
24-09-2022, 11:48 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة :
|
|
أنواع المقاربات البوليفونية في تحليل الملفوظات والنصوص والخطابات
أنواع المقاربات البوليفونية في تحليل الملفوظات والنصوص والخطابات
د. جميل حمداوي
المقدمة
لم يعد الملفوظ اللغوي (Enoncé) أو النص (Texte) أو الخطاب (Discours) بنية لسانية أحادية النسيج أو أحادية الصوت واللغة والأسلوب والرؤية، بل أصبح متعدد الأنسجة والخلايا والمكونات والسمات والتراكيب، تنصهر فيه أصوات حوارية عدة، وتختلط فيه ذوات متلفظة ومستقبلة مختلفة، ضمن سياق تواصلي وتداولي وحجاجي معين. ومن ثم، انصب الحديث النقدي عن البوليفونية (Polyphonie) تارة، والحوارية (Dialogisme) تارة أخرى. وقد ترتب عن هذين المفهومين اللذين بلورهما ميخائيل باختين (M. Bakhtine)، في مجموعة من كتاباته النظرية والتطبيقية[1]، أن أصبح النص الأدبي نصا حواريا بوليفونيا مهجنا، تتعدد فيه اللغات والأساليب والأصوات والرؤى الإيديولوجية والملفوظات اللسانية التي تعكس تنوعا واقعيا واجتماعيا وطبقيا.
هذا، ويستلزم النص الحواري المتعدد مقاربة بوليفونية أدبية أو لسانية أو تأويلية، تراعي هذا التنوع الدلالي والخطابي والمقاصدي.لذا،فهناك مقاربات بوليفونية متعددة في دراسة النصوص والملفوظات والخطابات المختلفة. إذ أصبح الحديث- اليوم- عن بوليفونية حجاجية فلسفية وتداولية كما عند فرنسيس جاك (Jacques Francis)؛ وبوليفونية أدبية كما عند ميخائيل باختين (Bakhtine)، وتودوروف (Todorov)، وجوليا كريستيفا (Julia Kristeva )؛ و بوليفونية لسانية ولغوية وتلفظية كما عند أزوالد دوكرو (O. Ducrot)، وأنسكومبر (Anscombre)، وScapoline سكابولين [2]...؛ وبوليفونية تأويلية هيرمينوطيقية (L'herméneutique) كما عند بول ريكور (Paul Ricœur)...
ومن جهة أخرى، تنقسم الحوارية إلى حوارية صريحة، وحوارية مضمرة، وحوارية متعددة الأصوات.
وعليه، فالمقاربة البوليفونية عبارة عن منهجية إجرائية في التحليل والفهم والتطبيق والتفسير والنقد والتقويم، أو هي مجمل التأويلات البوليفونية للملفوظات والنصوص والخطابات التي تتضمن حوارية صريحة أو مضمرة، أو تحوي تعددية في الأصوات ووجهات النظر والضمائر والفضاءات والأطروحات الفكرية والإيديولوجية...
المبحث الأول: مفهوم البوليفونية:
يقصد بالبوليفونية (Polyphonie/poliphony) - لغة- تعدد الأصوات. وقد أخذ هذا المصطلح من عالم الموسيقا، على أساس أن البوليفونية عبارة عن انسجام أو اتساق بين مجموعة من أصوات العزف المختلفة، وتآلفها فنيا وجماليا ضمن وحدة نغمية هارمونية نسقية. وبعد ذلك، انتقل المصطلح من مجال الموسيقا إلىميدان الأدب والنقد واللسانيات.
هذا، وتعد البوليفونية (Polyphonie)، إلى جانب الحوارية (Dialogisme)، من أهم المفاهيم التي ناقشها ميخائيل باختين منذ 1930م، ضمن التصور اللساني الاجتماعي أو اللسانيات التداولية، أو ضمن أسلوبية الرواية. لذا، انصب اهتمام باختين، بالخصوص، في تصوره النظري، على التفاعل اللفظي أو التداول الكلامي داخل النص الأدبي، ولاسيما النص الروائي منه. ويعني هذا أن باختين أبدى عناية كبرى بالواقعية اللغوية، ضمن مستوياتها الشكلية واللغوية والتلفظية، بالتوقف عند الحوار والمحادثة والتفاعل اللفظي والتواصل الكلامي على حد سواء...
وما يلاحظ على باختين أنه استعمل هذين المفهومين بالمعنى نفسه، ولم يميزهما بشكل دقيق؛ مما جعل الباحثين بعده يستعملون المصطلحين معا في كتاباتهم بالدلالات الباختينية نفسها. لذا، فضل البعض البوليفونية، واختار البعض الآخر الحوارية... بيد أن هناك من يميز بينهما، كما هو شأن مدرسة جنيف (E e de Genève) التي استعملت الديالوجية (الحوارية) في مقابل المونولوجية، واستخدمت البوليفونية (تعدد الأصوات) في مقابل المونوفونية (الصوت الواحد).
ويرى شاناي (H.de Chanay) أن البوليفونية تعني تعدد وجهات النظر على مستوى وحدات المضمون. في حين، تعني الحوارية تعدد الخطابات التخييلية أو غير التخييلية على مستوى الشكل[3].
أما فرانسواز أرمينكو، فتعرف الحوارية بأنها «مكون لكل كلام، وتعرف كتوزيع لكل خطاب إلى لحظتين تلفظيتين توجدان في علاقة حالية، ويقدم المبدأ الحواري من خلال الحدود التالية: كل تلفظ يوضع في مجتمع معين لابد من أن ينتج بطريقة ثنائية، تتوزع بين المتلفظين الذين يتمرسون على ثنائية الإصاتة وثنائية العرض، على حد تعبير فرانسيس جاك، وإن كل كلام له مالكان تقريبيان، وربما كان من المضبوط القول بأن سيدة الكلام الحواري هي العلاقة التخاطبية ذاتها."[4]
وعلى الرغم من هذه الاختلافات الدقيقة، فكل مصطلح يكمل الآخر، وليس بينهما تعارض أو تناقض حاد، بل كل واحد يخدم الآخر، ويعضده نظرية وتطبيقا ورؤية.
وعلى العموم، يستلزم التلفظ البوليفوني متكلمين متحدثين ومستمعين مستقبلين، ومقصدية، وزمانا، ومكانا، وسياقا. ويعني هذا أن ثمة حضورا وجوديا وتلفظيا للذات المتكلمة والذات الأخرى، مادام هناك حوار وجواب وسؤال...ومن ثم، فالتلفظ عملية تفاعلية بين المتكلم والسامع، تتحقق بطريقة صريحة أو ضمنية من جهة، أو بطريقة حرفية أو حوارية من جهة أخرى.
ولايمكن الحديث عن بوليفونية حقيقية إلا بوجود مجتمع المتحاورين والمتناظرين الذين يدخلون في علاقات حوارية وتخاطبية. وتقوم البوليفونية الحوارية على عرض الملفوظات المتبادلة، بربط الحوارات الحالية مع الحوارات السابقة تارة، والحوارات اللاحقة تارة أخرى.
وعليه، سنتوقف، في موضوعنا هذا، عند ثلاث بوليفونيات في مقاربة الملفوظات والنصوص والخطابات هي: البوليفونية الأدبية، والبوليفونية اللسانية، والبوليفونية التأويلية، مع استبعاد البوليفونية الفلسفية التي لاتهمنا في هذا المقام بالذات، على الرغم من أهميتها الإجرائية في الحقل الفلسفي والتأملي والحواري.
المبحث الثاني: البوليفونية الأدبية:
يقصد بالبوليفونية الأدبية وجود تعددية في النصوص الأدبية، ولاسيما الروائية منها، مثل: تعددية في الأساليب، وتعددية في اللغات، وتعددية في الأصوات والشخصيات، وتعددية في الرؤى والمنظورات السردية، وتعددية في الضمائر، وتعددية في الرؤى الإيديولوجية...
وتقترن البوليفونية (Polyphonie)، على الصعيد الأدبي، بميخائيل باختين (Bakhtine) وشارل بالي (Charles Bally). ومن ثم، فقد تحدث باختين عن البوليفونية في مجال الرواية، عندما درس رواية Dostoïevski دوستويفسكي[5] ونصوص Rabelais رابلي[6]...
ويرى باختين أن البوليفونية هي تلك الحوارية الصريحة أو المضمرة التي تتجلى بوضوح في المجال الأدبي، وخاصة في النصوص السردية والروائية.ومن ثم، تنبني الرواية على الحوارية، والتناص، والتهجين، والتنضيد، والأسلبة، والتعددية على مستوى الأحداث، والمواقف، والشخصيات، والفضاءات، والأزمنة، والسراد، والفضاءات، واللغات، والأساليب، والتصورات الإيديولوجية. وبالتالي، فالرواية البوليفونية هي رواية حوارية مهجنة بامتياز. وفي هذا، يقول باختين:" إن الرواية المتعددة الأصوات ذات طابع حواري على نطاق واسع. وبين جميع عناصر البنية الروائية، توجد دائما علاقات حوارية.أي: إن هذه العناصر جرى وضع بعضها في مواجهة البعض الآخر، مثلما يحدث عند المزج بين مختلف الألحان في عمل موسيقي.حقا إن العلاقات الحوارية هي ظاهرة أكثر انتشارا بكثير من العلاقات بين الردود الخاصة بالحوار الذي يجري التعبير عنه خلال التكوين، إنها ظاهرة شاملة تقريبا، تتخلل كل الحديث البشري وكل علاقات وظواهر الحياة الإنسانية، تتخلل تقريبا كل ماله فكرة ومعنى."[7]
ومن جهة أخرى، ترسم الرواية البوليفونية صورة الإنسان المأساوي أو الفجائعي، وتجسد الشخصية غير المنجزة أو غير المكتملة، وتعبر عن تنوع الحياة. وبالتالي، فهي" ضد تشييء الإنسان، ضد تشييء العلاقات الإنسانية وكل القيم الإنسانية في ظل النظام الرأسمالي"[8].
هذا، وتتقابل الرواية البوليفونية مع الرواية المونولوجية القائمة على الصوت الواحد، وسيطرة السارد، وتمثل الرؤية المطلقة، واستعمال ضمير الغائب، والشخصية الواحدة، والدفاع عن إيديولوجيا البطل. في حين، تتميز الرواية البوليفونية بتعدد النصوص داخل النص الواحد، واستثمار حوارية لغوية وأسلوبية ثرية ومتنوعة السجلات، والارتكان إلى تعدد الضمائر واللغات والأساليب والرواة والأفضية والرؤى الإيديولوجية، بتحليل ملفوظات الشخصيات المتحاورة داخل النسيج النصي، أو استجلاء مختلف الأساليب الموظفة في الرواية، بالتوقف عند مستوياتها الحوارية والتلفظية[9].
وإذا كانت الرواية الكلاسيكية رواية منولوجية بامتياز، فإن الرواية المعاصرة بوليفونية البناء والخطاب والمحتوى. ويرى أوسبنسكي (Uspenski) أن الرواية البوليفونية تتحدد بالمواصفات التالية:
• عندما تتواجد عدة منظورات مستقلة داخل العمل.
• يجب أن ينتمي المنظور مباشرة إلى شخصية ما من الشخصيات المشتركة في الحدث.أي بعبارة أخرى، ألا يكون موقفا إيديولوجيا مجردا من خارج كيان الشخصيات النفسي.
• أن يتضح التعدد المبرز على المستوى الإيديولوجي فقط، ويبرز ذلك في الطريقة التي تقيم بها الشخصية العالم المحيط بها."[10]
ومن ثم، فإن " سيطرة أحادية الراوي العالم بكل شيء أصبحت غير محتملة في العصر الحديث مع التطور الثقافي العريض للعقل البشري، بينما أصبحت النسبية المتشبعة في النص القصصي أكثر ملاءمة"[11]
وبالتدقيق، تعني البوليفونية الأدبية تعدد الرؤى والمنظورات الإيديولوجية التي تعبر عنها الشخصيات داخل الرواية. وفي هذا الصدد، يقول باختين: "عندما نتحدث عن المنظور الإيديولوجي لانعني منظور الكاتب بصفة عامة منفصلا عن عمله، ولكن نعني المنظور الذي يتبناه في صياغة عمل محدد، وبالإضافة إلى هذه الحقيقة يجب أن نذكر أن الكاتب قد يختار الحديث بصوت مخالف لصوته، وقد يغير منظوره - في عمل واحد - أكثر من مرة، وقد يقـيم (بتشديد الياء) من خلال أكثر من منظور."[12]
وبهذا، يكون النص البوليفوني هو الذي يتضمن رؤى متعارضة ومتناقضة لرؤية الكاتب التي تعبر عنها شخصية ما في الرواية. وفي هذا السياق، يقول باختين:" إن فكرة المؤلف المقبولة والكاملة القيمة يمكنها أن تضطلع، في عمل أدبي من النمط المنولوجي، بثلاث وظائف: أولا، إنها تعتبر الأساس الذي تستند إليه الرؤيا نفسها وتصوير العالم، المبدأ الذي يعتمد عليه في اختيار المادة وتوحيدها، المبدأ الذي يقرر النبرة الأحادية الإيديولوجية لجميع عناصر العمل الأدبي.ثانيا، يمكن تقديم الفكرة على اعتبارها استنتاجا واضحا بهذه الدرجة أو تلك، أو واعيا مستخلصا من المادة التي يجري تصويرها. ثالثا وأخيرا، فإن فكرة المؤلف يمكن أن تكتسب تعبيرا مباشرا داخل الموقف الإيديولوجي للبطل الرئيس.
الفكرة بوصفها مبدأ في التصوير، تندمج مع الشكل. إنها تحدد كل النبرات الشكلية، وكل تلك الأحكام الإيديولوجية التي تصوغ الوحدة الشكلية للأسلوب الفني والنغمة الوحيدة للعمل الأدبي.
إن الطبقات الدفينة لهذه الإيديولوجيا التي تتحكم بصياغة الشكل، الطبقات التي تحدد الخصائص الأساسية في الأصناف الأدبية، تحمل طابعا تقليديا، وهي تتراكم وتتطور عبر العصور، إلى هذه الطبقات الدفينة الخاصة بالشكل ينتمي حتى الاتجاه المونولوجي الفني الذي وقع اختيارنا عليه."[13]
إذاً، فالرواية البوليفونية هي التي تقدم أنماطا متنوعة من الوعي والتصورات الإيديولوجية المختلفة، دون أن يفرضها المؤلف على المتلقي، بل يترك له الحرية في اختيار الأنسب. إن الرواية البوليفونية هي التي تقوم على الفكرة الأطروحة.أي: الإيديولوجيا.
وللتوضيح أكثر، تقدم الرواية مجموعة من الأفكار على لسان شخصياتها إيديولوجيا، كأن تكون شخصية ما إسلامية، أو تكون شخصية ملحدة، أو شخصية اشتراكية، أو شخصية شيوعية، أو شخصية ليبرالية، أو شخصية وطنية، أو شخصية خائنة، وهلم جرا... فكل شخصية تقدم فكرتها، وتستعرض أطروحتها، ويمكن للكاتب أن يشارك بفكرته وأطروحته الإيديولوجية إلى جانب الأفكار الأساسية الأخرى لشخصياته، لكن بشرط واحد ألا يرجح كفة أطروحته على باقي الأطروحات الأخرى، كما هو الحال في الروايات المونولوجية أو العادية. ومن هنا، فالفكرة هي التي تسيطر على الشخصيات، ثم تحدد مصير البطل، ثم تبرز موقفه النهائي من العالم، وهي كذلك المادة الأساسية في بناء الرواية، ويتم عبرها تقسيم العالم الروائي إلى عوالم الأبطال أو الشخصيات. ومن هنا، "فوجهة النظر تلك التي ينظر بها البطل إلى هذا العالم هي التي تشكل الفكرة الأساس لدى تصوير الواقع من حوله. لقد قدم العالم الخاص بكل بطل، من زاوية خاصة يتم تصويره وبناؤه في ضوئها تماما."
ومن ثم، تتحول هذه الأفكار إلى تيمات وموضوعات وبرامج سردية ورؤى للعالم، يمكن رصدها نقديا إن فهما وإن تفسيرا، أو يمكن تشريحها إن تفكيكا وإن تركيبا[14]."
هذا، ويرى باختين أن دويستوفسكي هو الذي خلق الرواية البوليفونية أو هو رائد الرواية المتعددة الأصوات. وفي هذا، يقول باختين:" وبهذا، يكون دويستفسكي هو خالق الرواية المتعددة الأصوات (Polyphone)، لقد أوجد صنفا روائيا جديدا بصورة جوهرية. وبهذا السبب بالذات، فإن أعماله الإبداعية لايمكن حشرها داخل أطر محددة من أي نوع، وهي لاتذعن لأي من تلك القوالب الأدبية التي وجدت عبر التاريخ، واعتدنا تطبيقها على مختلف ظواهر الرواية الأوربية. ففي أعماله يظهر البطل الذي بنى صوته بطريقة تشبه بناء صوت المؤلف نفسه في رواية ذات نمط اعتيادي.إن كلمة يتلفظ بها البطل حول نفسه هو بالذات، وحول العالم تكون هي الأخرى كاملة الأهمية تماما مثل كلمة المؤلف الاعتيادية.إنها لاتخضع للصورة الموضوعية الخاصة بالبطل بوصفها سمة من سماته، كذلك هي لاتصلح أن تكون بوقا لصوت المؤلف.هذه الكلمة تتمتع باستقلالية استثنائية داخل بنية العمل الأدبي، إن أصداءها تتردد جنبا إلى جنب مع كلمة المؤلف، وتقترن بها اقترانا فريدا من نوعه، كما تقترن مع الأصوات الكبيرة القيمة، الخاصة بالأبطال الآخرين."[15]
ولاتقتصر البوليفونية الأدبية على أنماط الفكر والوعي والإيديولوجيا وتعدد الشخصيات فقط، بل تتعدى ذلك إلى اللغات والأساليب. وفي هذا يقول باختين: " وهكذا، فجميع لغات التعدد اللساني، مهما تكن الطريقة التي فردت بها، هي وجهات نظر نوعية حول العالم، وأشكال لتأويله اللفظي، ومنظورات غيرية دلالية وخلافية. بهذه الصفة، يمكنها جميعا أن تتجابه، وأن تستعمل بمثابة تكملة متبادلة، وأن تدخل في علائق حوارية. بهذه الصفة، تلتقي وتتعايش داخل وعي الناس، وقبل كل شيء داخل وعي الفنان - الروائي الخلاق. وبهذه الصفة أيضا، تعيش حقيقة، وتصارع، وتتطور داخل التعدد اللساني الاجتماعي.ولأجل ذلك، تستطيع جميع اللغات أن تتخذ موضعا لها على صعيد الرواية الفريد الذي يمكنه أن يجمع الأسلبات البارودية للغات أجناس متنوعة، ومظاهر مختلفة من أسلبة وتقديم لغات مهنية ملتزمة، مع لغات أجيال تشتمل على لهجات اجتماعية وغير اجتماعية...جميع تلك اللغات يمكن أن يجتذبها الروائي لتنسيق تيماته، وتخفيف حدة التعبير (غير المباشر) عن نواياه وأحكامه القيمية. لأجل ذلك، نلح باستمرار، على المظهر اللغوي، الدلالي والتعبيري. أي: القصدي، لأنه القوة التي تنضد وتنوع اللغة الأدبية، ولا نولي نفس الاهتمام للعلامات اللسانية (زخارف المفردات، وتناغمات المعنى، إلخ...) في لغات الأجناس والرطانات المهنية وغيرها، لأنها، إذا جاز القول، رواسب متحجرة عن سيرورة النوايا، وعن العلامات التي أهملها العمل الحي الذي تنجزه النية المؤولة للأشكال اللسانية المشتركة.إن تلك العلامات الخارجية، ملحوظة ومثبتة من وجهة النظر اللسانية، لايمكن فهمها ودراستها بدون فهم تأويلها المقصدي."[16].
ولايمكن تمثل البوليفونية الأدبية - منهجيا- إلا بتقسيم الرواية إلى مقاطع نصية وملفوظات لسانية وشواهد تطبيقية، بغية استخلاص تجليات البوليفونية الحدثية والفضائية والشخوصية واللغوية والأسلوبية والتناصية والسردية من جهة، واستجلاء التعددية الفكرية والإيديولوجية من جهة أخرى.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|