|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة لابن قدامة صفية الشقيفي قال أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ): (الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على مُحَمَّد النَّبِي وَآله أَجْمَعِينَ أما بعد: فَإِنَّهُ تكَرر سُؤال بعض أَصْحَابنَا عَن حِكَايَة مناظرة جرت بيني وَبَين بعض أهل الْبِدْعَة فِي الْقُرْآن، فَخفت من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان؛ فَرَأَيْت أَن أذكر ذَلِك على غير سَبِيل الْحِكَايَة كي لَا تكون الزِّيَادَة فِي الْحجَج والأجوبة عَن شبههم كذبا مَعَ تضمن ذَلِك لأكْثر مَا جرى إِن شَاءَ الله سُبْحَانَهُ وَالله الْمُوفق والمعين وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. فَنَقُول: مَوضِع الْخلاف أننا نعتقد أَن الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ هَذِه الْمِائَة والأربع عشرَة سُورَة أَولهَا سُورَة الْفَاتِحَة وَآخِرهَا المعوذات وأنه سور وآيات وحروف وكلمات متلو مسموع مَكْتُوب وَعِنْدهم أَن هَذِه السُّور والآيات لَيست بقرآن وَإِنَّمَا هِيَ عبارَة عَنهُ وحكاية، وأنها مخلوقة وَأَن الْقُرْآن معنى فِي نفس الْبَارِي وَهُوَ شَيْء وَاحِد لَا يتَجَزَّأ وَلَا يَتَبَعَّض وَلَا يَتَعَدَّد وَلَا هُوَ شَيْء ينزل وَلَا يُتْلَى وَلَا يسمع وَلَا يكْتب وَأَنه لَيْسَ فِي الْمَصَاحِف إِلَّا الْوَرق والمداد. وَاخْتلفُوا فِي هَذِه السُّور الَّتِي هِيَ الْقُرْآن: فَزعم بَعضهم أنها عبارَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي ألفها بإلهام الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك، وَزعم آخَرُونَ مِنْهُم أَن الله تَعَالَى خلقهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَأَخذهَا جِبْرِيل مِنْهُ. وَاحْتَجُّوا على كَون هَذِه السُّور مخلوقة بِأَنَّهَا تَتَعَدَّد وَلَا يَتَعَدَّد إِلَّا الْمَخْلُوق. وَهَذَا يبطل بِصِفَات الله تَعَالَى فَإِنَّهَا صِفَات مُتعَدِّدَة مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر وَالْعلم والإرادة وَالْقُدْرَة والحياة والكلام وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا قديمَة وَكَذَلِكَ أَسمَاء الله تَعَالَى فَإِنَّهَا مُتعَدِّدَة. قَالَ الله تَعَالَى: {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى فَادعوهُ بهَا وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لله تَعَالَى تِسْعَة تسعون اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة). فَثَبت تعدادها بِالْكتاب وَالسّنة الْإِجْمَاع وَهِي قديمَة. وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَن أَسمَاء الله تَعَالَى غير مخلوقة، وَقَالَ أحْمَد رَحمَه الله من زعم أن أسماء الله تَعَالَى مخلوقة فقد كفر. وَكَذَلِكَ كَلِمَات الله تَعَالَى مُتعَدِّدَة: قَالَ الله تَعَالَى: {قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا} [الْكَهْف: 109]، وَهِي قديمَة. وَكَذَلِكَ كتب الله تَعَالَى فَإِن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْقُرْآن مُتعَدِّدَة، وَهِي غير مخلوقة. وَإِن قَالُوا :هِيَ مخلوقة، فقد قَالُوا بِخلق الْقُرْآن، وَهُوَ قَول الْمُعْتَزلَة، وَقد اتفقنا على ضلالهم. وَاتفقَ المنتمون إِلَى السّنة على أن الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن كَافِر؛ مِنْهُم من قَالَ كفر ينْقل عَن الْملَّة، وَمِنْهُم من قَالَ لَا يَنْقُلهُ عَنْهَا. فَمَتَى قَالُوا بِخلق الْقُرْآن وَغَيره من كتب الله تَعَالَى، فقد قَالُوا بقول أقرُّوا بِكفْر قَائِله. وَإِن أقرُّوا بهَا غير مخلوقة وَهِي مُتعَدِّدَة، فقد بَطل قَوْلهم. وإن قَالُوا هى شَيْء وَاحِد غير مُتعَدِّدَة، فقد كابروا، وَيجب على هَذَا أَن تكون التَّوْرَاة هِيَ الْقُرْآن وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور، وَأَن مُوسَى لما أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة فقد أنْزِلْ عَلَيْهِ كل كتاب لله تَعَالَى، وأن نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام لما أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن فقد أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور، وَأَن من قَرَأَ آيَة من الْقُرْآن فقد قَرَأَ كل كتاب الله تَعَالَى، وَمن حفظ شَيْئا مِنْهُ فقد حفظه كُله وَيجب على هَذَا أن لَا يتعب اُحْدُ فِي حفظ الْقُرْآن لِأَنَّهُ يحصل لَهُ حفظ كل كتاب لله تَعَالَى بِحِفْظ آيَة مِنْهُ وَيجب أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أنزل عَلَيْهِ آيَة من الْقُرْآن أنْزِلْ عَلَيْهِ جَمِيعه وَجَمِيع التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَهَذَا خزي على قَائِله ومكابرة لنَفسِهِ. وَيجب على هَذَا أَن يكون الْأَمر هُوَ النَّهْي وَالْإِثْبَات هُوَ النَّفْي وقصة نوح هِيَ قصَّة هود وَلُوط وَأحِد الضدين هُوَ الآخر وَهَذَا قَول من لَا يستحيي، وَيُشبه قَول السوفسطائية. وَقد بَلغنِي عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه قيل لَهُ سُورَة الْبَقَرَة هِيَ سُورَة آل عمرَان قَالَ نعم. وَإِن قَالُوا إِن كَلَام الله عز وَجل هُوَ هَذِه الْكتب، وَإِن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْقُرْآن كَلَام الله عز وَجل الْقَدِيم، لَكِن لم ينزل مِنْهُ شَيْء على الْأَنْبِيَاء، وَلَا هُوَ شي يحفظ وَلَا يُتْلَى وَلَا يسمع، وَإِنَّمَا أنزل عِبَارَته، كذبهمْ الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة؛ فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْمُسلمين كلهم أن الْقُرْآن أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأن التَّوْرَاة أُنزِلت على مُوسَى وَالْإِنْجِيل على عِيسَى وَالزَّبُور على دَاوُد وَالله عز وَجل يَقُول {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} [يُوسُف: 1-2] وَقَالَ سُبْحَانَهُ {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} [الْبَقَرَة: 185] وَقَالَ تَعَالَى {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين} [الشُّعَرَاء: 192- 194] وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} [الْفرْقَان: 32] {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} [الزخرف: 31] وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} [الإسراء: 82] وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} [الْحجر: 87] وَقَالَ تَعَالَى {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك} [ص: 29] وَقَالَ {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك} [الْأَنْعَام: 92، 155] وَمثل هَذَا كثير. وَقد أكفر الله تَعَالَى الْيَهُود بقَوْلهمْ: {مَا أنزل الله على بشر من شَيْء}، ثمَّ قَالَ {قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس}، ثمَّ قَالَ {قل الله ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ} [الْأَنْعَام: 91 ] وَقَالَ عز وَجل: {وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك بِالْحَقِّ} [الْأَنْعَام: 114 ] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات} الْآيَة [آل عمرَان: 7] وَمثل هَذَا كثير. وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: (أُنْزِلْ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف) وَالسّنة مَمْلُوءَة مِنْهُ. فَإِن قَالُوا: فكتاب الله غير الْقُرْآن، قُلْنَا: خالفتم رب الْعَالمين وخرقتم إِجْمَاع الْمُسلمين وجئتم بِمَا لم يَأْتِ بِهِ اُحْدُ من الْمُلْحِدِينَ، فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْمُسلمين أن كتاب الله هُوَ الْقُرْآن الْعَظِيم الْمنزل على سيد الْمُرْسلين بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين، وَالله تَعَالَى قد أخبر بذلك فَقَالَ سُبْحَانَهُ {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} [يُوسُف: 1-2] وَقَالَ: {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} [الزخرف: 1 -3] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} [فصلت: 1-3] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصتُوا فَلَمَّا قضي ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين قَالُوا يَا قَومنَا إِنَّا سمعنَا كتابا أنزل من بعد مُوسَى} [الْأَحْقَاف: 29- 30]، فَسَموهُ قُرْآنًا وكتابا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ} [الْجِنّ 1-2] وَلَا يخفى هَذَا إِلَّا على من أعمى الله قلبه وأضله عَن سَبيله {وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد} [الرَّعْد: 33] [الزمر: 36، 23] [غَافِر: 33] وَاحْتَجُّوا ايضا بِأَن هَذِه الْحُرُوف لَا تخرج إِلَّا من مخارج وأدوات فَلَا يجوز إِضَافَة ذَلِك إِلَى الله سُبْحَانَهُ. وَالْجَوَاب عَن هَذَا من أوجه: أَحدهَا: مَا الدَّلِيل على أن الْحُرُوف لَا تكون إلا من مخارج وأدوات، فَإِن قَالُوا: لأننا لَا نقدر على النُّطْق بهَا إِلَّا من مخارج وأدوات فَكَذَلِك الله رب الْعَالمين قُلْنَا: هَذَا قِيَاس لله تَعَالَى على خلقه وتشبيه لَهُ بعباده وإلحاق لصفاتهم بصفاته وَهَذَا من أقبح الْكفْر وَقد اتفقنا على أَن الله تَعَالَى لَا يشبه بخلقه وَأَنه {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} [الشورى: 11] الثَّانِي: أن هَذَا بَاطِل بِسَائِر صِفَات الله تَعَالَى فَإِن الْعلم لَا يكون فِي حَقنا إِلَّا بقلب والسمع لَا يكون إِلَّا من انخراق وَالْبَصَر لَا يكون إِلَّا من حدقة وَالله تَعَالَى عَالم سميع بَصِير وَلَا يُوصف بذلك فَإِن نفيتم الْكَلَام لافتقاره فِي زعمكم إِلَى المخارج والأدوات فيلزمكم نفي سَائِر الصِّفَات وَإِن أثبتم لَهُ الصِّفَات ونفيتم عَنهُ الأدوات لزمكم مثل ذَلِك فِي الْكَلَام وَإِلَّا فَمَا الْفرق بَينهمَا الثَّالِث: إِن الله تَعَالَى أنطق بعض مخلوقاته بِغَيْر مخارج فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وتكلمنا أَيْديهم وَتشهد أَرجُلهم}[ يس: 65] وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذا مَا جاؤوها شهد عَلَيْهِم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء} [فصلت: 20 -21]، وَأخْبَرْ عَن السَّمَاء وَالْأَرْض أَنَّهُمَا {قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} [فصلت: 11] وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أن حجرا كَانَ يسلم عَلَيْهِ، وَسبح الْحَصَى فِي يَدَيْهِ. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: كُنَّا نسْمع تسيبح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل، وَلَا خلاف فِي أَن الله تَعَالَى قَادر على إنطاق الْحجر الْأَصَم من غير مخارج، فَلم لَا يقدر سُبْحَانَهُ على التَّكَلُّم إِلَّا من المخارج. وَاحْتَجُّوا بَأن الْحُرُوف يدخلهَا التَّعَاقُب فَيَسْبق بَعْضهَا بَعْضًا. وَالْجَوَاب: أن هَذَا إِنَّمَا يلْزم فِي حق من يتَكَلَّم بالمخارج والأدوات وَالله سُبْحَانَهُ لَا يُوصف بذلك وعَلى أن هَذَا يعود إِلَى تَشْبِيه الله تَعَالَى بعباده فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِي حَقه إِلَّا مَا يتَصَوَّر مِنْهُم وَهُوَ بَاطِل فِي نَفسه فَإِن قَالُوا: فَمَا دليلكم على أَن هَذِه السُّور الْمُشْتَملَة على الْحُرُوف قُرْآن؟ قُلْنَا: كتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام وَإِجْمَاع الْأمة. أما كتاب الله تَعَالَى فَقَوله سُبْحَانَهُ: {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين} [يس: 69]، فَأخْبر الله تَعَالَى أن الَّذِي سموهُ شعرًا قُرْآن مُبين، وَمَا لَيْسَ بحروف لَا يجوز أن يكون شعرًا عِنْد أحد، فَلَمَّا ثَبت أَنهم سموهُ شعرًا، دلّ على أَنه حُرُوف. وَقَالَ الله تَعَالَى: {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} [الْإِسْرَاء: 88]، فَأَشَارَ إِلَى حَاضر وتحداهم بالإتيان بِمثلِهِ وَلَا يجوز التحدي بِمَا لَا يعلم وَلَا يدرى مَا هُوَ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل}[النَّمْل: 76] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِن هَذَا الْقُرْآن يهدي للَّتِي هِيَ أقوم} [الْإِسْرَاء: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل}[الْحَشْر: 21]، وَقَالَ تَعَالَى: {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك ليدبروا آيَاته} [ص: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا ائْتِ بقرآن غير هَذَا أَو بدله قل مَا يكون لي أَن أبدله من تِلْقَاء نَفسِي إِن أتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيّ}[يُونُس: 15] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا قَالُوا قد سمعنَا لَو نشَاء لقلنا مثل هَذَا} [الْأَنْفَال: 31] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} [الزخرف: 31] فَأخْبر الله تَعَالَى عَنْهُم أَنهم طلبُوا مِنْهُ الْإِتْيَان بِغَيْرِهِ أَو تبديله، وَمرَّة أَنهم ادعوا الْقُدْرَة على أن يَقُولُوا مثله، وَمرَّة قَالُوا لَوْلَا أنْزِلْ على غَيره، عُلِم يَقِينا أَنه هَذَا الْمَوْجُود عندنَا الَّذِي هُوَ سور وآيات وحروف وكلمات. وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَقَد صرفنَا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن من كل مثل فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفورا}[الإسراء: 89]، وَقَالَ: {وَلَقَد صرفنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيذكرُوا} [الإسراء 41]، وَقَالَ: {وَلَقَد صرفنَا فِي هَذَا الْقُرْآن للنَّاس من كل مثل وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا}[الْكَهْف: 54]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَد ضربنا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن من كل مثل لَعَلَّهُم يتذكرون قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ} [الزمر: 27 -28] ، وَهَذِه إِشَارَة إِلَى حَاضر وَالَّذِي صرفت فِيهِ الْأَمْثَال إِنَّمَا هُوَ هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي يعرفهُ النَّاس قُرْآنًا وَسَماهُ الله تَعَالَى {عَرَبيا} وَهَذَا إِنَّمَا يُوصف بِهِ النّظم الَّذِي هُوَ حُرُوف دون مَا لَا يعرف وَلَا يدرى مَا هُوَ. وَقَالَ عز وَجل: {كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا} [فصلت: 3] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} [الشُّعَرَاء 192- 195]، وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا وصرفنا فِيهِ من الْوَعيد} [طه: 113]، وَقَالَ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} [يُوسُف: 2] وَقَالَ {وَهَذَا كتاب مُصدق لِسَانا عَرَبيا} [الْأَحْقَاف: 12] وَهَذِه الْآيَات وأشباهها فِي كتاب الله تَعَالَى كثير، تدل بمجموعها على أَن الْقُرْآن هَذَا الَّذِي هُوَ سور محكمات وآيات مفصلات وحروف وكلمات وَإِن تطرق احْتِمَال بَعْضهَا فَلَا يتَطَرَّق إِلَى مجموعها. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته مَا اسْتَطَعْتُم، إِن هَذَا الْقُرْآن هُوَ حَبل الله تَعَالَى، هُوَ النُّور الْمُبين والشفاء النافع عصمَة لمن تمسك بِهِ وَنَجَاة لمن تبعه، لَا يعوج فَيقوم وَلَا يزِيغ فيستعتب وَلَا تَنْقَضِي عجائبه وَلَا يخلق عَن كَثْرَة الرَّد؛ فاتلوه فَإِن الله يَأْجُركُمْ على تِلَاوَته بِكُل حرف عشر حَسَنَات أما إِنِّي لَا أَقُول {الم} حرف وَلَكِن فِي الالف عشر وَفِي اللَّام عشر وَفِي الْمِيم عشر) وَرُوِيَ ايضا عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَالسّنة مشحونة بذلك. وَالْأمة مجمعة على أَن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي لَا تصح الصَّلَاة الا بِهِ وَلَا تصح الْخطْبَة إِلَّا بِآيَة مِنْهُ وَلَا يقرأه حَائِض وَلَا جنب. وَلما اخْتلف اهل الْحق والمعتزلة فَقَالَ أهل الْحق الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق، وَقَالَت الْمُعْتَزلَة هُوَ مَخْلُوق، لم يكن اخْتلَافهمْ فِي هَذَا الْمَوْجُود دون مَا فِي نفس الْبَارِي مِمَّا لَا يدرى مَا هُوَ وَلَا نعرفه. وَلما أَمر الله تَعَالَى بترتيل الْقُرْآن بقوله سُبْحَانَهُ: {ورتل الْقُرْآن ترتيلا} [المزمل: 4]، لم يفهم مِنْهُ الْمُسلمُونَ إِلَّا هَذَا الْمَوْجُود. وَلما قَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: {إِن هَذَا إِلَّا قَول الْبشر} [المدثر: 25] ، إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى هَذَا النّظم فتوعده الله عز وَجل فَقَالَ: {سأصليه سقر}[المدثر: 26] وَلما قَالُوا: {لن نؤمن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ} [سبأ: 31] ، إِنَّمَا أشاروا إِلَيْهِ وَلما قَالُوا: {إِن هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين} لم يعنوا غَيره، وَلَو لم يكن هَذَا النّظم قُرْآنًا لوَجَبَ أن تبطل الصَّلَاة بِهِ؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن). فعلى قَول هَؤُلَاءِ المخذولين يكون الْقُرْآن الَّذِي لَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بِهِ مُبْطلًا لَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بقرآن وَإِنَّمَا هُوَ تصنيف جِبْرِيل وَهَذِه فضيحة لم يُسْبقُوا إِلَيْهَا. وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَن فِي الْقُرْآن نَاسِخا ومنسوخا، وَإِنَّمَا يتَعَلَّق هَذِه النّظم دون مَا فِي النَّفس. وَأَجْمعُوا على أَن الْقُرْآن معجز لِلْخلقِ عجزوا عَن الْإِتْيَان بِعشر سور مثله اَوْ سُورَة مثله وَإِنَّمَا يتَعَلَّق ذَلِك بِهَذَا الْقُرْآن وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أجْمَعْ عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَكفر بِهِ الْكَافِرُونَ. وَزَعَمت الْمُعْتَزلَة أَنه مَخْلُوق، وَأقر الأشعري أَنهم مخطئون، ثمَّ عَاد فَقَالَ هُوَ مَخْلُوق وَلَيْسَ بقرآن فَزَاد عَلَيْهِم . وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين أَجْمَعِينَ أَن من جحد آيَة أَو كلمة مُتَّفقا عَلَيْهَا أَو حرفا مُتَّفقا عَلَيْهِ أَنه كَافِر، وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من كفر بِحرف مِنْهُ فقد كفر بِهِ كُله، والأشعري يجحده كُله وَيَقُول لَيْسَ شَيْء مِنْهُ قُرْآنًا وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام جِبْرِيل وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين كلهم فِي أنهم يَقُولُونَ قَالَ الله كَذَا إِذا أَرَادوا أن يخبروا عَن آيَة أَو يستشهدوا بِكَلِمَة من الْقُرْآن ويقرون كلهم بِأَن هَذَا قَول الله، وَعند الْأَشْعَرِيّ لَيْسَ هَذَا قَول الله وانما هُوَ قَول جِبْرِيل، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُم أَنهم يَقُولُونَ قَالَ جِبْرِيل أَو قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حكوا آيَة. ثمَّ إِنَّهُم قد أقرُّوا ان الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق فَإِذا لم يكن الْقُرْآن هَذَا الْكتاب الْعَرَبِيّ الَّذِي سَمَّاهُ الله قُرْآنًا فَمَا الْقُرْآن عِنْدهم؟ وَبِأَيِّ شَيْء علمُوا أَن غير هَذَا يُسمى قُرْآنًا ؟ فَإِن تَسْمِيَة الْقُرْآن إِنَّمَا تعلم من الشَّرْع أَو النَّص، فَأَما الْعقل فَلَا يَقْتَضِي تَسْمِيَة صفة الله قُرْآنًا، وَمَا ورد النَّص بتسميته الْقُرْآن إِلَّا لهَذَا الْكتاب وَلَا عرفت الْأمة قُرْآنًا غَيره وتسميتهم غَيره قُرْآنًا تحكم بِغَيْر دَلِيل شَرْعِي وَلَا عَقْلِي، مُخَالف الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة. ومدار الْقَوْم على القَوْل بِخلق الْقُرْآن ووفاق الْمُعْتَزلَة وَلَكِن أَحبُّوا أن لَا يعلم بهم فارتكبوا مُكَابَرَة العيان وَجحد الْحَقَائِق وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع ونبذ الْكتاب وَالسّنة وَرَاء ظُهُورهمْ وَالْقَوْل بِشَيْء لم يقلهُ قبلهم مُسلم وَلَا كَافِر، وَمن الْعجب أنهم لَا يتجاسرون على إِظْهَار قَوْلهم وَلَا التَّصْرِيح بِهِ إِلَّا فِي الخلوات وَلَو أَنهم وُلَاة الْأَمر وأرباب الدولة وَإِذا حكيت عَنْهُم مقالتهم الَّتِي يعتقدونها كَرهُوا ذَلِك وأنكروا وكابروا عَلَيْهِ وَلَا يتظاهرون إِلَّا بتعظيم الْقُرْآن وتبجيل الْمَصَاحِف وَالْقِيَام لَهَا عِنْد رؤيتها وَفِي الخلوات يَقُولُونَ مَا فِيهَا إِلَّا الْوَرق والمداد وَأي شَيْء فِيهَا وَهَذَا فعل الزَّنَادِقَة. وَلَقَد حكيت عَن الَّذِي جرت المناظرة بيني وَبَينه بعض مَا قَالَه، فَنُقِل إِلَيْهِ ذَلِك فَغَضب وشق عَلَيْهِ، وَهُوَ من أكبر وُلَاة الْبَلَد، وَمَا أفْصح لي بمقالته حَتَّى خلوت مَعَه، وَقَالَ: أُرِيد ان أَقُول لَك أقْصَى مَا فِي نَفسِي وَتقول لي أقصى مَا فِي نَفسك، وَصرح لي بمقالتهم على مَا حكيناه عَنْهُم، وَلما ألزمته بعض الْآيَات الدَّالَّة على أن الْقُرْآن هُوَ هَذِه السُّور، قَالَ: وَأَنا أَقُول إِن هَذَا قُرْآن وَلَكِن لَيْسَ هُوَ الْقُرْآن الْقَدِيم. قلت: وَلنَا قرآنان، قَالَ: نعم، وَأي شَيْء يكون إِذا كَانَ لنا قرآنان ثمَّ غضب لما حكيت عَنهُ هَذَا القَوْل، وَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابنَا: أَنْتُم وُلَاة الْأَمر وأرباب الدولة فَمَا الَّذِي يمنعكم من إِظْهَار مَقَالَتَكُمْ لعامة النَّاس وَدُعَاء النَّاس إِلَى القَوْل بهَا بَينهم، فبُهِت وَلم يُجِب إِلَيّ، وَلَا نَعْرِف فِي أهل الْبدع طَائِفَة يكتمون مقالتهم وَلَا يتجاسرون على إظهارها الا الزَّنَادِقَة والأشعرية، وَقد أمْر الله تَعَالَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِظْهَار الدّين وَالدُّعَاء اليه وتبليغ مَا أنزل عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس} [الْمَائِدَة: 67] فَإِن كَانَت مقالتهم كَمَا يَزْعمُونَ هِيَ الْحق فَهَلا أظهروها ودعوا النَّاس إِلَيْهَا، وَكَيف حل لَهُم كتمانها وإخفاؤها والتظاهر بِخِلَافِهَا وإيهام الْعَام اعْتِقَاد مَا سواهَا؟ بل لَو كَانَت مقالتهم هِيَ الْحق الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَالْأَئِمَّة الَّذين بعدهمْ كَيفَ لم يظهرها أحد مِنْهُم؟ وَكَيف تواطأوا على كتمانها؟ أم كَيفَ حل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتمانها عَن أمته وَقد أَمر بتبليغ مَا انْزِلْ إِلَيْهِ وتوعد على إخفاء شىء مِنْهُ بقوله: {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته}؟، أم كَيفَ وَسعه ان يُوهم الْخلق خلاف الْحق ثمَّ هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشفق على أمته من أَن يُعلمهُ الله حَقًا، ويأمره بتبليغه إِلَى أمته فيكتمه عَنْهُم حَتَّى يضلوا عَنهُ؟، ثمَّ إِذا كتمه فَمن الذى بلغه إِلَى الصَّحَابَة حَتَّى اعتقدوه ودانوا بِهِ؟، وَكَيف تصور مِنْهُم أن يدينوا بِهِ ويتواطأوا على كِتْمَانه حَتَّى لَا ينْقل عَن أحد مِنْهُم مَعَ كثرتهم وتفرقهم فِي الْبلدَانِ؟ فَإِن تصور ذَلِك مِنْهُم، فَمن الَّذِي نَقله إِلَى التَّابِعين حَتَّى اعتقدوه؟ فَكل هَذَا من المستحيل الَّذِي يقطع كل ذِي لب بفساده وَيعلم يَقِينا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصحابه وتابعيهم مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْقُرْآن اعتقادا سوى اعْتِقَاد الْمُسلمين وأنه هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي هُوَ سور وآيات، وَهَذَا أَمر لَا يخفى على غير من أضلّهُ الله. وَإِن تصور فِي عُقُولهمْ أَن الْحق خَفِي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ وعَلى الْأَئِمَّة الَّذين مهدوا الدّين واقتدوا بسلفهم وَاقْتَدوا بهم من بعدهمْ وغطي عَنْهُم الصَّوَاب وَلم يتَبَيَّن لَهُم الصَّحِيح إِلَى أَن جَاءَ الْأَشْعَرِيّ فبينه وأوضح مَا خَفِي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته وكشفه فَهَذِهِ عقول سخيفة وآراء ضَعِيفَة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |