|
|||||||
| ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
حقوق النفس د. أمير بن محمد المدري الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، المتفضل على خلقه بجزيل النوال. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى الحق، والمنقذ بإذن ربه من الضلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل. وبعد: وقفتا اليوم مع حقوق النفس. تعريف النفس في اللغة:بعض تعريفات النفس في اللغة: أولًا: النفس بمعنى الروح، يقال: خرجت نَفْس فلان؛ أي: روحه[1]، ومنه قولهم: فاضَتْ نَفْسه؛ أي: خرجت روحه[2]. ثانيًا: النفس بمعنى "حقيقة الشيء وجملته، يقال: قتل فلانٌ نَفْسه؛ أي: ذاته وجملته، وأهلك نَفْسه؛ أي: أَوقَع الإِهلاك بذاته كلِّها[3]، ومنه قول صاحب الصحاح "والتكبر: هو أن يرى المرء نَفْسه أكبر من غيره"؛ أي: ذاته[4]. ثالثًا: النَّفْس بمعنى "الحسد، والعين، يقال: أصابته نَفْسٌ؛ أي: عَيْن[5]. والنافس العائن. رابعًا: النفس بمعنى الدم، وذلك أنه إذا فُقِد الدم من الإنسان فَقَد نَفْسه؛ أو لأن النَّفْس تخرج بخروجه، يقال: سالت نفسه، وفي الحديث: ((ما ليس له نفس سائلة لا يُنجِّس الماء إذا مات فيه[6]. خامسًا: النفس ما يكون به التمييز، والعرب قد تجعل النفس التي يكون بها التمييز نفسين؛ وذلك أن النَّفْس قد تأمره بالشيء وتنهَى عنه، وذلك عند الإقدام على أمر مكروه، فجعلوا التي تأمره نَفْسًا، وجعلوا التي تنهاه كأنها نفس أخرى[7]. سادسًا: النَّفْس بمعنى الأخ، وشاهده قول الله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61]. وجمع النفس: أنفُس ونفوس، أما النَّفَس، فهو خروج الهواء ودخوله من الأنف والفم، وجمعه أنفاس، وهو كالغِذاء للنَّفْس؛ لأن بانقطاعه بطلانَها. تعريف النفس في الاصطلاح: قال صاحب كتاب التعريفات: "النَّفْس هي الجوهر البخاريُّ اللطيف، الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، وسماها الحكيم: الروح الحيوانية، فهو جوهرٌ مشرق للبدن، فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه، وأما في وقت النوم، فينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه"[8]. حقوق النفس: حقوق النفس كثيرة أهمها: معرفة أهمية النفس البشرية وحمايتها: لقد عنى الإسلام عناية فائقة بالنفس الإنسانية، وجعل الإنسان محل عناية الله دائماً، فلقد خلق الله الإنسان حيث سواه بيده ونفخ فيه من روحه، وكرّمه بالعقل، وجعله خليفة له في أرضه، وأسجد له ملائكته، وزوده بمنهج يسير على مقتضاه حتى لا يضل ولا يشقى، إلى غير ذلك من نواحي التكريم، ولقد بيّن القرآن الكريم المهمة الأساسية لوجود الإنسان وهى خلافته في الأرض، وعمارتها ولأجل ذلك أوجب حقوقا للنفس فعليك أن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك لأداء حق النفس عليك، وأن عليك حقوقاً أهمها أن تستوفيها في مرضاة الله وطاعته، ولا تجعل للشيطان عليها سبيلاً، وبذلك تنقذها من المخاطر والمهالك، وتنجيها من شر عظيم، لذلك أقسم القرآن بالنفس وتسويتها فقال الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10] وأن الله أعطاها العقل لتميز بين الفجور والتقوى فمن زكى نفسه فاز ومن لم يزكيها خاب وخسر وبين الله أن من آثر الحياة الدنيا ولم يحفظ نفسه ويصونها من العطب وطغى فمصيره إلى النار ومن صانها وقام بحقوقها التي أوجبها الله في طاعته فإن الجنة مأواه قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41]. المحافظة عليها: ومن حقوق النفس المحافظة عليها من كل ما يلحق بها الضرر: الأصل في ذلك القرآن والسنة حيث تضمنا ما يحفظ للنفس حرمتها ومنزلتها فأمرهم بالتوحيد وحرم عليهم الشرك: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]. وفي صحيح البخاري ج3/ص1049 عن معاذ رضي الله عنه قال كنت ردف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار يقال له عفير فقال: "يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا". وحرّم الاعتداء عليها أو على طرف من أطراف الإنسان إلا بحق، بل إن الشرائع السماوية كلها قد اشتملت على ما يحفظ للنفس حرمتها، يقول تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32]. ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93]. كذلك بيّنت السنة المطهرة مكانة النفس الإنسانية وعظمها، وشددت العقاب على كل من يقترف إثماً في قتلها أو إهلاكها بغير حق. في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ". و في الصحيحين عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". و في البخاري عن عبادة بن الصامترضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، ولَا تَزْنُوا، ولَا تَسْرِقُوا، ولَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، ومَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، ومَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".وحرّم قتل الإنسان نفسه وأوجب عليه حفظها. وفي الصحيحين عن أَبِي هريرة رضي الله عنه عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جبل فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ومَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" و في الصحيحين عن ثابت بْنَ الضَّحَّاكِ أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "منْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ، وزاد مسلم في لفظ " متعمدا". وفي البخاري عن أَبِي هريرةرضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ والَّذِي يَطْعنها يَطْعنها فِي النَّارِ". وفي الصحيحين عن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم" إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا فَلَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ رَبُّكُمْ قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"شهدنا خيبر فقال -صلى الله عليه وسلم- لرجل ممن معه يدّعي الإسلام هذا من أهل النار؛ فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فأستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فأشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله:صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال: "قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر". ففي هذه الأحاديث: نص أكيد على إثم من يقتل نفساً بغير حق، كذلك نهت عن القتل بأنواعه. وحفظ النفس من الأمور الضرورية التي حث عليها الشارع وأولى الاهتمام بحفظها. يقول ابن عاشور –رحمه الله -: "معنى حفظ النفوس، حفظ الأرواح من التلف أفراداً وعموماً لأن العالم مركب من أفراد الإنسان، وفى كل نفس خصائصها التي بها بعض قوام العالم، وليس المراد حفظها بالقصاص كما مثل لها الفقهاء، بل نجد القصاص هو أضعف أنواع حفظ النفوس لأنه تدارك بعض الفوات، بل الحفظ أهمه حفظها عن التلف قبل وقوعه مثل مقاومة الأمراض السارية، وقد منع عمر بن الخطاب الجيش من دخول الشام لأجل طاعون عمواس والمراد النفوس المحترمة في نظر الشريعة، وهى المعبر عنها بالمعصومة الدم، ألا ترى أنه يعاقب الزاني المحصن بالرجم، مع أن حفظ النسب دون مرتبة حفظ النفس، ويلحق بحفظ النفوس من الإتلاف حفظ بعض أطراف الجسد من الإتلاف، وهى الأطراف التي ينزل إتلافها منزلة إتلاف النفس في انعدام المنفعة بتلك النفس، مثل الأطراف التي جعلت في إتلافها خطأ الدية كاملة. بعد هذا العرض وضح أن الإسلام اهتم بالنفس الإنسانية وحافظ عليها، فالنفس لها قدسيتها واحترامها في نظر الشارع الحكيم. حفظها من المعاصي والذنوب: ومن حقوق النفس حفظها من الهلكة بمعصية الله ووقوعها في النار وإلزامها بطاعته لنجاتها، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. قال القرطبي: "هي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار. قال الضحاك: "معناه قوا أنفسكم، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم. وقال علي -رضي الله عنه- وقتادة ومجاهد: "قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم. وأمر الله ورسوله بالبر بالوالدين والإحسان لهما وحرّما عقوقهما: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]. وأوجب النفقة على النفس والعمل لإغنائها: قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]. وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]. وفي صحيح مسلم ج2: ص692 عن جابر قال أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ألك مال غيره؟ فقال: لا.فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك. وفي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة" وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطيور فهو له صدقة ولا ينقصه أحد إلا كان له صدقة وفي رواية له أيضًا فلا يأكل منه إنسان ولا دابة ولا طائر إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة". اعطائها حقها من الراحة وعدم تكليفها فوق طاقتها: ومن حقوق النفس إعطائها حقها من الراحة وعدم تكليفها فوق طاقتها: في البخاري عن أبي سلمة قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما – قَالَ:" كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ وأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ - قَالَ - فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ". قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ولَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ "فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ". قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ "فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ولِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ولِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا - قَالَ - فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ". قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ومَا صَوْمُ دَاوُدَ قَالَ "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا". قَالَ "واقرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ". قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ". قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ ولاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ولِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ولِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا". قَالَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَىَّ. قَالَ وقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ". قَالَ فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَبِرْتُ ودِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو: "فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا". وفي البخاري عن أبي جحيفة قصة سلمان الفارسي عندما قال لأبي الدرداء: "إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى فذكر ذلك له فقال: (صدق سلمان)" قوله: وأن لنفسك عليك حقا، أي تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه لذلك جعل من حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى لكن ذلك يختص بالتعلقات القلبية. مجاهدتها وترك الشر: ومن حقوق النفس مجاهدتها على فعل الخير وترك الشر فالمحاسبة خير وسيلة لتقويم اعوجاج النفس بين حين وآخر لغرض تزكيتها. ويكون أساس المحاسبة هو مقارنة ما تفعله النفس مع ما يطلبه الشرع. فإن كانت قد وفّتْ، فهل يمكنها أن تزيد إحسانا؟ وإن كانت مقصّرَةً، فما السبيل إلى تقويم اعوجاجها؟ والوسيلة إلى تنفيذ ذلك هو مخالفة هواها. قال ابن حجر: "مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها لذلك حذرها الشر وأمرهم بفعل الخير: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77] وأمر بأركان الإسلام وبالشهادتين وبالصلاة وجعلها دليل الإيمان: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43] والصلاة حق النفس قاله الطيبي، وإيتاء الزكاة ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، وصيام رمضان ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. وأمرهم بالحج: ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وفي الصحيحين: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام". يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |