|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التأهيل الرباني لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم علي الصلابي في سيرة حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) التي سبقت نزول الوحي على قلبه الأمين، محطاتٌ ومناسبات عدة ينبغي الوقوف عندها لأنها مثلت قصة التدبير الإلهي الذي أهّل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لحمل رسالة النبوة وتحمّل أعباء الدعوة، فكانت بمثابة تربية ربانيّة لصنع هذه الشخصية العظيمة بكل جوانبها. ومن أبرز تلك المحطات والتفاصيل في سيرته (صلى الله عليه وسلم) عمله في رعي الأغنام أول حياته، وذلك في محاولة منه – كأي إنسان طبيعي – لكسب قوته والكدح طلباً لرزقه، ولا شك أن في ذلك حكم جليلة، لا سيما وأن هذه المهنة هي نفسها التي امتهنها جميع الأنبياء قبله، فما هي الحكمة الإلهية من عمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برعي الأغنام ؟ وما الغاية الإلهية من جعل رعي الغنم مهنةً مشتركة لجميع الأنبياء السابقين عليهم السلام؟ كان أبو طالب مُقِلاً في الرِّزق؛ فعمل النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) برعي الغنم مساعدةً منه لعمه، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه الكريمة، وعن إخوانه من الأنبياء أنَّهم رعوا الغنم، أمَّا هو فقد رعاها لأهل مكَّة؛ وهو غلامٌ، وأخذ حقَّه عن رعيه، ففي الحديث الصَّحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبياً إلا رَعى الغنم» فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم! كنت أرعاها على قراريط لأهل مكَّة» [البخاري (2262) وابن ماجه (2149)]. إنَّ رعي الغنم كان يتيح للنَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) الهدوء الذي تتطلَّبه نفسه الكريمة، ويتيح له المتعة بجمال الصَّحراء، ويتيح له التَّطلُّع إلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق، ويتيح له مناجاة الوجود في هدأة الليل، وظلال القمر، ونسمات الأسحار، ويتيح له لوناً من التَّربية النَّفسيَّة: من الصَّبر، والحلم، والأناة، والرَّأفة، والرَّحمة. فكان رعي الغنم للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم دُربةً ومراناً له على سياسة الأمم. فرعي الغنم يتيح لصاحبه عدَّة خصالٍ تربويَّةٍ، ومنها:
إنَّ صاحب أيِّ دعوةٍ لن تقوم لدعوته أيُّ قيمةٍ في النَّاس، إذا ما كان كسبه ورزقه من وراء دعوته، أو على أساسٍ مِنْ عطايا النَّاس وصدقاتهم، ولذا كان صاحب الدَّعوة الإسلاميَّة أحرى النَّاس كلِّهم بأن يعتمد في معيشته على جهده الشَّخصيِّ، أو موردٍ شريفٍ لا استجداء فيه؛ حتَّى لا تكون عليه لأحدٍ من النَّاس مِنَّةٌ، أو فضلٌ في دنياه، فيعوقه ذلك من أن يصدع بكلمة الحقِّ في وجهه، غير مبالٍ بالموقع الَّذي قد تقع من نفسه. وهذا المعنى وإنْ لم يكن قد خطر في بال الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه الفترة؛ إذ إنَّه لم يكن يعلم بما سيوكل إليه من شأنٍ في الدَّعوة والرِّسالة الإلهيَّة، غير أنَّ هذا المنهج الَّذي هيَّأه الله له ينطوي على هذه الحكمة، ويوضح أنَّ الله تعالى قد أراد ألا يكون في شيءٍ من حياة الرَّسول (صلى الله عليه وسلم) قبل البعثة ما يعرقل سبيل دعوته، أو يؤثِّر عليها أيَّ تأثيرٍ سلبيٍّ، فيما بعد البعثة. إنَّ إقبال النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) على رعي الأغنام لقصد كسب القوت والرِّزق يشير إلى دلائل مهمَّةٍ في شخصيَّته المباركة؛ منها: الذوق الرَّفيع، والإحساس الدَّقيق اللَّذان جمَّل الله تعالى بهما نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فلقد كان عمُّه يحوطه بالعناية التَّامَّة، وكان له في الحنوِّ، والشَّفقة كالأب الشَّفوق، ولكنَّه صلى الله عليه وسلم ما إن آنس في نفسه القدرة على الكسب حتَّى أقبل يكتسب، ويُتعب نفسه لمساعدة عمِّه في مؤونة الإنفاق، وهذا يدلُّ على شهامةٍ في الطَّبع، وبرٍّ في المعاملة، وبذلٍ للوسع. والدَّلالة الثانية تتعلَّق ببيان نوع الحياة الَّتي يرتضيها الله تعالى لعباده الصَّالحين في دار الدُّنيا، لقد كان سهلاً على الله تعالى أن يهيئ للنَّبيِّ (ﷺ) – وهو في صدر حياته – من أسباب الرَّفاهية ووسائل العيش ما يغنيه عن الكدح ورعاية الأغنام سعياً وراء الرِّزق، ولكنَّ الحكمة الربَّانيَّة تقتضي منَّا أن نعلم: أنَّ خير مال الإنسان ما اكتسبه بكدِّ يمينه، ولقاء ما يقدِّمه من الخدمة لمجتمعه وبني جنسه، وشرُّ المال ما أصابه الإنسان وهو مستلقٍ على ظهره دون أن يرى أيَّ تعبٍ في سبيله، ودون أن يبذل أيَّ فائدةٍ للمجتمع في مقابله. ================================================== 1.علي محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، ط1، دار ابن كثير، دمشق، 2004، ص 62-65. 2. محمد أبو فارس، السِّيرة النَّبويَّة دراسةٌ وتحليل، دار الفرقان، الطَّبعة الأولى 1418هـ 1997م، عمَّان. 3. محمد الصادق عرجون، محمَّد رسول الله، دار القلم، الطَّبعة الثانية، 1415 هـ 1995 م، ص (1/177) 4. محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة، الطَّبعة الحادية عشرة، 1991 م، دار الفكر، دمشق ـ سورية، ص 50. 5. منير غضبان، فقه السِّيرة النَّبويَّة، معهد البحوث العلميَّة، وإحياء التراث ـ مكَّة المكرَّمة، ص 93.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 06-07-2024 الساعة 06:21 AM. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |