|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فقه الردود: بين واجب البيان وحكمة السكوت تتأرجح مواقف كثيرة من العلماء والدعاة ما بين الغلو في الرد والفرار من البيان حين يواجهون حملات التشكيك، أو يقع في طريقهم من يتعمد إثارة الشبهات حول الإسلام وأحكامه، أو يطعن في المؤسسات الإسلامية العاملة، أو يتعرض لرموزها وهيئاتها بالإساءة والتحامل. هنا يظهر سؤال محوري: متى يجب الرد؟ ومتى يحسن السكوت؟ وهل الرد دوماً فضيلة؟ وهل السكوت دوماً ضعف؟ إن فقه الردود ليس موقفاً عاطفياً يُبنى على الانتصار للنفس، ولا انجراراً إلى معارك جانبية تُشغل عن الواجبات الكبرى، بل هو ممارسة علمية راشدة، تضبطها موازين الشرع والعقل والمصلحة، وتستلهم في ذلك منهج النبوة وتطبيقات السلف و أهل العلم الراسخين. ردّ النبي صلى الله عليه وسلم على طعون المنافقين والمشركين أحيانا لكنه أيضاً سكت عن أذى كثير، وأعرض عن سفهاء عديدين، وعلّمنا أن السكوت أحياناً بيان أبلغ من الرد، وأن الجواب قد يكون تغذيةً للباطل، وترويجاً للفساد، وتضييعاً للوقت في غير موضعه. والناظر في حال العلماء حين يقرأ للذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" يجد أن بعض الأئمة لم يردّوا على من شتمهم، بل تركوا الرد لله، بينما ردّ بعضهم على أهل البدع والشبهات لا انتصاراً لأنفسهم، بل دفعاً للمفسدة، وصيانة للدين، وإحقاقاً للحق. والتفريق المنهجي هنا دقيق: فإن كان المقصود بالرد إحقاق الحق، وتبيين الهدى، ودفع الشبهة عن الدين وأهله، فهو فرض كفاية، إن قام به من يكفي سقط عن الباقين، بشرط العلم والحكمة. أما إذا كان الرد يورث فتنة، أو يضخّم باطلا، أو يشغل الناس عن المهمات، أو يُستخدم مطيّة لتصفية الخصومات، فحينها يكون السكوت أولى وأتقى. وتزداد الحاجة إلى فقه الردود في هذا العصر الرقمي، حيث تتناسل الشبهات كل لحظة، ويتكاثر المشككون تكاثر الطاعون، وتتسع دوائر الإساءة، ويتحول كل حساب على المنصات إلى منبر أو معركة، وهنا ينبغي أن نعود إلى ثلاثة ضوابط كبرى: الأول: النية والهدف،وهل الغرض هو هداية الناس؟ أو الانتقام من المخالف؟ الثاني: المصلحة والمفسدة،وهل الرد يحقّق مصلحة ظاهرة، أو يثير فتنة باطنة؟ الثالث: العلم والأهلية، وهل المتصدّي للرد أهل لذلك علمًا ومنهجًا؟ أو يزيد الطين بلة؟ ليس من الحكمة أن نجعل الإسلام وأحكامه مادة للردود اليومية، أو تُختزل رسالته في الجدل، أو يُستدرج الدعاة إلى ميادين التفاهة باسم الغيرة على الدين، وليس من الحكمة أيضًا أن يُترك الميدان للباطل يصول ويجول دون من يُبين أو يرد أو ينكر. والميزان هو: "ادفع بالتي هي أحسن"، و*"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم"، و"وجادلهم بالتي هي أحسن"، و"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" . فالردّ الحكيم من فقه البيان، والسكوت الواعي من فقه التزكية . __________________________________________________ _______ الكاتب: د. عبدالكريم الوريكات
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |