تفسير خواتيم سورة البقرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 130946 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2023, 11:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير خواتيم سورة البقرة

تفسير خواتيم سورة البقرة
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف


بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ‌نَفْسٍ ‌وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا ‌قَوْلًا ‌سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
فإن من أعظم سور القرآن سورة البقرة، وهي أكبر سورة في القرآن، وقد خُتمت هذه السورة العظيمة بآيتين تبين تسليم المسلم لأمر الله ورسوله، وإيمانه بجميع الرسل، وبدين الله الذي أرسل الرسل من أجل تبليغه للناس وهو الإسلام؛ دين الأنبياء جميعًا، وخُتمت أيضًا بسؤال الله المغفرة للذنوب، وسؤاله تعالى التخفيف والتيسير على المؤمنين في الواجبات والأحكام، وغير ذلك.


وقد ورد في فضل هاتين الآيتين فضائل منها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا[1] من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته[2]"[3].


ومن فضائلهما أيضًا:
أن قارئ الآيتين يأمن من كل مكروه؛ فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه)).[4]


وقد دلَّ هذا الحديث على أن قراءتهما من أوراد الليل خاصةً، وليستا من أوراد المساء والصباح، والليل يدخل بغروب الشمس، فمتى قرأهما الإنسان من أول الليل أو أوسطه أو آخره حصل له ذلك، وكلما بادر بالقراءة حتى ولو بعد غروب الشمس مباشرةً كان أفضل وأكمل في الكفاية.


ومن فضائلهما أن الشيطان مطرود من بيت تقرآن فيه؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار ثلاث ليالٍ فيقربها شيطان))[5].


ومن خصائص هاتين الآيتين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيهما ليلة الإسراء والمعراج؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى.." إلى أن قال: "فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة" الحديث[6].


ومن خصائصهما أيضًا: أنهما أنزلتا من بيت كنز تحت العرش؛ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش، لم يعطهن نبي قبلي))[7].


وفي هذا الحديث أنهما من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص هذه الأمة، فلم تعطَ نبيًّا قبل نبينا صلى الله عليه وسلم.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -بعد كلام نفيس له عن هاتين الآيتين-: "فهذه كلمات قصيرة مختصرة في معرفة مقدار هذه الآيات العظيمة الشأن، الجليلة المقدار التي خص الله بها رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمته من كنز تحت العرش، وبعد ففيها من المعارف وحقائق العلوم ما تعجز عقول البشر عن الإحاطة به، والله المرغوب إليه ألَّا يحرمنا الفهم في كتابه إنه رحيم ودود"[8].


قال الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ ‌رَبِّهِ ‌وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285].


﴿ آمَنَ الرَّسُولُ آمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما أوحي إليه من ربه فأقرَّ وانقاد[9]، ﴿ ‌وَالْمُؤْمِنُونَ آمنوا كذلك[10]، ﴿ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ؛ أي: كل من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين آمنوا بالله وبجميع ملائكته وكتبه التي أنزلها على رسله، ويؤمنون أيضًا بجميع رسله[11].


﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ؛ أي: لا نفرق بين أحد من رسله كما فعل أهل الكتاب؛ آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض؛ بل نؤمن بجميع الرسل دون تفريق بين أحد منهم[12].


﴿ وَقَالُوا سَمِعْنَا قول ربنا في القرآن[13]، ﴿ وَأَطَعْنَا أمرك في كل ما أمرتنا[14].


﴿ غُفْرَانَكَ؛ أي: نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا يا ربنا[15].


﴿ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ؛ أي: المرجع[16].


وفي الآية فوائد:
منها: أن هذه الآية العظيمة فيها الثناء العظيم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين؛ لاستجابتهم لأوامر الله ونواهيه، وتضرعهم إليه أن يغفر لهم زللهم وخطأهم وتقصيرهم.


ومنها: أن فيها بيانًا لأركان الإيمان؛ وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وقد ذكرها الله تعالى بقوله: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ‌الْمَشْرِقِ ‌وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة: 177]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ ‌خَلَقْنَاهُ ‌بِقَدَرٍ [القمر: 49].


وذكرت هذه الأركان الستة في حديث جبريل عليه السلام الطويل والمخرج في صحيح مسلم، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله، ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان»، قال: ثم انطلق فلبثت مليًّا، ثم قال لي: «يا عمر، أتدري من السائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»[17].


وقد وصف الله تعالى غير المؤمنين بالكفر، فقال عز وجل:﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ‌ضَلَالًا ‌بَعِيدًا [النساء: 136].


ومنها: أن من صفات المؤمنين السمع والطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‌لِيَحْكُمَ ‌بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: 51].[18]


قال الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا ‌إِلَّا ‌وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286].


قوله:﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا ‌إِلَّا ‌وُسْعَهَا؛ أي: لا يأمر الله الإنسان بما فيه مشقته وكلفته؛ ولكن يكلفه بما في وسعه وطاقته وقدرته[19].


﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ؛ أي: لها ثواب ما عملته من الطاعة، ﴿ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ، وعليها وزر ما عملته من الإثم[20]؛ قال ابن سعدي رحمه الله: "وفي الإتيان بـ " كسب" في الخير الدلالة على أن عمل الخير يحصل للإنسان بأدنى سعي منه؛ بل بمجرد نية القلب، وأتى بـ "اكتسب" في عمل الشر؛ للدلالة على أن عمل الشر لا يكتب على الإنسان حتى يعمله، ويحصل سعيه"[21].


﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا؛ أي: لا تعاقبنا[22]، ﴿ إِنْ نَسِينَا الأقرب -والله أعلم- أن معنى النسيان في الآية هو ما صدر من العبد على وجه التضييع والتفريط، فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به[23]؛ وهو "النسيان" الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله وسلامه عليه، فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ‌آدَمَ ‌مِنْ ‌قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115].


وهو "النسيان" الذي قال جل ثناؤه: ﴿ فَالْيَوْمَ ‌نَنْسَاهُمْ ‌كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف: 51] ؛ لأن النسيان الناتج عن العجز على التذكر مما قد وضعه الله عن العبد لخروجه عن مقدوره فهو به غير آثم، فلا وجه لمسألة العبد ربه أن يغفره له.


﴿ أَوْ ‌أَخْطَأْنَا أيضًا الأقرب أن معنى الخطأ أن يأتي العبد ما نُهي عنه بقصد منه وإرادة، وهو به مأخوذ، فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، أما إذا أتى ما نُهي عنه على وجه الجهل؛ فإن ذلك من الخطأ الموضوع عن العبد الذي وضع الله عز وجل عن عباده الإثم فيه، فلا وجه لمسألة العبد ربه ألَّا يؤاخذه به[24].


وذهب كثير من المفسرين إلى أن الدعاء في هذه الآية إنما هو في النسيان الغالب، والخطأ غير المقصود[25].


﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا؛ أي: عبئًا ثقيلًا، وهو التكاليف الشاقة؛ والمعنى: لا تحمل علينا أمرًا يثقل علينا حمله، ونعجز عن أدائه[26].


﴿ كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا نحو ما أمر به بنو إسرائيل من الأثقال التي كانت عليهم بسبب ظلمهم وتعنتهم، وعدم استجابتهم لأوامر الله ورسوله[27].


والشواهد على ذلك كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ ‌فَبِظُلْمٍ ‌مِنَ ‌الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا [النساء: 160].


ومن رحمة الله بهذه الأمة أن رفع عنها الآصار؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَضَعُ ‌عَنْهُمْ ‌إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157]، فلله الحمد والمنة وله الفضل والثناء.


﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا ‌مَا ‌لَا ‌طَاقَةَ ‌لَنَا ‌بِهِ؛ أي: لا تكلفنا ما هو فوق طاقتنا وقدرتنا من التكاليف، والبلاء والمحن التي لا نستطيع تحملها، في الدعوة السابقة سألوا الله تعالى ألا يكلفهم بتكاليف شاقة ثقيلة كما كلف الذين من قبلهم، وفي هذه الدعوة سألوا الله تعالى ألا يكلفهم ما هو فوق قدرتهم وطاقتهم[28].


﴿ وَاعْفُ عَنَّا؛ أي: تجاوز عنا، ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا؛ أي: استر علينا، ﴿ وَارْحَمْنَا؛ أي: تفضل برحمة منك علينا[29].


والعفو أبلغ من المغفرة؛ لأن التجاوز عن الذنب أولى من ستره، والرحمة أبلغ منهما؛ لأنها متضمنة للأمرين جميعًا، والذي رجحه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله أن المغفرة أبلغ من العفو، فقال: "فالعفو متضمن لإسقاط حقه قبلهم، ومسامحتهم به، والمغفرة متضمنة لوقايتهم شر ذنوبهم، وإقباله عليهم ورضاه عنهم، بخلاف العفو المجرد، فإن العافي قد يعفو، ولا يقبل على من عفا عنه، ولا يرضى عنه، فالعفو ترك محض، والمغفرة إحسان، وفضل وجود، والرحمة متضمنة للأمرين مع زيادة الإحسان والعطف والبر، فالثلاثة تتضمن النجاة من الشر، والفوز بالخير"[30].
﴿ أَنْتَ مَوْلَانَا ناصرنا والذي تلي علينا أمورنا[31]، ﴿ فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
وفي الآية فوائد:
منها: رحمة الله تعالى بهذه الأمة، حيث لا يكلفها فوق طاقتها ووسعها، ولا شك أن هذا من فضل الله وكرمه وجوده على هذه الأمة، وهذه الآية كقوله تعالى:﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]، وكقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ ‌فِي ‌الدِّينِ ‌مِنْ ‌حَرَجٍ [الحج: 78]، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه))[32]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين))[33]، وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بعثت بالحنيفية السمحة))[34]، فهذه الأدلة وما في معناها كلها تدل على أن الشريعة الإسلامية شريعة سهلة يسيرة جاءت بالتخفيف والتيسير، ورفع المشقة والحرج؛ ولهذا أخذ العلماء من مجموع هذه الأدلة قاعدةً عظيمةً هي من أعظم وأجل قواعد الشرع؛ وهي: "المشقة تجلب التيسير"، وقد تكون بعض التكاليف فيها مشقة لكنها في وسع الإنسان وطاقته وقدرته، وهو لا شك مطالب بها، وإذا امتثلها المؤمن وعملها؛ فله الثواب الجزيل والأجر الكبير من الله تعالى.


ومنها: استدل العلماء بقوله تعالى: ﴿ لَا ‌يُكَلِّفُ ‌اللَّهُ ‌نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] على القاعدة المشهورة وهي: "لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة"، وهذه القاعدة من أصول الشريعة، وذلك أن الشريعة الإسلامية جاءت بالحنيفية السمحة، فلا أغلال فيها ولا آصار، ولا تكليف فيها بما فيه حرج ومشقة شديدة لا تحتمل؛ بل كل تشريعاتها داخلة تحت القدرة والاستطاعـة، فهـي كما قال تعالى:﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ ‌إِصْرَهُمْ ‌وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف: 157].


ومنها: أن حديث النفس لا يؤاخذ به العبد، فضلًا من الله ورحمةً؛ لهذه الآية، ولما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم به))[35].


ومنها: مشروعية سؤال الله تعالى العفو والمغفرة والرحمة؛ لما فيها من خيري الدنيا والآخرة.


ومنها: مشروعية الإلحاح في الدعاء، وأنه من أهم الأسباب في قبول الدعاء؛ حيث ورد التوسل بربوبيته تعالى أربع مرات.


ومنها: أن أعظم التوسل إلى الله تعالى على الإطلاق التوسل إليه بربوبيته تعالى، التي تحصل بها المحبوبات، وتندفع بها المكروهات؛ ولهذا كانت أغلبية أدعية القرآن مصدرةً بالتوسل به[36].

[1] النقيض: الصوت.

[2] أعطيته؛ أي: نلت ثواب هذا الحرف وفضله وأجره.

[3] أخرجه مسلم (806).

[4] أخرجه البخاري (4008)، ومسلم (807).

[5] أخرجه الترمذي (2882)، وقال: هذا حديث غريب.

[6] أخرجه مسلم (173).

[7] أخرجه أحمد (21344)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 398).

[8] مجموع الفتاوى (14/ 141).

[9] انظر: التيسير في التفسير للنسفي (3/ 438)، وتفسير ابن عطية (1/ 391)، وتفسير القرطبي (3/ 426).

[10] انظر: التيسير في التفسير للنسفي (3/ 439).

[11] انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (5/ 1675)، وأوضح التفاسير (1/ 58).

[12] انظر: معاني القرآن للزجاج (1/ 369)، والوجيز (ص: 196)، والتفسير البسيط (4/ 530)، والتفسير الوسيط (1/ 409)، وزاد المسير في علم التفسير (1/ 255).

[13] انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 332).

[14] انظر: تفسير ابن أبي حاتم (2/ 576-577)، وتفسير ابن المنذر (175، 176).

[15] انظر: تفسير الطبري (6/ 128)، ومشارق الأنوار للقاضي عياض (2/ 138)، وتفسير أبي السعود (1/ 276)، وتفسير القاسمي (2/ 241).

[16] انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 232)، وتفسير السمعاني (1/ 288)، وتفسير القرطبي (3/ 425).

[17] أخرجه مسلم (8).

[18] انظر: تفسير العثيمين –الفاتحة والبقرة- (3/ 448).

[19] انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 652)، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (ص: 870).

[20] انظر: تفسير حدائق الروح والريحان لمحمد الأمين الهرري (4/ 149).

[21] تيسير الكريم الرحمن (ص: 120).

[22] انظر: تفسير الثعلبي (7/ 585)، وتفسير البغوي (1/ 358)، وتفسير القاسمي (2/ 244).

[23] انظر: تفسير الطبري (6/ 133).

[24] انظر: تفسير الطبري (6/ 134).

[25] انظر: تفسير ابن عطية (1/ 394).

[26] انظر: البحر المحيط في التفسير (2/ 766)، واللباب في علوم القرآن (4/ 537)، وتفسير الألوسي (2/ 68).

[27] انظر: الوجيز للواحدي (ص: 197).

[28] انظر: تفسير الطبري (6/ 138)، وتفسير الثعلبي (7/ 595)، والهداية إلى بلوغ النهاية (1/ 941)، وتفسير ابن كثير (1/ 738).

[29] انظر: تفسير الثعالبي (7/ 604)، والتفسير الوسيط للواحدي (1/ 410)، وتفسير البغوي (1/ 358).

[30] مجموع الفتاوى (14/ 140).

[31] انظر: تفسير الثعالبي (7/ 605)، والوجيز للواحدي (ص: 197)، وتفسير السمعاني (1/ 289).

[32] أخرجه البخاري (39).

[33] أخرجه البخاري (220).

[34] أخرجه أحمد في المسند (22291).

[35] أخرجه البخاري (5269)، ومسلم (127).

[36] انظر: المواهب الربانية للشيخ السعدي (ص: 123).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-08-2023, 01:50 AM
سعيد رشيد سعيد رشيد غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
مكان الإقامة: الجزائر
الجنس :
المشاركات: 424
الدولة : Algeria
افتراضي رد: تفسير خواتيم سورة البقرة

بارك الله فيك ونفع بك
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.48 كيلو بايت... تم توفير 2.11 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]