|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
الشتاء.. وتقلّب الفُصول.. قراءة إيمانية في حكمة الخالق
إن التفكر في هذا الكون، والتأمل في خلق الله، وفي تقلّب الليل والنهار، واختلاف الفصول والأجواء، ليزيد المؤمن إيمانًا بربّه، واعترافا بكمال حكمته وقدرته؛ وذلك كما قال الله -عز وجل-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. ذكرت كلمة الشتاء في القرآن الكريم مرةً واحدة، وذلك في قوله -تعالى-: {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف}، وإِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ -تعالى- وَمِنْ فَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ صَرَّفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالْأَيَّامَ، وَقَلَّبَ الشُّهُورَ وَالْفُصُولَ وَالْأَعْوَامَ؛ وَلَوْ كَانَ الزَّمَانُ كُلُّهُ فَصْلًا وَاحِدًا لَفَاتَتْ عَلَى الْخَلْقِ مَصَالِحُ الْفُصُولِ الْبَاقِيَةِ، وَلَحُرِمُوا مَنَافِعَ التَّفَاوُتِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا؛ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ جَلَالُهُ-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. حال السلف في الشتاء كان السلفُ- رضوان الله عليهم- أحْرَصَ الناس على أبواب الخير، وكانوا يفرحون بقدوم فصل الشتاء؛ لأن طول ليله يعين على القيام، وقصر نهاره يعين على الصيام، فعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: «مرحبًا بالشتاء تتنزل فيه البركة، يطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام»؛ فكانت تأتي عليهم المواسمُ وفصولُ السنة ويربطونها بالعبادة؛ فما من موسمٍ إلا ولهم فيه عبادات وطاعات يحافظون عليها ويُكثِرون منهـا؛ فكانوا يعتنون بالشتاء ويحثُّون الناس على اغتنامه؛ قال عمر - رضي الله عنه -: «الشتاء غنيمةُ العابدينَ»، وقال ابن مسعود: «مرحبًا بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام»، وقال الحسن: «نِعْمَ زمانُ المؤمن الشتاء، ليله طويل فيقومه، ونهاره قصير فيصومه»، وقال ابن رجب: «الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ويُنزِّه قلبَه في رياض الأعمال الميسَّرة». وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: «الشتاء ربيع المؤمن؛ طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه». وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: «ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى. قال: الصيام في الشتاء». وأما قيام ليل الشتاء؛ فلطوله؛ حيث يمكن أن تأخذ حظك من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة وتنال بذلك الأجر العظيم، عن عبيد بن عميرٍ -رحمه الله-، أنه كان إذا جاء الشتاء قال: «يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا»، ولما حضرت معاذَ بن جبل - رضي الله عنه - الوفاةُ بكى وقال: «إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلق الذكر». ![]() بعض آيات الله في الشتاء لا شك أن الرعد والبرق والصواعق من آيات الله في الشتاء؛ وذلك لقوله -تعالى-: {أًلَمَ تَرَ أَنَ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنَ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَبصَارِ}، وقوله -عز وجل-: {وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ}. الشتاء ورسائل التذكير والاعتبار من الرسائل التي يحملها الشتاء التذكير بعذاب جهنم؛ ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَت: يَا رَبِّي أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْن؛ نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ، فَشِدَّةُ مَا تَجِدُون مِنَ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا، وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا». نعمة الدفء والثياب إن من نعمة الله -تعالى- علينا أن امتن علينا بنعمة الملابس والثياب التي تقينا شدة البرد، كما قال -تعالى-: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}؛ فقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ. (السرابيل) هي: الثياب، فهي التي تقيكم الحر والبرد، وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان إذا حضر الشتاء تعاهد من عنده وأوصاهم، فكان يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الشتاء قد حضر، وهو عدوٌّ فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب؛ فإن البرد عدوٌّ سريعٌ دخوله، صعبٌ خروجه». تأصيل التوحيد في الشتاء كان النبي -صلى عليه وسلم- يربّي أمّته على التوحيد نظريا وعمليا، ومن عجيب دروس التوحيد العملية موقف نزول المطر من السماء، وتصحيح عقيدة الناس في أفعال الله، وتدبيره في الكون، وتحذيرهم من الوقوع في مزالق الشرك؛ ففي صحيح مسلم عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صَلَاة الصُّبْح بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْر سَمَاءٍ مطر كَانَتْ مِنْ اللَّيْل فَلَمَّا اِنْصَرَفَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ «بنجم» كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ». فهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين الطريق الصحيح إلى توحيد الله في نزول الغيث، وذلك بأن نعتقد جازمين بتفرّد الله -تعالى- وحده بعملية إنزال الغيث على عباده، وخطورة نسبة ذلك إلى تغيرات حركة النجوم في السماء، كما كانت تفعل ذلك العرب في جاهليتها من ربط نزول الغيث بتغير منازل النجوم ومطالعها، بل على المسلم أن يعتقد جازما أن ذلك تم بقدرة الله -تعالى- وحده. كما إن الغيث يذكر بيوم البعث والنشور؛ فإذا كان الله -تعالى- قادرًا على إحياء الأرض بالماء بعد موتها، فهو قادر على بعث العباد ومحاسبتهم؛ لذا كان الإخبار في القرآن عن إحياء الأرض مثلاً مضروبًا لبعث العباد يوم القيامة، قال -تعالى- {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ}. ![]() هديه - صلى الله عليه وسلم - خير الهدي لا شك أن الخير كله في اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحتى يكتمل موقف العبد المؤمن من فصل الشتاء وما فيه، وحتى نكون لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - أتبع، ولله أقرب، لا بد لنا جميعا من أن نعمل بهدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء عنه في الشتاء وتوابعه، فمن فضْل الله علينا كمال ديننا، وكمال هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك نستذكر طائفة من السنن النبوية التي نحيها في حياتنا في فصل الشتاء ونتعبد الله -تعالى- بها. هديه - صلى الله عليه وسلم - وقت الريح والمطر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا», وقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - التعرض للمطر فإنه خير، وبركة، ورحمة، وقد استحب أهل العلم كشف المرء عن رأسه، وشيء من جسده عند نزول المطر حتى يصيبه؛ لما رواه مسلم، وغيره، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَسرَ ثَوْبهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ». ومن السنة أن يقول المؤمن أثناء نزول المطر، كما في الحديث الصحيح: اللهم صيّبًا نافعا، أي: منهمرا متدفقا كثيرا ونافعا. أما إذا كثر المطر وخيف منه الضرر فقد كان - صلى الله عليه وسلم إذا اشتد المطر قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكامِ والظرابِ وبُطون الأودية، ومنابت الشجر». فضل الدعاء والمناجاة وليعلم المسلم أن وقت نزول المطر هو وقت فضل ورحمة، وتوسعة عليهم بأسباب الخير، وهو مظنة إجابة الدعاء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة ونزول المطر»، وفي رواية أخرى: «ثنتان ما تردّان الدعاء عند النداء وتحت المطر». ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول المطر أن يقول المسلم -كما في الحديث الصحيح- مُطِرْنا بفضل الله ورحمته. تحذير نبوي في فصل الشتاء ومع اشتداد البرد، يلجأ كثير منا إلى استخدام المدافئ، لكن لابد من الحذر الشديد من إبقاء المدافئ بأنواعها مشتعلة حال النوم؛ لما في ذلك من خطر الحرق أو الاختناق؛ لذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإطفاء النار عند النوم، كما في البخاري ومسلم «إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ» وقال أيضاً: «لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ»؛ وذلك حفاظا على حياة المسلم حال نومه. ضرورة استشعار الأخوّة الإيمانية يتذكر المسلم في الشتاء إخوانه الفقراء والمنكوبين واللاجئين الذين يعانون شدة البرد؛ بسبب الحروب والأزمات؛ ولذلك كان أجر الإغاثة وتقديم المعونة في وقت الشتاء عظيما؛ فإنها الأيام ذات المسغبة، وذات الشدة، من أسباب دخول الجنة، فما أعظم الإنفاق فيها، وإنقاذ الفقراء! وقد كان بعض السلف يكسو في الشتاء نحواً من ألف نفس، وكان الليث يطعم الناس في الشتاء الطعام الجيد والأغذية التي تولد الطاقة، وتدفئ الجسم، وفيها هذا النفيس من الطعام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». فحري بأصحاب المال ممن وجب في أموالهم الزكاة، أن يُخرجوا من أموالهم للفقراء من المسلمين حول العالم في هذا الشتاء القارص، فإنها نعم الصدقة! كُن عبدا لله في جميع الأحوال وختاما فإن الشتاء كالصيف، من آيات الله -عز وجل-، ينوعه لمصالح العباد، ومنه ما يطرد الملل في حياة الإنسان كما هو في توالي الليل والنهار، ولو ثبتت الدنيا على حال واحدة من البرد أو الحرّ، أو الليل أو النهار، ونحو ذلك لكان فيه غاية الملل للعباد، فمن حكمته أن نوّع عليهم هذا وهذا، لنعبد الله في جميع أحوالنا ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاء، فإنه خلقنا -سبحانه وتعالى- لعبادته؛ فإن لله -تعالى- في دوران الزمان وتقلب أحواله حِكَمًا بالغةً وأسرارًا عميقةً، قد ندرك بعضها، ويغيب عنا كثير منها، ومما ظهر لأهل العلم، أن من حِكَمِ ذلك: أن تتهيأ للعبد في كل فصل من فصول السنة ما يميزه عن غيره من الفصول فرصًا للعبادات قد لا تتهيأ له في غيره من الفصول، وقد يُبتلَى في بعضها بأمور وأحكام؛ ليظهر صدق عبوديته، وكمال تسليمه لربه من سوى ذلك. اعداد: عمرو علي
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |