
24-04-2020, 01:09 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,090
الدولة :
|
|
رقائق قلبية بعد صلاة التراويح ---- يوميا فى رمضان

كيف تعيش رمضان؟(*)
محمد حسين يعقوب
(1)

أيها الأحبة في الله ..
كيف يعيش المسلم يومًا من أيام رمضان؟
ولكي نعيش رمضان كما ينبغي ونصنع فيه صناعة الرجال، فلابد من السير على الخطوط الرئيسية الآتية:
أولًا: تحديد الأهداف:
أيها الأخوة، إننا بحاجة إلى تحديد الأهداف التي ندخل بها رمضان، ثم رسم الطريق لتحقيق هذه الأهداف، ثم وضع خطة للتقويم .. تقويم العمل، ثم متابعة تحصيل الثمار.
إن الناس اليوم إذا أراد أحدهم أن يقوم بمشروع يستثمر فيه أمواله؛ فإنه قبل كل شيء لا بد أن يقوم بعمل دراسة جدوى، وقبل أن يجتمع المجتمعون في أي اجتماع ذي شأن لا بد أن يضعوا برنامج عمل أو جدول أعمال، هذا في عرف أهل الدنيا، هذا أصل عندهم، أفلا يكون هذا أصلًا عند أهل الآخرة، لا سيما وهم يطلبون أعلى شيء وهو الجنة؟!، فهم بهذا أولى.

نعم والله: أهل الآخرة أحق أن يقوموا بعمل دراسة جدوى لصيام رمضان، هل ستكون له نتيجة حقيقية، هل سيكون له ثمرة فعلية، وما المطلوب أن أعمله لكي تأتي الثمرة المرجوة .. إن من يريد تقويم عمله؛ ينظر في ثمرته أولًا بأول، إذًا فلابد أن نقف في كل ليلة من رمضان مع أنفسنا لننظر، ولأن لله في كل ليلة عتقاء من النار؛ فلابد أن يكون في كل ليلة وقفة: هل أنا في هذا اليوم كنت ممن أُعتَق، وماذا أفعل لأتدارك ما فات من عتق ومغفرة، اللَّهم أعتق رقابنا من النار يا رب ..
أيها الإخوة، لكي تعتق رقابنا من النار، فلابد من تحديد الأهداف، لا بد من رسم خطة العمل، ووضع الوسيلة للوصول إلى هذه الأهداف، ووضع نموذج لتقويم العمل وتحصيل الثمار، وأولًا إليكم الأهداف:
الهدف الأول: تشوق القلب للرحمة:
لا بد أن تهدف لأن ينال قلبك رحمةُ الله، ولابد أن يسمو، ويتمنى، ويرجو، ويحب، ويأمل أن ينال من الله رحمة كما قال النبي -

صلى الله عليه وسلم -: "لن يدخل أحدكم الجنة عمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟، قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته" (1)، سبحان الله!!، حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو رسول الله .. حبيب الله .. إمام الخلق .. وحبيب الحق محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لن يدخل الجنة إلا برحمة الله.
إذًا فأنت محتاج لأن تُرحم، وعندما ينزعج قلبك لطلب الرحمة؛ هنا ستنزل عليك -إن شاء الله- رحمة الله، وخصوصًا أن لله في كل ليلة من رمضان رحمات يختص بها من يشاء من عباده، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ في رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان:29 - 31].
الهدف الثاني: استحضار نية المغفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (2)، هذا الحديث يحتاج إلى وقفة.
ينبغي أن تنتبه لتلاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط أن تصوم إيمانًا واحتسابًا، فهل أنت تصوم إيمانًا واحتسابًا؟!
هل تعرف بدايةً ما معنى إيمانًا واحتسابًا؟، لعلك تصوم كما يصوم الناس فتمتنع عن الأكل والشرب والجماع من الفجر حتى المغرب، إذا أذن المغرب تفطر وإذا أذن الفجر تمسك "أتوماتيكيا"، أين النية؟!، أين الاحتساب؟!
إن من العجيب أن تجد بعض الناس يتساءل، هل لا بد أن تنوي لصيام رمضان؟، أقول: نعم، لا بد أن تُبَيِّتَ النية، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يبيِّتَ الصيامَ من الليل فلا صيامَ له" (3)، لا بد من النية.
دعك من هذه الآلية في الحياة، قد يقال: سمعت بعض الناس يقولون: السحور نية، أقول لك: نحن لا نأمرك أن تقول: نويت

أصوم يومًا من أيام رمضان فرضًا عليَّ لله العلي العظيم، هذا بدعة، لكن الذي أريده: أن يستحضر قلبك أنك ستصوم لله.
لماذا؟؛ إيمانًا: يعني استسلامًا للملك سبحانه وتعالى؛ يا رب، أمرتني أن أصوم فصمت.
واحتسابًا: أن تحتسب الأجر عند الله.
وقد أوقعتني هذه المسألة في حيرة مدة من الزمان، واستشرت فيها كثيرًا من المشايخ وهي: هل الاحتساب شرط لحصول الأجر؟، أي لو أن رجلًا جلس في المسجد دون أن يستحضر نية الاعتكاف ونزول الرحمة وغير ذلك من النوايا؛ فهل هذا ليس له أجر؟، والراجح أنه ليس له أجر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (4)، وهذا لم ينو شيئًا فليس له شيء.
فلابد أن تستحضر في كل عمل نية الاحتساب والاستسلام لأمر الله.

يا رب، تركت هذا لأجلك؛ لأحتسب عندك الأجر .. عندما تغمرك هذه النية وتملأ قلبك؛ حينها تحصل على الأجر، لذلك لا بد من استحضار نية المغفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، كي يغفر لك، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنك مطالب أنيكون قلبك يقظًا دائمًا متحفزًا سميعًا مجيبًا لأوامر الشرع.
الهدف الثالث: سمو الروح للعتق من النار:
لا بد من استشعار معنى العتق، أن تستشعر أنك قد تكون فعلًا من أهل النار.
* تصدَّقَ يونس بن عبيد يوم أضحى بلحم كثير ثم قال لغلامه:
والله ما أراه يتقبل مني شيئًا؛ وإني والله أخشى أن أكون من أهل النار.
قال الإِمام الذهبي في السير: كل من لم يخشَ أن يكون من أهل النار؛ فهو مغرور قد أَمِن مكر الله به.
فلا تأمن من أخي مكر الله وخصوصًا أنك كثير المكر واحذر أن تكون من أهل النار وأنت لا تشعر.
ولابد للتخلص من هذا أن تعتق رقبتك من النار، فإذا كان لله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار، فما أشد خسارتك إذا

مرت عليك ليلة واحدة من رمضان ولم تعتق، وإذا علمت خطر النار وشدة حرها، وشدة عذابها , لهان عندك أن تقدم الأعمال الصالحات لكي تكون سببًا لعتقك منها؛ لو عرفت النار وأدركت خطرها وعرفت أن أمامك فرصة للعتق منها؛ لبذلت الغالي والنفيس للحصول على هذا العتق، ولصار هذا الأمر همك طيلة الشهر، اللَّهم أعتق رقابنا من النار يا رب.
***************************
(1) متفق عليه، البخاري (5349)، مسلم (2816).
(2) متفق عليه، البخاري (38)، مسلم (760).
(3) أخرجه البيهقي (4/ 202)، وصححه الألباني (6535) في "صحيح الجامع".
(4) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(*)أسرار المحبين في رمضان - محمد حسين يعقوب

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|