من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          وصفات طبيعية لتقشير اليدين بانتظام.. من السكر لزيت جوز الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أبرز 5 تريندات ديكور منزلى في صيف 2025.. لو بتفكر تجدد بيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-11-2024, 04:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات (توجيهات) سورة الرحمن عروس القرآن (1)

د. نبيه فرج الحصري


يتناول الكاتب في هذا الجهد المتواضع الذي يرجو به عفو ربه، ما أفاض الله عز وجل به على قلبه وعقله ووجدانه من التأمل والتدبر من فهم أو تصوُّر فهم لسورة الرحمن (عروس القرآن) كما سمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي السورة الوحيدة من سور القرآن الكريم التي تبدأ مباشرةً باسم من الأسماء الحسنى لمولانا وخالقنا العظيم الرحيم الكريم وهو اسم (الرحمن) الذي بدأت به السورة المباركة في أول كلماتها، متفردة بذلك عن أي سورة من سور القرآن، وإن كانت كلها لها الجلال والإجلال والتعظيم والإكبار؛ ولكن لا ريب أن لهذا التفرد الخاص بسورة الرحمن فيما يتعلق بتلك الخاصية الكريمة حكمة وعبرة في مكنون علم الله عز وجل.

أما تسميتها بعروس القرآن فقد ذكره السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن، في غضون ذكره لما رواه البيهقي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن".

وقد أدَّى ذلك إلى تكون مجموعة خواطر في وجدان الكاتب تخصُّ هذه السورة التي اشتملت على كل جمال وجلال تسمو به النفوس، وتنجلي به العقول، وتسعد به النفوس، وقد أتى ذلك من ثمرات التأمل والتدبر فيما يوفقنا الله لقراءته من آيات الذكر الحكيم، وهو أمر محمود؛ إذ يقول عز وجل: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

ويقول عز وجل أيضًا: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، قال ابن كثير رحمه الله: أَيْ: سَهَّلْنَا لَفْظَهُ، وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ، لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ، والمقصود أن المولى عز وجل هو من يَسَّر قراءة القرآن لقارئيه للاتِّعاظ والتدبر والذكر والتذكُّر كل على حسب قدرته الإيمانية والوجدانية، وكل ذلك يرتبط بلا شك بجلاء العقول ونُبْل الخاطر، والاجتهاد في ذلك هو بلا ريب باب من أبواب تزكية النفوس.

أما مقولة تفسير القرآن، فليس لأحد أن يفسر القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمَ؟ لأن القرآن الكريم مستودع أسرار الكون والخليقة، وليس لأحد أن يحيط بذلك من البشر إلا من اصطفاه الله عز وجل بفيض علم أو كرامة إلهام لما استقر في حكمته من أمور غيبية، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن القرآن الكريم في حديث طويل: "كِتَابُ الله، فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ".

فإذا أراد واحد من البشر تفسير القرآن فإنه من الجائز أن يدلو بدلوه في إطار فهمه أو حكمه أو رؤيته فيما يخص الماضي أو حتى الحاضر، ولكن كيف يتأتى له أن يفسر ما يخص المستقبل، ويقول عز وجل: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [الأنعام: 59]، والقرآن الكريم بلا شك ينطوي على علم الماضي والحاضر والمستقبل، وعند هذه النقطة يتوقف القائلون بتفسير القرآن فلا يتحركون قيد أنملة؛ لأن المستقبل بيد الله عز وجل وحده.

وبناءً على ذلك جنح الكثير من العلماء والمفكرين إلى استخدام مصطلح الخواطر عند التعرض لفهم أو إفهام القرآن الكريم؛ كخواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله عز وجل الذي أصَرَّ على استخدام لفظة الخواطر وليس التفسير، وكان محقًّا في ذلك وموفقًا، ومن الكتاب كذلك من استخدم مصطلح التأملات القرآنية عند التعرض لذات الموضوع؛ لانها الأقرب لمحاكاة الحقيقة من وجهة نظره.

إن الكاتب في هذا التوجه وفي إطار محاولة الفهم الصحيح لنصوص القرآن ومحاولة صياغة فهمه المستقر في وجدانه ونقله للآخرين يستطرد في نواحٍ متعددة قريبة وبعيدة لمحاولة استلهام ما ينبغي أن يكتب أو يقال بخصوص النص القرآني الكريم الذي يتعرض له الكاتب، فالأمر يستدعي الكثير من إعمال الخاطر بالإضافة إلى الكثير والكثير من التأمل والتدبر، فالخواطر تتأتَّى من التأمل، وكذا فإن التأمل يرتبط بجمال الخاطر.

وسورة الرحمن عروس القرآن سورة مكية، والسور المكية تهتم بنواحي العقيدة وتثبيت الإيمان في الصدور، وكذا توطين الغيبيات على النحو الإيماني الصحيح، وما إلى ذلك من سمات تختلف إلى حد ما عنها في السور المدنية التي اهتمت أكثر بفقه المعاملات والحدود وأمور القتال، وهي أمور ترتبط بوضعية الإسلام والمسلمين حين تأسيسهم لدولة الإيمان بالمدينة المنورة.

وتعقب سورة الرحمن في ترتيب السور بالمصحف الشريف سورة الواقعة، ويلاحظ أن المولى عز وجل في سورة الرحمن قسم أصناف البشر يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف وهم: الخائفون من مقام ربهم ولهم من ربهم جنتان، ويليهم في الدرجة المؤمنون العاملون بأوامر الله المجتنبين لنواهيه ولهم من ربهم جنتان كذلك من دون الجنتين الأوليين، والصنف الثالث المجرمون أصحاب النار أعاذنا الله منهم ومن مصيرهم.

وقسم عز وجل نفس الأصناف الثلاثة أيضًا في سورة الواقعة التي تلي سورة الرحمن في ترتيب سور المصحف الشريف ولكن بأسماء جديدة وهم: السابقون الأولون ثم أصحاب الميمنة، وأصحاب المشئمة أعاذنا الله منهم ومن مصيرهم.

ربما أنه منهج رباني لتعليم القرآن للمؤمنين وتيسيره للذكر للمدكرين وتفهيمه لمن أراد الفهم أو أراد الله له أن يكتب بأنه للقرآن الكريم من المتدبرين، والمقصود بذلك تصنيف أحوال الناس من جوانب مختلفة وفي سور مختلفة أيضًا.

ويلاحظ في سورة الرحمن المباركة تكرار الآية الكريمة ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ عقب العديد من الآيات التي تناولت ذكره عز وجل لنعم وآلاء ربانية عظيمة أوجدها الله عز وجل وأتاحها لخلقه من الثقلين الإنس والجن، ولا شك أن ورود هذه الآية الكريمة بهذا التكرار وفي هذه الأماكن من سورة الرحمن له حكم ربانية عُلْيا يعلمها الله عز وجل ومن شاء من خلقه، بل ولها ضرورة كضرورة الماء والهواء والشمس للحياة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-11-2024, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات (توجيهات) سورة الرحمن عروس القرآن (2)

د. نبيه فرج الحصري

يقول عز وجل في مستهلِّ سورة الرحمن بعد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 1، 2].

الآية الأولى ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ حيث جعل الله عز وجل واحدًا من أسمائه الحسنى هو الآية والكلمة الأولى في السورة الكريمة، والقارئ المتدبر للقرآن هنا يدرك ببساطة أنه هنا في استقبال الرحمة من واهبها عز وجل في أجمل صورها، وعليه أن يستعد تمامًا لاستقبال تلك الرحمة التي وفَّقه الله عز وجل لكي يصطف مع المصطفين لاستقبالها، حيث يقول عز وجل في الآية 82 من سورة الإسراء ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82] صدق الله العظيم.

في إشارة منه سبحانه وتعالى إلى أن هذا القرآن منزل من عنده، وبه الشفاء والرحمة للمؤمنين، فتعرض المسلم لآيات الشفاء تكون سببًا في شفائه بإذن الله، وكذا تعرُّضه لآيات الرحمة تكون سببًا في تنزُّل الرحمات عليه من عند ربه وخالقه، وليس الأمر مطلقًا، بمعنى أن تعرض المؤمن لآيات العذاب هل يكون سببًا في عذابه؟ لا، فإيمانه وتدبُّره للقرآن يعصمه من ذلك، وإنما يعذب بها الكافر حين يستمع إلى القرآن ولا يتدبَّر ولا يتَّعِظ والله أعلم.

فالسورة الكريمة هنا تبدأ بأمر عظيم تغمر به القارئ والمستمع؛ ألا وهو الرحمة من الرحمن عز وجل، ولكن لماذا اختار المولى عز وجل اسمه الرحمن لتتصدر وتتزيَّن به السورة الكريمة التي تدلف بنا مباشرة إلى العلم والتعلم في الآية الثانية من السورة المباركة، فهل من رابط بين رحمة الرحمن والعلم، وبصفة خاصة علم القرآن؟

يبدو ذلك بجلاء في الآية الثانية ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾، أليس هناك مغزى وعبرة من أن تسبق آية ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ هذه الآية ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾؟ كلَّا وألف كلا؛ بل هناك العديد من العبر، فهذا القرآن يتصف بأنه قد أحكمت آياته كما بين عز وجل في قوله: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ [هود: 1].

لماذا الرحمن دون غيره من أسماء الله الحسنى يقترن بتعليم القرآن؟ وهل المقصود بذلك هو القرآن الكريم كتاب الله المقدَّس والمنزَّل على قلب رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم والمشتمل على رسالة التوحيد، أم المقصود علم القراءة والبيان؛ حيث يقول عز وجل في الآيتين التاليتين مباشرة ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4].

فهل المقصود من آية ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ هو علم البيان - أي بيان معاني الكلمات المقروءة - أو فهم مدلولات وأسماء الأشياء التي علمها الله عز وجل لآدم عليه السلام بعد خلقه؟ وكما ورد في الآية 31 من سورة البقرة في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 31] أم أن المقصود من الآية الكريمة من سورة البقرة هو تعليم المولى عز وجل القرآن عامة لرسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، ومما آتاه الله إياه أو قذفه في قلبه الشريف في غضون رحلة الإسراء والمعراج المباركة؟

أيًّا كان الحال فقد قرن الله عز وجل التعليم بالرحمة من جانب المعلم، وهو جل في علاه هنا في حالتنا هذه هو المعلم، وغيره هو المتعلِّم، واللفظ القرآني بليغ؛ بل إنه معجز بطبيعة الحال، فإنه لم يقل: (الرحيم عَلَّم القرآن) لماذا؟ لأن الرحيم هو مستخدم الرحمة في موقف محدد يبدأ وينتهي؛ ولذا يقال عن بعض البشر بأنه رحيم، ولكن لا يقال عنه أبدًا بأنه رحمن؛ لأن اسم الرحمن لا ينسب إلا لله عز وجل؛ لأن اللفظ الكريم يطلق على واهب الرحمة ومعطيها باستمرار وبلا حدود وليس مستخدمها في موقف محدد بزمان ومكان وظروف.

الرحمة المرتبطة باسمه الكريم الرحمن متعدية للموقف والزمان والمكان والقدرة البشرية كذلك، ولقد قدم الله عز وجل اسم الرحمن على الرحيم في البسملة التي ذهب أكثر الفقهاء إلى مشروعيتها واستحبابها عند الأمور المهمة؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ: أَقْطَعُ))، وتقديم اسم الرحمن على الرحيم هنا يدلل على عظم الرحمة في الاسم الأول عن الثاني، وكلاهما من أسمائه الحسنى عز وجل.

وكما تمت الإشارة فيما سبق إلى أن الرحمانية ربانية فقط، أما الرحيمية فقد تكون ربانية أو بشرية، وتكون بحساب غير متعدية للموقف المرتبطة به، وهذا يناسب الحياة البشرية التي نعيش فيها، فلا يمكن أن تكون الرحمة فيها مطلقة غير مقيدة؛ لأن ذلك يفسد الحياة؛ لأنه يوجد من المواقف ما يستلزم فيه الشدة؛ لارتباط ذلك بالمصلحة الجماعية للأمة أو المجتمع، مما يشكل دافعًا للتخلي عن مبدأ الرحمة، وإن كان هذا التخلي ظاهريًّا فقط وليس جوهريًّا؛ كقتل القاتل، ورجم الزاني، وقطع يد السارق، وجلد شارب الخمر، فكلها أمور ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة، والله أعلم.

ويتضح ذلك جليًّا في قوله عز وجل: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، والحياة؛ أي: المصلحة الحياتية الدنيوية للمجتمع الإسلامي، فلو طبَّقنا هنا مبدأ الرحمة المطلقة المتعدية المشتقة من اسم الرحمن؛ لفسد المجتمع، وفسدت الحياة بسبب عدم الأخذ على أيدي المجرمين ومرتكبي الكبائر.

فرحمته عز وجل في الآخرة غير رحمته في الدنيا؛ لأنه أنزل في الدنيا من الرحمة ما ينصلح به أمر الدنيا فقط؛ كالملح الذي ينصلح به الطعام، فلو زاد الملح لأفسد الطعام، ويقول صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحَم الخلائق)).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-12-2024, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات (توجيهات) سورة الرحمن عروس القرآن (3)

د. نبيه فرج الحصري




أما في الآخرة فإن الخالق عز وجل يعامل الخلق برحمانيته وليس برحيميته؛ أي: بالرحمة الكاملة مئة جزء وليس جزءًا واحدًا، فيخرج من النار كل من قال: "لا إله إلا الله"، ومن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ويقول صلى الله عليه وسلم عن حال يوم القيامة: ((يقولُ اللَّهُ: أخرجوا منَ النَّارِ من قال: "لا إلهَ إلَّا اللَّهُ"، وَكانَ في قلبِه منَ الخيرِ ما يزنُ شعيرةً، أخرجوا منَ النَّارِ من قال: "لا إلهَ إلَّا اللَّهُ" وفي قلبِه منَ الخيرِ ما يزنُ برَّةً، أخرجوا منَ النَّارِ من قال: "لا إلهَ إلَّا اللَّهُ" وفي قلبِه منَ الخيرِ ما يزنُ دودةً، أخرجوا منَ النَّارِ من قال: "لا إلهَ إلَّا اللَّهُ" وفي قلبِه منَ الخيرِ ما يزنُ ذرَّةً)).

ويقول عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ﴾ [النساء: 116]، فهو عز وجل يرحم خلقه من العقاب والعذاب الأليم ما داموا لم يشركوا به شيئًا، وهذا المنطق ذاته غير مطبق في حياتنا الدنيوية، فالزاني مثلًا أو شارب الخمر في الآخرة تشمله الرحمة الربانية ما دام لم يشرك بالله شيئًا، فيخرج من النار إلى الجنة بإيمانه الذي في صدره، أما في دنيانا فلا بد من تطبيق الحدود؛ لما في ذلك من مصالح اجتماعية حياتية.

نخلص من ذلك إلى أن الله عز وجل يدعو لاستخدام الرحمانية وليس الرحيمية في سياق عملية التعليم، مئة جزء من الرحمة شفقة ورفقًا وحلمًا على المتعلم، ولكنه المتعلم المتأهب للتعلم، المقدر للمعلم، المستعد لمكابدة الصبر وتحَمُّل المشاقِّ في سبيل تحصيل العلم، وهنا يستحق المتعلم هذا الإشفاق على جهله، والترفق عليه في مصيبته، والاجتهاد في تعليمه ما يجهل، وهناك فرق جلي فيما يخص الموقف التعليمي الرباني والبشري، فالمولى عز وجل حين يعلم فهو يضع المتعلم في مستهل الرحمة الكاملة المتعدية، أما البشر فليس لديهم إلا جزء واحد من الرحمة سرعان ما ينفذ؛ ومن ثم ينحى المعلم لمعالجة الحالة التعليمية البشرية وفقًا لقدرته على الصبر وتحَمُّل الأذى والتعامل مع أصناف من السوقة والجهلة من البشر، هداهم الله للوفاء بحق العلم وأهله أو صرفهم الله عن ذلك السبيل ليتركوه لمن يقدره.

ويلجأ صنف متميز من البشر وهم المعلمون في الموقف التعليمي - المأمورون فيه باستخدام الرحمة مع المتعلم تأسيًا بالرحمن عز وجل حين علم القرآن ولله المثل الأعلى- إلى استخدام الوسائل العقابية لعقاب المتعلم في غضون تلقيه للعلم، إذا هو قصر أو أهمل أو تكاسل أو تجاوز دوره كطالب للعلم مستحق للشفقة والرحمة كونه جاهلًا بما لدى المعلم من فضل رباني متمثل في العلم؛ وذلك لأن الرحمة المطلوبة من المعلم تجاه المتعلم لا يجب أن تكون ممتدة بلا نهاية، كما لا يجب استخدامها في كل المواقف والمراحل التعليمية بنفس المستوى.

ونربأ بالأذهان المتفتحة أن تتجه مباشرة إلى أن المقصود بذلك هو العقاب البدني، بل إن هناك العديد من وسائل العقاب غير البدنية أكثر إنجازًا من العقاب البدني، منها حرمان المتعلم من المثول أمام المعلم حتى يلتزم بآداب طلب العلم، وهذه الوسيلة من أنجع الوسائل وهي الحق الأصيل للمعلم فليس من المنطقي أن يفرض على صاحب العلم من يعلمه، بل إنه لن يكون قادرًا على العطاء إلا لمن يحنو عليه، ويرفق به ولا يتحقق ذلك إلا مع من يعرف آداب طلب العلم ممن يطلبون العلم.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن أنواع العقاب التي يمكن أن يستخدمها المعلم، ولكنه مجرد لفت للأنظار إلى التناول القرآني الراقي لهذا السياق في إطار قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 1، 2].

ولكن لمن عَلَّم القرآن عز وجل؟ من المعَلَّم؟ ظاهر النص القرآني الكريم أنه عَلَّم القرآن لخلقه بصفة عامة، والقرآن ضروري لقيام الحياة كلها كضرورة الماء والهواء بالنسبة للخليقة، فآيتا ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ تفيدان أنه علم القرآن عز وجل بدون تحديد، فقد يكون المتعلِّم ملكًا أو بشرًا أو جنًّا أو من غيرهم من خلق الله عز وجل الذين نعلم بهم أو لا نعلم.

وإذا كانت الآيتان الأولى والثانية من سورة الرحمن المباركة لم تحددا من هو المتعلِّم في ذلك الموقف الرباني، فالآيتان التاليتان تتعلقان بالإنسان تحديدًا في قوله عز وجل: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4].

وتفيد الآيتان الكريمتان أنه عز وجل بعد خلقه للإنسان- والمقصود به هنا آدم عليه السلام- عَلَّمه البيان، وقد يكون تعَلُّم البيان ومستوى هذا التعلم ومقداره وتوقيته مرتبط بكل إنسان على حدة؛ أي: إن كل إنسان خلقه أو سيخلقه الله عز وجل حتى قيام الساعة تتاح له الفرصة التي حدد الله مقدارها وقدرها وتوقيتها ليعلمه الله عز وجل البيان، مع اختلاف هذا التعليم والتعلم حسب كل إنسان وقدراته وملكاته ومواهبه التي يمنحه الله إياها، وعلى حسب دوره المحدد والمقدر له في الحياة، وقد يكون المقصود بالإنسان هو آدم عليه السلام فقط، وهو بدوره من ينقل هذا العلم لذريته ولسائر الذريات الآدمية جيلًا من بعد جيل، والله عز وجل أعلى وأعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-01-2025, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات (توجيهات) سورة الرحمن عروس القرآن (4)

د. نبيه فرج الحصري

ما هو علم البيان؟



في قوله عز وجل في سورة الرحمن الجليلة: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4]، هناك سؤال يفرض نفسه: ما هو علم البيان؟

البيان اسم جامع يرتبط بالقدرة على الإيضاح؛ أي: بالقدرة على التبيين والتوضيح للغير لأمر ما ملتبس أو غامض أو مجهول عند هذا الغير، وعلى ذلك يكون البيان بالقراءة للغير أو الكتابة له أو بالتعبير الشكلي أو بالإشارة أو بالحركة أو بالرسم أو بغيرها من وسائل التبيين والتوضيح، وهو ما نطلق عليه في المصطلحات المعاصرة (الوسائل التعليمية).

فالمولى عز وجل هو الذي عَلَّم الإنسان كيفية تبيين وجهة نظره للآخرين بالوسائل المختلفة التي يمكن أن يستخدمها هذا الإنسان، وحسب الموضوع الذي يتناوله، كما أن البيان يشتمل في مفهومه على قدرة الشخص على الإجابة عن التساؤل الصادر من الطرف الآخر المتلقي، ويختلف مستوى وقدرات الشخص على البيان باختلاف قدراته العلمية وملكاته الذهنية واستعداداته النفسية، وهذا ما يُسمَّى بالفروق الفردية بين الأفراد سواء كانوا معلمين أو متعلمين.

والبيان من جانب آخر يشتمل على البلاغة؛ حيث إن البلاغة هي قدرة الشخص على أن يبلغ بالألفاظ والتعبيرات ما يحتويه عقله من علم أو قلبه من مشاعر وأحاسيس بأقل الألفاظ وأرقى المعاني؛ ولذا علَّم المولى عز وجل هذا العلم الهام للإنسان بعد خلقه؛ حيث إنه أعمُّ وأشمل وأرقى من علم القراءة أو الكتابة أو غيرهما من العلوم؛ إذ لا بد أن تسبق القدرة على البيان وجود رصيد أو مخزون علمي ومعرفي لدى الإنسان لكي يتمكن من إخراج ما يُتاح له أن يحتويه عقله وقلبه من العلوم والمعارف والمشاعر لتستفيد منها الخليقة.

فبدون القدرة على البيان سيتوقف علم العالم عند علمه هو دون قدرة منه على نقل هذا العلم للآخرين، وهذا من أسوأ الحالات، حين يقال إن فلانًا عالم إلا أنه ضعيف جدًّا في نقل العلم أو إيصال المعلومة، فهو هنا كالشجرة غير المثمرة، وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم من الكبار في علم البيان، واستخدم الكثير والكثير من الوسائل العظيمة لتوضيح أفكاره ونقل علومه إلى الثقلين الجن والإنس، ولا تزال وسائله ذات أثر ونفع إلى قيام الساعة، فألفاظه صلى الله عليه وسلم بليغة وعباراته مبهرة تزداد مع مرور الزمن توهجًا وجلالًا، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وصحَّحه البخاري:((مثلُ المؤمنِ الَّذي يقرأُ القرآنَ كالأُتْرُجَّةِ طعمُها طيِّبٌ، وريحُها طيِّبٌ، والَّذي لا يقرأُ كالتَّمرةِ طعمُها طيِّبٌ، ولا ريحَ لها، ومثلُ الفاجرِ الَّذي يقرأُ القرآنَ كالرَّيْحانةِ ريحُها طيِّبٌ، وطعمُها مُرٌّ، ومثلُ الفاجرِ الَّذي لا يقرأُ القرآنَ، كمثلِ الحنظلةِ طعمُها مُرٌّ وريحُها مرٌّ)).

وقراءة القرآن بلا شك هي من دلائل علم المسلم وفقهه، فالمولى عز وجل يقول في أول سورة أنزلها على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأول من آياتها الكريمة بعد بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، وقراءة القرآن من أفضل الوسائل لتعلم علم البيان والتوضيح؛ لأن المنهج القرآني يعين المسلم على ذلك عونًا عظيمًا.

ولكن فاقد الشيء لا يعطيه؛ لذا لا بد من الإدراك والفهم المتعمقين لكي تكتسب العلم النافع، ولكي تقوم بإيصاله للآخرين فيما بعد بما حباك الله من نعمة علم البيان؛ أي: إن الله عز وجل وهبك الأداة التي بها تفيد الخليقة من العلم، وليس عليك سوى تحصيل العلم- وأخيره وأفضله وأشرفه علم القرآن الكريم- ليكون لك نصيب من قوله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعَلَّم القرآنَ وعَلَّمَه))؛ أي: إن الله وهبك الخزينة وعَلَّمك كيف تفتحها وتغلقها وأمرك بإفادة الناس مما تختزنه بها، فعليك أنت أن تطلب توفيقه لتملأها بما يرضيه وتفيد بها الخليقة على ما يرضيه أيضًا، فتكون ممن يرضى عنهم الله عز وجل في الدنيا والآخرة.

والملفت للنظر في الآيتين الكريمتين: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4] هو الموازنة أو التناغم ما بين خلق الإنسان وتعليمه البيان، أو بمعنى أكثر اختصارًا الموازنة بين الخلق والعلم أو بين الحياة والعلم، فتطوير الحياة وتحقيق المرجو منها وهو عبادة الله عز وجل يتحقق بالعلم، والعلم يتطوَّر بتطور علم البيان، بمعنى قدرة المعلم على إيصال المعلومة، وقدرة المتعلم على نقل المعلومة لغيره، فلا يجب أن تتوقف رحلة العلم عندك؛ لأن العلم كالماء الجاري، واختزان الماء الجاري أو حبسه يضر به من حيث الخصائص، ويضر مستخدمه كذلك.

لذا فإن من حباه الله بالعلم النافع وبخاصة علم القرآن وعلوم الفقه والشريعة والسيرة والمعاملات وغيرها من علوم الدين التي هي أشرف العلوم قاطبة عليه أن يجتهد في الحفاظ على علمه وعقله وتزويده وتنقيحه وتحديثه باستمرار، وعليه كذلك أن يفيد غيره من هذا العلم، لتستمر مرونة العلم وحيويته في ذهنه، ويستمر الانتفاع به من جانب مجتمعه بل والبشرية جميعها، ولا يقتصر الانتفاع بالعلوم من جانب البشرية على علوم الشرع الحنيف فحسب، فكل العلوم نافعة إلا تعَلُّم السحر فهو محاط بالعديد من المحاذير الشرعية، والله عز وجل أعلى وأعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-01-2025, 11:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

حُسبان الشمس والقمر وسجود النَّجم والشجر

من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن (5)

د. نبيه فرج الحصري

﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن: 5]:
يستطرد المولى عز وجل في السياق العلمي المعرفي الذي بدأ به السورة الكريمة؛ سورةَ الرحمن عروسَ القرآن، فيوضح أن الشمس والقمر مدبَّرٌ أمرهما من قِبله عز وجل بحُسبان دقيق، ولا ريب أن العقول قد عجزت في حينها - أي في وقت نزول القرآن - عن استيعاب فكرة مسير الشمس والقمر وحركتهما الدائبة بالحساب الدقيق، أما في عالمنا اليوم فإن هذا الأمر أكثر جلاءً ووضوحًا، وليس هذا الحساب الدقيق أو الحسبان قاصرًا فقط على عملية دوران الشمس والقمر، ولكن الحسبان يشمل أمورًا أخرى كثيرة، تتصل بهما؛ منها درجة الحرارة الداخلية والخارجية لكل منهما، وكذا درجة المغناطيسية أو الجاذبية التي أودعها الله عز وجل بهما، وغير ذلك مما هو مستقر بعلمه عز وجل وحده؛ ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

فالقرآن الكريم من خلال آية: ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ [الرحمن: 5] بسورة الرحمن المباركة، يُقدِّم لنا وللعالم إعجازًا وتحديًا علميًّا، حين يذكر منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة عام عمليةَ الحساب الدقيق بل المعقد، المرتبط بنشأة الشمس والقمر، واستمرارهما في تأدية رسالتهما التي حددها الله عز وجل لهما، حتى يأذن الله عز وجل لهما بالزوال حين يشاء.

والإعجاز أيضًا لافت في لفظ ﴿ بِحُسْبَانٍ ﴾ من حيث بساطته ووضوحه، وبلاغته وإيجازه، واستفاضة مدلولاته وشموليتها، وهو ما يعجز عنه الخلق جميعًا من ملائكة وجنٍّ وإنس، وغيرهم مما يعلمه الله من الخلائق، فالشمس والقمر يرتبط بهما حساب الأيام والليالي، وتعاقب الفصول بداية ونهاية، وكذا حساب منازل الشمس والقمر، الذي ربط به العلماء في العصر الحديث ما يُعرَف بخطوط الطول وخطوط العرض؛ في محاولة من جانبهم لتفسير الظواهر الطبيعية المرتبطة بالشمس والقمر.

ويتصل أيضًا بالحسبان المذكور في الآية الكريمة ما اكتشفه العلماء حديثًا وعرفوه بالسنة الضوئية وعناصرها، وكذا سرعة الضوء وسرعة الصوت، وغير ذلك من الارتباطات؛ حيث إن أي تغيير مهما قلَّ في الحسابات المرتبطة بالشمس أو القمر، من حيث وقت الطلوع أو الظهور، أو الأفول أو الزوال، أو غير ذلك مما يرتبط بتلك النعمتين الآيتين العظيمتين - يؤثر تأثيرًا هائلًا في حياتنا على الأرض.

﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن: 6]:
النجوم والأشجار يسجدون لله طاعةً له وعرفانًا بفضله عز وجل، وبنعمته على الخليقة، وبعلمه وبحكمته، ويسجدون كذلك له عز وجل إجلالًا وتعظيمًا وتوقيرًا، ولم يبقَ إلا أنت - أيها الإنسان - لتدرك ذلك وتقوم بمثل ما تقوم به النجوم والأشجار؛ لتنسجم مع تلك المخلوقات العظيمة في سلوكها، فتكون جزءًا متوائمًا من الكون الطائع للخالق عز وجل، فتفوز بالرضوان وبتوفيق الرحمن، وقد استخدم المولى الكريم عز وجل صيغة المثنى في الفعل ﴿ يَسْجُدَانِ ﴾ للدلالة على أنهما صنفان اثنان من أصناف أخرى كثيرة بهذا الكون الفسيح، لا يعلم مداها إلا هو عز وجل، وهما مجرد مثالين جميلين نراهما طائعَين يسجدان لله شكرًا وعرفانًا بفضله، كما بينت الآية المباركة.

ولكن لماذا اختص المولى عز وجل بالذكر في الآية الكريمة النجوم والأشجار دون غيرهما من مخلوقات الله الكثيرة، التي ليس لأحدٍ أن يُحصيها؟

النجم في اللغة هو زهرة النبات إذا تفتَّحت قيل عنها: نجم، وعلى ذلك فالسياق يبدو واضحًا؛ إذ يبين المولى عز وجل أن الزهور المتفتحة والأشجار تسجد لله عز وجل، وإن كان من البديهي أن كل شيء في الكون طوع إرادة الله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 49]، ولكن النجم والشجر مجرد مثالين من تلك الخلائق والعوالم الواسعة.

وفي اللغة أيضًا أن النجم هو هذا الكائن السماوي الذي يضيء ويبدو ظاهرًا في الليل لغياب ضوء الشمس، ونرى أعدادًا كبيرة منه إلى جوار القمر، وقد فرَّق العلماء المختصون بين نوعين من الأجسام السماوية؛ فمنها ما هو مضيء بذاته وهو النجم، ومنها ما هو مضيء بسبب غيره وهو الكوكب.

وعلى ذلك، فإن معنى النجم كما ورد في الآية الكريمة قد يكون النبات أو النجم الذي في السماء، وأيًّا كان المعنى، فالمقصود واضح بأن الكون كله في حالة سكون لأمر الله، وفي حالة سجود له: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [الرعد: 15].

ولكن لورود كلمة النجم مقترنة بالشجر، فالقول بأن المقصود هو زهرة النبات يكون أرجحَ مع عدم رفض الرأي الآخر، فإن زهر النبات إذا سجد – وهو أجمل وأرقُّ ما في النبات - فذلك يعني أن النبات كله في حالة سجود لله عز وجل، والنبات كلمة تطلق على الصغير من المزروع، والشجر يطلق على الكبير منه، مع أنه يوجد أشجار صغيرة كذلك، أو نباتات صغيرة الحجم لها خصائص الأشجار.

وعلى ذلك، فكل ما خرج من الأرض من زراعات، ويعيش عليه الخلق من إنسان وحيوان يسجد لله شكرًا وتعظيمًا، طواعية أو رغمًا عنهم، أما أنت - أيها الإنسان - فقد حمَّلك الله عز وجل الأمانةَ، ووهبك العقل وحرية الاختيار، وبعث لك الرسل بالآيات الواضحات البينات؛ ليساعدك على الاختيار الصحيح الذي به تنجو من عذابه، إن كنت من الطائعين الْمُلبِّين لنداء الله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].

فما عليك يا من تقتات بالنبات وثمار الأشجار التي خلقها الله، وأنعم بها عليك، إلا أن تشكر الخالق عز وجل أنْ سخَّر لك ذلك المطعم والمشرب، وجعله حلوًا طيبًا متاحًا بين يديك، وعليك أيضًا أن تسجد لله، كما سجدت تلك الخلائق التي تقوم عليها حياتك ووجودك على الأرض، وعليك - يا أيها الإنسان - صاحب الأمانة والاختيار أن تتسق مع الكون الساجد لله، وتكون من المؤمنين الطائعين لأوامره، المجتنبين لنواهيه؛ فإن في ذلك تحقيق السعادة والخير لك وللبشر في الدنيا والآخرة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-01-2025, 01:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن (6)

د. نبيه فرج الحصري



السماء والميزان





قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7]، يبيِّن المولى عز وجل في هذه الآية الكريمة أنه وحدَه يتولى رفع السماء عن الأرض، ومن فَحوى الآية الكريمة، فإن السماء كانت ملتصقة بالأرض، ولكنه عز وجل تولَّى فصْلهما عن بعضيهما، ومِن ثَم رفع السماء مسافة محسوبة عن الأرض، ويُطابق ذلك ما ورد في الآية الكريمة: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]؛ أي: كانت السماء ملتصقة بالأرض، فلا أكسجين ولا ماء ولا هواء ولا إمكانية للحياة بسبب ذلك، وحينما أراد الله عز وجل للأرض أن تُعمَّر بالحياة وتَحلو بمجاري المياه وتزدان بالنبات، فقد أذن للسماء أن ترتفع عن الأرض إلى الحد الذي أوجد بقدرته عز وجل ما عُرف بالغلاف الجوي لصيانة استمرار الحياة على الأرض إلى حين.

وأصبحت الأرض بعد هذا الرفع أو الفتق مُحاطة بالغلاف الجوي الذي يتحكم في درجة حرارتها، ويحفَظ لها الهواء بمكوِّناته وعناصره المختلفة، وبنسب معينة حدَّدها الله عز وجل تحافظ على بقاء الماء من خلال الدورة المائية الطبيعية، وكذا يحفَظ للمخلوقات على ظهر الأرض قدرتَها على التنفس والحصول على الأكسجين اللازم لبقائها في عداد الأحياء.

أما بعد الخروج عن دائرة الغلاف الجوي، فالأمر يختلف كثيرًا، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]؛ أي: إن الضال يكون صدره ضيقًا غير مرتاح في تنفُّسه أثناء عملية دخول الهواء إلى صدره وخروجه منه، وتُشبه حالة الضال هذه بخصوص صعوبة التنفس ما يتعرَّض له الصاعد إلى السماء، ولكن لفظ يَصَّعَّدُ المستخدم في الآية الكريمة وبتشديد حرفي الصاد والعين، يدلِّل على صعوبة الصعود أيضًا؛ لأن الإنسان في هذه الحالة يكون معاكسًا لاتجاه الجاذبية الأرضية، وصعوبة التنفس نظرًا لقلة الأكسجين في طبقات الجو العليا تدريجيًّا حتى ينعدم نهائيًّا، وتكون هناك حاجة في هذه الحالات لاصطحاب أنابيب الأكسجين المحمولة على الظهر.

وبعد الخروج من دائرة الغلاف الجوي أو طبقة الأوزون تختلف درجات الجرارة كثيرًا عما هو على الأرض؛ حيث تتباين درجات الحرارة ما بين البرودة الشديدة التي يُمكن أن تجمد الجسم البشري، أو الحرارة الشديدة التي يُمكن أن تَحرقه، وكذا ينعدم الأكسجين اللازم للتنفس من أجل الحفاظ على الحياة وَفقًا للقوانين الأرضية.

ورُبما ينعدم الهواء ذاته أو تتغيَّر مكوناته وعناصره ونِسبُها تغيرًا حتميًّا جوهريًّا في أماكن أخرى من السماء، أو الكون الرباني الفسيح الذي لا يعلم مداه إلا خالقه عز وجل، ومَن شاء من خلقه، وذلك لأن كائنات ما وراء الغلاف الجوي تسبَح في السماء ملتصقات بها مباشرة، وليست منفصلة بفاصل كالغلاف الجوي المحيط بالأرض، لذا يلبس روَّاد الفضاء ملابس معينة مناسبة للفضاء الخارجي، وكذا يصطحبون معهم أنابيب تحتوي على كمية الأكسجين اللازمة للتنفس، ولإبقائهم أحياءً طيلة رحلتهم؛ أي: إن العلاقة ما بين السماء والأرض تحديدًا هي علاقة شديدة الخصوصية، ومختلفة إلى حد بعيد عن وضعية العلاقة ما بين السماء والكواكب أو الأجسام الأخرى الموجودة في الفضاء خارج نطاق الغلاف الجوي، كل تلك المدلولات نَخرج بها من عملية رفع السماء عن الأرض التي قام بها وأوضَحها المولى عز وجل في تلك الآية الكريمة من سورة الرحمن، فماذا عن وضع الميزان؟

وضع الله عز وجل ميزانًا دقيقًا للحياة على سطح الأرض، ذلك الكوكب الذي أراد الله له أن يُعمَّر بذكره ويمتلأ بخلقه من البشر والأمم الأخرى التي تشاركه سُكنى الأرض، وما بها من بحار وعوالم، وهذا لا ينفي وجود أنواع أخرى من الحياة على الكواكب أو النجوم الأخرى، هذا الأمر يعلمه الله عز وجل وحده.

أما بالنسبة للأرض، فقد زوَّدها الله بالعناصر التي تساعد الخليقة التي تسكُنها على الحياة فيها، زوَّدها بالهواء والماء والتربة الصالحة للإنتاج الزراعي، وغير ذلك من العناصر الطبيعية التي أوجَدها الله لتَدعم عملية الحياة على الكوكب الأرضي، ومن ثم أحاط ذلك كله بالغلاف الجوي السابق الإشارة إليه، ولو زادت الحرارة عن ذلك قليلًا لجفَّت الأنهار والبحار، ولو انخفضت لتجمَّدت ولانعدمت الحياة على الأرض في الحالتين.

ومن أجل الحفاظ على هذا الميزان الخاص بدرجة الحرارة، وما يرتبط بها من نسبة الرطوبة والبخار، والظواهر الطبيعية الأخرى المرتبطة بالعلاقات ما بين الماء والهواء والشمس - أحاط الله الأرض بغلاف يَحميها من العوامل السماوية التي تؤثر تأثيرات من شأنها القضاء على الحياة الأرضية، وهذا هو الميزان الطبيعي المذكور في الآية الكريمة.

ومن عجبٍ أن يقول البعض: إن الحياة البشرية مُمكنة على القمر أو المريخ، فهذا الأمر مستحيل؛ لأنه لا يكون في ملك الله عز وجل إلا ما يقدِّره ويرضاه، وهو عز وجل قد استخلَف في الأرض خليفةً، ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، وهذا الخليفة هو الإنسان ولم يُشرِّع له الله عز وجل فيما وصل إلى أفهام الناس أن يتجاوز ذلك الاستخلاف إلى ما دون الأرض، كما أنه عز وجل قد هيَّأ الأرض دون غيرها لسكنى البشر والأمم الأرضية، ولم يهيِّئ غيرها من الكواكب لهذه المهمة، وعلى ذلك فإن الحياة الطبيعية على غير الأرض من الأماكن هو أمرٌ محل نظر، ولم يتم الحسم بعد بإمكانية حدوثه إلا إذا كان وضع الميزان المذكور في الآية الكريمة يمكن أن يدلِّل على أماكن أخرى غير كوكب الأرض، أو أن يُوضَع للأماكن الأخرى غير الأرض ميزانٌ حيوي يخصها، والله عز وجل أعلى وأعلمُ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20-02-2025, 11:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن (7)

د. نبيه فرج الحصري

الكواكب الأخرى والميزان


من الأمور التي يجِدُها المتأملُ غريبةً أن يقول البعض بإمكانية الحياة البشرية الطبيعية على بعض الكواكب الأخرى؛ كالقمر أو المريخ، يحدث ذلك بينما العالم كله في أشد حالات الانزعاج لِما يسمى بثقب الأوزون، وهو الثقب الذي حدث بالغِلاف الجوي؛ نتيجة زيادة الحرارة والأدخنة، والغازات المنبعثة من الأرض وقاطنيها؛ بسبب اتجاههم للتصنيع، وكذا استخدام الطاقة البترولية على نطاق واسع لتحقيق الرفاهية المعيشية المزعومة على كوكب الأرض.

وقد ارتبط بهذا الاستخدام المفرط للطاقة في العصر الحاضر تلوُّثٌ بيئي شامل، بالإضافة إلى انبعاثات حرارية وغازية غير مسبوقة، أدت إلى تلوث الهواء وتحمله بقدر كبير من الكربون السام، الذي يتجه إلى السماء وطبقاتها؛ ما تسبب في خرق الغلاف الجوي أو الميزان البيئي الطبيعي، الذي وضعه الله منذ خلق الأرض لحمايتها، وأدى ذلك إلى ظاهرة التغير المناخي، وما استتبعها من مشكلات تؤثر في استمرارية الحياة على الأرض على المدى الطويل.

وهذا الغاز يُنطق بالإنجليزية كرُب مع تنوين الضم على الباء، وهو بالفعل كرب على أهل الأرض، أعاذنا الله من شره؛ حيث إنه ومع شدة ضغطه على الغلاف الجوي الذي يشبه المشيمة التي يحتمي بها الجنين في بطن أمه، تسبَّب في الإخلال بالتوازن البيئي الذي هو الميزان الذي وضعه الله عز وجل، وذكره في الآية الكريمة من سورة الرحمن: ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن: 7]، فتسبب في ذوبان جبال من الجليد صار لها آلاف السنين في مكانها؛ مما يُنذر بمخاطر جسيمة محدِقة بالكوكب الأرضي مع تقدم الأيام.

وما الفيضانات والزلازل التي حدثت وتحدث بإندونيسيا واليابان وغيرهما من أقطار العالم، إلا بعض نتائج الخلل الحراري الناتج من ثقب الأوزون، ومن عجب أنهم وفي ظل انزعاجهم من هذا الثقب يدعون بأن الحياة البشرية ممكنة على ظهر كواكب أخرى غير الأرض، وهذه المقولات محضُ خرافات.

لأن الله عز وجل قد وضع ميزانًا دقيقًا للحياة على الأرض، يجب على الجميع الحفاظ عليه، والعمل وفق معاييره، والتقيد بما يتطلبه الحفاظ عليه، مع التفكر والتدبر الدائمين في هذا الميزان، وصولًا إلى الإيمان بمن أوجده وخلقه، أما في حالة عدم احترام البشر للثوابت والمسلَّمات التي يسير وفقها النظام الكوني الرباني، ويشير إليها القرآن الكريم (بالميزان)، فإن الأخطار الهائلة محدقة بالجميع، فقد دعم الله عز وجل الحياة على الأرض بميزان دقيق، لا يُعتقَد أنه موجود بالكواكب الأخرى غير الأرض.

والميزان المشار إليه في الآية الكريمة في قوله عز وجل: ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن: 7] يحتمل معانيَ أو مدلولات أخرى مختلفة، وهذا من إعجاز القرآن الكريم، فالميزان هنا من الوارد أن يكون المقصود به الميزان الداخلي لجسم الإنسان من حيث علاقة الإنسان بهذا الجسم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن لبدنك عليك حقًّا))، في إشارة منه إلى ضرورة أن تتعامل مع جسدك أو بدنك بميزان دقيق، فتعطيه حقَّه كاملًا من الغذاء والعلاج، والتريض والراحة، فضلًا عن العبادة المشروعة، وما إلى ذلك من أمور حتى تستطيع أن تحافظ على صحتك التي وهبك الله إياها.

ومن ناحية أخرى، فإن الميزان هو هذا الميزان نفسه الذي توزن به السلع؛ حيث أشار المولى عز وجل في موضع آخر من القرآن الكريم إلى ذات الموضوع؛ في قوله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 1 - 6].

والآيات الكريمة من سورة المطففين توضِّح لنا أهمية أن نزِنَ بالعدل، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك؛ فلا تستأثر بالزيادة إن كنت مشتريًا، وتبتغي الإنقاص من الوزن إن كنت بائعًا، فهذا يؤدي إلى الويل في الآخرة، والعياذ بالله.

والميزان من ناحية أخرى هو أمور الحكم والقضاء، والحكم يتم وفق مستويات متنوعة، وكذلك القضاء، فالأب أو الرجل حاكم في بيته وقاضٍ، ومن الواجب عليه أن يتوخى العدل، فيكون حاكمًا عادلًا، وقاضيًا مُنصفًا، حتى ينجوَ من عذاب الله عز وجل وعقابه، ويفوزَ بالجنة، وكذا بالنسبة للأمير والوزير، والملك والرئيس، والمدير والمحافظ، وغيرهم من المستويات الإدارية أو الاجتماعية المختلفة، كلهم مسؤولون أمام الله، كانوا مستخلفين فيه من السلطة كبرت أو صغرت؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((ألَا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبدُالرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألَا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)).

ويتطابق ذلك مع مفهوم الآية الكريمة: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]، فالموازين هنا شاملة وترتبط بوضوح بقضية العدل بين الرعية، أو حتى على المستوى الأُسري، أو على أي مستوى من المستويات.

ويؤكد المولى عز وجل نفس المعنى في قوله تعالى: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ [الشعراء: 182]، إشارة منه عز وجل إلى ضرورة توخي العدل والاستقامة في الوزن، والوزن يرتبط بالموازين، وهي عامة وشاملة كما نعلم.

وهكذا يلفت المولى عز وجل أنظارنا وفي لفظ مجمَل مُعجِز إلى أمور مختلفة، تختص بالعدل على كل المستويات والأشكال، والمقصود بذلك ذلك الجزء من الآية الكريمة من سورة الرحمن التي نحن بصددها: ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن: 7]، فهو ميزان كونيٌّ، وميزان بيئي، وميزان للعدل والقسط، وكذلك ميزان ذاتي لك أنت مع جسمك، أو ميزان بينك وبين الآخرين في علاقتك بهم وسلوكك معهم، أو ميزان حقيقي لوزن السلع من خلال البيع والشراء، كل ذلك مرتبط بالحياة البشرية على الأرض، وليس ما دونها من الكواكب، والله عز وجل أعلى وأعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-04-2025, 11:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن

من تجليات سورة الرحمن عروس القرآن (8)

د. نبيه فرج الحصري

الطغيان في الميزان





يقول عز وجل: ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ [الرحمن: 8]؛ وذلك أنه حين رفع الله عز وجل السماء عن الأرض، وضع لها ميزانًا جديدًا مناسبًا لوظيفتها الجديدة كحاضنة للحياة البشرية في المقام الأول، وارتبطت بذلك أيضًا حياة لمخلوقات أخرى لا يعلم مداها ولا عددها إلا الله عز وجل، أوجدهم الله على الأرض مشاركين للبشر في سُكنى الأرض، وإن كانت الأرض قد سُكنت قبل البشر بقوم آخرين هم الجن؛ ويتضح ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30].

والملائكة هنا تشير إلى أسبقية سكنى الجن للأرض وإفسادهم فيها، وربما كان ذلك قبل خلق آدم عليه السلام، أما وقد خلق المولى عز وجل جدَّنا الأكبر آدم عليه السلام، وأراد له ربه أن يستخلفه في الأرض، فقد زوَّد الأرض بالميزان الشامل الذي به تتوازن الحياة البشرية على الأرض، وتتوفر بها عناصر الاستقرار والاستمرار؛ وذلك لتستقيم الحياة وتستمر على ظهر الأرض، وكذا لتكون الأرض مناسبة لاحتياجات ومتطلبات وخصائص ساكنها الأساسي الجديد؛ وهو آدم عليه السلام وذريته، كبديل عن ساكنيها السابقين؛ وهم الجن الذين طاردتهم الملائكة إلى الجزر والبحار، والقِفار والصحاري، والخرائب والأماكن النائية؛ عقابًا لهم على إفسادهم في الأرض، ولطالما كان هناك على الدوام عقابٌ أليم للمفسدين في الأرض.

وعلى ذلك تم تزويد الأرض من لدن خالقها وخالقنا عز وجل بعناصرَ متنوعة، أما أولها فكان الهواء الضروري اللطيف الممتلئ بغازات لازمة للتنفس، وغيره من الوظائف التي تلزم الإنسان وغيره من المخلوقات التي تشاركه سكنى الأرض، وكذا يحتفظ الهواء بدرجة حرارة مناسبة؛ للحفاظ على عنصر آخر لا يقل عنه أهمية؛ وهو الماء، سر الحياة، ومطلب النمو والازدهار للإنسان وللكائنات الحية الأخرى، هذا بالإضافة إلى التربة المناسبة للزراعة، وغير ذلك العديد من العناصر التي نعلمها أو لا نعلمها، لتدعم الحياة وسيرها على الأرض.

وكلَّف الله عز وجل العنصرَ البشريَّ كذلك بمهمة دون غيره من المخلوقات ساكنة الأرض؛ ألَا وهي مهمة الحفاظ على الميزان الطبيعي الذي وضعه الله عز وجل للأرض؛ ويتضح ذلك في قوله عز وجل: ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ [الرحمن: 8]، والآية الكريمة ربما تدلِّل على شرطٍ وضعه الله عز وجل للحفاظ على الميزان الطبيعي لنقاء الأرض وسلامتها، في كلمة ﴿ أَلَّا ﴾ بمعنى: تستمر الأرض سليمة مما يضرها شريطةَ ألَّا تطغوا - يا بَشَرُ - في تلويث البيئة الأرضية وغِلافها الجوي، أما المخلوقات الأرضية الأخرى، فهي تدعم وجود هذا الميزان الطبيعي، واستمراريته في أداء وظيفته بصورة طبيعية تلقائية، وجعل الله عز وجل هذه المخلوقات مُسيَّرة ومجبولة بفطرتها الطبيعية التي خلقها الله عليها لخدمة ذلك الميزان، فنجد الهواء يتجدد بطبيعته من خلال الحركات التي تتم باستمرار في السماء، وتُنتج السحب والأمطار والرياح، كما أن الشمس لها دور كبير في قتل البكتيريا والفيروسات التي تتكون بالأرض، والنبات والزرع أيضًا يستهلك ثاني أكسيد الكربون وينتج الأكسجين، وتأتينا البحار الواسعة بالهواء النقي المتنوع ما بين بارد ودافئ، فتوفر كل تلك الأشياء مصادرَ مستمرة لتجديد الهواء، والحفاظ على نقاوته؛ ليكون مناسبًا بصورة مستمرة للحياة البشرية وغيرها على الأرض، بينما الكائن الوحيد الذي يؤثر على ذلك الهواء الطبيعي بالسلب، ويحد من بقائه على نقائه وطبيعته هو الإنسان، فإنه بطبيعة مهمته على الأرض كساكن يخضع للاختبار في الحياة الدنيا، فقد آتاه الله الأمانة والاختيار في التصرف، بناءً على ما تمليه عليه معارفه، وما يهديه إليه عقله.

فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي حمل الأمانة، التي عرضها الله عز وجل على أصناف متعددة من خلقه، ولم يقبلها إلا الإنسان؛ هذا الظلوم الجهول؛ ويقول عز وجل في ذلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، فقد سخَّر الله عز وجل للإنسان تلك الأرض كلها؛ ليعيش عليها، ويتمتع بما فيها من النعم، وسخر له كل المخلوقات على الأرض ليستفيد منها كيف يشاء، شريطة أن يُحاسب على ما فعل في الآخرة إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، والعياذ بالله، والإنسان في العصر الحديث ومنذ بداية الثورة الصناعية المزعومة في القرن السادس عشر الميلادي، صار يمارس أنشطة مدمرة للميزان البيئي الطبيعي، وتؤثر على الحياة تأثيرًا مهلكًا، وتسبَّب النشاط الصناعيُّ المكثَّف وطريقة الحياة البشرية في العصر الحديث في وجود ثقب الأوزون؛ بسبب هذا الطغيان في التعامل مع التوازن أو الميزان البيئي الطبيعي.

ويُعرف الطغيان لغة بأنه: تجاوز حد الاعتدال في أمر من الأمور، وضده هو العدل؛ أي: الالتزام بحد الاعتدال في الأمر، وهذا هو المحك الذي ندور حوله؛ ألَا وهو حد العدل أو الاعتدال، الذي يأمرنا الله عز وجل ألَّا نحيد عنه؛ في قوله تعالى: ﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾ [الرحمن: 8]، وحد العدل أو الاعتدال هنا شامل لجميع النواحي التي يتطلب من المسلم فيها أداء الحقوق بشأنها، فالطغيان كسببٍ لفساد الأرض أمرنا الله عز وجل بالامتناع عنه صيانةً للحياة البشرية على الأرض.

والآية الكريمة تشير بوضوح إلى أن الطغيان يسبب التأثيرات المهلكة للحياة على الأرض، التي يمكن أن تأتي من خارج الغلاف الأرضي عبر ثقب الأوزون؛ ولذا يتوجب المحافظة على الميزان البيئي، وهذا ما التفتت إليه الأمم المتحدة مؤخرًا، فصارت تعقد اللقاءات والمؤتمرات للحفاظ على البيئة الطبيعية على سطح الأرض من التلف، وأبرمت في سبيل ذلك الاتفاقيات الملزمة للدول؛ للحدِّ من أنشطتها المدمرة للبيئة، التي تتسبب في توسيع ثقب الأوزون مما يعرض الأرض وسكانها للمزيد من الكوارث البيئية، ولكن ما زال إدراك الخطر والإحساس الحقيقي بأبعاده الخطيرة دون المستوى المطلوب، وما زالت الأخطار محدقة بالجميع، والله المستعان.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 122.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.00 كيلو بايت... تم توفير 4.85 كيلو بايت...بمعدل (3.95%)]