الكبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 434 - عددالزوار : 130432 )           »          شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 976 - عددالزوار : 207177 )           »          متى تضرك أذية الناس ؟ (اخر مشاركة : عبد العليم عثماني - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          ملف متنوع للتحميل (اخر مشاركة : عبد العليم عثماني - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          سُنّة: كفّ الجلوس في الطرقات. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          بين فتح مكة وعاشوراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          معاقل الوحي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          صيام عاشوراء وتكفير ذنوب سنة كاملة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          عاشوراء من مسند أحمد وصحيح ابن حبان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          سوانح تدبرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 3313 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-05-2025, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,111
الدولة : Egypt
افتراضي الكبر

الكِبْر

د. شريف فوزي سلطان
الكِبر حدَّد معناه وبيَّن مصيره ومأواه الرسولُ صلى الله عليه وسلم حين قال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ ‌بَطَرُ ‌الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ"[1].

بَطَر الحق؛ أي: ردُّه ودفعه وإنكاره على قائله ترفُّعًا وتكبرًا، والمجادلة فيه مع وضوحه، كما فعل إبليس- لعنه الله- حينما أمره ربه أن يسجد لآدم فعاند واستكبر ورد أمر الله وقال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وكهذا الذي أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله: "كل بيمينك"، فقال الرجل: لا أستطيع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه[2].

وغمط الناس؛ أي: احتقارهم، بالنظر أو بالقول أو بالفعل، وازدراؤهم والتعالي عليهم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم، لا يظلِمه ولا يخذُله ولا يحقِره، التقوى ها هنا- وأشار إلى صدره ثلاثًا- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه"[3].

يقول أبو بكر رضي الله عنه: "لا يحقرن أحدٌ أحدًا من المسلمين؛ فإن صغير المسلمين عند الله كبير"[4].

الكبر يسلب الفضيلة، ويكسب الرذيلة، ويحرم العون والتأييد والتوفيق؛ بل ويحرم الجنة، الكبر يحرم الفهم والنظر والاعتبار، الكبر صاحبه ملازم للعيوب والنقائص؛ لأنه لا يُصغي لنصح ناصح، فلا تنفع فيه موعظة، ولا يتقبل أدبًا.

التحذير من الكبر في الكتاب والسنة:
ولهذا جاء الوعيد الشديد، والتحذير الأكيد منه في الكتاب والسنة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 56].

قال ابن عباس: "عَظَمَةٌ لم يبلغوها"[5]، ففسَّر الكبرَ بتلك العظمة.

وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23].

وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُل [الغليظ الجاف] جَوَّاظ مستكبِر" [6].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من آدمي إلا في رأسه حَكمةٌ[7] بيد ملَك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبَّر قيل للملك: ضع حكَمته"[8].

وعن أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتجَّت الجنة والنار، فقالت النار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النارُ أعذب بك من أشاء، ولكليكُما عليَّ ملؤها"[9].

وعن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُحشر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُساقون إِلَى سِجْنٍ مِنْ جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَس، تَعْلُوهُمْ ‌نَارُ ‌الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ؛ طِينَةَ الْخَبَالِ"[10].

قال سفيان بن عُيينة رحمه الله: "من كانت معصيته في شهوة فارْجُ له التوبة، فإن آدم عليه السلام عَصى مشتهيًا فغُفر له، ومن كانت معصيته في كبرٍ فاخش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرًا فلُعن"[11].

قال الأحنف بن قيس: "عَجَبًا لِابْنِ آدَمَ يَتَكَبَّرُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ ‌مَجْرَى ‌الْبَوْلِ ‌مَرَّتَيْنِ!"[12].

مَرَّ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ عَلَى مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ فِي مَشْيَتِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ الْمِشْيَةَ تُكْرَهُ إِلا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: أَعْرِفُكَ، أَوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ بينهما ‌تَحْمِلُ ‌الْعُذْرَةَ، فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الآنَ عَرَفْتَنِي حَقَّ الْمَعْرِفَةِ[13].

سُئِلَ سَلْمَانُ عَنِ السَّيِّئَةِ الَّتِي ‌لَا ‌تَنْفَعُ ‌مَعَهَا ‌حَسَنَةٌ، قَالَ: "الْكِبْرُ"[14].

أنواع المتكبرين:
والمتكبرون صورهم كثيرة، ومشاربهم شتى:
1) فمنهم من يتكبر بمُلكه أو مكانته الاجتماعية!
ويُقوي هذا الكبرَ ويُعظِّمه كثرةُ مديح المتقربين الذين جعلوا النفاق عادةً ومكسبًا! فيمدحونه بما ليس فيه، ويرفعونه فوق شأنه، فيظن ذلك حقًّا فيزداد كبرًا.

وقد قيل: عجبًا لمن قيل فيه خيرٌ وليس فيه كيف يفرح؟ ولمن قيل فيه الشر وهو فيه، كيف يغضب؟

هذا النوع من الكبر منتشر في الملوك والرؤساء وأصحاب الوجاهة؛ ولهذا يجب عليهم أن يُبعدوا عنهم بطانة السوء التي تُزين لهم سوء أفعالهم، ولا تبين لهم قبيح أعمالهم فيهلكوا، وهؤلاء لو عقلوا لعلموا أن الملك أيام لا تدوم، ولو دام لغيرهم ما وصل إليهم، ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

2) ومن الناس من يتكبر بماله!
ولو كان عاقلًا لعلم أن المال عارية، تُسلبُ منه بغتة، وبأدنى سبب، وبدون سبب؛ كحال صاحب الجنة، قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 35]، فأرسل الله تعالى على هذه الحديقة حُسبانًا من السماء، فتركها خاويةً على عروشها، وكحال قارون الذي تكبَّر بماله الذي كثُر حتى إن مفاتيح الخزائن لا يستطيع حملَها عصبةٌ من الرجال الأقوياء، فخسف الله به وبخزائنه الأرض!

ولو أن الله ابتلى هذا المتكبر بالمرض لتمنَّى أن يؤخذ منه ماله كله وتُرد إليه صحته، أو شيءٌ منها، كما قَالَ ابْن السماك للرشيد وَقد دَعَا بِحَضْرَتِهِ بقدح فِيهِ مَاء ليشربه، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَلَو منعت هَذِه الشربة، بكم كنت ترْضى أَن تبتاعها؟ فَقَالَ لَهُ الرشيد: بملكي كُله، قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَلَو منعت خُرُوجهَا مِنْك، بكم كنت ترْضى أَن تَفْتَدِي من ذَلِك؟ قَالَ: بملكي كُله، قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أتغتبط بِملك لَا ‌يُسَاوِي ‌بولة وَلَا شربة؟![15]



3) ومن الناس من يتكبر بقوته وصحته!
وهذه غفلة شديدة؛ لأن القوة ليست مقياس الشرف بين الناس، وهل قوة هذا الرجل تكافئ قوة حمار أو بغل؟ المدار على العقل، فبه يصل الإنسان إلى معرفة ربه وخالقه، وبه يسير الإنسان سيرًا حسنًا، وبه يتجنب الإنسان المهالك والمضار وقد نُسِب إلى علي رضي الله عنه قوله:
إن المكارم أخلاق مطهرة
فالعقل أولها والدين ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها
والجود خامسها والعرف ساديها
والبر سابعها والصبر ثامنها
والشكر تاسعها واللين عاشيها

فالقوة والصحة والفتوة لا تُعدُّ من المكارم، إلا إذا استُخدِمت في الخير والصلاح، ثم إنها قد تُسلب كذلك بغتة، بأدنى سبب، وبلا سبب!

4) ومن الناس من يتكبر بعلمه!
وهذا أحرى به أن يسمى جاهلًا؛ لأن العلم إن لم يزدد به صاحبه تواضعًا وخشية، فليس بعلم نافع.

5) ومن الناس من يتكبر بجماله وحسن صورته!
وهذا أكثر ما يكون في النساء، ولو تأملت هذه المتكبرة بجمالها لعلمت أن الجمال من نصيب الدود، ولو تخيلت صورتها في القبر، لرأت منظرًا مرعبًا مخيفًا، بل إن هذا الجمال في الدنيا معرض للآفات والأمراض، فكم من مرض ترك الجميلة شوهاء، والفاتنة نكراء، فينفر منها الناس بعدما كانوا يتلهفون على رؤيتها.
‌يَا ‌مُظْهِرَ ‌الْكِبْرِ ‌إِعْجَابًا ‌بِصُورَتِهِ
أَبْصِرْ خَلاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ
لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهُمُ
مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلا شِيبُ
هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةٌ
وَهْوَ بِخَمْسٍ مِنَ الأَقْذَارِ مَضْرُوبُ
أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذُنٌ رِيحُهَا سَهِكٌ
وَالْعَيْنُ مُرْمَصَةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُوبُ
يَا بْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا
أَبْصِرْ فَإِنَّكَ مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ

الكبر من صفات اليهود ومن أخلاق الكافرين ومن خصال المنافقين:
قال تعالى عنهم: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]، ومن ثَمَّ أبغض الله المستكبرين، فقال: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23].

وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5].

الكبر يحرم الفرقان [بين الحق والباطل، والطاعة والمعصية]:
قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾[الأعراف: 146].

قال سفيان بن عيينة: "أنزِع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي..."[16].

كيف يصرفون؟ قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].

الكبر سبب الفرقة والنزاع والشحناء والبغضاء:
قال تعالى: ﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بينهم ﴾ [الجاثية: 17]؛ أي: كبرًا وحسدًا.

والكبر له علامات يُعرف بها، ومظاهر تفضح صاحبَه:
من مظاهر الكبر:
1) الاختيال في المشية، مع ليِّ صفحة العنق وتصعير الخد:
قال تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[لقمان: 18].

2) عدم قبول النصيحة وترك الإذعان للحق:
قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204 - 206].

3) إسبال الإزار وجرُّه:
كما قال صلى الله عليه وسلم: "إياك وإسبال الإزار، فإنه من المخِيلة، والله لا يحب المخِيلة"[17].

4) أن يحب قيام الناس له!
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَن سرَّه أن يتمثل له الرجال قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار" [18].

وقد كان الصحابة لا يفعلون ذلك مع خير من وطئت قدمُه الأرض صلى الله عليه وسلم، كما قال أنس رضي الله عنه: "لم يكن شخصٌ أحبَّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك" [19].

أسباب الكبر:
1) اختلال معايير التفاضل عند الناس:
فتراهم مثلًا يفضلون صاحب الدنيا ويقدِّمونه حتى لو كان عاصيًا مجاهرًا بفسقه بعيدًا عن منهج الله، في الوقت الذي يحتقرون فيه البائس المسكين الذي أدارت الدنيا ظهرها له! حتى وإن كان طائعًا ملتزمًا بهدى الله، ومن كان في مثل هذه الأجواء يتأثر بها لا محالة، ثم يظهر هذا التأثر شيئًا فشيئًا في احتقار الآخرين والترفُّع عليهم.

وقد ألمح الله تعالى إلى هذا السبب قائلًا: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56].

وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 35 - 37].

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: مَرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: هذا من أشراف الناس، هذا حريٌّ إن خطب أن يُخطَب، وإن شفَع أن يُشفَّع، وإن قال أن يسمع لقوله، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ومرَّ رجل آخر، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا من فقراء المسلمين، هذا حريٌّ إن خطب لم يُنكح، وإن شفع لم يشفَّع، وإن قال لا يُسمع لقوله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لهذا خير من ملء الأرض مثل هذا" [20].

2) السبق بفضيلة أو أكثر:
كالعلم أو الدعوة أو الجهاد أو التربية ونحو ذلك، فبعض الناس إذا حباه الله تعالى فضيلة أو أكثر نظر إلى من هو دونه نظرة ازدراء واحتقار، ونسي هؤلاء أمرين:
الأول: شكر نعم الله ليزيدهم.
الثاني: أن السبق لا قيمة إلا إذا كان معه الصدق، وكما قيل: "ليس الفضل لمن سبق، ولكن الفضل لمن صدق"، فلقد وصف الله تعالى أصفياء خلقه بعد أنبيائه ورسله فقال: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23]، وإذا حلَّ الصدق تحَلَّى العبد بالأخلاق الكريمة، وتخَلَّى عن سائر الأخلاق الفاسدة والذميمة.

3) النشأة الأولى:
فأحيانًا ينشأ الإنسان بين أبوين يلمس منهما أو من أحدهما [الغطرسة والعجرفة والتعالي على الناس]، فيبلغ هذا الإنسان والكبر جزءٌ من شخصيته لا ينفك عنه، إلا إذا تداركته رحمة الله أولًا، وتدارك هو نفسه بتزكيتها وقلبَه بإصلاحه.
مشى الطاووس يومًا باعوجاجٍ
فقلَّد شكلَ مشيته بنوه
فقال علامَ تنحرفون قالوا:
سبقتَ به ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوَّده أبوه

4) وقد يكون من أسباب الكبر أمراض سبق الحديث عنها؛ كالعجب والحقد والحسد والرياء.
العلاج:
1- لا علاج للكبر إلا بالتواضُع كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إليَّ أنْ تواضعوا، حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ" [21].

والتواضع: أن تَخرج من بيتك ولا تلقى أحدًا من المسلمين إلا رأيت له عليك فضلًا، كما قال الشافعي رحمه الله: "أرفعُ الناس قدرًا مَن لايرى قدره، وأكثرهم فضلًا من لا يرى فضله"[22].

والتواضع علم وعمل: فكما أن الكبر أن يكون المرء عند نفسه كبيرًا، فيظهر ذلك في تعاملاته مع الآخرين وهو لا يشعر، فالتواضع أن يكون المرء عند نفسه صغيرًا، فيظهر ذلك في تعاملاته مع الآخرين وهو لا يشعر.

والتواضع: قبول الحق من أي أحد، والإذعان له، والاعتراف بالخطأ وعدم احتقار الناس.

2- تذكير النفس دائمًا بمعايير التفاضل:
ومعيار التفاضل لا يُنسى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكم بنو آدم، وآدمُ خُلِقَ مِن تُرابٍ، ولَيَنْتَهينَّ قومٌ يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله من الجُعلان"[23].

والجعلان: جمع جُعل: وهي دويبة سوداء قُوْتُها الغائط، ولو شمت رائحة طيبة ماتت!

3- المواظبة على الطاعات:
فإنه إذا واظب عليها العبد، وكانت متقَنة لا يُراد بها إلا وجه الله، طهُرت النفس من كل الرذائل.

4- محاسبة النفس أولًا بأول:
بحيث يَعرف صاحب هذا الداء الحدَّ الذي انتهى إليه في العلاج، وما وصل إليه من نجاح فيُنمِّي أو قصور فيتدارك.

5- الاستعانة بالله عز وجل:
فإنه تعالى يعين من استعان به، ويجيب دعاء المضطر إذا دعاه.

[1] رواه مسلم.

[2] رواه مسلم.

[3] رواه مسلم.

[4] تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي.

[5] موسوعة التفسير المأثور: إعداد مركز الدراسات والمعلومات القرآنية.

[6] متفق عليه.

[7] ما تُجعل في رأس الدابة كالزمام.

[8] رواه الطبراني وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب والهيثمي في مجمع الزوائد.

[9] رواه مسلم.

[10] رواه النسائي والترمذي وحسنه.

[11] مختصر منهاج القاصدين.

[12] التواضع والخمول، لابن أبي الدنيا.

[13] تاريخ الإسلام، للذهبي.

[14] التواضع والخمول، لابن أبي الدنيا.

[15] رسائل ابن حزم.

[16] تفسير الطبري.

[17] رواه أبو داود وصححه الألباني.

[18] أخرجه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

[19] أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما، وصححه الألباني في الصحيحة.

[20] رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

[21] رواه مسلم.

[22] شعب الإيمان، للبيهقي.

[23] أخرجه البزار في المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.85 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]