|
|||||||
| ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
أندلسييو مدينة فاس1/3 الدكتور حمزة بن علي الكتاني جذورهم، وإشعاعهم، ومحافظتهم على هويتهم الأندلسية لقد مثل سقوط الأندلس كارثة حضارية وإنسانية بما تعنيه من معنى، نظرا لمدى التطور العلمي والحضاري الذي شهدته بلاد الأندلس من كافة النواحي، ذلك التطور الذي دعمه الأندلسيون بالتأليف والكتابة، والصناعة والبناء، والموسيقى...وغير ذلك، حتى شكل حضارة من أروع ما شهدته الإنسانية، مازالت بصماتها المعمارية واضحة، ومازالت – كحضارة – واقعا معيشا يفرض نفسه في كافة المجالات.ولإن كان سقوط الأندلس يعد كارثة من وجة، فقد كان بمثابة النعمة والرحمة للمناطق التي شملها النزوح والهجرة الأندلسية، الذي كان سبب الطرد التعسفي الذي مارسه المستعمر القشتالي على أهل الأندلس، حيث تم طرد النخبة المثقفة والعالمية، والإبقاء على العامة المستضعفين، والأطفال والنساء مغربين في أوطانهم وبلادهم. ذلك أن البلاد التي استقبلت مهاجرة الأندلس؛ استقبلتهم بعلومهم، وفنونهم، وحضارتهم، وتقدمهم، وتجربتهم البعيدة والواسعة المدى، ما تسبب في نهضة حضارية فيها، وزخم معرفي مهم. ولإن كانت بلاد استفادت من تلك الهجرات، واحتضنت أولئك الأمم من المهجرين المنكوبين، فآختهم، وآوتهم، وساوتهم بأهلها وسكانها حتى صاروا وحدة لا تنفك؛ فإن مدسنة فاس نالت القدح المعلى من ذلك، فهي – مع كونها تاريخيا – قرينة إشبيلية وقرطبة وبلنسية وغرناطة؛ فقد ورثت أهم عناصر تلك الحضارة، لما أنها كانت ملاذ النخبة من أهل بلاد الأندلس؛ وليس أقلهم آخر ملوكها أبو عبد الله ابن الأحمر النصري، المعروف بالريتشيكو. سأستعرض في كلمتي هذه حول "أندلسيي فاس"، الوجود الأندلسي في فاس: منشؤه، ومميزاته، وأثره، ذلك أنني سأتحدث عن العائلات المنحدرة من الأندلس إلى مدينة فاس، عبر التاريخ، مقسما تلك العائلات إلى: عائلات أندلسية قدمت قبل سقوط غرناطة، وعائلات موريسكية قدمت بعد سقوط غرناطة، معددا أهم تلك العائلات.. كما سأتحدث عن المميزات التي صبغت كلا النوعين من الأسر، من حيث العادات والتقاليد، والهموم، والاعتناء بالبحث والحفاظ على هويتهم بالرغم من مكثهم بالمغرب عبر قرون.. وسأتحدث عن أهم الآثار التي احتفظت بها تلك العائلات، من قصص وأخبار، ومفاتيح بيوت، وكتب، وغير ذلك من الآثار المهمة التي تعتبر رابطا لهم بجذورهم الأندلسية العريقة. وسأتحدث إن شاء الله عن أثر الأندلسيين في فاس، مقسما ذلك إلى: - الأثر العلمي والمعرفي. - المناصب الإدارية التي تتابعوا عليها. - الأثر الحضاري. - الصناعات وما هو من جنسها. - الفن والطرب. معتمدا في معلوماتي على جرد ميداني، إضافة إلى معلومات مستقاة من كتب التاريخ والتراجم التي عنيت بهذا المجال، خاصة ما كتبه الأندلسيون أنفسهم...سائلا الله تعالى التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... الوجود الأندلسي في فاس: يرجع الوجود الأندلسي في فاس إلى وقت تأسيسها وبنائها، سنة 192هـ، ذلك أن المؤرخين ذكروا بأن مولانا إدريس الأزهر لما بنى فاس، قدمت عليه وفود من القيروان ومن الأندلس، فوهبهم الأرض وقال: "من بنى أرضا فهي له"، إذ أصل مدينة فاس: أرضا كان اشتراها مولانا إدريس رضي الله عنه من قبيلة زواغة. فبنى القيروانيون مدينة على الضفة الغربية لواد الجواهر، أو واد فاس، سميت "فاس القرويين"، وبنى الأندلسيون مدينة على الضفة الأخرى تسمى: "فاس الأندلس"، وبنى كل أبناء مدينة سورا على مدينتهم، ليختط في فاس ابتداء سوران محيطان بحيين سكنيين. قال عبد الملك الوراق: "كانت فاس في القديم بلدين، لكل منهما سور يحيط بها، وأبواب تختص به، والنهر فاصل بينهما، وسميت إحدى العدوتين: عدوة القرويين؛ لنزول العرب الوافدين من القيروان بها، وكانوا ثلاثمائة أهل بيت . .وسميت الأخرى: عدوة الأندلس؛ لنزول العرب الوافدين من الأندلس بها، وكانوا جمعا غفيرا يقال: أربعة آلاف أهل بيت". فدل ذلك على أن أندلسيي فاس عند تأسيسها كانوا أكثرية سكانها، وهو ما يبرر التوأمة التاريخية بين فاس والأندلس، بحيث نجد عائلاتٍ فروعا منها في فاس، والأخرى في الأندلس. وقد بقيت أسوار المدينتين متمايزتين إلى أن هدمها ووحدها في سور واحد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين رحمه الله، سنة 472 للهجرة، فصارت مدينة واحدة. وتعد مشاركة الأندلسيين في بناء فاس أول مراحل النزوح الأندلسي لها، كما أن هناك مراحل أخرى، ابتدأت خاصة بعد ابتداء سقوط ممالك الأندلس أولا، وازدهار الدولة المغربية ثانيا، إذ وصفها عبد الواحد المراكشي في القرنين: السادس والسابع الهجريين فقال: "ومدينة فاس هي حاضرة المغرب في وقتنا هذا وموضع العلم فيه؛ اجتمع فيها علم القيروان و علم قرطبة .. فهي اليوم على غاية الحضارة، وأهلها في غاية الكيس ونهاية الظرف، ولغتهم أفصح اللغات في ذلك الإقليم، وما زلت أسمع المشايخ يدعونها: بغداد المغرب". ومن أهم تلك المراحل أيضا: مرحلة المرابطين؛ خاصة بعد معركة الزلاقة سنة 479هـ/ 1086م، واتساع دولة المرابطين لتعم كل الأراضي المتبقية من الأندلس. ومن أهم تلك المراحل أيضا: مرحلة الموحدين؛ خاصة في فترة يعقوب المنصور(1184-1199م)، الذي هزم ألفونصو الثامن في معركة الأرك،حيث اتسع البناء في زمنه، واستقدم مهرة الصناع والمهندسين. وفي فترة ابنه الناصر لدين الله، حيث كانت نكبة معركة العقاب سنة609هـ/ 1212م، وانهار الجيش الموحدي في الأندلس، وبذلك تدافعت الأسر الأندلسية مهاجرة من إيبيريا للمغرب. ولكن أهم فترة للنزوح الأندلسي لفاس؛ كانت في القرون الثامن والتاسع والعاشر، فما بعدها، وهي فترة الدولة المرينية ثم الدولتين الوطاسية والسعدية، حيث نزح مئات الألوف من الأندلسيين للمغرب، خاصة مدينة فاس التي استوطنتها آلاف الأسر، بل إن المؤرخين يذكرون بأن السلطان أبا عبد الله الصغير ابن الأحمر، خرج من غرناطة إلى فاس ومعه خمسمائة عائلة... وقد كان سبب هذا النزوح كما لا يخفى: سقوط الأندلس، واستعمارها من قبل القشتاليين وحلفائهم، والمعاملة السيئة التي عومل بها أهلها، بحيث أجبروا على تغيير أسمائهم، ولغتهم، ودينهم... نبذة عن الأسر الأندلسية التي استوطنت فاسا: باستعراض لكتاب مثل: "زهر الآس في بيوتات فاس" للعلامة المؤرخ عبد الكبير بن هاشم الكتاني، رحمه الله، نجد العشرات من الأسر التي أرخ لها صاحب الكتاب، وإن كان اقتصر في كتابه على ذكر الأسر غير المنتمية للشرف الحسني أو الحسيني، كما أنه – في الغالب – ذكر الأسر التي تعرف عليها، أو التي لم تنقرض..حيث – كما لا يخفى الباحث – قد انقرضت أسر كثيرة عبر التاريخ المغربي، بعد الموجات المتتالية من الأوبئة التي تعرضت لها مدينة فاس.. وقد أحصى محقق الكتاب، والدي، الدكتور علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله، نحو 25 في المائة من عائلات فاس أندلسية الأصل، وهي نسبة مهمة اعتبارا بوصول أسمائها إلينا، وعدم اندماجها تماما في المجتمع بحيث يعسر تمييزها من غيرها، وإلا فالنسبة ستكون أكثر من ذلك لا محالة. ويمكن تقسيم الأسر الأندلسية في فاس إلى: أسر أندلسية، وأسر موريسكية...بمعنى الأسر التي حلت بفاس قبل سقوط غرناطة، والأسر التي حلت بها بعد سقوط غرناطة.. والفرق بين النوعين: أن الأسر التي نزحت قبل سقوط غرناطة تطبعت بالعادات الأندلسية العريقة، والعنعنات التي كانت منتشرة قبل السقوط، كما حافظت على أسمائها العربية، وما يتعلق بذلك من حرف ومهن ووظائف مخزنية وإدارية. أما الأسر التي نزحت بعد سقوط غرناطة؛ فهي - في الغالب - تحمل ذاكرة المأساة، والاضطهاد، والرغبة في الرجوع، وكثير منها مازالت محتفظة بآثارها في الأندلس من كتب ومفاتيح بيوت، وألبسة..إلخ، كما تحتفظ ذاكرتها بالكثير من أخبار الأندلس وعادات أهلها وتقاليدهم وطبائعهم، وتنزهاتهم ومنتجعاتهم في أوطانهم التي رحلوا عنها، وهم في الغالب لا يحبون الاختلاط سوى بأمثالهم، ولا التصاهر إلا مع بني جنسهم، وجلهم لهم أسماء غير عربية. فمن الأسر الأندلسية التي حلت بالمغرب قبل سقوط غرناطة: بيت السراّج، وبيت ابن سودة، وبيت ابن سليمان، وبيت ابن عبد الله الأندلسي، وبيت الغرناطي، وبيت المواق، وبيت الزقاق، وبيت التماق، وبيت الدباغ الحسنيون، وبيت ابن جلون، وبيت ابن شقرون، وبيت ابن فرحون، وبيت الشطيبي، ومن آخرهم: بيت الفاسي الفهري الذي حلوا قريب سقوط غرناطة...إلخ. أما الأسر الموريسكية؛ فمثل بيت ابن الأحمر، وبيت صفيرة، وبيت ابن الحاج السلمي، وبيت الفهري، وبيت العطار، وبيت باسو، وبيت بردلة، وبيت البسة، وبيت التماو، وبيت تيميرو، وبيت الطرون، وبيت اللب، وبيت اللرول، وبيت المنطرش، وبيت فنجيرو، وبيت الغندوش، وبيت قزمان، وبيت قلمون، وبيت سنكليو، وبيت ميكو، وبيت المريي الحسني، وبيت المركسي، وبيت الندلسي، وبيت الروندة، وبيت الكرديسي، وبيت الكسطلي، وبيت الغزال، وبيت شركسي، وبيت شمتري، وبيت زركلي، وبيت اليدري، وبيت مارشيسي، وبيت بوصلي، وبيت شبلي، وبيت طاهري، وبيت عمري، وبيت دارستي...إلخ. كما أن هناك بيوتا قدمت فاس، وتحتاج إلى دراسات حول جذورها الأندلسية أو الموريسكية، أو حتى المدجنة؛ بمعنى من استقر في الأندلس بعد سقوط مناطقهم عشرات ومئات السنين، ولم يكرهوا على تغيير هوياتهم إلا بعد سقوط غرناطة، فاطضروا إلى الانحياز للمغرب – وفاس بالخصوص – من أجل المحافظة على دينهم وعقيدتهم.. ومن أسماء البيوتات المنتمية لمدن: الإبريني، والأرجبي، وتاندرشي، والأندلسي، والإشبيلي، والقرطبي، والباجي، والبرجي، والبلجي، والقرموني، والموجاري، والأطريري، والقمارشي، والبلنسي، والرندي...إلخ. والغالب في هذه أنها عائلات موريسكية. ومن بين الأسماء التي حافظت على أسمائها القديمة: ابن الأبار، والأزرق، والأموي، والبلاج، والبزار، والبواب، والبيار، والبيطار، والجنان، والدراج، وابن عزمون، وابن حيون، وابن المليح، والكوي، والمدجن، والكاتب، والغرديس، وابن فرحون، وابن وعدون...إلخ. آثار احتفظ بها الأندلسيون في المغرب: وقد احتفظت العديد من العائلات الأندلسية، خاصة الموريسكية، بآثار تدل على انتمائها للأندلس، كمفاتيح بيوتها، وبعض الأواني المميزة، ومصاحف، وسيوف، وغير ذلك من الأدلة التي يثبتون بها انتماءهم لموطنهم الأصلي: الأندلس، ويتأملون بها العودة إلى هناك ريثما يعود الفرع إلى الأصل، وقد يحتفظون بما يرتبط بأهلهم الذين تركوهم هناك، من زوجات وأبناء، من لباس أو حلي، أو ما شابه ذلك، في صورة مأساوية تراجيدية، تمثل مدى الألم والحسرة التي ملأت قلوبهم إثر الطرد والتفريق عن العرض وأعز شئ. ومن العائلات التي احتفظت بمفاتيح بيوتها في الأندلس: عائلة بردلة الذين مايزالون يحتفظون بمفاتيح بيتهم بغرناطة إلى الآن، وعائلة الغرناطي أيضا؛ مازالوا يتوارثون مفاتيح بيتهم بغرناطة إلى الآن. والبحث عن تلك الآثار والمآثر يحتاج إلى وعي جماعي، من أجل الحفاظ عليها مخافة ان تضيع أو تضيع ذاكرتُها، إذ تمثل حمولة إنسانية لا تخفى قيمتها لدى الباحث والمؤرخ، وقد بلغني أن أسرة بردلة الأندلسية الموريسكية قام أفرادها قديما وحديثا بشراء الكثير من تلك المآثر، والحفاظ عليها، كما كان أفرادها يقومون بإعالة المعوزين والفقراء من الأسر الموريسكية الفاسية الذين تعذرت عليهم وسائل العيش والنهوض الاقتصادي والاجتماعي في القديم. وقد كان للعائلات الأندلسية الدور الرائد والهام في المجالات العلمية والمالية والسياسية والثقافية والحرفية...نلمح إلى بعض تلك الأدوار فيما يأتي.. -يتبع-
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
أندلسييو مدينة فاس2/3 الدكتور حمزة بن علي الكتاني جذورهم، وإشعاعهم، ومحافظتهم على هويتهم الأندلسية أثر الأندلسيين العلمي والقانوني في فاس: لقد شهد القرن العاشر الهجري-السادس عشر الميلادي نزوح عائلات علمية عديدة لمدينة فاس، وبذلك فقد كان لهم أثر مهم في ازدهار الحراك العلمي بها، خاصة في جامعتها القرويين. ففي القرن السادس عشر الميلادي، المذكور، أقام اكلينار البلجيكي بفاس سنة 1540، أيام السلطان أحمد الأعرج السعدي عام 948 هجرية وكتب رسائل باللاتيني، وصف فيها القرويين ودروسه بها، وعادات الطلبة و المدرسين، وطريقة التدريس، وفنون العلم المدروسة فيه؛ فكانت: التفسير و الحديث، و الأصول و الفقه، والنحو والبيان، و المعاني والبديع، والمنطق والعروض، و الحساب و التنجيم، و الكلام والتصوف، و اللغة والتصريف، والتوحيد والتاريخ، والجغرافيا و الطب، والقضاء والأحكام و الأدب. ولا شك أنه كان للأندلسيين الواردين والوافدين بفاس أثر بليغ في نقل حضارة غرناطة والأندلس إليها، ويتجلى هذا الأثر في النقاط التالية: 1- قدومهم بمكتبات مهمة، ومؤلفات قيمة إلى مدينة فاس...من مثل كتب الشاطبي "الاعتصام" والموافقات"، وابن أبي عاصم؛ من مثل "التحفة" التي اعتنى الفاسيون بشرحها، و"سن المهتدين" لمحمد بن يوسف المواق، آخر قضاة غرناطة، والمتوفى بها بعد سقوطها، وشرحه على "مختصر الشيخ خليل"، وكذا مؤلفات أعلام من الأندلس سابقين ولاحقين، ومكتبات لأسر علمية كبيرة كأمثال أسرتي ابن سودة، وابن سليمان، ومن أشهر المكتبات بفاس في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي: مكتبة ابن الغرديس، التي جمع منها الإمام أبو العباس أحمد الونشريسي موسوعته: "المعيار المعرب، عن فتاوى أهل الأندلس والمغرب". في عشرة مجلدات... 2- قدومهم بمنهج علمي، وتأثيرهم به في المحيط الفاسي، خاصة مدرسة الإمام محمد بن يوسف العبدري؛ الشهير بالمواق، حتى صار علماء القرويين يقولون: نحن مالكيو المذهب، مواقيو الفهم، كما أن القضاء والفتيا بنيت على مصنفات أبي عبد الله محمد بن محمد ابن جزي الكلبي، وأبي بكر محمد بن عاصم الغرناطي، وعلي بن قاسم الزقاق التجيبي...وكذا كان لمدرسة ابن حزم الظاهري تأثير في المغرب عند ورودهم أولا، ثم في القرن الرابع عشر/ العشرين ثانيا..ويكفي أن مدار أهل فاس، بل أهل المغرب والمالكية عموما على منظومة الفقيه المجاهد: عبد الواحد بن أحمد ابن عاشر الأنصاري الأندلسي المتوفى رحمه الله سنة 1040هـ/ أواسط ق17م... 3- الأدب والشعر، فقد حل بمدينة فاس سابقا ولاحقا أدباء كبار، أثروا بمدارسهم الأدبية والفنية واللغوية على آداب فاس وإبداعاتها؛ كأمثال لسان الدين ابن الخطيب السلماني، وإسماعيل بن يوسف ابن الأحمر، ومحمد بن محمد ابن جزي، ومحمد بن عبد الوهاب الغساني، ومحمد بن قاسم ابن زاكور، وأبو مدين الفاسي الفهري، وحمدون ابن الحاج السلمي، ومحمد بن المفضل غريط...وقد جلبوا إلى فاس الكثير من فنون الأدب والشعر؛ كالموشحات والمسجعات، على أساليب رائقة، وتراكيب فريدة، متضمنة للعامية، وربما الأعجمية، ومفعمة بالتشبيه، والتمثيل، ومختلف فنون البلاغة، وقد استعمل الفاسيون الكثير من هذه المبدعات في فنون الموسيقى والسماع التي سنتحدث عنها لاحقا بحول الله. كما تعتبر كتاباتهم ومؤلفاتهم في فن الأدب والشعر، مدارس تدرس على حده. 4- وفي علوم الفلك، والتوقيت والتنجيم؛ فقد كان لمؤلفات الأندلسيين وطرقهم في التدريس والتعليم، والفهم، وما ابتكروه من ساعات شمسية ورملية، أثر مهم في فاس، ومن أوائل أعلامهم الذين لهم صيت عالمي: الفلكي المؤقت أبو بكر ابن باجة السرقسطي التجيبي (ت529هـ/ الثاني عشر ميلادي)، ومنهم أيضا: مسعود الطليطلي، وعلي قصارة، وأبو جيدة المشاط، والموسوعي عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، وابنه محمد، ولهما مؤلفات في التوقيت والفلك والتنجيم، وكذا الموقت عبد الرحمن بن يوسف الفاسي، 5- في الميدان العلمي كانت مساهمة الجالية الأندلسية بالمغرب ذات أهمية كبيرة، حيث برزوا في ميدان العلوم التجريبية والترجمة، وبفضلهم دخلت عدة مصطلحات تقنية إلى اللغة العربية، وبرزوا في العلوم التجريبية كالطب والصيدلة. وقد قرب الملوك السعديون الأطباء الأندلسيين وشجعوهم على تطوير بحوثهم وتأليف مؤلفاتهم، وبرز الأندلسيون أيضا في علمي الفلك والهندسة وظلوا لمدة طويلة أساتذة تلك العلوم بالمغرب. 6- أما في الكتابة التاريخية؛ فقد كان للأندلسيين الفضل في إيقاظ جذوة الشعور بأهمية التاريخ في فاس، فعلاوة على يحيى السراج صاحب الفهرس النفيس في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وحفيده سميه أيضا في القرن العاشر الهجري/ الخامس عشر الميلادي، فقد كان لمن حل بمدينة فاس من أهل الأندلس الفضل الكبير في إحياء هذا الشعور، والتأريخ لمدينة فاس، أياما، ورجالا، وأنسابا، وغير ذلك، وأسرتان من الأسر الأندلسية؛ كالقادري، والفاسي الفهري، تركتا عشرات المؤلفات في هذا الميدان، وأنشأتا مدارس للاعتناء بالتأريخ والكتابة فيه، كما أن أسماء بارزة؛ كمثل محمد المدرع الأندلسي، وعبد الله ابن يخلف الأندلسي، وابن عيشون الشراط الأندلسي، وعبد المجيد المنالي الأندلسي، وأحمد بن حمدون ابن الحاج السلمي، وغيرهم كثير، كان لهم فضل كبير في التأريخ لمختلف الحقب، والوقائع، والأعلام، والصوفية...إلخ. كما أنه عرفت بمدينة فاس أسر علمية، تواتر فيها العلم منذ قدومها إلى فاس؛ مثل: ابن سودة، وابن سليمان، والفاسي الفهري، وابن الحاج السلمي، وابن جلون، وجسوس، والقادري... وهناك أسر عرفت بعلوم الأدب والشعر؛ كابن زاكور، وغريط، وابن إدريس العمروي...إلخ. النشاط الدبلوماسي: كان للأندلسيين بفاس أثر دبلوماسي كبير، ممثلا في تقلد الأندلسيين لوظائف مخزنية مهمة في أزمان المرينيين، والوطاسيين، والسعديين والعلويين، حتى إن أسرا توارثت تلك المناصب وبعضها إلى الآن...وقد تمثلت تلك الوظائف في مختلف التخصصات: كالوزارة، والصدارة، والحجابة، والسفارة، والكتابة...إلخ. ومن السفراء الأندلسيين الشهيرين الذين كان لهم أثر معروف في الدبلوماسية المغربية: الوزير الكاتب، والسفير محمد بن عبد الوهاب الغساني الأندلسي ق12هـ/ 17م ، صاحب كتاب "رحلة الوزير في افتكاك الأسير"، والسفير يحيى الغزال الأندلسي؛ صاحب كتاب "نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد"، ق12هـ/ 18م، والسفير عبد الله بن عبد السلام الفاسي الفهري ق14هـ/ 20م. ومن الأسر التي تناوبت على العمالة في فاس: بيت الغرناطي، وهم ينتسبون لذي الوزارتين لسان الدين ابن الخطيب السلماني، فقد توارث هذا البيت منصب العمالة بمدينة فاس، خاصة في زمن السلطان مولاي إسماعيل وبنيه، ومن الشهيرين به: السيد علي الغرناطي.. كما توارثت مناصب الوزارة والكتابة أسرة ابن سليمان الأندلسي، وذلك منذ نحو ثلاثمائة عام إلى الآن، ومن الشهيرين: وزير الخارجية المغربي قبل الحماية: الحاج عبد الكريم ابن سليمان، ورئيس مجلس العرش الحاج الفاطمي ابن سليمان.. ومن البيوتات التي توارثت منصب الكتابة والوزارة أيضا: بيت غريط، وأحيانا ينطق: غرنيط، ومن أبرزهم الأديب المصقاع: محمد بن المفضل غريط الأندلسي، صاحب كتاب "فواصل الجمان، في أدباء وكتاب الزمان"..طبع مرارا، وبيت ابن يعيش، وغيرهما.. وكان لبيت الفاسي الفهري تحمل لمسؤوليات مخزنية عديدة؛ كالوزارة؛ فمن أهم وزرائهم: عبد الله الفاسي الفهري، والعباس الفاسي الفهري، ومحمد بن عبد الواحد الفاسي الفهري، ثم بعد الاستقلال تواتروا على المناصب الوزارية...كما تحمل من قبل خطة الخطابة في جامع القرويين؛ فاستمرت لديهم نحو المائتي عام. التصوف والإصلاح الديني: عند بحثنا في تاريخ التصوف الديني في مدينة فاس، نجد الأثر الأندلسي واضحا عليه، تأسيسا، ونهضة، وتحملا، وقد كان لأبي المحاسن يوسف بن محمد الفاسي الفهري المالقي اللبلي (1013هـ/ 1604م)، أثرٌ أساسٌ في النهضة بالزاوية الصوفية، ليس بفاس فقط، بل في المغرب، وقد أخذ عنه أعلام التصوف في وقته. كما أنه أحاط نفسه بمجموعة من الأندلسيين، خاصة الموريسكيين؛ إذ نجد من بين الأسماء: إبراهيم بن محمد النيار الندلسي، والفقيه محمد بن علي القنطري، والفقيه محمد بن علي النيجي، وعلي بن يوسف المدجن البيطار، وعلي الفخار، وشقرون الفخار...إلخ. وقد تعاقبت على هذه الزاوية أسر أندلسية؛ فإضافة لأسرة الفاسي اللبليين، أسرة ابن عبد الله معن الأندلسيين، وأسرة الخصاصي الأندلسيين، وقد استمروا في هذه الزاوية نحو قرنين من الزمان، إلى أن ورثتها الزاوية الدرقاوية المنبثقة عن مولاي العربي الدرقاوي، تلميذ مولاي علي الجمل العمراني تلميذ سيدي العربي ابن عبد الله معن الأندلسي، تلميذ سيدي قاسم الخصاصي الأندلسي، تلميذ سيدي أحمد ابن عبد الله معن الأندلسي تلميذ سيدي محمد ابن عبد الله معن الأندلسي تلميذ سيدي عبد الرحمن الفاسي الفهري تلميذ سيدي يوسف الفاسي المذكور. وتتجلى أهمية هذه الزاوية بأنه تفرعت عنها أهم زوايا المغرب؛ كالدلائية، والتادلية، والناصرية، والعياشية، والوزانية، عدى من تفرعوا عن الزاوية الدرقاوية وريثتها. كما أن الزاوية القادرية في فاس والمغرب هي زاوية أندلسية بامتياز، فقد توارثتها الأسر القادرية في فاس، وتطوان والجديدة، وسلا...وكلها منحدر من مدينة وادي آش شرق غرناطة. كما تتميز حلقات الذكر في فاس بالأناشيد الأندلسية، بأشعارها وأوزانها، فلا تخلوا من موشحات، ومقصورات، ووتريات، وتمثل أشعار الششتري الأندلسي، وأبي مدين المرسي، وابن عربي الحاتمي الأندلسي، وإبراهيم الساحلي الأندلسي، وغيرهم من أعلام التصوف في الأندلس عنصرا أساسيا، خاصة ما دبجوه من أشعار عشقية إلهية، وأمداح نبوية راقية. الفن والمعمار: يمثل الفن بمختلف أنواعه، والمعمار سمة بارزة لأندلسيي فاس، فزقاق فاس، وقصورها، والكثير من مساجدها، تحاكي في فن الزخرفة بشتى أنواعها ما يوجد في قصور الأندلس ومدنها الراقية كالزهراء والزاهرة، وغرناطة وإشبيلية، علاوة على الطرب الأندلسي بشتى أنواعه، من توشيح، وغرناطي، وموال، وموسيقى وعزف...إلخ...وسأقسم هذا المحور إلى التالي: أ-أثر فن المعمار الأندلسي في فاس: يقول الأستاذ الموسوعي عبد العزيز ابن عبد الله رحمه الله، عند حديثه عن معمار فاس: "ازدهرت مظاهر الحضارة والعمران في عهد بني مرين الذين أصبحوا أقوى ملوك إفريقيا الشمالية، إذ بالرغم عن محتدهم الصحراوي فإن هؤلاء الرجال استطاعوا - بفضل اتصالهم المزدوج بـ (بني نصر) ورثة الحضارة الأندلسية، وبالموحدين، التكيُّف والانسياق في مجرى الحضارة تبعا للمقتضيات المدنية، مع استمداد من معطيات الفكر الإسلامي والمجالي الطريفة في التجديد، وقد تبلور اتجاههم في إقامة المدارس المحصنة والمساجد وقباب الأضرحة، والفنادق المزخرفة والمدارس الفخمة التي أضفت على المغرب المريني طابعا خاصا من الروعة والبهاء" . "تلك هي المظاهر الجوهرية التي يمكن أن نستخلص منها صورة عن الفن المريني الذي بدأت تتبلور فيه مجالي الازدواج بين الطابعين الأندلسي والمغربي في شكل جديد سمي بالفن الإسباني الموريسكي" . "وبالرغم عن التأثرات الأندلسية التي رسمت هذا الفن؛ فإنه اصطبغ بسمة خاصة؛ إذ عوضا عما كان يذكي المهندس الأندلسي من رغبة في تحقيق التوازن بين القوى في معالم المعمارية؛ هدف المهندس المغربي إلى ضمان متانة الهيكل بالإضافة إلى ما كان يشعر به من حاجة إلى مزيد من الزخرفة والتنسيق، وهذا هو الطابع العام الذي يتسم به مجموع الفن الإسلامي من تسطيرات ناتئة ومقربصات وتلوينات علاوة على روعة الهندام. ورغما عما يتسم به هذا الفن المعماري، الذي بلغ في العصر المريني أوج عنفوانه من إيغال في التوريق والتسطير والنقش، مع قلة توازن بين الأجزاء وعدم جودة المواد، فإن المجموع ظل - كما يصفه المؤرخ أندري جوليان - واضح المعالم، متوازي النسب، تتجانس نقوشه تجانسا رائعا ضمن الحيز الذي يملأه، وهذا بالإضافة إلى ما انطوت عليه الألوان من دقة وجناس كاملين" . "وهذا التناسق الفني يرجع الفضل فيه إلى نشاط المهندس الأندلسي الذي كان تأثيره ملحوظا في مجموع المآثر المعمارية. وإذا كان الفن قد استطاع الصمود في نهاية العهد المريني فما ذلك إلا بفضل العناصر الأندلسية التي هاجرت إلى المغرب، بحيث أصبح المغاربة منذ عهد الوطاسيين عالة في كثير من الفنون والحرف على الأندلس، ومع ذلك فإن الفن المغربي الذي نشطت مقوماته العمرانية ظل محتفظا بجودته النادرة رغما عن انعدام الفخامة في مجاليه، ذلك أن وفرة الزخرفة وثراءها وروعتها انتظمت في إطار من الوضوح والدقة لا غبار عليه". انتهى باختصار. قلت: وبرحلة بين قصور فاس، وصالوناتها "مضافاتها" الواسعة، وما تضمنته من أجنة وسقايات، ورياض مملوءة بالأزهار من كل الأنواع، وأنواع الشجر المثمرة وغير المثمرة، وما اتسمت به حدائقها – كجنان السبيل مثلا، والتي اعتبرتها منظمة اليونسكو معلمة إنسانية – يجد التجانس والتشابه الكبير بينها وبين مثيلاتها في بلاد الأندلس، خاصة في قصر الحمراء بغرناطة، وقصور بني عباد بإشبيلية...وإن كان المغاربة – في الجملة – لا يحبذون تزويق المساجد، تورعا، ولما في ذلك من التشويش على المصلي وإشغال باله، خلافا لما يرى في مساجد الأندلس – كجامع قرطبة مثلا – من التفنن في الفسيفساء، والألوان الجميلة، والسواري الرخامية الرفيعة، والأقواس الباهرة. -يتبع-
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
أندلسييو مدينة فاس3/3 الدكتور حمزة بن علي الكتاني جذورهم، وإشعاعهم، ومحافظتهم على هويتهم الأندلسية ب-أثر فن الموسيقى في فاس: تبلور التبادل الموسيقي بين العدوتين، خاصة في العهد المريني بين غرناطة وفاس – يقول الأستاذ عبد العزيز ابن عبد الله رحمه الله - وإن كانت إشبيلية قد قامت قبل ذلك بدور هام عندما كانت مركزاً للفنون. وقد ترعرعت الآلة بجميع طبوعها خلال هذا العصر حتى كان للجيش المريني نفسه في عهد أبي عنان موسيقاه الخاصة به؛ كما كان للأسطول موسيقاه، وهي عادة استمرت إلى اليوم، بحيث يتفنن الجوق الملكي في ألوان الآلة الأندلسية. وبلغ الاعتناء بهذا الفن مبلغاً أصبح معه للموسيقار مكانة كبيرة في المجتمع. وكان أحمد المنصور الذهبي يجلب إلى مراكش أرباب الموسيقى وأصحاب الأغاني من أهل فاس، وكانوا قد وجدوا علي المنصور على سبيل العادة. فأخرج بعضهم ـ والقاضي أبو مالك عبد الواحد الحميدي حاضر ـ بشبابة من الإبريز مرصعة أعطاه إياها المنصور، وبعضهم قال: "أعطاني كذا وكذا"...فقال القاضي: "لئن بلغتُ فاساً؛ لأردن أولادي إلى صنعة الموسيقى؛ فإن صنعة العلم كاسدة. ولولا أن الموسيقى هي العلم العزيز؛ ما رجعنا مخففين ورجع المغني بشبابة الإبريز". ومعلوم أن مستشفى سيدي فرج بفاس كان يعالج الأمراض العصبية بالموسيقى. وقد تبنى علماء كل من فاس ورباط الفتح هذا الفن، فأطلقوا على ما اخترع من طبوعه كلمة "مدرج". وهي من مصطلحات علم الحديث النبوي الشريف كما يقول شاعر المحدثين الحافظ العراقي: ومدرج الحديث ما ألحق في أوله أو وسط أو طرف وقد بلغ عدد الموازين في الأندلس أربعة، أضاف إليها المغاربة ميزانا خامسا هو الدرج. سمي بذلك، لأنه مدرج بين الموازين وهو خاص بالآلة الإشبيلية لا يوجد في المألوف التونسي ولا الغرناطي الجزائري، في حين أن الموازين الأخرى هي البسيط والقائم ونصف والبطايحي والقدام. ويضبط كل ميزان بما يدعى التوساد، أي الضرب بالآلة المسماة الطر أو باليدين، الراحة على الراحة وقد امتاز المغرب بطبوع خاصة مثل الحصار الذي اعترف"المعجم الوسيط لمجمع القاهرة" بطابعه المغربي وكذلك البسيط وهو المسمى عند المشارقة "المحجر" وبطبع الاستهلال الذي اخترعه الحاج علال البطل في العهد السعدي، حسب كتاب في الفن لمؤلف مجهول في المكتبة الوطنية بمدريد عدد 5307. وحتى الملحون عرف طبعا فريدا هو: "السماوية" التي تغنى بصوت منخفض يتصاعد تدريجيا إلى السماء. ومن الآلات العربية التي اتسمت بطابع مغربي خاص الربابRebec، وهو ذو وترين اثنين يعزف عليهما بمنهج دقيق جسا بأصابع اليد اليسرى. وقد مهر فيه الشيخ البريهي بفاس وربيبه عبد الكريم الرايس. وممن ألف في فن الموسيقى من الأندلسيين الواردين على فاس: ـ علي بن محمد بن عبد الواحد الزجلي الفاسي. له "أغاني الصيكا"، وهي ألحان ما زالت موجودة في إسبانيا إلى الآن. ـ عبد الرحمن بن عبد القادر بن علي بن يوسف الفاسي (1096 هـ/ 1685 م). له: "المجموع في علم الموسيقى والطبوع" (رجز) (برلى 5521). وقد تحدث في كتابه "الأقنوم" عن الطب بالألحان (في ثمانية أبيات). ـ الحاج علال البطلة الفاسي، من رجال الموسيقى في عهد السلطان السعدي محمد الشيخ. وهو مستنبط طبع الاستهلال حسب كتاب في الغناء لمؤلف مجهول في المكتبة الوطنية بمدريد، عدد 5307. - محمد العابد بن أحمد ابن سودة المري الأندلسي: "استنزال الرحمات بالطبع والنغمات أو بإنشاد بردة المديح بالنغمات". و: "الآلة وأطباعها ونغماتها، وتاريخ دخولها إلى المغرب، وشرح مصطلحات الموسيقى"، مجلد وسط، فرغ منه سنة 1325 هـ/ 1907 م. - محمد الغالي بن المكي ابن سليمان الغرناطي الأندلسي؛ له: "الجواهر الحسان في نغم الألحان". يقع في كراستين. وقد نشأ بعض الموسيقيين في العهد العلوي في أحضان الزوايا الصوفية كزاويتي الحراق وابن الريسوني بتطوان والزاوية الوزانية بفروعها في عواصم كبرى كفاس وطنجة. ولم يكن علماء فاس ينكرون المويسقى الأندلسية، بل يعتبرونها من الحضارة وكمال الهيئة، وبلغ من شيخ الإسلام جعفر بن إدريس الكتاني ت1323هـ/ 1903م، أن ألف في إباحتها كتابا طبع في مجلدين، بعنوان: "مواهب الأرب، المبرئة من الجرب، في السماع وآلات الطرب"، رد فيه على الفقيه محمد بن المدني جنون الذي قال بتحريمها. وقد برز في عهد المولى سليمان (ت1238هـ) عازف مسمع؛ هو: الشيخ الجابري الذي كان يطرب بحضور شيخ الجماعة بجامع القرويين العلامة حمدون ابن لحاج السلمي، والعارف بالله شيخ الطريقة التجانية؛ سيدي أحمد التجاني. وقد مدحه الشيخ حمدون بلحاج بقوله: إن السماع لمقلة: إنسانها في الجابري: جبر القلوب بقوسه فاعجب لقوس جابري! ج- أمور أخرى: وهناك مجالات عدة أثر فيها الأندلسيون الواردون على فاس، من حيث الزراعة، والغراسة، والنسج، والدباغة، والحياكة، والصاغة، والتجارة...وغير ذلك من علامات الحضارة، التي جعلوا بصماتهم واضحة فيها، بحيث اختصت عائلات في كل من تلك المجالات؛ كأمثال عائلات برادة، وابن زاكور، والدويب، والزريعي، والسراج، والشراط، والشرفي، وصفيرة، واللبار...وغيرهم، واستقصاء جهود هذه الأسر، والأعمالها في تلك المجالات يحتاج إلى دراسة ميدانية وأكاديمية موسعة ودقيقة، وإني أرى هذه المسؤولية ملقاة على عاتق الدارسين، خاصة في المجالات التاريخية، قبل أن يفوت الأوان، وتضيع آثار تلك البيوتات، نظرا لضياع الذاكرة الجماعية، وانتقال سكان فاس منها إلى غيرها من المدن والمناطق.. اليهود الأندلسيون الوافدون لفاس: يعتبر القاضي عبد السلام التسولي في "جواباته عن أسئلة الأمير عبد القادر الجزائري"، المطبوعة بدار الغرب، أن جميع يهود المغرب إنما هم من ذوي أصول أندلسية، إذ بعد دولة الأدارسة أولا، ثم الموحدين ثانيا، لم يبق في المغرب غير الديانة الإسلامية. غير أنه ما من شك كان هناك وجود يهودي في المغرب في الدولة المرينية، واستمر إلى سقوط الأندلس، حيث وفدت الآلاف من اليهود إلى المغرب كمعاهدين يلتزمون بقيم المواطنة، ويلتزم المغرب بحمايتهم وحماية حقوقهم، وكانوا يختلفون اختلافا كبيرا عن سابقيهم من ساكنة المغرب من اليهود. وهم بمجيئهم؛ جلبوا معهم – أيضا – حضارتهم اليهودية وما يتعلق بها من فلسفة وعلوم، كما جلبوا معهم فنون التجارة والصاغة، والحياكة والبناء والنقش...وغير ذلك من الفنون التي عرف بها يهود الأندلس وأتقنوها، وربما اتكل عليهم ساكنة فاس من المسلمين فيها. ويذكر جون ليفي في مقاله "صلاة الفاسيين: كنيس استثنائي"، المنشور بمجلة زمان العدد 3 ص76، أنه مع حلول سنة 1492م حل بالمغرب عدد كبير من اللاجئين اليهود الذين تعرضوا للطرد من الأندلس، حاملين معهم حاخاماتهم وعاداتهم ولغتهم (القشتالية)، وتقنياتهم الحديثة، بل يذكر أنه: شرعت مطبعة عبرية في الاشتغال في فاس منذ الربع الأول من القرن الخامس عشر!. فتكون فاس بهذا استقبلت "المطبعة" في تاريخ متقدم جدا بالنسبة لأوروبا وللمشرق الإسلامي. يقول: كان عدد هؤلاء كبيرا، وسرعان ما صاروا يشكلون أغلبية الجالية اليهودية، كانت طقوسهم وتلاوات صلاتهم وأفكارهم تختلف عن نظيرتها الجاري بها العمل لدى يهود فاس القدامى، وعلى امتداد قرن تقريبا، ظلت جاليتان يهوديتان تتعايشان في فاس: جالية يهودية "رومية" أو "عجمية"، أو "ميغوراشيم" Megorashim (وهي كلمة عبرية تعني: اللاجئين، استخدمت لوصف يهود شبه الجزيرة الإيبيرية الذين حلوا بشمال إفريقيا بعد طردهم من الأندلس)، في مقابل جالية البلديين، أو الفاسيين، بماضيهم وطقوسهم التي يفتخرون بها، كانت جالية تتوفر على أماكن للصلاة، وعلى رأسها: "الكنيس الكبير"، مع الوقت بدأت هذه الاختلافات في الاندثار، بالتوازي مع اندماج الجاليتين، أصبحت لغة الملاح هي اللغة العربية، بلكنتها المعروفة لدى يهود المغرب التي يتكلم بها البلْديون، في المقابل صارت الطقوس السفردية – أي: طقوس الجالية القشتالية – هي المهيمنة... كما أن استقرار يهود الأندلس في فاس، تسبب في اندماج سريع بين "الموريسكيين اليهود" وبين المضيف المسلم، ما تسبب في تماهي وتآخي متبادل، نتج عنه دخول العديد من الأسر اليهودية للديانة الإسلامية، خاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فتجد أسرا بعضها مسلمون وبعضها يهود؛ كأسر ابن جلون، وابن كيران، والكوهن، وميارة، وكنون، وابن زاكور، وابن زكري، وابن حيون، وابن بوجيدة...إلخ، وأصبح منهم العلماء والصلحاء، والوجهاء والزعماء في المجتمع الإسلامي. خاتمة: هذا آخر ما رمت التطرق إليه في بحثي المختصر هذا، وهو يصور بشكل واضح مدى دور الأندلسيين المهاجرين والوافدين إلى مدينة فاس، في المساهمة بالنهضة الحضارية، والعلمية، والاجتماعية، والدينية بها، بشكل يجعلها تربة خصبة لدراسة المجتمع الأندلسي بدراسة تجمعاته خارج الأندلس، فقد احتفظت أسر باللهجات الأندلسية القديمة، والعادات، والطبائع، بل حتى الأخبار، كما احتفظت أسر بمفاتيح بيوتها، وبعض آثارها في بلاد الأندلس. بل بالجلوس إلى أبناء الأسر الموريسكية؛ تشعر وأنت تسمع محنة الأندلسيين، وكيفية طردهم، وكيف تركوا في الأندلس نساءهم، وأبناءهم، وأملاكهم، وديارهم، وأحبابهم، كأن تلك المحنة إنما وقعت البارحة، وكأنك تجلس إلى مُهجَّرين مازالوا في مخيماتهم وخيامهم، ينتظرون الرجوع إلى الفردوس المفقود بكل حرقة وألم وغصة... هذا شعور حي في قلوب هؤلاء الناس، وله دلالات مهمة جدا، ولا ريب أن أهلهم في الضفة الأخرى يشعرون – بالرغم من الحرب الشعواء ضد ذاكرتهم وماضيهم وأصولهم وحضارتهم ودينهم الإسلامي الحقيق – يشعرون نفس الشعور، ويتجرعون نفس الغصة والألم، وهو أمر يحتم علينا المزيد من البحث التاريخي، والبحث عن الهوية والآثار الإنسانية والمادية، والتوعية بذلك. وهناك مجال مهم احتفظت به فاس أيضا، وهو مجال إنساني ذو دلالة: متمثل في "الأمثال الأندلسية"، فمن يراجع كتاب "تاريخ الأمثال والأزجال في الأندلس والمغرب" للأستاذ محمد ابن شريفة حفظه الله، وما تضمنه من نصوص محققة، إذ تضمن بحوثا ونصوصا حول الأمثال والأزجال في المغرب والأندلس، حيث يتناول دخول الأمثال العربية إلى بلاد المغرب وأثرها في نشوء الأمثال المحلية، ومصادر الأمثال المغربية والأندلسية وتطورها واستمرارها ومظاهر استعمالها وتأثيرها في غيرها، وملامح المجتمع من خلال الأمثال، والجانب اللغوي والأدبي في الأمثال الأندلسية والمغربية، ثم العامية الأندلسية والمغربية بين أمثال الزجالي وملعبة الكفيف الزرهوني، من يراجع ذلك الكتاب يرى جليا أن العقلية الأندلسية، وطريقة التفكير الأندلسية، مازالت متجسدة في مدينة فاس، متطابقة إلى حد كبير، وإن كانت أكثر محافظة وتدينا في فاس. ويعتبر هذا البحث مدخلا لموضوع "الأثر الأندلسي في مدينة فاس"، عسى أن يتفرغ له الباحثون ليظهروا بجلاء تلك المظاهر والبصمات، فهو دعوة للجامعات والمعاهد المختصة لمزيد من البحث والتنقيب، يسر الله كل عسير...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المصادر والمراجع: -"الآلة الأندلسية" مقال للأستاذ عبد العزيز ابن عبد الله، منشور بمجلة "دعوة الحق" عدد 202. -"إنبعاث الإسلام في الأندلس"، تأليف الدكتور علي بن المنتصر الكتاني، منشورات دار الكتب العلمية. -"الأندلس والمغرب: وحدة أم تكامل". مقال للأستاذ عبد العزيز ابن عبد الله، منشور بمجلة التاريخ العربي، العدد2، ص65. -"زهر الآس في بيوتات فاس"، تأليف عبد الكبير بن هاشم الكتاني، تحقيق: د. علي بن المنتصر الكتاني. منشورات مطبعة النجاح الجديدة. -"سلوة الأنفاس، ومحادثة الأكياس، بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس"، تأليف الإمام محمد بن جعفر الكتاني، تحقيق: د. محمد حمزة بن علي الكتاني، د. حمزة بن محمد الطيب الكتاني، طبعة مركز التراث الثقافي المغربي. -"فاس عاصمة الأدارسة ورسائل أخرى". تأليف محمد المنتصر بالله الكتاني. اعتناء وتقديم: د. محمد حمزة بن علي الكتاني. منشورات مطبعة النجاح الجديدة. -"كيف تطورت الآلة الإشبيلية والطرب الغرناطي في المهاجرات الأندلسية-المغربية". مقال للأستاذ عبد العزيز ابن عبد الله. منشور بمجلة التاريخ العربي، العدد 13، ص147. -"مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن"، تأليف محمد العربي بن يوسف الفاسي، تحقيق: د. محمد حمزة بن علي الكتاني، منشورات دار ابن حزم ومركز التراث الثقافي المغربي. -"نشر المثاني، لأعلام القرن الحادي عشر والثاني"، لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق د. محمد حجي، ود. أحمد توفيق. مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر. -فوائد شفوية من أعقاب الموريسكيين والأندلسيين بمدينة فاس، خاصة الحاج جواد بن إدريس الغرناطي حفظه الله.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |