|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمن أفضل تفاسير القرآن التي هي منهج أهل السنة والجماعة تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير رحمه الله، المعروف بـــ" تفسير ابن كثير" فهو تفسير نافع لا يمكن الاستغناء عنه لفهم القرآن الكريم، وقد سلك فيه أحسن طرق التفسير، يقول رحمه الله في مقدمة تفسيره: فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصحَّ الطريق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له...وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختُصُّوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح...وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته في أقوال الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين. وتفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله قد نال الثناء العظيم من العلماء المتقدمين والمتأخرين، والتفسير يوجد به كنوز عظيمة، وجواهر كثيرة، ودرر وفوائد، وقد يسَّر الله الكريم فاخترتُ بعضًا من تلك الفوائد، أسأل الله الكريم أن يرفع درجة الحافظ ابن كثير في أعلى الجنان جزاء ما بذل من جهد في تفسيره. وهذا الجزء الأول من فوائد مختارة من تفسيره، من سورة "الفاتحة"، أسأل الله أن ينفع بها الجميع. أسماء الفاتحة: • الفاتحة؛ أي: فاتحة الكتاب. • أم الكتاب. • الحمد. • الصلاة. • الشفاء. • الكافية. • الشافية. من لطائف الاستعاذة: من لطائف الاستعاذة: أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللهو والرفث، وتطييب له لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان. • لما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه، استعاذ منه بالذي يراه، ولا يراه الشيطان. معنى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم، أن يضرني في ديني، أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله. البسملة: البسملة تستحبُّ في أول كل عمل وقول...تبركًا وتيمُّنًا، واستعانة على الإتمام، والتقبل، والله أعلم. ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]: • الحمد لله: الشكر لله خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم من عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد. • الرب، هو المالك المتصرف، ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة تقول: رب الدار، ورب كذا، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل. • العالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله عز وجل. ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]: • الرحمن: رحمان الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة. • قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]؛ ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب....فالرب فيه ترهيب، والرحمن الرحيم ترغيب. ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]: • تخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه؛ لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلىيوم الدين؛ لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئًا، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه. • يوم الدين: يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة. ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]: • قدَّم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر؛ أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكَّل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدين يرجع إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سِرُّ القرآن، وسرها هذه الكلمة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويضإلى الله عز وجل. • تحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسبة؛ لأنه لما أثنى على الله، فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. • عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ يعني إياك نوحِّد ونخاف ونرجوك يا ربنا لا غيرك ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ على طاعتك، وعلى أمورنا كلها. ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]: • هذا أكمل أحوال السائل، أن يمدح مسئوله، ثم يسأل حاجته، وحاجة إخوانه المؤمنين، بقوله:﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة. • الهداية هنا الإرشاد والتوفيق. • الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه. • فإن قيل: فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟ فالجواب: أن لا، لولا احتياجه ليلًا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك، فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسخوه فيها، وتبصره وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فالسعيد من وفَّقه الله تعالى لسؤاله، فإنه تعالى قد تكفَّل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل، وأطراف النهار. • قال ابن عباس: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7] بطاعتك، وعبادتك، من ملائكتك، وأنبيائك، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين. ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]: • اليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى؛ لأن من علم وترك استحق الغضب، بخلاف من لم يعلم. • المعنى اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم...غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحق.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (2) سورة البقرة فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فهذا الجزء الثاني من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة البقرة، أسأل الله أن ينفع بها الجميع. الحروف المقطعة في أوائل السور: اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أول السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه، فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها. ومنهم: من فسرها، واختلف هؤلاء في معناها؛ فقال عبدالرحمن بن أسلم: أسماء السور، وقال مجاهد: فواتح افتتح الله بها القرآن، وقيل: اسم من أسماء الله تعالى. وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها. ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة. إبليس من الجن: الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم؛ لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم، وتوسم بأفعالهم؛ فلهذا دخل في الخطاب لهم، وذم في مخالفة الأمر...عن الحسن قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وهذا إسناد صحيح عن الحسن. فصاحة القرآن: القرآن جميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة، عند من يعرف ذلك تفصيلًا، وإجمالًا ممن فهم كلام العرب، وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواء كانت مبسوطة، أو وجيزة، وسواء تكررت أم لا، وكلما تكرر حلا وعلا، لا يخلق من كثرة الردِّ، ولا يملُّ منه العلماء، وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصمُّ الراسيات، فما ظنك بالقلوب الفاهمات، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان، ويشوق إلى دار السلام، ومجاورة عرش الرحمن، كما قال في الترغيب: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، وقال في الترهيب: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17] وقال في الزجر: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ﴾ [العنكبوت: 40]، وقال في الوعظ: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ* مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾[الشعراء: 205- 207]. إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء...وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار، وما أعدَّ الله لأوليائه وأعدائه من النعيم، والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به، وحذرت وأنذرت، ودعتإلى فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، وزهدت في الدنيا، ورغبت في الأخرى، وثبتت على الطريقة المثلى، وهدت إلى الصراط المستقيم، وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان. النفاق والمنافقين: • النفاق: هو إظهار الخير، وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي: وهو الذي يُخلِّد صاحبه في النار، وعملي وهو من أكبر الذنوب. • المنافق يخالف قوله فعله، وسِرُّه علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه. • نزلت صفات المنافقين في السور المدنية؛ لأن مكة لم يكن فيها نفاق. • المنافقون...بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين...وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم. • الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا. • من تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أردى لهم، وأبلغ في العمى، والبعد عن الهدى. • قال الحسن البصري: حين يموت المنافق يظلم عليه عمله، عمل السوء، فلا يجد له عملًا من خير عمل به، يصدق به قول "لا إله إلا الله". • من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع. • قال سعيد عن قتادة: نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق، يصدق بلسانه وينكر قلبه، ويخالف بعمله، يصبح على حال ويمسي على غيره، ويمسي على حال ويصبح على غيره، ويتكفأ تكفُّؤ السفينة كلما هبت ريح هبت معها. استحضار الساعي بين الصفا والمروة فقره وذله وحاجته إلى الله: طواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لما نفد ماؤهما، وزادهما، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك، وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك، ونفد ما عندهما، قامت تطلب الغوث من الله عز وجل، فلم تزل تتردد في هذه البقعة الشريفة بين الصفا والمروة، متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلىالله عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرَّج شدتها، وأنبع لها زمزم...فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي إلى حال الكمال، والغفران، والسداد، والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام. الشعر: يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها، كما قيل في الشعر: "إن أعذبه أكذبه"، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة، أو حرب كائنة أو مخافة، أو سبع، أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئًا. حسد إبليس وتكبُّره: حسد عدو الله إبليس عليه السلام، على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: "أنا ناري" وهذا طيني، وكان بدء الذنوب: الكبر، استكبر عدوُّ الله أن يسجد لآدم عليه السلام. سبب التفريق بين الزوجين بالسحر: سبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق...أو عقد أو بغضه أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة. أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر: أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر، ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك، وهما: المُعوِّذتان، وفي الحديث ((لم يتعوَّذ أحد بمثلهما))، وكذلك قراءة آية الكرسي، فإنها مطردة للشيطان. الربا: • قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله....وقال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب. • قال ابن مسعود رضي الله عنه: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلّ. • قال ابن عباس رضي الله عنهما: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق. • المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع الله له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما أنعم الله عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل. • باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم. • يخبر تعالى أنه يمحق الربا؛ أي: يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به، بل يعدمه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة. لا يُكرَه أحد على الدخول في دين الإسلام: • لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن واضح جليٌّ دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونوَّر بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا. مسميات: • سمى يوم الجمعة؛ لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض. • سميت الآخرة؛ لأنها بعد الدنيا. • الغمام سمي بذلك لأنه يغمُّ السماء؛ أي: يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض. • النصارى سموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم...وقيل سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا بأرض يقال لها: "ناصرة". • سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين؛ لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية، والغيوب الآتية. الفساد في الأرض: عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: الفساد هو الكفر، والعمل بالمعصية...وعن أبي العالية: من عصى الله في الأرض، أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة. متفرقات: • قال بعض السلف في قوله تعالى: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102] قال: يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. • قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]؛ أي: تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنهم ملك لله، يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون. • قال ابن عباس رضي الله عنهما: _ إقامة الصلاة إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها. وقال قتادة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها. _ لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء. _ كل شيء في كتاب الله من الرِّجْز يعني به العذاب. • قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدَّ مقتًا. • قال الحسن: الدنيا دار بلاء، ثم دار فناء، والآخرة دار جزاء، ثم دار بقاء. • قال مجاهد: الران أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشدُّ من ذلك كله. • قال عون بن عبدالله: صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم همًّا، حين رأيتهم أحسن ثيابًا، وأطيب ريحًا، وأحسن مركبًا، وجالست الفقراء فاسترحت. • يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: "آمين"، ومعناه: اللهم استجب. • الغيب: ما غاب عن العباد من أمر الجنة، وأمر النار، وما ذكر في القرآن. • الطبع يكون على القلب وعلى السمع، والغشاوة وهي الغطاء تكون على البصر. • السفيه: الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار. • المؤمنون صنفان: مقربون وأبرار، والكفار صنفان: دعاة ومقلدون، والمنافقون أيضًا صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من النفاق. • الفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة...فالفاسق يشمل الكافر والعاصي، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش. • الله تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولًا، ثم خلق السموات سبعًا. • اختلف في الجنة التي أسكنها آدم، هي في السماء أم في الأرض، فالأكثرون على الأول. • نزل آدم بالهند، ونزل معه الحجر الأسود، وقبضة من ورق الجنة، فبثَّه بالهند، فنبتت شجرة الطيب، فإنما أصل ما يجاء به من الطيب من الهند من قبضة الورق التي هبط بها آدم، وإنما قبضها أسفًا على الجنة حين أُخرِج منها. • تكلم القرطبي على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد. • الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلالة. • العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه. • الصلاة من أكبر العون على الثبات على الأمر. • يحذر تعالى عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم، وفضل نبيهم. • أجود ما يستعان به على تحمل المصائب: الصبر، والصلاة. • يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة، وأغلظ منها الفاحشة؛ كالزنا، ونحوه، وأغلظ من ذلك، وهو القول على الله بلا علم، فيدخل في هذا كل كافر، وكل مبتدع. • كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان. • الصيام...فيه زكاة النفوس، وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة، والأخلاق الرذيلة...وفيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان. • الإحسان أعلى مقامات الطاعة. • زاد الآخرة استصحاب التقوى إليها. • قد يحبُّ المرء شيئًا وليس له فيه خيرة، ولا مصلحة، ومن ذلك القعود عن القتال، قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم. • إذا تشاقق الزوجان، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل، وأبغضته، ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذله، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها. • أكثر الناس...لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم. • كما أن الحذر لا يغني من القدر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلًا، ولا يبعده، بل الأجل المحتوم، والرزق المقسوم مقدر مقنن، لا يزاد فيه، ولا ينقص منه. • لا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذٍ كافرًا. • الغول في لغة العرب: الجان إذا تبدَّى في الليل. • يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء... لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حلَّ عليه الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي، ثم يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل. • قالوا: إن الذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستر عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (3) سورة آل عمران فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ فهذا الجزء الثالث من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة آل عمران، أسأل الله أن ينفع بها الجميع. القرآن فيه آيات محكمات، وآيات فيها اشتباه في الدلالة: يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب؛ أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس، أو بعضهم، فمن ردَّ ما اشتبه إلى الواضح منه، وحكَّم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس. أرواح الشهداء والمؤمنين: الشهداء...وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار. الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم، وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة، ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم، وأنهم لا يخافون مما أمامهم، ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم، نسأل الله الجنة. روينا في مسند الإمام أحمد حديثًا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضًا فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة والسرور، وتشاهد ما أعدَّ الله لها من الكرامة، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة....فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان. خوف الله وخشيته في جميع الأحوال والأزمان والأيام: يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية؛ بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والأزمان والأيام واللحظات وجميع الأوقات وجميع ما في الأرض والسموات لا يغيب عنه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 29]؛ أي: وقدرته نافذة في جميع ذلك، وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته لئلا يرتكبوا ما نهى عنه، وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنه يمهل، ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر. معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام: السحر، وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيَّرت كل سحَّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبَّار انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار، وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء، وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرته على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله عز وجل، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدًا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وما ذاك إلا لأن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبدًا. الخوارج: أول بدعة وقعت في الإسلام: فتنة الخوارج. كان مبدؤهم بسبب الدنيا، حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، فكأنهم رأوا بعقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة، ففاجأوه بهذه المقالة، فقال قائلهم وهو ذو الخويصرة- بقر الله خاصرته-: اعدل فإنك لم تعدل. كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم بالنهروان. تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونِحَل كثيرة منتشرة. التفكر: قال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني أخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة. قال الحسن البصري: تفكُّر ساعة خيرٌ من قيام ليلة. قال الفضيل: قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك. سفيان بن عيينة: الفكرة نور يدخل قلبك. قال عيسى عليه السلام: طوبى لمن كان قيله تذكرًا، وصمته تفكرًا، ونظره عبرًا. قال لقمان إن طول الوحدة ألهم للفكرة، وطول الفكرة دليلٌ على طرق باب الجنة. قال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، ولا فهم امرؤ قط إلا علم، ولا علم امرؤ قط إلا عمل. قال عمر بن عبدالعزيز: الكلام بذكر الله عز وجل حسن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة. قال بشر الحارث الحافي: لو تفكَّر الناس في عظمة الله ما عصوه. بنو إسرائيل: لما تكبروا عن الحق، واستكبروا على الخلق، قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا، وبالعذاب المهين في الآخرة. أسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادًا للحق ملازمًا لهم، وأورثهم ذلة لا تُفارقهم إلى يوم التناد. اليهود...إنما حملهم على جحود الحق، أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين وهم العرب، فإن الله قد أحلَّها لنا، قال الله: ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]؛ أي: وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوها بهذه الضلالة، فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها، ولكنهم قوم بهت. ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون. متفرقات: إنما يفهم ويعقل ويتدبَّر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة، والفهوم المستقيمة. حبُّ المال...تارة يكون للفخر والخيلاء، والتكبُّر على الضعفاء، والتجبر على الفقراء فهذا مذموم، وتارة يكون للنفقة في القربات، وصلة الأرحام، والقرابات، ووجوه البر والطاعات فهذا ممدوح محمود شرعًا. حبُّ الخيل على ثلاثة أقسام: تارة يكون ربط أصحابها معدة لسبيل الله، متى احتاجوا إليها غزوا عليها، فهؤلاء يثابون، وتارة تربط فخرًا ونواء لأهل الإسلام، فهذه على صاحبها وزر، وتارة للتعفُّف واقتناء نسلها، ولم ينس حق الله في رقابها فهذه لصاحبها ستر. ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتخذوهم أولياء يسرُّون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعَّد على ذلك....قال تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28]؛ أي: يحذركم نقمته في مخالفته، وسطوته وعذابه لمن والى أعداءه، وعادى أولياءه. كل من ادَّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الهدي المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله. قال مالك بن دينار: إنما سمي الدينار؛ لأنه دَيْن ونار، وقيل معناه: من أخذه بحقه فهو دينه، ومن أخذه بغير حقه فله النار. عيسى بن مريم، عبد مخلوق، كما خلق سائر البشر؛ لأن الله صوَّره في الأرحام، وخلقه كما يشاء، فكيف يكون إلهًا كما زعمته النصارى، عليهم لعائن الله، وقد تقلب في الأحشاء، وتنقل من حال إلى حال؟ مريم عليها السلام....الله قد اصطفاها؛ أي: اختارها لكثرة عبادتها، وزهادتها، وشرفها، وطهارتها من الأكدار، والوساوس....قال مجاهد: كانت مريم عليها السلام تقوم حتى تتورَّم كعباها. الأكمه: قيل: إنه الذي يبصر نهارًا ولا يبصر ليلًا، وقيل: العكس، وقيل: الأعشى، وقيل: الأعمش، وقيل: هو الذي يُولد أعمى. من مات على الكفر فلن يقبل منه خيرًا أبدًا، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبًا فيما يراه قربة. المؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرهًا، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم، الذي لا يخالف ولا يمانع. القنوت الطاعة في خشوع. الراسخون في العلم: المتواضعون لله، المتذللون لله في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا يحقرون من دونهم. يرشدهم تعالىإلى السلامة من شر الأشرار، وكيد الفُجَّار باستعمال التقوى، والصبر، والتوكُّل على الله، الذي هو محيط بأعدائهم، فلا حول ولا قوة إلا به، وهو الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته، ومن توكَّل عليه كفاه. لِمَكَّة أسماء كثيرة: مكة، وبَكَّة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، المأمون، وأم القرى، والقادس؛ لأنها تقدس من الذنوب. حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء. حافظوا على الإسلام حال صحتكم وسلامتكم، لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك. يوم القيامة...تبيضُّ وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودُّ وجوه أهل البدعة والفرقة؛ قاله ابن عباس رضي الله عنهما. ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم، وتركهم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع قيام الحجة عليهم. قال تعالى: ﴿ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾ [آل عمران: 154] يعني: لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف. قال تعالى: ﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ [آل عمران: 167] استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان. ورد في بعض الآثار، يقول الله تعالى: "يا بن آدم، اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبت، فلا أهلكك فيمن أهلك". من كان عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدره الله له، ولم يكن له في الآخرة من نصيب، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها، وما قسم له في الدنيا. القتل في سبيل الله والموت أيضًا وسيلة إلى نيل رحمة الله وعفوه ورضوانه، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجميع حطامها الفاني. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم، وليكون أنشط لهم فيما يفعلونه. عن أم المؤمنين زينب وعائشة رضي الله عنهما، أنهما تفاخرتا، فقالت: زينب: زوَّجني الله وزوجكن أهاليكن، وقالت عائشة، نزلت براءتي من السماء في القرآن، فسلمت لها زينب، ثم قالت: كيف قلت حين ركبت راحلة صفوان بن المعطل؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، قال زينب: كلمة المؤمنين. على العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا. لا تنظر إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة، والغبطة، والسرور، فعَمَّا قليل يزول هذا كله عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمدُّ لهم فيما هم فيه استدراجًا. المنافقون بجدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالًا؛ أي: يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم. لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله، أو نفسه، أو ولده، أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير (4) سورة النساء فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فهذا الجزء الرابع من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة النساء، أسأل الله أن ينفع بها الجميع. اليهود: من الذنوب التي ارتكبوها مما أوجب لعنهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، هو نقضهم المواثيق والعهود التي أُخِذت عليهم، وكفرهم بآيات الله؛ أي: حججه وبراهينه، والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام. كثرة إجرامهم واجتراؤهم على أنبياء الله، فإنهم قتلوا جمًّا غفيرًا من الأنبياء عليهم السلام. مريم...رموها بالزنا...فجعلوها زانية...فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. من خبر اليهود- عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه- أنه لما بعث الله عيسى بن مريم بالبيِّنات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات...ومع هذا كذبوه وخالفوه وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم. اليهود...قلوبهم مطرودة عن الخير، مبعدة منه، فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم. النبي صلى الله عليه وسلم...منعهم من تصديقهم إياه حسدهم له؛ لكونه من العرب، وليس من بني إسرائيل. المنافقون: يستخفون بقبائحهم من الناس؛ لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بها؛ لأنه مُطَّلِع على سرائرهم، وعالم بما في ضمائرهم. يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بمعنى أنهم معهم في الحقيقة، يوالونهم ويسرُّون إليهم بالمودة، ويقولون لهم إذا خلوا بهم: نحن معكم، إنما نحن مستهزءون؛ أي: بالمؤمنين في إظهارنا الموافقة لهم. يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفرة عليهم، وذهاب ملتهم. أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها- وهي الصلاة- إذا قاموا إليها قاموا كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها، ولا خشية ولا يعقلون معناها...لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله؛ بل إنما يشهدون الصلاة تقية من الناس ومصانعة. في صلاتهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون؛ بل هم في صلاتهم ساهون، لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون. لا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا؛ بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك. من تاب منهم في الدنيا تاب عليه، وقبل ندمه إذا أخلص في توبته، وأصلح عمله، واعتصم بربه في جميع أمره. استنباط من بعض الأذكياء: استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11] أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها؛ حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم، كما جاء في الحديث الصحيح. المختال الفخور: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]؛ أي: مختالًا في نفسه، معجبًا، مُتكبِّرًا، فخورًا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وعند الله حقير، وعند الناس بغيض....قال مجاهد: يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه، وهو قليل الشكر لله على ذلك. عشرة رسول الله عليه الصلاة والسلام لنسائه: كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطَّف بهم، ويوسع نفقتهم، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودَّد إليها بذلك. كان يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيتُ عندها صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة منهن إلى منزلها. كان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفه الرداء، وينام بالإزار. كان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، ويؤانسهم بذلك، صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]. الرجوعإلى الكتاب والسنة عند التنازع: أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة...فالرجوع إليهما في فصل النزاع خير...وأحسن عاقبة ومآلًا. هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله، وعلى الأنبياء، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا. نشوز الزوجة: النشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، فمتى ظهر منها أمارات النشوز فليعظها، وليخوِّفها عقاب الله في عصيانه، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها، وطاعته، وحرَّم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والإفضال. التوبة: يقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ثم يتوب، ولو بعد معاينة الملك يقبض روحه، قبل الغرغرة....وأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك، وخرجت الروح في الحلق، وضاق بها الصدر، وبلغت الحلقوم، وغرغرت النفس، صاعدة في الغلاصم فلا توبة مقبولة حينئذٍ، ولاتَ حين مناص. متفرقات: قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]؛ أي: من قبلك ومن عملك أنت، قال السدي والحسن البصري ﴿ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾؛ أي: بذنبك. قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ [النساء: 83] إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويُفشيها وينشرها ولا يكون لها صحة. تفضيل الميراث، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض، هو فرض من الله، حكم به وقضاه، والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها، ويعطي كلًّا ما يستحقه بحسبه. صنف الناس في الكبائر مصنفات، منها: ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي، الذي بلغ نحو من سبعين كبيرة. البخيل جحود لنعمة الله، ولا تظهر عليه، ولا تبين لا في مأكله، ولا في ملبسه، ولا في إعطائه وبذله...فهو كافر لنعمة الله. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: • لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار. • الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. • الملامسة: الجِماع، ولكن الله كريم، يكني بما يشاء. • كان أهل الجاهلية يُحرِّمون ما حَرَّم الله إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين. • لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلومًا، فإنه قد أرخص له يدعو على من ظلمه....وإن صبر فهو خير له. الرجل قيِّم على المرأة؛ أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت. النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولوا أمْرَهم امرأة)). عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان، وهكذا روي عن مجاهد، وعكرمة، والضحاك، وعطاء. قال أُبَيُّ بن كعب رضي الله عنه: من الأمانات أن المرأة ائتُمِنت على فرجها. يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبوه من المناهي لما فعلوه؛ لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه تبارك بما لم يكن لو كان فكيف يكون. الزوجان...أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرَّقا فإن اللهَ يُغنيه عنها، ويُغنيها عنه، بأن يعوضه الله من هي خير منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه. اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه، ولو عادت مضرته عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجًا ومخرجًا من كل أمر يضيق عليه...وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعيهم فيها، بل اشهد بالحق، وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد. يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلًا عظيمًا. لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا؛ أي: في الدنيا، بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة. إن تظهروا أيها الناس خيرًا، أو أخفيتموه، أو عفوتم عمَّن أساء إليكم، فإن ذلك مما يُقرِّبكم من الله، ويجزل ثوابكم لديه، فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم. قال مجاهد وغير واحد: كل من عصى الله خطأً أو عمدًا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب. قال محمد بن سيرين: ما أظن أحدًا يبغض أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهو يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره! عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، أنه بكى يومًا بين أصحابه، فسئل عن ذلك، فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدر مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إن فيها مواعظ لمن ادَّكَر.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (5) من سورة المائدة إلى سورة الأعراف فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فهذا الجزء الخامس من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة المائدة إلى سورة الأعراف، أسأل الله أن ينفع بها. الإهداء إلى البيت الحرام: لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام، فإن فيه تعظيم شعائر الله، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عمَّا عداها من الأنعام، وليعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها، فإن من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء. العدل مع كل أحد: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم؛ بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقًا كان أو عدوًّا. قال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدل به قامت السموات والأرض. مهدي الرافضة المنتظر ليس له حقيقة، ولا وجود له بالكلية: المهدي المُبشَّر به في الأحاديث الواردة بذكره، فذكر أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما مُلئت جورًا وظلمًا، وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهَّم الرافضة وجوده، ثم ظهوره من سرداب سامرَّاء، فإن ذلك ليس له حقيقة، ولا وجود له بالكلية؛ بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهُّم الخيالات الضعيفة. أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة: أكبر نِعَم الله تعالى على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحلَّه، ولا حرام إلا ما حرَّمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، لا كذب فيه، ولا خلف. العداوة والبغضاء بين طوائف النصارى: الذين ادَّعوا لأنفسهم أنهم نصارى، متابعون المسيح ابن مريم عليه السلام، وليسوا كذلك، أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومناصرته، ومؤازرته، واقتفاء آثاره، وعلى الإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض، ففعلوا كما فعل اليهود، خالفوا المواثيق، ونقضوا العهود؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [المائدة: 14]؛ أي: فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضًا، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة، وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين، يُكفِّر بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقًا، ولا يقرب أجلًا. الملوك والأغنياء: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سمي ملكًا. عن أبي عبدالرحمن الحنبلي قال: سمعت عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وسأله رجل، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبدالله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، فقال: إن لي خادمًا، فقال: فأنت من الملوك. قال الحسن البصري: هل الملك إلا مركب وخادم ودار. التسليم لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام: قال الزُّهْري: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. اليهود: لا تجتمع قلوبهم؛ بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائمًا؛ لأنهم لا يجتمعون على حق. كفر اليهود كفر عناد وجحود، ومباهتة للحق، وغمط الناس، وتنقُّص بحملة العلم؛ ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء، حتى همُّوا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، وسَمُّوه، وسحروه، وألَّبوا عليه أشباههم من المشركين، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. من سجيتهم أنهم دائمًا يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يحبُّ من هذه صفته. احذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق...فلا تغترَّ بهم، فإنهم كذبة كفرة خونة. من قتل رجلًا واحدًا فكأنما قتل الناس جميعًا: عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان، رضي الله عنه يوم الدار، فقلت: جئت لأنصرك، وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة، أيسرُّك أن تقتل الناس جميعًا وإياي معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلًا واحدًا فكأنما قتلت الناس جميعًا، فانصرف مأذونًا لك مأجورًا غير مأزور، قال: فانصرفت ولم أقاتل. ترك المصلحة إذا ترتب عليها مفسدة أعظم منها: يقول الله تعالى ناهيًا لرسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين عن سبِّ آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسبِّ إله المؤمنين وهو ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [آل عمران: 2]. الشياطين يوحون إلى أوليائهم: المختار ابن أبي عبيد- قبَّحَه الله- كان يزعم أنه يأتيه الوحي، وقد كانت أخته صفية تحت عبدالله بن عمر، وكانت من الصالحات، ولما أخبر عبدالله بن عمر أن المختار يزعم أنه يوحى إليه، فقال: صدق، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ﴾ [الأنعام: 121]. أكثر الناس: يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الصافات: 71]. أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم مخالفون للحق ناكبون عنه كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]. عقوبة المتكبرين: يقول تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146]؛ أي: سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق؛ أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل. قال بعض السلف: لا ينال العلم حييٌّ ولا مستكبر. قال سفيان بن عيينة: أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي. قرن الرحمة مع العقوبة: قوله تعالى:﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167] قوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ﴾؛ أي: لمن عصاه وخالف شرعه ﴿ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾؛ أي: لمن تاب إليه وأناب، وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة؛ لئلا يحصل اليأس، فيقرن تعالى بين الترغيب والترهيب كثيرًا لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف. الحكمة في طلب موسى عليه السلام من السحرة أن يبدءوا أولًا في المبارزة: السحرة...قال لهم موسى: ﴿ أَلْقُوا ﴾ [الأعراف: 116]؛ أي: أنتم أولًا، قيل: الحكمة في هذا- والله أعلم- ليرى الناس صنيعهم ويتأملوه، فإذا فرغوا من بهرجهم ومحالهم جاءهم الحق الواضح الجلي بعد التطلب له والانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس. الأماكن التي هبط فيها آدم وإبليس لو كان في ذكرها فائدة لذكرها الله: آدم وحواء وإبليس...ذكر المفسِّرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات، والله أعلم بصحتها، ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم، أو دنياهم، لذكرها الله تعالى في كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم. أقسام تارك السيئة: اعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام: تارة يتركها لله، فهذا تُكتَب له حسنة على كفِّه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونية؛ ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح: ((فإنما تركها من جرائي))؛ أي: من أجلي، وتارة يتركها نسيانًا وذهولًا عنها، فهذا لا له، ولا عليه؛ لأنه لم يَنْوِ خيرًا، ولا فعل شرًّا، وتارة يتركها عجزًا وكسلًا عنها بعد السعي في أسبابها، والتلبُّس بها بما يقرب منها، فهذا بمنزلة فاعلها. معاملة العاصي من الإنس بالمعروف وبالتي هي أحسن: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] قال بعض العلماء: الناس رجلان، محسن، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته، وما يحرجه، وإما مسيء، فمره بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك، واستمر في جهله، فأعرض عنه، فلعل ذلك أن يرد كيده؛ كما قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 96 - 98]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35]، فهذه الآيات الثلاث، في الأعراف، والمؤمنون، وحم السجدة، لا رابع لهن، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف بالتي هي أحسن، فإنه يكفُّه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى؛ ولهذا قال: ﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]. الخمر أم الخبائث: قال الزُّهْري: حدثني أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة، فدخل معها، فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة، عندها غلام، وباطنية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع عليَّ، أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر، فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدًا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه؛ رواه البيهقي، وهذا إسناد صحيح. نزول العقوبة عند السكرة والغفلة: قال الحسن البصري: من وسَّع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتَّر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم قرأ: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44] قال: مُكِر بالقوم وربِّ الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا؛ رواه ابن أبي حاتم، وقال قتادة: بغت القوم أمر الله وما أخذ قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون؛ رواه ابن أبي حاتم أيضًا. متفرقات: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156] آية عظيمة الشمول والعموم. ﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ﴾ [الأعراف: 77] أسند ذلك على مجموع القبيلة، فدلَّ ذلك على رضا جميعهم بذلك، والله أعلم. يُرغِّب سبحانه عباده في كتابه، ويأمرهم بتدبره، والعمل به، والدعوة إليه، ووصفه بالبركة لمن اتبعه، وعمل به في الدنيا والآخرة؛ لأنه حبل الله المتين. قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]. أتى رجل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: اعهد إليَّ، فقال: إذا سمعت الله يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فأرعها سمعك، فإنه خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه. من توكل على الله كفاه ما أهَمَّه، وحفظه من شر الناس وعصمه. إن توكلتم على الله، واتبعتم أمره، ووافقتم رسوله، نصركم الله على أعدائكم. القليل الحلال النافع خيرٌ من الكثير الحرام الضار. قال صهيب الرومي رضي الله عنه لامرأته وقد عاتبته في كثرة سهره: إن الله جعل الليل سكنًا إلا لصهيب، إن صهيبًا إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طار نومه. قال الحسن: كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم. سميت البدعة بدعة؛ لأنه لا نظير لها فيما سلف. لما كان المكر غالبًا إنما يكون خفيًّا وهو التلطُّف في التحيل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشديد من الله يوم القيامة جزاءً وفاقًا. سئل شريح القاضي عن الجراد، فقال: قبَّح الله الجرادة، فيها خلقة سبعة جبابرة، رأسها رأس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجلاها رجال جمل، وذنبها ذنب حية، وبطنها بطن عقرب. أمية بن أبي الصلت...جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه، ولم يؤمن قلبه، فإن له أشعارًا ربانية، وحكمًا وفصاحة، ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام. لا أُلْفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين. من أعان ظالمًا سلَّطَه الله عليه.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (6) من سورة الأنفال إلى سورة النحل فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فهذا الجزء السادس من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة الأنفالإلى سورة النحل، أسأل الله أن ينفع بها. إعجاز القرآن الكريم: إعجاز القرآن أنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعَشْر سور، ولا بسورة من مثله؛ لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته، واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين. أنزل القرآن بأشرف اللغات على أشرف الرُّسُل في أشرف البقاع: أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدأ إنزاله في أشرف شهور السنة؛ وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه. اللغة العربية أفصح اللغات وأبينها: لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس. التوكل على الله: ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2] لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه. الرياء: قال ابن عباس: أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا، قال قتادة: من كانت الدنيا هَمَّه ونيته وطَلِبَتَه جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يُعطى بها جزاءً، وأما المؤمن فيُجازى بحسناته في الدنيا، ويُثاب عليها في الآخرة. أولياء الله: قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد: أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله. كلُّ من كان تقيًّا كان لله وليًّا. أولياؤه...لا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال الآخرة، ولا هم يحزنون على ما وراءهم في الدنيا. شجاعة الصحابة رضي الله عنهم: قد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به، وامتثال ما أرشدهم إليه، ما لم يكن لأحد من الأمم، والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد من بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب، والأقاليم شرقًا وغربًا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، من الروم، والفرس، والترك، والصقالبة، والبربر، والحبوش، وأصناف السودان، والقبط، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع، حتى علت كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الله ومغاربها، في أقلِّ من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهَّاب. المؤمنون: المؤمن... إذا ذُكِر الله وجِلَ قلبُه؛ أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره. المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقًا بأخيه المؤمن، غليظًا على عدوه الكافر. المؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء...والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم أرسلوه. المؤمنون... يشكرون الله على السراء، ويصبرون على الضراء. المنافقون: قال ابن عباس رضي الله عنهما: المنافقون: لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون، ولا يصلون إذا غابوا، ولا يؤدون زكاة أموالهم. لا يزالون في هَمِّ وحزن وغَمٍّ؛ لأن الإسلام وأهله في عزٍّ ونصر ورفعة. من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولَمْزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منها، إن جاء أحد منهم بمال جزيل، قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير، قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا انقطعت الدنيا، وصاروا إلى الله عز وجل، استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبدًا. تقوى الله: من اتقى الله بفعل أوامره، وترك زواجره، وُفِّق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سببًا لنصره، ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه- وهو محوها- وغَفْرها: سترها عن الناس، وسببًا لنيل ثواب الله الجزيل. العين حق: يعقوب عليه السلام أمر بنيه لما جهَّزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر، ألَّا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس...وغير واحد أنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم؛ فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه. عدم استجابة الله جل وعلا لدعاء الإنسان على نفسه أو لده أو ماله: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك؛ فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفًا ورحمةً، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو أولادهم بالخير والبركة والنماء. عقوبة أول جبار في الأرض: أول جبار كان في الأرض: النمرود، فبعث الله عليه بعوضة، فدخلت في منخره، فمكثت أربعمائة سنة، يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه، وكان جبارًا أربعمائة سنة، فعذبه الله أربعمائة سنة كمُلْكه، ثم أماته. إيمان قوم يونس لما عاينوا أسباب العذاب: لم توجد قرية آمنت بكمالها ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى، وما كان إيمانهم إلا تخوفًا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعدما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله، واستغاثوا، وتضرعوا له، واستكانوا، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيُّهم، فعندها رحمهم الله، وكشف عنهم العذاب وأُخِّروا. كثرة الصلاة عند اشتداد البلاء: قوله تعالى: ﴿ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ﴾ [يونس: 87]، قال الثوري عن ابن منصور عن إبراهيم: كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم، وكذا قال مجاهد، وأبو مالك، والربيع، والضحاك....وكأن هذا- والله أعلم- لما اشتدَّ بهم البلاء من قبل فرعون وقومه وضيقوا عليهم، أمروا بكثرة الصلاة؛ كقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾[البقرة: 153]. متفرقات: القرآن اشتمل على كل علم نافع، من خير ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس محتاجون إليه، في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ومعادهم. القرآن أعظم المعجزات، وأبين الدلالات، وأصحُّ الحجج والبينات. يقول تعالى: ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 13] قال مجاهد: يحملون أثقالهم: ذنوبهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئًا. قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]؛ أي: معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه.... ﴿ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾؛ أي: تركوا المحرمات ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾؛ أي: فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ويؤيدهم ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد: 6]؛ أي: إنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار، ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب، ليعتدل الرجاء والخوف. يوسف عليه السلام اشتهر في السجن بالجود، والأمانة، وصدق الحديث، وحسن السمت، وكثرة العبادة صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير، والإحسان إلى أهل السجن، وعيادة مرضاهم، والقيام بحقوقهم. يعقوب عليه السلام...أعرض عن بنيه، وقال متذكرًا حزن يوسف القديم الأول: ﴿ وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 84] جدد له حزن الابنين الحزن الدفين. عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويقول: هذا وعيد شديد لأهل الأرض. يقول تعالى: ما أضعنا صبر يوسف على أذى إخوته، وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز؛ فلهذا أعقبه الله عز وجل السلام النصر والتأييد. إنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك: ضيق صدر، وانقباض، فلا يهيدنك ذلك، ولا يثنيك عن إبلاغ رسالة الله، وتوكَّل عليه، فإنه كافيك، وناصرك عليهم، فاشتغل بذكر الله وتحميده، وتسبيحه، وعبادته التي هي الصلاة. يخبر تعالى عن حلمه وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات، ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم، وحملهم عليها، مع قدرته أن يخسف بهم الأرض، أو يأتيهم بالعذاب من حيث لا يشعرون؛ أي: من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم. أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه، بأن يعبدوه، ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه. يقول تعالى: لو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار، لرأيت أمرًا عظيمًا، هائلًا فظيعًا منكرًا. يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى عليه السلام مع ما جاء به من الآيات البينات، والحجج القاطعات، والبراهين الساطعات، إلا قليلٌ من قوم فرعون من الذرية، وهم الشباب على وجل وخوف منه، ومن مثله أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن فرعون لعنه الله كان جبارًا عنيدًا مسرفًا في التمرد والعتو، وكانت له سطوة ومهابة، يخاف رعيتُه منه خوفًا شديدًا. يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه. يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء. قال ابن مسعود رضي الله عنه: • إن معاذًا كان أمة قانتًا لله حنيفًا...الأمة: الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله، وكذلك كان معاذ. • الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزال. • النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان. عن عمرو بن ميمون الأودي قال: أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: إن المساجد بيوت الله في الأرض، وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها. قال قتادة: النعاس في الرأس، والنوم في القلب. قال مجاهد: ما من عبد إلا له مَلَك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده، إلا قال له الملك: وراءك، إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه. قال الفضيل بن عياض: وقفت امرأة العزيز على ظهر الطريق حتى مرَّ يوسف، فقالت: الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكًا بطاعته، والملوك عبيدًا بمعصيته. الحياة الطيبة: تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. شياطين الإنس والجن... لا يعادي الرسل إلا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء، قبَّحهم الله ولعنهم. السحرة لما آمنوا بموسى عليه السلام...كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء بررة. الغفر: هو الستر، وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قرنت مع الغفر يُراد بها ألَّا يوقعه في مثله في المستقبل. الخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية. شهد الله بالإيمان لعُمَّار المساجد. سيئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالًا ونقصًا. لا خسارة أعظم من خسارة من فُرِّق بينه وبين أحبَّته يوم الحسرة والندامة. جزاء السيئة السيئة بعدها، كما أن جزاء الحسنة الحسنة بعدها. أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء، والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء. غالبًا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته. الاستغفار من اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه. التحسُّس يكون في الخير، والتجسُّس يكون في الشر. الصواعق... يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء؛ ولهذا تكثر في آخر الزمان. إنما يتعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول الصحيحة، جعلنا الله منهم. من ترك شيئًا لله، عوَّضه الله بما هو خير له منه. كل عسى في القرآن فهي واجبة. في العسل شفاء للناس؛ أي: من أدواء تعرض لهم، قال بعض من تكلم في الطب النبوي: لو قال فيه الشفاء للناس، لكان دواء لكل داء، ولكن قال: ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69]؛ أي: يصلح لكل أحد من أدواء باردة، فإنه حار، والشيء يُداوَى بضده.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (7) من سورة الإسراءإلى سورة المؤمنون فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ فهذا الجزء السابع من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، من سورة الإسراء إلى سورة المؤمنون، أسأل الله أن ينفع بها. القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين: يقول تعالى مخبرًا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، إنه شفاء ورحمة للمؤمنين؛ أي: يذهب ما في القلوب من أمراض، ومن شك، ونفاق، وشرك، وزيغ، وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضًا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة، وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به، وصدَّقه واتَّبعه، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة. الصلاة: قوله تعالى: ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ [طه: 132]؛ يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب. الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحة له، وقرة عين. آيات موسى عليه الصلاة والسلام: يخبر تعالى أنه بعث موسى عليه السلام بتسع آيات بيِّنات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به...وهي: العصا واليد، والسنين، والبحر، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات. أصحاب أهل الكهف: أصحاب الكهف...ليس أمرهم عجيبًا في قدرتنا وسلطاننا، فإن في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، وغير ذلك من الآيات العظيمة، الدالة على قدرة الله تعالى، وأنه على ما يشاء قادر، ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب أهل الكهف. التبذير والإسراف والبخل: قال مجاهد: لو أنفق إنسان مالَه كُلَّه في الحق لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًّا في غير حق كان مبذرًا. لا تكن بخيلًا مَنُوعًا، لا تعطي أحدًا شيئًا،...ولا تسرف في الإنفاق، فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملومًا محسورًا...وإذا سألك أقاربك...وليس عندك شيء...فعدهم وعدًا بسهولة ولين؛ إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله. ذكر الله تعالى عند النسيان: قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: 24] يحتمل في الآية وجه آخر، وهو أن يكون الله تعالى قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلىذكر الله تعالى؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان، كما قال فتى موسى: ﴿ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [الكهف: 63] وذكر الله يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان، فذكر الله تعالى سبب للذكر. الشباب أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ: الشباب أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثرُ المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابًا. صحبة الأخيار: أصحاب الكهف...شملت كلبهم بركتهم، فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، وهذا فائدة صحبة الأخيار، فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن. اجلس مع الذين يذكرون الله، ويهللونه، ويحمدونه، ويسبحونه، ويكبرونه، ويسألونه بكرةً وعشيًّا، من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء، أو أقوياء أو ضعفاء. الرضا بقضاء الله وقدره: الغلام الذي قتله الخضر...قال قتادة: قد فرح به أبواه حين وُلد، وحزنا عليه حين قُتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرضَ امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحب. القلق والحيرة وفَقْد الطُّمَأْنينة لمن خالف الأوامر: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ﴾[طه: 124]؛ أي خالف أمري، ما أنزلته على رسولي... ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾[طه: 124]؛ أي ضنكًا في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره؛ بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعَّم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردَّد، فهذا من ضنك المعيشة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ قال: الشقاء. غرس محبة المؤمنين في قلوب العباد الصالحين: يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات؛ وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبةً ومودةً. الإنسان: الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة، والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصَّره بطريق النجاة. الإنسان...سجيته...ينسى النعم، ويجحدها إلا من عصم الله. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إنما سمي الإنسان؛ لأنه عُهِد إليه فنسي. ابتلاء نبي الله أيوب عليه السلام: يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير، وأولاد كثيرة، ومنازل مرضية، فابتُلي في ذلك كله، وذهب عن آخره، ثم ابتُلي في جسده، يقال بالجذام في سائر جسده، ولم يبقَ منه سوى قلبه، ولسانه يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وأفرد في ناحية من البلد، ولم يبقَ أحدٌ من الناس يحنو عليه سوى زوجته، كانت تقوم بأمره، ويقال إنها احتاجت فصارت تخدم الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أشَدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل))، وفي الحديث الآخر: ((يُبْتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه))، وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك...قال الحسن وقتادة: ابتُلي أيوب عليه السلام: سبع سنين وأشهرًا. حفظ الله جل وعلا لعباده المؤمنين: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38] يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه، وأنابوا إليه شر الأشرار، وكيد الفجار، ويحفظهم، ويكلؤهم، وينصرهم. نعمة الله وفضله في إنزال القطر من السماء: يذكر تعالى نعمه على عبيده، التي لا تُعدُّ ولا تُحصى في إنزال القطر من السماء...وقوله: ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [المؤمنون: 18]؛ أي: جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الأرض، وجعلنا في الأرض قابلية له، وتشربه، ويتغذى به ما فيها من الحب والنوى، وقوله: ﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18]؛ أي: لو شئنا ألَّا تمطر لفعلنا، ولو شئنا أذى لصرفناه عنكم إلى السباخ والبراري والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أجاجًا لا ينتفع به لشرب ولا لسقي لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه لا ينزل في الأرض بل ينجر على وجهها لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغورإلى مدى لا تصلون إليه، ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم الماء من السحاب عذبًا فُراتًا زلالًا، فيسكنه في الأرض، ويسلكه ينابيع في الأرض، فيفتح العيون، والأنهار، ويسقي به الزروع والثمار، تشربون منه ودوابكم وأنعامكم، وتغتسلون منه، وتتطهرون منه، وتتنظفون، فله الحمد والمنة. الدعاء في حال البلاء: قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]؛ أي: إذا كانوا في الشدائد، ودعونا منيبين إلينا، ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء، فقد جاء الترغيب في الدعاء به عن سيد الأنبياء. إخفاء الدعاء: زكريا...كان نبيًّا عظيمًا من أنبياء بني إسرائيل...قال بعض المفسرين إنما أخفى دعائه...لأنه أحبُّ إلى الله كما قال قتادة في هذه الآية: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾ [مريم: 3] إن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفي. إرشاد إلى دعاء: قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118] هذا إرشاد من الله تعالىإلى هذا الدعاء، فالغَفْر إذا أطلق معناه: محو الذنب، وستره عن الناس، والرحمة معناها: أن يسدده ويوفقه في الأقوال والأفعال. الترياق النافع في معاملة الناس: قال تعالى مرشدًا له إلى الترياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء إليه ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة، وبغضه محبة...وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة أو هذه الصفة: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾[فصلت: 35]؛ أي: على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل، مع إسدائهم إليهم القبيح ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35]؛ أي: في الدنيا والآخرة. يأمر تبارك وتعالى عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاورتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزع الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدو لآدم وذريته. رقائق ومواعظ: قوله تعالى: ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ﴾ [الكهف: 100] يقول تعالى مخبرًا عما يفعله بالكفار يوم القيامة: إنه يعرض عليهم جهنم؛ أي: يبرزها لهم ويظهرها ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها، ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهَمِّ والحزن لهم. قوله تعالى: ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1]؛ أي: أمر عظيم، وخطب جليل، وطارق مفظع، وحادث هائل، وكائن عجيب، والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع. قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57]؛ أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله، خائفون منه، وجلون من مكره بهم، كما قال الحسن البصري: إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنًا. قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]؛ أي: يعطون العطاء وهم خائفون وجلون، ألَّا يتقبل منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط. قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100] يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين، أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته؛ ولهذا قال: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ﴾[المؤمنون: 99، 100]. الدنيا دار فانية، مزينة بزينة زائلة...وإنا لمصيرها بعد الزينة إلى الخراب والدمار. الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها، وتعاقبت لياليها وأيامها وساعاتها، كأنها يوم واحد؛ ولهذا يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة. توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه عذاب ناجز. يوم الحسرة من أسماء يوم القيامة. قال ابن أبي الدنيا: قال بعض الحكماء: أحيِ قلبك بالمواعظ، ونوِّره بالتفكر... وذلـله بالموت، وقدره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر، وفحش تقلب الأيام، وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكِّره ما أصاب من كان قبله، وسيِّره في ديارهم، وآثارهم، وانظروا ما فعلوا، وأين حلوا، وعمَّ انقلبوا. متفرقات: قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [الإسراء: 64]، قيل: هو الغناء، قال مجاهد: باللهو والغناء؛ أي: استخفهم بذلك. قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15]؛ أي: الإقبال عليه والتفرغ لعبادته خيرٌ لكم من اشتغالكم بهم، والجمع لهم، والشفقة المفرطة عليهم. قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ ﴾ [الكهف: 66] سؤال تلطُّف، لا على وجه الإلزام والإجبار، وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم. قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [الحج: 8]؛ أي: بلا عقل صحيح، ولا نقل صريح، بل بمجرد الرأي والهوى. ذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾[النازعات: 24]، وبين إهلاك الله له أربعون سنة، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]. قوله تعالى: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [النحل: 70]، وهو الشيخوخة، والهرم، وضعف القوة والعقل والفهم، وتناقص الأحوال من الخرف، وضعف الفكر. قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾[الحج: 38]؛ أي: لا يحبُّ من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق لا يفي بما يقول، والكفر الجحد للنِّعَم فلا يعترف بها. قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]؛ أي: عن الباطل، وهو يشمل الشرك...والمعاصي... وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال. قال عمرو بن ميمون: ما من شيء خيرٌ للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية:﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ [مريم:26،25]. قال بعض السلف: لا تجد أحدًا عاقًّا لوالديه إلا وجدته جبارًا شقيًّا، ثم قرأ: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾[مريم: 32]. قوله تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78]؛ أي: بأموالكم، وألسنتكم، وأنفسكم. قال قتادة: يا بن آدم، لا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح. ليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحنُّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار. قال أبو سنان: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب لا يفارقه أبدًا. لا تأسف عليهم؛ بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضَلَّ فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. المشروع عند وقوع الفتن في الناس، أن يفرَّ العبد منهم خوفًا على دينه. قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله، أو ماله، أو ولده، فليقل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. جميع أعمال الحسنات هن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة. الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا، وفي الآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقرّ عينه بهم. لما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله، أبدله الله من هو خير منهم، ووهب له إسحاق، ويعقوب؛ يعني ابنه وابن إسحاق. صِدْق الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خُلْفه من الصفات الذميمة. قال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا، حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا. قرن بين الجوع والعري؛ لأن الجوع ذُلُّ الباطن، والعري ذُلُّ الظاهر...والظمأ حر الباطن؛ وهو العطش، والضحى حر الظاهر. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تنظرإلى ما هؤلاء المترفون وأشباهم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة، لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور. ليس العَمى عَمى البصر، وإنما العَمى عَمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة، فإنها لا تنفذ إلى العِبر، ولا تدري ما الخبر. ذكر كثيرٌ من المفسِّرين قصة الغرانيق.... لكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (8) من سورة النور إلى سورة الروم فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فهذا الجزء الثامن من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله من سورة النور إلى سورة الروم، أسأل الله أن ينفع بها. لا يظن بالأخيار إلا الخير: قوله تعالى: ﴿ لَوْلَا ﴾ [النور: 12]؛ يعني: هلا، ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ [النور: 12]؛ أي: ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين رضي الله عنها، ﴿ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾[النور: 12]؛ أي: قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم، فأُمُّ المؤمنين أوْلَى بالبراءة منه بطريق الأوْلَى والأحْرَى. إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة، فأولى ينبغي الظن بهم خيرًا، وألَّا يشعر نفسه سوى ذلك، ثم إن علق بنفسه شيء من ذلك، وسوسة أو خيال فلا ينبغي أن يتكلم به. غض البصر عن المحارم: أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عمَّا حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق وإن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا. النظر داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: النظر سهم سم إلى القلب. قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورًا في بصيرته. كثير من السلف كانوا ينهون أن يحِدَّ الرجل نظره إلى الأمرد. هجران القرآن: كانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به، وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به، وامتثال أوامره، واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر، أو قول، أو غناء، أو لهو، أو كلام، أو طريقة مأخوذة من غيره، من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب. القضاء والقدر: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: إذا نزل القدر، عمي البصر، وذهب الحذر. أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك، مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري، ولا يغلب؛ بل نفذ حكمه، وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه؛ بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلت بسببه ألوفًا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه، وتدلـله،... وحتفك وهلاك جنودك على يديه؛ لتعلم أن رب السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز، الشديد المحال، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. البلاء موكل بالقول: موسى عليه الصلاة والسلام... لما رآه فرعون همَّ بقتله؛ خوفًا من أن يكون من بني إسرائيل، فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه، وتذب دونه، وتحببه إلى فرعون، فقال: ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ﴾ [القصص: 9]، فقال فرعون: أما لك فنعم، وأما لي فلا، فكان كذلك، وهداها الله بسببه، وأهلكه الله على يديه... وقوله: ﴿ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا ﴾ [القصص: 9]،وقد حصل لها ذلك، وهداها الله به، وأسكنها الجنة بسببه. رسالة في غاية البلاغة والفصاحة: قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30-31]، هذا الكتاب في غاية البلاغة، والوجازة، والفصاحة، فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها، قال العلماء: لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام. الرعية على دين ملوكهم: لما جاء السحرة... واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم: ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الشعراء: 40]،ولم يقولوا: نتبع الحق، سواء كان من السحرة، أو من موسى؛ بل الرعية على دين ملوكهم. أكثر الناس: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها، ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في أمور الدين، وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة، قال الحسن البصري: والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي. تستر المرأة وتأدبها عند تعاملها مع الرجال الأجانب: قوله تعالى: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25]؛ أي: مشي الحرائر، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: جاءت متسترة بكُمِّ درعها. وقال: جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسَلْفَع من النساء، ولاجة خرَّاجة، هذا إسناد صحيح، قال الجوهري: السَّلْفَع من النساء: الجريئة السليطة. ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 25]، وهذا تأدُّب في العبارة، لم تطلبه طلبًا مطلقًا؛ لئلا يوهم بريبة؛ بل قالت: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾؛ يعني: ليثيبك، ويكافئك على سقيك لغنمنا. الصلاة: قال أبو العالية في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، قال: إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله، فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله (القرآن) يأمره وينهاه. عذاب أصحاب الأيكة: أصحاب الأيكة؛ هم أهل مدين على الصحيح.... الله سبحانه وتعالى جعل عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام، لا يكنهم منه شيء، ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر، فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررًا من النار ولهبًا، ووهجًا عظيمًا، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189]. الشعراء: قال عكرمة: كان الشاعران يتهاجيان، فينتصر لهذا فئام من الناس، ولهذا فئام من الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]. قال قتادة: الشاعر يمدح قومًا بباطل، ويذم قومًا بباطل. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أكثر قولهم يكذبون فيه، وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر، فإن الشعراء يتبجَّحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم، فيتكثرون بما ليس لهم. قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء: 227]، قيل: معناه: ذكروا الله كثيرًا في كلامهم، وقيل: في شعرهم، وكلاهما صحيح. عدم حزن الداعية إذا لم يستجب له أحد: تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، يخبره عن نوح عليه السلام أنه مكث في قومه هذه المدة، يدعوهم إلى الله ليلًا ونهارًا سرًّا وجهارًا، ومع هذا ما زادهم إلا فرارًا عن الحق، وإعراضًا عنه، وتكذيبًا له، وما آمن معه إلا قليل؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]؛ أي: بعد هذه المدة الطويلة ما نجع فيهم البلاغ والإنذار، فأنت يا محمد لا تأسف على من كفر بك من قومك، ولا تحزن عليهم، فإن الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وبيده الأمر، وإليه ترجع الأمور. منوعات: هذا شأن الكفر والإيمان، ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان. الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله، ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رماها به. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت... وبقي الأمر كذلك قريبًا من شهر حتى نزل القرآن. كان أبو بكر رضي الله عنه معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، قالت: كان عبدالله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح؛ كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه. المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن، وقد يبتلى بها، فيثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال: إن قال صدق، وإن حكم عدل، وإن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر. المساجد... هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد... أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو، والأقوال والأفعال التي لا تليق بها. لما غلب فرعون، وانقطعت حجته عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له. قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]أسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه، ولكن أضافه إلى نفسه تأدبًا....وإذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه. قال قتادة: الصديق إن كان صالحًا نفع، والحميم إن كان صالحًا شفع. الشياطين.... يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بها، فيصدقهم الناس في كل ما قالوه بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء. قوله تعالى: ﴿ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص: 30]؛أي: الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعَّال لما يشاء، لا إله غيره، ولا رب سواه، تعالى وتقدَّس، وتنزَّه عن مماثلة المخلوقات في ذاته، وصفاته، وأقواله، وأفعاله، سبحانه. ﴿ وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ﴾ [النمل: 14]؛أي: علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله؛ ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها، ﴿ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]؛ أي: ظلمًا من أنفسهم سجية ملعونة، وعلوًّا؛ أي: استكبارًا عن اتِّباع الحق. قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، قال مجاهد: يعني: الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم. قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾[القصص: 77]؛ أي: أحسن إلى خلقه، كما هو أحسن إليك. قوله تعالى: ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 13] إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة أنهم يحملون يوم القيامة أوزارًا أخر؛ بسبب ما أضلوا من الناس، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئًا. سليمان عليه السلام... سخر له الإنس والجن والطير، وكان يعرف لغة الطير والحيوان...وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر فيما علمناه مما أخبر الله به ورسوله. قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾[الشعراء: 84]؛ أي: واجعل لي ذكرًا جميلًا بعدي، أذكر به، ويقتدى بي في الخير. عن مجاهد قال: كان موسى عليه السلام قد ملئ قلبه رعبًا من فرعون، فكان إذا رآه قال: "اللهم إني أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من شره"، فنزع الله ما كان في قلب موسى عليه السلام، وجعله في قلب فرعون، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار. إذا سفه عليهم سفيه، وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه، أعرضوا عنه، ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر منهم إلا كلام طيب. استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة في طاعة ربك، والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة. ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة. يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض؛ أي: ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم، وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم. الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين، بحسب ما عندهم من الإيمان. الوالدان هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق. عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر: كم لبث نوح في قومه؟ قال: قلتُ: ألف سنة إلا خمسين عامًا، قال: فإن الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم، وأحلامهم، وأخلاقهم إلى يومك هذا. إبراهيم عليه الصلاة والسلام.... جعله الله للناس إمامًا، فإنه بذل نفسه للرحمن، وجسده للنيران، وضحَّى بولده للقربان، وجعل ماله للضيفان. عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]،يقول: ولذكر الله لعباده أكبر إذا ذكروه، من ذكرهم إياه. قال عيسى بن مريم عليه السلام: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك. يقول تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ [الروم: 24]، الدالة على عظمته أنه﴿ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾[الروم: 24]؛ أي: تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار مزعجة، وصواعق متلفة، وتارة ترجون وميضه، وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه. من أعطى عطية يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم؛ فهذا لا ثواب له عند الله. قوله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41]؛ أي: بان النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي. الحدود إذا أقيمت انكف الناس -أو أكثرهم أو كثير منهم- عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي كان سببًا في حصول البركات من السماء والأرض. عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب. عباد الرحمن... إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله؛ بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلمًا. من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة؛ وهي المحبة، ورحمة؛ وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمته بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (9) من سورة لقمان إلى سورة الأحزاب فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ فهذا الجزء التاسع من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله من سورة لقمان إلى سورة الأحزاب، أسأل الله أن ينفع بها. ذكر الله عز وجل على كل حال: عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: ﴿ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حدًّا ينتهى إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه، إلا مغلوبًا على تركه، فقال: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103] بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال. لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ﴾ [الأحزاب: 36] الآية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها فخطبها، فقالت: لست بناكحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بلى فانكحيه))، قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ﴾ [الأحزاب: 36] الآية، قالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، قالت: إذًا لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أنكحته نفسي. التقوى: قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله معنى الصلاة من الله عز وجل وملائكته على العبد: الصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة؛ حكاه البخاري عن أبي العالية، ورواه أو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه، وقال غيره: الصلاة من الله عز وجل: الرحمة، وقد يقال لا منافاة بين القولين، والله أعلم. وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار. الغناء والطرب: قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [لقمان: 6] قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: الغناء، والله لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات....وكذا قال ابن عباس، وجابر رضي الله عنهما، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بَذيمة. وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير. الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير، والغناء بالألحان، وآلات الطرب. المقبل على اللهو واللعب والطرب، إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولَّى عنها، أعرض وأدبر، وتصامم وما به صمم كأنه ما سمعها؛ لأنه يتأذَّى بسماعها؛ إذ لا انتفاع له بها، ولا أرب له فيها ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 7]؛ أي: يوم القيامة، يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته. لقمان الحكيم: اختلف السلف في لقمان هل كان نبيًّا أو عبدًا؟ على قولين، الأكثرون على الثاني. جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب، يسأله، فقال له سعيد بن المسيب: لا تحزن، من أجل أنك أسود، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان: بلال رضي الله عنه، ومهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولقمان الحكيم كان أسود. كان لقمان عبدًا حبشيًّا نجَّارًا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، فقال: اخرج لنا أطيب مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله، ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما، فقال له لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. قال عمرو بن قيس: كان لقمان عبدًا أسود، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، فأتاه رجل وهو في مجلس ناس يحدثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى الغنم في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: فما بلغك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني. وقف رجل على لقمان الحكيم، فقال: أنت عبد بني الحسحاس...أنت راعي الغنم...قال: نعم...فما الذي يعجبك من أمري؟ قال: وطء الناس بساطك، وغشيهم بابك، ورِضاهم بقولك، قال: يا بن أخي، إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك، قال: ما هو؟ قال لقمان: غضي بصري، وكفي لساني، وعفة طعمتي، وحفظي فرجي، وقولي بصدق، ووفائي بعهدي، وتكرمتي ضيفي، وحفظي جاري، وتركي ما لا يعنيني، فذاك الذي صيرني إلى ما ترى. من وصايا لقمان لابنه: ﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [لقمان: 13] أوصاه أولًا بأن يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا، ثم قال محذرًا له: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]؛ أي: هو أعظم الظلم. ﴿ يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها. ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي: بحسب طاقتك وجهدك، ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17] علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر، وقوله: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور. ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان: 18] يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم، أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم، ولكن ألِن جنبك، وابسط وجهك إليهم. ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ [لقمان: 18]؛ أي: خيلاء متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]؛ أي: مختال معجب في نفسه، فخور؛ أي: على غيره. ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ [لقمان: 19]؛ أي: امش مشيًا مقتصدًا، ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدل وسط، بين بين. ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19]؛ أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]، قال مجاهد: إن أقبح الأصوات صوتُ الحمير؛ أي: غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في رفعه وعلوه، ومع هذا فهو بغيض إلى الله. من رحمة الله عز وجل بعباده في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا: فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم، وبصَّرهم بالطريق الذي ضلَّ عنه وحاد عنه سواهم من الدعاة إلى الكفر، أو البدعة، وأشياعهم من الطغام. وأما رحمته بهم في الآخرة فآمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة، والنجاة من النار، وما ذاك إلا لمحبته لهم، ورأفته بهم. الصبر: سجية الأثبات: الصبر على المصائب، والعلم بأن المقدر كائن لا محالة، وتلقى ذلك بالصبر والثبات، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى؛ أي: أصعبه في أول وهلة، ثم ما بعده أسهل منه، وهو صدق في السجية وثباتها. الصدق والكذب: الصدق خصلة محمودة؛ ولهذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم، لم تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية، ولا في الإسلام، وهو علامة على الإيمان، كما أن الكذب أمارة على النفاق، ومَنْ صدَقَ نَجا. البهتان الكبير: البهتان الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقُّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد: الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة، ويعيبونهم بما قد برَّأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم، فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار، ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم، وينتقصونهم، ويذكرون عنهم ما لم يكن، ولا فعلوه أبدًا فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين. من أحسن الكتب المؤلفة في الأذكار: صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار؛ كالنسائي، والمعمري، وغيرهما، ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك: كتاب "الأذكار" للشيخ محيي الدين النووي، رحمه الله. منوعات: قوله تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴾[السجدة: 21]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالعذاب الأدنى: مصائب الدنيا، وأسقامها، وآفاتها، وما يحلُّ بأهلها مما يبتلي اللهُ به عباده ليتوبوا. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به عذاب القبر. ﴿ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ [السجدة: 14]؛ أي: يُقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب، بسبب تكذيبكم واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له، إذ عاملتموه معاملة من هو ناسٍ له ﴿ إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾ [السجدة: 14]؛ أي: سنعاملكم معاملة الناسي؛ لأنه تعالى لا ينسى شيئًا ولا يضلُّ عنه شيء. قال قتادة: إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكره، فقد اغترَّ أكبر الغرة، وأعوز أشد العوز، وعظم من أعظم الذنوب. يذكر تعالى تربية الوالدة، وتعبها، ومشقتها في سهرها ليلًا ونهارًا، ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه. لو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلامًا، وجعل البحر مِدادًا، وأمدَّه بسبعة أبحر معه، فكتبت بها كلمات الله، الدالة على عظمته وصفاته وجلاله، لتكسَّرت الأقلام، ونفد ماء البحر، ولو جاء أمثالها مددًا. لا ينبغي للرجل أن يكون إمامًا يُقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا. قال بعض العلماء: بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين. أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحًا شديدة الهبوب، قوية، حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء، ولا تُوقد لهم نار، ولا يقرُّ لهم قرار، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين. قوله: ﴿ وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [الأحزاب: 9] هم الملائكة، زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف. ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21] هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسِّي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله. الأحزاب.... سلَّط عليهم هواء فرَّق شملهم، كما كان سبب اجتماعهم من الهوى، وهم أخلاط من قبائل شتى أحزاب وآراء، فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرَّق جماعتهم، وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم. لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها....تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم. قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرُّج الجاهلية. القنوت هو الطاعة في سكون. الخشوع: السكون والطُّمَأْنينة والتؤدة والوقار والتواضع، والحامل عليه الخوف من الله تعالى ومراقبته. الصدقة: هي الإحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء، الذين لا كسب لهم، ولا كاسب، يعطون من فضول الأموال، طاعةً لله وإحسانًا إلى خلقه. يختبر عباده بالخوف والزلازل ليميز الخبيث من الطيب. قال محمد بن الحسين بن علي- من ولد علي رضي الله عنه-: ما دخل قلب رجل من شيء من الكِبْر، إلا نقص من عقله بقدر ذلك. الصوم زكاة البدن؛ أي: يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة طبعًا وشرعًا....والصوم من أكبر العون على كسر الشهوة. كل رسول نبي، ولا ينعكس. ذكر الخطيب البغدادي، في كتابه "الجامع لآداب الراوي والسامع" قال: رأيت بخَطِّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كثيرًا ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابةً، قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظًا. عن ابن عباس عن عمر، رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، طلَّق حفصة، رضي الله عنها، ثم راجعها؛ وهذا إسناد قوي.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (10) من سورة سبأ إلى سورة الأحقاف فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فهذا الجزء العاشر من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله من سورة سبأ إلىسورة الأحقاف، أسأل الله أن ينفع بها. الجن لا يعلمون الغيب: يذكر تعالى كيفية موت سليمان عليه السلام، وكيف عَمَّى الله موته على الجانِّ المسخرين له في الأعمال الشاقة، فإنه مكث متوكِّئًا على عصاه- وهي منسأته- كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد، مدة طويلة، نحوًا من سنة، فلما أكلتها دابة الأرض، وهي الأرَضَة، ضعفت، وسقط إلى الأرض، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة، وتبينت الجن والإنس أيضًا أن الجن لا يعلمون الغيب، كما كانوا يتوهَّمون، ويُوهمون الناس بذلك. جزاء المعصية: عن ابن خيرة -وكان من أصحاب علي رضي الله عنه- قال: جزاء المعصية: الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسُّر في اللذة، قيل: وما التعسُّر في اللذة؟ قال: لا يصادف لذة حلالًا إلا جاءه من ينغِّصه إياها. المرائي ينكشف أمره: ما أسرَّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وما أسرَّ أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها، إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم؛ بل ينكشف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية. معاداة الشيطان: لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتِّباع رسل الله، وتصديق كلماته، فإنه غرَّار كذَّاب أفَّاك....هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه، فيما يغركم به...إنما يقصد أن يضلكم، حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير. فهذا العدو المبين نسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان، وأن يرزقنا اتِّباع كتابه، والاقتفاء بطريق رسوله، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة قدير. الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات: قال تعالى: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ [فاطر: 32] وهو المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات، ﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ﴾ [فاطر: 32] وهو المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات، ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32]، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات، وبعض المستحبات....قال ابن عباس رضي الله عنهما: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. نعمة الله على عبادة بتسخير الأنعام لهم: يذكر تعالى ما أنعم به على خلقه من هذه الأنعام التي سخَّرَها لهم ﴿ فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴾ [يس: 71] قال قتادة: مطيقون؛ أي: جُلُّهم يقهرونها، وهي ذليلة لهم، لا تمتنع منهم؛ بل لو جاء صغير إلى بعير لأناخه، ولو شاء لأقامه، وساقه، وذاك ذليل منقاد معه، وكذا لو كان القطار مائة بعير، أو أكثر، لسار الجميع بسير الصغير. خشية الله حق خشيته: الله...إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتمَّ، والعلم به أكمل- كانت الخشية له أعظم وأكثر. العلم: عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث؛ ولكن العلم عن كثرة الخشية. من علم شيئًا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم. عن مالك قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب. أهلك الله جل وعلا قوم لوط، وجعل محلتهم بحيرة منتنة قبيحة المنظر: يخبر تعالى عن عبده ورسوله لوط عليه السلام، أنه بعثه إلى قومه فكذبوه، فنجَّاه الله من بين أظهرهم هو وأهله، إلا امرأته فإنها هلكت مع من هلك من قومها، فإن الله تعالى أهلكهم بأنواع العقوبات، وجعل محلتهم من الأرض بحيرة منتنة، قبيحة المنظر والطعم والريح، وجعلها بسبيل مقيم، يمرُّ بها المسافرون ليلًا ونهارًا. فوائد القرع: اليقطين هو القرع...وذكر بعضهم في القرع فوائد، منها: سرعة نباته، وتظليل ورقه لكبره، ونعومته، وأنه لا يقربه الذباب، وجودة تغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئًا ومطبوخًا بلبِّه وقشره أيضًا، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ الدُّبَّاء، ويتتبعه من نواحي الصحفة. التوبة: الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها، ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت، وكانت مثل زبد البحر... لا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب الرحمة والتوبة واسع. علم الله جل وعلا المحيط بجميع الأشياء: يخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها، ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء، ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه عز وجل يعلم العين الخائنة، وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر. من دفع الحق بالباطل طبع الله على قلبه: الذين يدفعون الحق بالباطل، ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشدَّ المقت...والمؤمنون يبغضون من تكون هذه صفته، فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه، فلا يعرف بعد ذلك معروفًا، ولا ينكر منكرًا. بشارة الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنا أولياءكم؛ أي: قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونوفقكم، ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم جنات النعيم. الإحسان لمن أساء: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه: "ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه"...وإذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه وليٌّ حميم؛ أي: قريب إليك، من الشفقة عليك، والإحسان إليك....وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس. قال الفضيل بن عياض: إذا أتاك الرجل يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي اعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر، كما أمرني الله عز وجل، فقل له: إن كنت تحسن أن تنتصر، وإلا فارجعإلى باب العفو، فإنه باب واسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلب الأمور. لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيئ؛ ولكن تألَّفهم واصفح عنهم. آيات في كتاب الله: قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أعظم آية في كتاب الله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وإن أكثر آية في القرآن فرحًا: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، وإن أشدَّ آية في كتاب الله تفويضًا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. أقل مدة الحمل ستة أشهر: قوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]، قد استدل عليٌّ رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان: ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14] وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233] على أن أقلَّ مدة الحمل: ستة أشهر، وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة من الصحابة. منوعات: قوله تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13] إخبار عن الواقع. قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشورى: 39]؛ أي: فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم، واعتدى عليهم، ليسوا بالعاجزين، ولا الأذلين؛ بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا. قوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴾ [الصافات: 48]؛ أي: عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن. قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60] هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه، أنه ندب عبادهإلى دعائه، وتكفَّل لهم بالإجابة. قوم عاد...لما رأوا العذاب مستقبلهم، اعتقدوا أنه عارض ممطر، ففرحوا واستبشروا به، وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، قال الله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]؛ أي: هو العذاب الذي قلتم: ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأحقاف: 22]. يقول تعالى مسليًا لنبيه صلى الله عليه وسلم وآمرًا له بالتأسي بمن قبله من الرسل، ومخبره بأنه ما بعث نبيًّا في قرية إلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤهم. قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: 8] يعني: كالكفَّار والفجَّار، يعملون أعمالًا سيئة، وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، أفمن كان هكذا، قد أضلَّه الله، ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه. قال الضحاك: كل شيء في القرآن ﴿ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ فهو خالق السماوات والأرض. يقول مطرف بن عبدالله الشخير: أنصح عباد الله للمؤمنين: الملائكة، ثم تلا هذه الآية: ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ﴾ [غافر: 8] وأغشُّ عباده للمؤمنين: الشياطين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة، حذَّر الله منه عباده. زكاة المال إنما سميت زكاة؛ لأنها تُطهِّره من الحرام، وتكون سببًا لزيادته وبركته، وكثرة نفعه، وتوفيقًا إلى استعماله في الطاعات. سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه، أن الله ينصر عباده المؤمنين في الدنيا، ويقرُّ أعينهم ممن آذاهم. يوم الآزفة، اسم من أسماء يوم القيامة، وسُميت بذلك لاقترابها. من كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعًا. القِطْمِير: هو اللفافة التي تكون على نواة التمر. إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى، الخائفون من ربهم، الفاعلون ما أمرهم به. قال ابن عباس رضي الله عنهما: في الخمر أربع خصال: السكر، القيء، البول، الصداع، فذكر الله خمر الجنة فنزَّهها عن هذه الخصال. الإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين، ثم يشرع بعد هذا في النقص والهرم. قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحًا، لا تلقاه غاشًّا. النسلان: المشي السريع. الكلام العريض: ما طال لفظه، وقَلَّ معناه، والوجيز عكسه، وهو ما قلَّ ودلَّ. سميت مكة أم القرى؛ لأنها أشرف من سائر البلاد. قال قتادة: خير العيش ما لا يُليهك، ولا يُطغيك. قال الضحاك: أي مصيبة أعظم من نسيان القرآن. مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به، فإنما هو متاع الحياة الدنيا، وهي دار دنيئة فانية زائلة، لا محالة، وثواب الله تعالى خير من الدنيا، وهو باقٍ سرمدي، فلا تقدموا الفاني على الباقي. المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ أن تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها؛ بل هي عاجزة عَيِيَّة. كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة، إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه. الرياح...منها ما هو للمطر، ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء للأرواح، ومنها ما هو عقيم لا ينتج. لا أضل ممن يدعو من دون الله أصنامًا، ويطلب منها ما لا تستطيعهإلى يوم القيامة، وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش؛ لأنها جماد حجارة صم. الأحمق في اللغة: ضعيف العقل. تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن كثير من طيبات المآكل والمشارب، وتنزه عنها، وقال: إني أخاف أن أكون كالذين قال الله فيهم: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ [الأحقاف: 20].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |