|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبدالعزيز السلمان اعلم وفَّقك الله أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان وجوبًا كفائيًّا يخاطب به الجميع، ويسقط بمن يقوم به، وإن كان العالم به واحدًا تعيَّن عليه، وإن كانوا جماعة لكن لا يحصل المقصود إلا بهم جميعًا، تعيَّن عليهم. وأما تعريفهما، فالمعروف اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، والمنكر ضده وعرَّفه بعضهم بقوله: المنكر اسم جامع لكل ما يكرهه الله وينهى عنه، والمعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح. وقد حبَّب الله إلينا الخير، وأمرنا أن ندعو إليه، وكرَّه إلينا المنكر ونهانا عنه، وأمرنا بمنع غيرنا منه، كما أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، فقال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]. والأصل في وجوبهما: الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]. وأبان جل وعلا أننا بهما خيرُ الأمم، فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]. وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل الخطيئة جاءه الناهي تعذيرًا، فإذا كان الغد جالسه وواكَله وشارَبه، كأنه لم يرَه على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنَهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، "والذي نفس محمد بيده لتأمُرن بالمعروف وتنهونَّ عن المنكر، ولتأخُذن على يد السفيه، ولتأطُرنه على الحق أطرًا، أو ليَضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليَلعنكم كما لعَنهم». وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني: أوحى الله إلى يوشع بن نون إني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم. وذكر أبو عمر بن عبد الله عن أبي عمران قال: بعث لله عز وجل ملكين إلى قرية أن دمراها بمن فيها، فوجدوا فيها رجلًا قائمًا يصلي في مسجد، فقالا: يا رب، إن فيها عبدك فلانًا يصلي؟ فقال الله عز وجل: دمراها ودمراه معهم، فإنه ما تمعَّر وجهه فيَّ قطُّ. وذكر الحميدي عن سفيان بن عيينة قال: حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر أن ملكًا أمر أن يخسف بقرية، فقال: يا رب، إن فيها فلانًا العابد، فأوحى الله عز وجل إليه أن به فابدأ، فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط. وذكر ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال: لما أصاب داود الخطيئة قال: يا رب اغفر لي، قال: قد غفرت لك وألزمت عارها بني إسرائيل، قال: يا رب كيف وأنت الحكم العدل لا تظلم أحدًا، أنا أعمل الخطيئة وتُلزم عارها غيري، فأوحى الله إليه أنك لَما عملت الخطيئة لم يعجلوا عليك بالإنكار. وأوضح سبحانه أن الأجر بهما عظيم في قوله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. ووصف المؤمنين والمؤمنات بأن بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم. وشهد الله بالصلاح للمؤمنين الذين أضافوا إلى إيمانهم القيام بهما، فقال تعالى: ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113، 114]. وبيَّن جل شأنه أن قومًا من بني إسرائيل استحقوا اللعن بتركهما، فقال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79]. قال القرطبي: وبَّخ سبحانه وتعالى علماءهم في تركهم نهيهم، فقال: ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 63]. قال: ودلَّت الآية على أن تارك المنكر الذي لا ينهى عنه كمرتكبه، وذلك أن الأمة في عهد استقامتها وتمسُّكها بالسنن لا تترك بين أظهرها عاصيًا ولا معصية، فإذا رأت شيئًا من ذلك ثارت ثورة الأسود، ولم تسكن حتى تذيقه ما يستحق على معصيته. كل ذلك غيرة على دينها وطلبًا لمرضاة ربها، والعصاة والفسقة يرتدعون عندما يرون ردع إخوانهم؛ انتهى كلامه. شعرًا: وأهوى من الفتيان كلَّ موفَّق ![]() لطاعة ربِّ الخلق باري البرية ![]() ملازم بيت الله يتلو كتابه ![]() ويُكثر ذكر الله في كلِّ لحظة ![]() ويأمر بالمعروف حسب اقتداره ![]() وعن منكر ينهى بلُطف بدعوتي ![]() وفي سورة الأعراف يُخبرنا جل وعلا عما كان من بني إسرائيل، وما نزل بهم من العذاب، فيقول: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 164 - 166]، فأفادت هذه الآيات أن بني إسرائيل صاروا إلى ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد الأسماك يوم السبت المحرم فيه الصيد، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تَنه، ولكنها قالت للمنكرة: لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا؛ أي: لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله، فلا فائدة في نهيكم إياهم. قالت لهم المنكرة: معذرة إلى ربكم أن فيما أخَذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعلهم يتقون؛ أي: ولعل لهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم. فلما نسُوا ما ذكِّروا به؛ (أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة)، أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا؛ (أي الذين ارتكبوا المعصية) بعذاب بئيس، فنصت الآيات على نجاة الناهين وهلاك الظالمين، وسكتت عن الساكتين؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا ثلاثة، ثُلث نَهَوْا، وثلث قالوا: لِمَ تعظون قومًا الله مُهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا، وثلث أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم، وهذا إسناده جيد عن ابن عباس. وفي الحديث الثابت عن أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رصي اله عنه أنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير موضعها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه، أوشَك أن يعمَّهم الله بعقاب منه»، وفي لفظ: «من عنده»؛ رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه والنسائي ولفظه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن القوم، إذا رأوا المنكر فلم يغيِّروه عمهم الله بعقاب». وفي رواية لأبي داود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيِّروا ثم لا يغيِّروا، إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب»، وفي رواية: «إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب من عنده». وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد: ولقد وصلنا إلى حدٍّ ماتت فيه الغيرة الدينية عند كل أحد ممن يرجى، ويظن أنهم حماة الإسلام وأبطال الدين؛ مما جعل العصاة يمرحون في ميادين شهواتهم، ويفتخرون بعصيانهم بدون حسيب ولا رقيب. شعرًا: قلْ للذي بقراع السيف هدَّدنا ![]() لا قام قائمٌ جنبي حين تصرعه ![]() قام الحمام إلى البازي يهدِّده ![]() واستيقظت لأسود الغاب أَضبُعُه ![]() ولو شئت لقلت: ولا أخشى لائمًا نحن في زمن علا فيه واعتز أرباب الرذائل، وأصبحت الدولة لهم، وأهل الفضيلة المتمسكون بأهداب دينهم عندما ينكرون على المجرمين إجرامَهم، يكونون كالمضغة في الأفواه البذيئة، ترميهم بكل نقيصة، وأقل ما يقولون أنهم متأخرون جامدون في بقايا قرون الهمجية، يستهزؤون ويقهقهون، ويغمزون بالحواجب والعيون، ويخرجون ألسنتهم سخريةً واستهزاءً بهم، ويضحكون من عقولهم، لَما راجت الرذيلة هذا الرواج، وما درى هؤلاء أنهم في غاية من السقوط والهمجية، لفساد عقولهم وبُعدهم عن معرفة أوامر دينهم. وناهيك لو قام كلٌّ منا بما عليه من الدعوة للإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس وعِظتهم، وتذكيرهم بما فيه صلاحهم واستقامتهم، لاستقرَّ الخير والمعروف فينا، وامتنع فُشوُّ الشر والمنكر بيننا؛ اهـ. والله أعلم وصلى الله على محمد.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |