَّقي المُصفّى القائم على التوحيد الخالص ، بعيداً عن الشّرك ؛ لنقول مُقوَّلة عباد الله المؤمنين على مَرّ العصور والسنين : (قُلْ إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحْيَايَ ومَمَاتي للهِ ربِّ العالمينَ ، لا شريك له) . اللهمّ أحينا مسلمين ، وتوفّنا مسلمين ، واحشرنا مع عبادك الصالحين . شادي السيّد [email protected] نداء الخليل قال الله تعالى : ((وَأَذّنْ في النَّاس بالحجِّ يأتوك رِجَالاً وعلى كلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ من كلّ فَجٍّ عَميق )) ، الحج : 27. ذكر ابن حَجَر – رحمه الله تعالى – في المطالب العالية بسند حسن ، من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " لمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت ؛ قيل له : أذّنْ في الناس بالحج . قال : يا ربّ ! وما يبلغ صوتي ؟! قال : أذّنْ وعليَّ البلاغ . فنادى إبراهيم : أيها الناس ! كُتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحُجّوا . قال : فسمعه ما بين السماء والأرض ؛ أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يُلبّون ؟! " . وقد قيل : لمّا نادى الخليل – عليه الصلاة والسلام – بالحج ، َأَسْمَعَ مَنْ فِي الأرْحَام وَالأَصْلاب ، وَأَجَابَهُ كُلّ شَيْء سَمِعَهُ : مِنْ حَجَر ، وَمَدَر ، وَشَجَر ، وَمَنْ كَتَبَ اللَّه أَنَّهُ يَحُجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . فسبحان مَن جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمناً ، يتردّدون إليه ويرجعون عنه ، ولا يرون أنهم قضوا منه وَطَراً ! تعلّقتْ قلوب المحبين ببيت محبوبهم لمّا أضافه سبحانه إلى نفسه ؛ فكلما ذُكر لهم البيت الحرام حَنّوا ، وكلما تذكّروا بُعْدهم عنه أَنّوا .. ولمّا رأتْ أبصارهُم بيته الذي *** قلوبُ الورى شوقاً إليه تَضَرّمُ هناك البيت الحرام .. إذا عاينته العين زال ظلامها ، وزال عن القلب الكئيب التألم .. هناك السموات تبدو قرب طالبها .. هناك الرحاب فضاء حين يلتمس .. فللهِ درُّ أقوام فارقوا ديارهم ، وعانقوا افتقارهم ، وآثروا غبارهم ، وطهروا أسرارهم ، يدعون عند البيت قريباً سميعاً ، ويقفون بين يديه بالذل جميعاً، وحالهم ينطق قبل مقالهم : إليك شَددتُ يا مَولايَ رَحْلِي *** وَجئتُ ومُهْجَتي تَشكو ظَمَاها . إنّ الحج هو مؤتمر المسلمين الجامع ، الذي يتجرّدون فيه من كلّ آصرة سوى آصرة (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله) . والحج ليس مفارقة الأوطان ، وترك الأهل والخِلان ؛ بل خلوص النيّة للبَرِّ – سبحانه – قبل البَرِيَّة ، وإصلاح الطَّويّة قبل امتطاء المَطِيّة . " ... والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجَنَّة " .اللهمّ يَسِّرْ لنا الحجّ ، وارزقنا فيه الإخلاص والخلاص ، ولا تحرمنا من زيارة بيتك العتيق أعواماً عديدة ، وأزمنة مديدة . شادي السيّد تعجّلوا إلى الحج ! قال الله تعالى : (( وللهِ على النَّاسِ حِجُّ البيتِ مَن استطاعَ إليهِ سبيلاً ، ومَنْ كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عن العالمين )) ، آل عمران : 97. قال أهل التفسير – رحمة الله على الجميع : هَذِهِ آيَة وُجُوب الْحَجّ عِنْد الْجُمْهُور ؛ أي : فَرْض وَاجِب لِلَّهِ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيف السَّبِيل إِلَى حَجّ بَيْته الْحَرَام الْحَجّ إِلَيْهِ ، وروى مسلم في صحيحه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة – رضي الله عنه - قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : " أَيّهَا النَّاس قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ فَحُجُّوا " ، فَقَالَ رَجُل : أَكُلّ عَام يَا رَسُول اللَّه ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا ؛ فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " لَوْ قُلْت : نَعَمْ ! لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اِسْتَطَعْتُمْ " ، ثُمَّ قَالَ : " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالهمْ ، وَاخْتِلافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَدَعُوهُ " . وصَحَّ عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال : " مَنْ أَطَاقَ الْحَجّ فَلَمْ يَحُجّ فَسَوَاء عَلَيْهِ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا" ، وعنه أيضاً أنه قال : " لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبْعَث رِجَالاً إِلَى هَذِهِ الأمْصَار فَيَنْظُرُوا إِلَى كُلّ مَنْ كَانَ عِنْده جُدَّة فَلَمْ يَحُجّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة ؛ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ " . فليبادر المسلم بالحج إن لم يحجّ حجة الإسلام قبل أن يُحال بينه وبين أداء النسك ؛ فكم من المسلمين الموحدين الصادقين ممن تقطعت قلوبهم ، وتفطّرت أكبادهم ، وبكوا دماً لا دموعاً حتى يصلوا إلى البيت الحرام ، ولكن ... حيل بينهم وبين ما يشتهون . وكم من كافر على وجه الأرض حُرم نعمة الإسلام ! وكم من عظيم أغلق دونه الباب ! شادي السيّد العَشْرُ فَجْرُها لاح ! قال الله تعالى : (( والفجر ، وليالِ عشر )) ، الفجر : 1- 2. العشر فجرها لاح ؛ تنادي : حَيّ على الفلاح ! وَاللَّيَالِي الْعَشْر هنا الْمُرَاد بِهَا (عَشْر ذِي الْحِجَّة) ؛ كَمَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد – رضي الله عنهم - وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا : " مَا مِنْ أَيَّام الْعَمَل الصَّالِح أَحَبّ إِلَى اللَّه فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأيَّام " يَعْنِي عَشْر ذِي الْحِجَّة قَالُوا : ولا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه ؟ قَالَ : " وَلا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه إِلا رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَاله ثُمَّ لَمْ يَرْجِع مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " . وفي الحديث دليل على فضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة ؛ لأن النبي شهد بأنها أفضل أيام الدنيا ، ولأنه حث على العمل الصالح فيها. وفيه دليل على أن كل عمل صالح في هذه الأيام فهو أحب إلى الله – تعالى- منه في غيرها ، وهذا يدل على فضل العمل الصالح فيها وكثرة ثوابه ، وأن جميع الأعمال الصالحة تضاعف في العشر من غير استثناء شيء منها . وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله – سبحانه - على عبده ؛ لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم - بتوفيق الله - على تحصيل الثواب واغتنام الأجر ، فعلى المسلم أن يستشعر هذه النعمة ، ويستحضر عظم أجر العمل فيها ، ويغتنم الأوقات ، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها ، بمزيد الطاعة ، وهذا شأن سلف هذه الأمة . ربّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم . شادي السيّد يوم إكمال الدّين ! قال الله تعالى : (( اليومَ أكملتُ لكم دِينَكم وأَتْممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً )) ، المائدة : 3 . في الصحيح أنَّ رجلاً من اليهود جاء إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب – رضي الله عنه - فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ! إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ آيَة فِي كِتَابكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَر الْيَهُود نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا . قَالَ : وَأَيّ آيَة ؟ قَالَ : قَوْله " الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " ، فَقَالَ عُمَر : وَاَللَّه إِنِّي لأَعْلَم الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّاعَة الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُول اللَّه عَشِيَّة عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة . قَالَ كَعْب – رضي الله عنه - : لَوْ أَنَّ غَيْر هَذِهِ الأمَّة نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيَة لَنَظَرُوا الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ فَاتَّخَذُوهُ عِيدًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ . قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس – رضي الله عنها - : حَجَجْت مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ الْحَجَّة ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِير إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيل فَمَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاحِلَة فَلَمْ تُطِقْ الرَّاحِلَةُ مِنْ ثِقَل مَا عَلَيْهَا مِنْ الْقُرْآن فَبَرَكَتْ ، فَأَتَيْته فَسَجَّيْت عَلَيْهِ بُرْدًا كَانَ عَلَيَّ . وَقَالَ اِبْن جَرِير وَغَيْر وَاحِد : مَاتَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْد يَوْم عَرَفَة بِأَحَدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا ، ولم ينزل بعدها حلال ، ولا حرام . وعن عليّ ، عن ابن عباس – رضي الله عنهم - : قَوْله : (( الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ )) ، وَهُوَ الإسْلام , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ الإِيمَان فَلا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَة أَبَدًا , وَقَدْ أَتَمَّهُ اللَّه - عَزَّ ذِكْره - فَلا يُنْقِصهُ أَبَدًا , وَقَدْ رَضِيَهُ اللَّه فَلا يَسْخَطهُ أَبَدًا .ّ فاللهمّ لك الحمد على الإسلام ، والإيمان ، والقرآن ، واحشرنا مع النبيّ العدنان . شادي السيّد ربّ ارحمهما ! قال الله تعالى : (( وقضى ربُّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ، فلا تقل لهما أُفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً )) ، الإسراء : 23 .إنّ للوالدين مقاماً كبيراً ، وشأناً عظيماً يعجز الإنسان عن إدراكه ، ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما ؛ فإنه يبقى قاصراً منحسراً عن تصوير جلالهما ، وحقهما على الأولاد ، وكيف لا يكون ذلك وهما سبب وجودهم ، وعماد حياتهم ! ((وقضى ربك)) أي أمر ووصّى ، وقرن بعبادته – سبحانه - برّ الوالدين ، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على منزلتهما عند الربّ – تعالى - . وقد روى مسلم في صحيحه أنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال : " رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه . قيل : من يا رسول الله ؟! قال : مَن أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ، ثم لم يدخل الجنة " ، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : سألت النبي – صلى الله عليه وسلم : أيُّ العمل أحب إلى الله تعالى ؟ فقال : " الصلاة على وقتها " ، قلت : ثم أي ؟ قال : "برّ الوالدين " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " . فانظر – أخي القارئ – كيف قدّم النبيّ – عليه الصلاة والسلام – بِرَّ الوالدين على الجهاد . وأذكر في حج 1418هـ وقع حريق كبير في منى ، وكنتُ وقتها في مخيم العلامة عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى – فجاء رجل يسأل الشيخ ، ويقول : لمّا اندلع الحريق انخلع قلبي ، وطار عقلي وصرتُ بين أمرين أحلاهما مُرّ : إما أن أنقذ أمي من الحريق ، وإما أن أنقذ طفليّ ؛ فغلبتْ عاطفة الأبوّة عليَّ فأنقذتُ طفليّ وتركتُ أمي حتى ماتت في الحريق ! فانتفض الشيخ – رحمه الله تعالى – وقال له متأثراً : " بئس ما صنعت ! إنّ الفرع إذا ذهب فإنه يُعوّض ، أمّا الأصل إذا ذهب فإنه لا يُعوّض " . اللهمّ ارزقنا بِرّ أمهاتنا وآبائنا ، وارحمهما كما ربّوْنا صغاراً . شادي السيّد القَوْلُ على اللهِ بِلا عِلْم قال الله تعالى : ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ)) ، الحج : 8 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في النَّضْر بْن الْحَارِثِ من بَني عَبْدِ الدَّار ، وعليه أغلبُ المفسرين ، وَقَدْ قِيلَ : نَزَلَتْ فِيهِ بِضْع عَشْرَةَ آيَة ؛ وذلك أنه أنكرَ البعثَ ، والنُّبوّة ، وكان من قولهِ : " الملائكةُ بَناتُ الله " ، تعالى اللهُ عمّا يقولُ الكافرون عُلوّاً كبيراً ، فهو – أي النَّضْرُ – قد زَعَمَ ما قاله َبِغَيْرِ بَيَان مَعَهُ لِمَا يَقُول وَلا بُرْهَان ، وَبِغَيْرِ كِتَاب مِنَ اللَّه أَتَاهُ لِصِحَّةِ مَا يَقُول ، وَإِنَّمَا يَقُول مَا يَقُول مِنَ الْجَهْل ظَنًّاً مِنْهُ وَحِسْبَانًا ، بِِلا عَقْل صَحِيح ، وَلا نَقْل صَرِيح بَلْ بِمُجَرَّدِ الرَّأْي وَالْهَوَى ، وهذا حالُ الضُّلاّل الجُهَّال المُقَلِّدين في كل زمانٍ ومكانٍ ، فتراهم يَهْرِفون بما لا يَعْرفون ، ويقولون ما لا يَفْقَهون ، فَسَاءَ ما يَصنعونَ . وَحَريٌ بالمسلمِ أن يَنْأى بنفسه عن القولِ على الله بلا عِلْم يُرشده ويَهديه ؛ فذاك من أعظم المُحَرَّمات ، ولهذا حَذّرنا ربنا – تَقَدَّستْ أسماؤه – بقوله : ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ، النَّحل : 116-117 . اللهمَّ عَلّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا . شادي السيّد إلا تنصروه ! قال الله تعالى : ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) ، التوبة : 40 . الخطاب في الآية الكريمة لأصحاب النبيّ ، وهو عامٌ لجميع الأمة ، فالله – سبحانه – ناصر نبيّه ومُعينه سواء نصره المسلمون أو لا ، كما نصره – جّلّ وعزّ – لمّا أخرجته قريش من وطنه وداره ، وهمّوا بقتله ، فاختفى النبيّ وأبو بكر في الغار ، وقد ثبت أنَّ أبا بكر قال : " يَا رَسُول اللَّه , لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ رَفَعَ قَدَمه أَبْصَرَنَا ! فَقَالَ : " يَا أَبَا بَكْر مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ اللَّه ثَالِثهمَا " ، فأنزل الله – تعالى – طمأنينته وسكونه على النبيّ وعلى صاحبه ، وحفظه بالملائكة ، فلم تصل قريشٌ إليهما . ومن المناسب ها هنا أن أشير إلى أنَّ التحقيق العلميّ في قصة الحمامة والعنكبوت على باب الغار أثناء اختفاء النبيّ ، وأبي بكر داخله يؤكّد ضعفها ، وعدم ثبوتها رغم شهرتها الذائعة بين الأنام ، وتداولها حتى بين بعض أهل الاختصاص ، والمجال هنا ليس مجال بسط وتفصيل . ولئن كان النبيّ قد قضى نحبه ؛ فإنّ من واجب نُصرته علينا في زماننا : أن نتعلّم سُنّته ، ونعمل بها ، ونُعلّمها لأولادنا ، وننشرها في الناس لتعمّ الرحمة بين العاملين ، وأن نذبّ عن عِرض نبينا ، وسُنّته ، وأزواجه ، وأصحابه – رضي الله عنهم جميعاً – وأن ننافح وندافع عن أهل السُنّة الذين يُعلّمون الناس الخير ، ونعينهم بكل ما نستطيع ؛ وبذلك نكون قد أدّينا (شيئاً) من واجبنا تُجاه نُصرة النبي .
__________________
![]() ![]() |
#4
|
||||
|
||||
![]() بين الخوف والرجاء ! قال الله تعالى : ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) ، المؤمنون : 60. في الحديث الصحيح أنّ أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ! (( والَّذِينَ يَأْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة )) ، أَهُوَ الرَّجُل يَزْنِي وَيَسْرِق وَيَشْرَب الْخَمْر ؟! قَالَ : " لا يَا ابْنَة أَبِي بَكْر - أَوْ يَا ابْنَة الصِّدِّيق - وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَصُوم ، وَيُصَلِّي ، وَيَتَصَدَّق , وَيَخَاف أَنْ لا يُقْبَل مِنْهُ " . وفي رواية أخرى : هُوَ الَّذِي يُذْنِب الذَّنْب وَهُوَ وَجِل مِنْهُ ؟! فَقَالَ : " لا , وَلَكِنْ مَنْ يَصُوم وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّق وَهُوَ وَجِل " . قَالَ ابْن عَبَّاس – رضي الله عنهما - : (( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة )) ؛ قَالَ : الْمُؤْمِن يُنْفِق مَاله وَيَتَصَدَّق وَقَلْبه وَجِل أَنَّهُ إِلَى رَبّه رَاجِع . عَنِ الْحَسَن – رضي الله عنهما - أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ الْمُؤْمِن جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَة , وَإِنَّ الْمُنَافِق جَمَعَ إِسَاءَة وَأَمْنًا . وعنه أيضاً أنه قال : (( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة )) ، قَالَ : يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ , وَهُمْ يَخَافُونَ أَلا يُنَجِّيهِمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَاب رَبّهمْ . وهذا شأن المؤمنين المخلصين ؛ فهم يتقرّبون إلى ربهم بصالح العمل ، ومع هذا فَلا يُنَجِّيهِمْ مَا فَعَلُوا مِنْ عَذَاب اللَّه , فَهُمْ خَائِفُونَ مِنَ الْمَرْجِع إِلَى اللَّه لِذَلِكَ ؛ فالمؤمن يعيش بجناحي الخوف والرجاء : يخاف ألا يُقبل عمله ويُردّ عليه ، وفي الوقت نفسه يرجو رحمة الله – تعالى – الذي لا تُفيده طاعتنا ، ولا تضرّه معاصينا سبحانه من إلهٍ غفور رحيم . اللهم إنّا نرجو مغفرتك وعافيتك وسِترك ، يا مَن وسِعَتْ رحمتك كلّ شيء . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (1) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. في الصحيحين من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قَدِمَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَة فَرَأَى الْيَهُود يَصُومُونَ يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ : " مَا هَذَا الْيَوْم الَّذِي تَصُومُونَ " ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْم صَالِح ؛ هَذَا يَوْم نَجَّى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عَدُوّهُمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلام- فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَنَا أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " ؛ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ . وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ : يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ ) . وروى مسلم في صحيحه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : ( صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ). وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة ، والله ذو الفضل العظيم . قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً ؛ لأن النبيّ – صلى الله عليه وسلم - صام العاشر ، ونوى صيام التاسع . وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب : أدناها أن يُصام وحده ، وفوقه أن يصام التاسع معه ، وعليه أكثر الأحاديث ، وأكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم . بقي التنبيه إلى أنه ليس من الإسلام في شيء ما تفعله بعض الفرق الضّالة من مظاهر الغلو في الاحتفاء بيوم عاشوراء ؛ إذ لم يثبت من هَدي السلف أنهم كانوا يُعظّمون هذا اليوم بغير الصيام اقتداءً بالسُنّة النبوية ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم - . شادي السيّد المصائب من عند أنفسنا ! قال الله تعالى : ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ، آل عمران : 165 .المشهورُ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ أنها نزلتْ في المسلمين الذين شهدوا غزوة أُحُد ، وذلك حين ابتُلوا بقتل سبعين مِن خِيارهم يوم أُحُد – رضي الله عنهم – بخلاف الجرحى ، وأُصيب النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – في هذه العركة ؛ وما ذاك إلا لأنهم خالفوا أمرَ الله – تعالى – وعصوا نبيّه – عليه الصلاة والسلام – فكانت المصيبة يوم أُحُد ، ولمّا تعجبوا وقالوا : " أنَّى هذا " وَمِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا , وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , وَهُمْ مُشْرِكُونَ , وَفِينَا نَبِيّ اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , يَأْتِيه الْوَحْي مِنْ السَّمَاء , وَعَدُوّنَا أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَشِرْك ؟! جاءهم الجواب من الرّب – سبحانه - : ((قل – لهم يا محمد – هو من عند أنفسكم)) ، بسبب ذنوبكم ، ومخالفتكم أمر نبيكم ، وترككم طاعته في هذا اليوم ، لا من عند غيركم ، ولا من قِبَل أحد سواكم . فيا رحماك يا رب ! إذا كان هذا البلاء نزل بالمسلمين يوم أُحُد بسبب مخالفتهم للنبيّ ، والنبيّ – عليه الصلاة والسلام – بين أظهرهم ، وهم في خير القرون ، ويقاتلون في سبيل الله – تعالى - ، فكيف بنا اليوم نرجو نصراً على عدونا ، وقد عصينا أمر ربنا ، وابتعدنا عن ديننا ، وقاتل بعضنا تحت رايات جاهلية ! ثم نقول بعد ذلك – كما قال الأولون - : " أنَّى هذا " ؟! فكلُ ذلك – وربّ الكعبة – بذنوبنا ، ومعاصينا ، وفرقتنا ، وتشرذمنا إلى شيع وأحزاب ، كلُّ حزب بما لديهم فرحون ، وكلٌّ يدّعي وصلاً بالدين ، وبهدي سيد المرسلين ! اللهمَّ ردَّ المسلمين إلى دينك ردَّاً جميلاً ، واجمع كلمتهم تحت راية التوحيد ، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ، اللهمَّ آمين . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (3) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وقد ورد في شأن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – الكثير من الأحاديث التي وضّحت ، وبيّنت ما يتعلّق بشأن هذه الصلاة من جهة مشروعيتها ، وكيفيتها ، ومواطنها ، وفضلها إلى غير ذلك من الجوانب المتعلقة بها . وقد روى هذه الأحاديث جمع من الصحابة – رضي الله عنهم – عدَّهم ابن القيّم – رحمه الله تعالى – فبلغوا اثنين وأربعين صحابياً . ومن هذه الأحاديث : ما رواه الشيخان من حديث كعب بن عُجرة – رضي الله عنه – قال : " أن النبيّ – عليه الصلاة والسلام – خرج علينا ؛ فقلنا : يا رسول الله ! قد علِمْنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ " قال : " قولوا : اللهمّ صلّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صلّيت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهمّ بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " . والمراد بالسلام في قوله : " قد علمنا كيف نسلّم عليك " السلام الذي في التشهد ؛ وهو قول " السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته " . وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي حميد الساعديّ أنهم قالوا : يا رسول الله ! كيف نصلّي عليك ؟ قال : " قولوا : اللهمّ صلّ على محمد وأزواجه وذريّته ، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " . وأخرج البخاريّ من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قلنا : يا رسول الله ! هذا السلام عليك ؛ فكيف نصلّي ؟ قال : " قولوا : اللهمّ صلّ على محمد عبدك ورسولك ، كما صلّيت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (4) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وتتأكّد الصلاة على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – في مواطن : إما وجوباً ، وإما استحباباً مؤكَّداً – على خلاف مشهور بين العلماء رحمهم الله تعالى - ، ومن أشهر هذه المواطن : في الصلاة في آخر التشهد ؛ وهو أهمها وآكدها ، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته ، واختلفوا في وجوبه فيها . ومن المواطن : في التشهد الأول ؛ وهو محلّ خلاف – أيضاً – بين العلماء ، ومنها : آخر القنوت ؛ وهو مستحب في قنوت رمضان عند بعض أهل العلم . ومنها : في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ؛ ولا خلاف في مشروعية الصلاة على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – فيها ، واختُلف في توقف صحة الصلاة عليها . ومنها : في الخطب ؛ كالجمعة ، والعيدين ، والاستسقاء ، واختُلف في اشتراطها لصحة الخطبة . ومن مواطن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - : بعد إجابة المؤذّن عند الإقامة ؛ وفيه حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم . ومنها : عند الدعاء ؛ لحديث فضالة بن عبيد الذي أخرجه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذيّ . ومنها : عند دخول المسجد ، وعند الخروج منه ؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة وغيره في الصحيح ، وعند أصحاب السُنن . ومنها : على الصفا والمروة ؛ وهو محلّ خلاف . ومن مواطن الصلاة على النبيّ – عليه الصلاة والسلام : عند اجتماع القوم قبل تفرقهم ؛ لحديث أبي هريرة وغيره عند أصحاب السُنن . ومنها : عند ذكره – صلى الله عليه وسلم – وقد اختُلف في وجوبها عند ذكر اسمه . ومنها : يوم الجمعة ؛ لما ثبت في فضل يوم الجمعة ، وفضل الإكثار من الصلاة والسلام على النبيّ – صلى الله عليه وسلم – فيه . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (5) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وقد ذكر العلماء – رحمهم الله تعالى – عدداً من الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ فمنها : امتثال أمر الله – سبحانه - ، وموافقته – جَلّ وعزّ – في الصلاة على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – وإن اختلفت الصلاتان ؛ إذ إنّ صلاة الله – تعالى – عليه ثناء وتشريف ، وصلاتنا عليه دعاء وسؤال . ومن الفوائد أيضاً : موافقة الملائكة الكرام ، وحصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة ، ويُرفع المصلي عشر درجات ، ويُكتب له عشر حسنات ، ويُمحى عنه عشر سيئات ، ويُرجى إجابة دعائه إذا قدّمها بين يدي الدعاء ، كما أنّ الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – سبب لشفاعته – عليه الصلاة والسلام – إذا قرنها المصلي بسؤال الوسيلة للنبيّ – عليه الصلاة والسلام - ، كما أنها سبب لغفران الذنوب ، ولكفاية الله العبد ما أهمه ، وسبب لقُرب العبد من النبيّ – عليه الصلاة والسلام – يوم القيامة ، وسبب لدوام محبته للرسول – صلى الله عليه وسلم – وزيادتها وتضاعفها ، وسبب لهداية العبد وحياة قلبه ، وسبب لعرض اسم المصلي على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – كما أنّ الصلاة على الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – أداء لبعض حقوقه علينا ، وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا ، والصلاة عليه متضمنة لذكر الله – سبحانه – وشكره ، ومعرفة إنعامه على عبده بإرساله ، وغير ذلك من الفوائد والثمرات الكثيرة التي يجنيها المصلي على النبي المصطفى ، والرسول المُجتبى – صلى الله عليه وسلم – وحسبي أنني أشرتُ إلى أشهرها ، وللحديث بقية ، بإذن رب العالمين . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (6) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وهذه الآية نصٌ في مشروعية السلام على النبيّ – صلى الله عليه وسلم - ، وبيان لحق من حقوقه ، وإظهار لشرفه ، ورفعة منزلته . والآية في جملتها فيها من تشريف الله – تعالى – وتكريمه لنبيّه – عليه الصلاة والسلام – ما لا يوجد في غيرها من الآيات . كما دلّت السُنّة المطهرة – أيضاً - على مشروعية السلام على النبيّ – صلى الله عليه وسلم - ؛ فقد جاء تشريع السلام عليه مع تعليم التشهد الذي كان متقدماً على تعليم الصلاة على النبيّ – صلى وسلم عليه الإله - ؛ فتعليم الصلاة عليه إنما كان بعد نزول الآية ، ولهذا سأل الصحابة – رضي الله عنهم – عن كيفية الصلاة ولم يسألوا عن كيفية السلام ؛ فقالوا : "يا رسول الله ! قد علِمْنا كيف نسلّم عليك ؛ فكيف نصلّي عليك " – والحديث في الصحيح – إشارة إلى السلام الذي في التشهد . والسلام على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – مشروع في التشهد عند كل صلاة ، وعند دخول المسجد والخروج منه ، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة . وقد ورد في فضل السلام على النبي – صلى الله عليه وسلم – عدد من الأحاديث ؛ فمن ذلك : ما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبيّ – عليه الصلاة والسلام – أنه قال : " إنّ لله في الأرض ملائكة سياحين يبلّغوني من أمتي السلام " ، وما رواه النسائيّ وغيره أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاء يوماً ، والبِشْر يُرى في وجهه ؛ فقالوا : يا رسول الله ! إنا نرى في وجهك بِشراً لم نكن نراه ، فقال :" أجل أتاني مَلَك فقال : يا محمد ! إنّ ربك يقول : أما يرضيك ألا يصلي عليك أحد من أمّتك إلا صلّيت عليه عشراً ، ولا سلّم عليك إلا سلّمت عليه عشراً " . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (7) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. موضوع السلام على النبيّ – صلى الله عليه وسلم – عند قبره من المسائل التي أشكلتْ على كثير من الناس ، والمتأمل في النصوص النبوية الواردة في جوانب هذه المسألة ، وما كان يفعله الصحابة – رضي الله عنهم - ، وأقوال أئمة المسلمين الثقات سيقف على بعض الحقائق التي قد تخفى على البعض ؛ ومن ذلك : أنه لم يرد عن النبيّ – عليه الصلاة والسلام – نص صحيح صريح يأمر فيه أمته بالسلام عليه عند قبره ، وأنّ عدم التخصيص للقبر بالسلام فيه إظهار لخاصية اختصّ بها النبيّ – صلى الله عليه وسلم – لا يماثله فيها أحد من الخلق ؛ فالمقصود عند قبر غيره من الدعاء له هو مأمور به في حق الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الصلوات الخمس ، وعند دخول المساجد ، والخروج منها – كما تقدّم – فالله – سبحانه – فضّله بهذا الأمر على غيره ، وأغناه بذلك عما يُفعل عند قبور غيره . كما أنّ الذي تدل عليه النصوص أنّ السلام على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – يستوي فيه القريب والبعيد ، وهذه من خصوصيات النبيّ – صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا قال الحسن بن الحسن بن عليّ – رضي الله عنهم – للرجل الذي رآه يختلف إلى قبر النبيّ – صلى الله عليه وسلم – ويدعو عنده . فقال له : يا هذا ! إنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " لا تتخذوا قبري عيداً ، وصلّوا عليَّ ؛ فإنّ صلاتكم حيثما كنتم تبلغني " – حديث صحيح – فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء . فالحسن – رضي الله عنه – وغيره لا يفرّقون بين أهل المدينة والغرباء ، ولا بين المسافر وغيره ، ولا يرون في السلام عليه عند قبره مزيّة ؛ فالسلام يصل إليه من مشارق الأرض ومغاربها . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (8) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ثبت بالسُنة ، واتفاق الأمة أنّ كل ما يُفعل من الأعمال الصالحة في المسجد عند حجرته – صلى الله عليه وسلم – من صلاة عليه وسلام ، وثناء ، وإكرام ، وذكر محاسن وفضائل ، ممكن فعله في سائر الأماكن ، ويكون لصاحبه من الأجر ما يستحقه ، كما قال : (( لا تتخذوا قبري عيداً ، وصلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم )) ، ولو كان للأعمال عند القبر فضيلة لفُتح للمسلمين باب الحجرة ، ولما مُنعوا من الوصول إلى القبر " . ولا يختلف اثنان أنّ الصحابة – رضي الله تعالى عنهم - كانوا أكثر حباً ، وتوقيراً ، وتعظيماً للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – وأقوم بحقوقه من غيرهم ، ومع ذلك لم يفعلوا ما يُفعل عند قبره في أيامنا . وأهل العلم – في القديم والحديث – يعرفون جيداً أنّ الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبيّ – عليه الصلاة والسلام – كلها موضوعة ؛ مثل : " من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي " ، و " من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة " ، و " من حج ولم يزرني فقد جفاني " ، وغير ذلك ممّا يُنسب كذباً للنبيّ – صلى الله عليه وسلم - . وممّا يوضّح هذا أنه لم يُعرف عن أحد من الصحابة – رضي الله عنهم – أنه تكلّم باسم (زيارة القبر النبويّ) لا ترغيباً في ذلك ، ولا غير ترغيب ؛ فلم يكن هذا اللفظ معروفاً عندهم ، والذين أطلقوا هذا الاسم من العلماء إنما أرادوا به إتيان مسجده ، والصلاة فيه ، والسلام عليه فيه : إما قريباً من الحجرة ، وإما بعيداً عنها ، وإما مستقبلاً للقبلة . وليس في أئمة المسلمين مَن احتجّ على ذلك بلفظ رُوي في زيارة قبره . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (9) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وأكثر مصنفات جمهور العلماء – رحمة الله على الجميع – يذكرون المدينة النبوية وفضائلها ، والمسجد النبويّ الشريف وفضل الصلاة فيه والسفر إليه ونحو ذلك من المسائل المتعلقة بأحكام زيارة المدينة ، ولا يذكرون استحباب زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – لا بهذا اللفظ ، ولا بغيره . وطائفة أخرى ذكروا ما يتعلق بالقبر النبويّ لكن بغير لفظ زيارته ؛ كما روى مالك – رحمه الله تعالى – في (الموطأ) عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يسلّم على النبي – عليه الصلاة والسلام – وعلى أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - ، وكما قال أبو داود في سننه : (باب ما جاء في زيارة القبور) ، وذكر قوله – صلى الله عليه وسلم - : " ما من أحد يسلّم عليَّ إلا ردّ الله عليَّ روحي حتى أردّ عليه السلام " . وأكثر كتب الفقه ليس فيه استحباب زيارة قبر النبي – عليه الصلاة والسلام – مع ما يذكرون من أحكام المدينة ، وإنما يذكر ذلك قليل منهم ويفسرونه بإتيان المسجد الشريف . ولا يخفى أنه لو كان هذا من سنّته المعروفة عند أمته المعمول بها من زمن الصحابة والتابعين لكان ذلك مستفيضاً مشهوراً عند علماء المسلمين في كل زمان ، كما اشتهر ذكر الصلاة والسلام عليه – صلى الله عليه وسلم – وكما اشتهر عندهم ذكر مسجده ، وفضل الصلاة فيه ، وشدّ الرّحال إليه . ولذا : فإنّ مَن قصد السفر إلى المسجد النبويّ للصلاة فيه ، فإنّ هذا مشروع بالنص والإجماع . وإنْ قصد القبر دون المسجد فإنّ أكثر العلماء يحرّمون هذا السفر ، وآخرون يجعلونه سفراً جائزاً وإن كان غير مستحب ، ولا واجب بالنّذر ، وأما مَن قصد السفر إلى المسجد والقبر معاً ، فهذا قد قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (10) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وقد روى الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا قبري عيداً ، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، وحيثما كنتم فصلّوا عليَّ فإنّ صلاتكم تبلغني " . وقد استجاب الله – تعالى – دعوة نبيه – عليه الصلاة والسلام – فلم يُتخذ قبره مكاناً للعبادة ، ولا وثناً كما يُفعل عند قبور غيره – وإلى الله المشتكى – ولا يتمكن أحد من الدخول إلى حجرته بعد أن بُنيت ، وقيّض الله الدولة السعودية في زماننا ليسيروا على نهج الأولين في صيانة الحجرة الشريفة من ممارسات أفعال الشرك والغلوّ ؛ فلا يصل أحدٌ – بفضل الله سبحانه – إلى القبر ، وما فعلوا ذلك ليُستهان بالقبر المكرّم ، بل لئلا يُتخذ وثناً يُعبد ، ولا يُتخذ بيته عيداً . وقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – خير القرون ، وهم أعلم البشر بسُنة النبيّ – صلى الله عليه وسلم – وأطوع الأمة لأمره ، وأكثرهم حباً لهَديه ، ودَلّه ، ومع ذلك كانوا إذا دخلوا المسجد النبويّ لا يذهب أحدٌ منهم إلى قبره ، لا من داخل الحجرة ، ولا من خارجها ، ولم يطمع الشيطان أن ينال منهم من الإضلال والإغواء ما ناله ممن بعدهم من أهل البدع . وما أروع ما قاله الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - حيث قال : " مَن كان منكم مُستنّاً فليستنّ بمن مات ؛ فإنّ الحيّ لا تُؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد : أبرّ هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلّها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسّكوا بهديهم ، فإنهم كانوا على الهَدي المستقيم " . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (11) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. ومن الأفعال المنكرة التي يفعلها البعض عند قبر النبيّ – صلى الله عليه وسلم - : الاستغاثة به ؛ والنبيّ – عليه الصلاة والسلام – يجوز أن يُستغاث به في حياته ، فيُطلب منه أن ينصر المظلوم ، ويُطعم الجائع ، ويقضي الدين .. إلخ ، فهو أفضل الناس عملاً ، وأعظهم برّاً – بأبي هو وأمي – والصحابة – رضي الله عنهم – قد استغاثوا به ليدعو لهم في القحط كما ثبت في الصحيح . أمّا الاستغاثة به بعد موته فلا تجوز ؛ لا فيما يقدر عليه في حياته ، ولا فيما لا يقدر عليه ، وقول من يقول : " إنّ الاستغاثة به بعد موته ثابتة ثبوتها في حياته " ، فهو كلام باطل قطعاً ، فليس على نبيّ ، ولا غيره بعد موته أن يفعل ما كان يُؤمر به في حال الحياة من واجب ومستحب . ولا يستطيع أحد أن ينقل عن أحد من الصحابة – رضي الله عنهم - ، ولا من السلف أنهم بعد موته طلبوا منه إغاثة ، ولا نصراً ، ولا إعانة ، ولا استسقوا بقبره ، ولا استنصروا به كما كانوا يطلبون ذلك منه في حياته . وأما قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كما في الصحيح : " اللهمّ إنّا كنا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبينا فتسقينا ، وإنّا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا " ؛ فالمقصود : أنهم كانوا يتوسلون بدعاء النبيّ – صلى الله عليه وسلم – لا بذاته ، فلمّا مات توسلوا بدعاء العباس – رضي الله عنه – ولو كان التوسل بذاته لكان هذا أولى من التوسل بعمّه ، فلما عدلوا عن التوسل به – عليه الصلاة والسلام - إلى التوسل بالعباس عُلم أنّ ما يفعله في حياته قد تعذّر بموته . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (12) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. إنّ المتأمل في نصوص الشرع الواردة في شفاعة النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يجد أنّ هناك نوعين من الشفاعة اختصّ بهما النبيّ – عليه الصلاة والسلام - :- أحدهما : شفاعة دنيوية في حياته ؛ فقد أجمع أهل العلم على أنّ الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يستشفعون ، ويتوسلون به في حياته بحضرته ؛ كما ثبت في أحاديث الاستسقاء ، وهذا الاستشفاع إنما هو طلب للدعاء منه ، فإنه كان يدعو للمستشفِع والناس يدعون معه . وهذا ما فهمه الصحابة – رضوان الله عليهم – وعملوا به بعد موته – صلى الله عليه وسلم – وقد تقدّم في المقال السابق حديث استسقاء عمر بن الخطاب بدعاء العبّاس – رضي الله عنهما – وكان من الممكن أن يأتي عند قبر النبيّ – عليه الصلاة والسلام – فيتوسّل ويستشفع به وبجاهه كما يفعل جهلة الناس في القديم والحديث ، لكن لم يُنقل عن أحد من السابقين الأولين ، ولا التابعين اللاحقين أنهم فعلوا ذلك . والشفاعة الثانية : هي الشفاعة الأخروية ، وقد أجمع المسلمون على أنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك ، وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة . ثم إنّ أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفق عليه الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – من أنّ النبيّ – عليه الصلاة والسلام – يشفع لأهل الكبائر من أمته ، ويشفع لعموم الخلق ، وله شفاعات يختصّ بها لا يشاركه فيها أحد ، وهناك شفاعات يشاركه فيها الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – والصالحون ، لكنْ ما له فيها أفضل مما لغيره ؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق ، وأكرمهم على ربه – تعالى – كما هو مقرّر في عقيدة أهل السنة والجماعة . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (13) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. ومن الأفعال المنكرة التي يفعلها البعض عند الحجرة النبوية الشريفة : الوقوف بخشوع وانكسار وذلّ أمام القبر النبويّ بهيئة لا تليق إلا للوقوف أمام رب العالمين في الصلاة ، وكذلك : التزام قراءة أدعية معينة وصيغ محدّدة للسلام على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – مع رفع الصوت والبكاء ، واعتقاد أنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – حيّ في قبره يسمع سلام وكلام الواقفين أمام الحجرة النبوية ، وهذا من الجهل الواضح ؛ لأنّ النبيّ – صلى وسلم عليه الإله – ميت بنص القرآن تجري عليه نواميس الموت عند البشر ، إلا أنه يمتاز عن البشر – كسائر الأنبياء والمرسلين – أنّ الله – تعالى – حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فجسد النبيّ – صلى الله عليه وسلم – مصون محفوظ بحفظ الله – سبحانه – كرامة لأنبيائه ، إلا أنه ميت في حياة البرزخ التي لا نعلم عنها شيئاً إلا ما جاء في النصوص الصحيحة الصريحة ، وبالتالي فإنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – لا يسمع مَن يسلّم عليه كما يسمع الأحياء من البشر ، وإنما تبلّغه الملائكة سلام أمته بصفة وطريقة لا نعلمها . ومن أنكر الأفعال التي تحدث عند الحجرة النبوية : مَن يطلب من رسول الله – عليه الصلاة والسلام – نفعاً ، أو ضرّاً ، أو أي شيء ممّا كان يقدر عليه في حياته ، فهذا من الشرك الذي حذّرنا منه ربنا – تعالى – وأمر نبيّه – صلى الله عليه وسلم – أن ينهى أمته عن ذلك ، ويعلن أنه لا يملك لنفسه نفعاً أو ضرّاً ؛ فقال جّل وعزّ : ((قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)) ، وإذا كان لا يملك ذلك لنفسه ، فلا يمكن أن يملكه لغيره . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (14) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. وبناء على ما تقدّم : فإنه لا يجوز لأحد أن يطلب من النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بعد موته أن يدعو له ، أو يستغفر له ؛ فإنّ ذلك قد انقطع بموته – عليه الصلاة والسلام – أمّا مَن يحتج بقول الله – تعالى - : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً )) ، فهذا في حياة النبيّ – عليه الصلاة والسلام – فقط ، وليس في الآية دليل على طلب الاستغفار منه بعد موته ؛ لأنّ (إذ) ظرف للماضي لا للمستقبل – كما هو مقرّر عند أهل اللغة – والآية نزلت في قوم كانوا في عهد النبيّ – صلى الله عليه وسلم – فلا تكون لمن بعدهم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - : " سؤال الميت والغائب نبياً كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ، ولا رسوله،ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين "، ثم قال : " ولا أحد من الصحابة – رضي الله عنهم – استغاث بالنبي – صلى الله عليه وسلم – بعد موته ، ولا بغيره من الأنبياء،لا عند قبورهم،ولا إذا بعدوا عنها ، وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال، ويشتد البأس بهم ، ويظنون الظنون ، ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين ، ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلاً ،ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء، ولا قبور غير الأنبياء ،ولا الصلاة عندها. وقد كره العلماء – كمالكٍ وغيره – أن يقوم الرجل عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعو لنفسه، وذكروا أنّ هذا من البدع التي لم يفعلها السلف " . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (15) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. حدّثني مَن أثق فيه ؛ قال : مرّت بي نازلة أقضّت مضجعي ، وجعلتني في همّ وغمّ لا يعلم قدره إلا الله – تعالى – وضاقت عليّ الأرض بما رحبت ، فتذكرتُ حديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله ! إني أكثر الصلاة ، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت"، قال: فقلت: الربع ؟ قال: "ما شئت ، وإن زدت فهو خير لك"، قال: فقلت: الثلث ؟ قال:"ما شئت فإن زدت فهو خير لك"، قال: فقلت: النصف ؟ قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير لك"، قال: أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال: "إذن يكفى همك ويغفر ذنبك" ، هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح . قال صاحبي : فلزمتُ الصلاة على النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بصيغة التشهد في الصلاة يوماً وليلة ، لم يفتر لساني إلا قليلاً ، فما جاء اليوم التالي إلا وقد فرّج الله – بفضله ورحمته – عني ، وقُضي الأمر على خير ما أحب . قال الشيخ صالح الفوزان معلّقاً على حديث أُبيّ بن كعب : " ومعنى الحديث أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل يجعل ربع دعائه أو نصفه أو كل دعائه صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يعني: يستبدل الدعاء الذي كان يدعو به بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا جعل دعاءه كله صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكفى همه ويغفر ذنبه؛ لأن من صلّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشر صلوات ، ومن صلّى الله عليه فقد كفاه همه وغفر له ذنبه ، فهذا الحديث فيه فضيلة الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " . شادي السيّد فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (16) قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ، الأحزاب : 56. بقي أن أختم هذا المبحث في فضل الصلاة والسلام على النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بذكر أبرز الأخطاء التي تقع من البعض في هذا الباب ؛ فمن ذلك : التزام صيغ للصلاة والسلام على النبيّ – عليه الصلاة والسلام – لم ترد في النصوص الصحيحة ، وقد علّمنا النبيّ – صلى الله عليه وسلم – كيف نصلّي عليه – كما تقدّم في هذه السلسلة – مثل قوله : " قولوا : اللهم صلّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " ، وغير ذلك من الصيغ الثابتة في النصوص الصحيحة . ومن الأخطاء في هذا الباب : التزام عدد مخصوص من صيغ الصلاة والسلام على سبيل السُنيّة والاستمرار بلا دليل شرعيّ . ومن ذلك : السيادة للنبيّ – عليه الصلاة والسلام - ومن استقرأ صيغ الصلاة على النبي – عليه الصلاة والسلام - الواردة لم يجد فيها لفظ "السيادة"، لا داخل الصلاة ولا خارجها ، ومن استقرأ أحاديث الأذان لم يجدها في ذكر "الشهادة بأن محمداً رسول الله". والمحدثون كافة في كتب السنة لا يذكرون لفظ السيادة عند ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا لا يتنافى مع كونه سيد ولد آدم – عليه الصلاة والسلام – كما ورد في الحديث . ومن الأخطاء أيضاً : الاكتفاء بالسلام دون الصلاة ؛ كقولهم : النبيّ – عليه السلام - ، وكذلك : كتابة (صلعم) ، و(ص) بدلاً من جملة (صلى الله عليه وسلم) ، وقد عدّ بعض أهل العلم ذلك من سوء الأدب مع النبيّ – عليه الصلاة والسلام – أسأل الله – تعالى – أن ينفع بهذه المقالات ، وأن يرزقنا حُسن الأدب مع الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) . منقول صيد الفوائد
__________________
![]() ![]() |
#5
|
||||
|
||||
![]() بارك الله فيكى وجزاكى الف خير على النقل الرائع
|
#6
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خير
|
#7
|
||||
|
||||
![]() وفيكِ بارك الله أسعدني مرورك
__________________
![]() ![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |