|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطر الميثاق السيد مراد سلامة الحمد لله الحكيم الرؤوف، الرحيم الذي لا تَخيب لديه الآمال، يعلَم ما أضمَر العبدُ من السر وما أخفى منه ما لم يَخطر ببالٍ، ويسمَع هَمسَ الأصوات وحِسَّ دَهس الخُطوات في وَعس الرِّمال، ويرى حركة الذَّرِّ في جانب البر، وما درَج في البحر عند تلاطُم الأمواج وتراكُم الأهوال، أفلا يستحيي العبد الحقير من مبارزة الملك الكبير بقَبيح الأفعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الكل تحت قهْره ونظره في جميع الأحوال، فتبارَك مَن وفَّق مَن شاء لخدمته، فشتان ما بين رجال ورجال. عبد الله، يا مسكين: يا غافلًا والجليلُ يَحرُسه ![]() من كلِّ سوءٍ يَدِبُّ في الظُّلَمِ ![]() كيف تَنام العيونُ عن مَلكٍ ![]() تَأتيه منه فوائدُ النِّعمِ ![]() وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفيه من خلقه وحبيبه. أنت الذي لما رُفعت إلي السما ![]() بك قد سمت وتزينت للقاك ![]() أنت الذي ناداك ربُّك مَرْحَبًا ![]() ولقد دعاكَ لقُربه وحبَاكَ ![]() ماذا يقول المادحون وما عَسى ![]() أن يجمَع الكُتاب مِن معناك ![]() صلَّى عليك الله يا عَلَمَ الهُدى ![]() ما اشتاقَ مُشتاقٌ إلى رُؤياك ![]() وعلى آله وأصحابه، ومَن سار على نَهْجه وتمسَّك بسُنته، واقتدى بهديه، واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين. اعلَم علَّمني الله وإياك، ونبَّهني الله وإياك من نومة الغافلين - أن من الأخطار التي تجعل قلب العبد يَفرَق خوفًا وفزعًا: ما قدَّره الباري جل شأنه في الأزل، وكتب على عباده يوم أن خلق آدم عليه السلام، واستخرج ذريتَه من ظهره، ثم جعلهم قسمين لا ثلاث لهم: أهل السعادة والهناء، مَن خلَق لهم دارُ البقاء، وهم أهل الجنـة، وقال هؤلاء للجنة ولا أُبالي، ثم خلَق واستخرج خلقًا آخرين، وقال فيهم: هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعمَلون، إنه خطرٌ عظيم لا يَغفل عنه إلا مَن هو سادرٌ في غفلته راضٍ بشِقوته. استخرج ذرية آدم من ظهره بعد خلْقه، وقسَّمهم إلى قسمين: أهل الجنة، وأهل النار، فقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الله مسَح ظهر آدم بعد خلقه له، واستخرج ذريته من ظهره أمثال الذَّر، واستخرج منهم أهلَ الجنة وأهل النار؛ روى مالك والترمذي وأبو داود عن مسلم بن يسار قال: سُئل عمر بن الخطاب رضي لله عنه عن هذه الآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 172، 173]. قال عمر: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال: "إن الله خلَق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرَج من ذريته، فقال: هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرَج منه ذرية، فقال: هؤلاء أهل النار، وبعمل أهل النار يعملون"، فقال رجل: ففيمَ العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا خلَق العبد للجنة استعمَله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنة، فيدخل بها الجنة، وإذا خلق العبد للنار، استعمَله بعمل أهل النار، حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل النار، فيدخل به النار"[1]. روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني بعرفة - فأخرج مِن صُلبه كلَّ ذرية ذراها، فنثرَهم بين يديه كالذَّر، ثم كلَّمهم قال: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 172، 173]. وروى أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وخلقَ الله آدم حين خلَقه، فضرب كتفَه اليمني، فأخرج ذريته بيضاءَ، كأنهم الذَّر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذريته سوداءَ كأنهم الحِمم، فقال للذي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي". وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فأَلقَى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدَى، ومَن أخطأَه ضلَّ، فذلك أقول: جفَّ القلم على علم الله[2]. وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ماء في الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول نعم، قال: فيقول: قد أردت منك أهونَ من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تُشرك بي شيئًا، فأَبيتَ إلا أن تشرك بي شيئًا، وأخرجاه في الصحيحين، وللعلماء في معني الأخذ ومدلوله أقوال نذكرها بحول الله وطوله: يقول ابن كثير رحمة الله: بعد أن ذكر الأدلة والآثار: فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميَّز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الأشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وقد بيَّنا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم، ومن ثم قال القائلون من السلف والخلف: إن المراد بالأشهاد إنما هو فطرة على التوحيد كما تقدم من حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع، وقد فسَّر الحسن الآية بذلك. قالوا: ولهذا قال: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ﴾ [الأعراف: 172]، ولم يقل من آدم ﴿ مِنْ ظُهُورِهِمْ ﴾ [الأعراف: 172]، ولم يقل: مِن ظهره، ﴿ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الأعراف: 172]؛ أي: جعل نسلهم جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن؛ كقوله تعالى: ﴿ وَهُو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 165]، وقال: ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 62]، وقـال: ﴿ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 133]، ثم قال: ﴿ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ [الأعراف: 172]؛ أي أوجـدهم شاهـدين بذلك قائلين له حالًا، وقال: الشهادة تارة تكون بالقول؛ كقوله: ﴿ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾ [الأنعام: 130] الآية. قال ابن القيم في كتاب (الروح): قال ابن الأنباري: مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية - أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده، وهم في صور الذَّر، فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبِلوا، وذلك بعد أن ركَّب فيهم عقولًا عرَفوا بها ما عُرِض عليهم، كما جعل للجبل عقلًا حين خوطِب، وكما فعل ذلك بالبعير لَما سجد، والنخلة حتى سَمِعت وانقادَت حين دُعيت، وقال الجرجاني: ليس بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله مسح ظهر آدم، فأخرَج منه ذريته"، وبين الآية اختلاف بحمد الله؛ لأنه عز وجل إذا أخذهم من ظهر آدم، فقد أخذهم من ظهور ذريته؛ لأن ذرية آدم لذريَّته بعضهم من بعض، وقوله تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172]؛ أي: عن الميثاق المأخوذ عليهم، فإذا قالوا ذلك كانت الملائكة شهودًا عليهم بأخذ الميثاق... قال: وزعم بعض أهل العلم أن الميثاق إنما أُخذ على الأرواح دون الأجساد، إن الأرواح هي التي تَعقِل وتَفهَم، ولها الثواب وعليها العقاب، والأجساد أموات لا تَعقل ولا تفهَم، قال: وكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى، وذكر أنه قول أبي هريرة، قال إسحاق: وأجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد، استنطَقهم وأشهَدهم؛ ا.هـ. فهذا أول الأخطار التي ينبغي للعبد أن يَستحضره في قلبه، ويجعلـه نُصب عينه، فينشأ عن ذلك الخوف من الله، والخوف من سوء الخاتمة، ومن أخاف أدْلَج، ومن أدلَج بلَغ المنزل، فإياك أن يسهوَ قلبُك عن خطر الميثاق؛ حتى لا تندم وأنت في السياق، وعندها تلتف الساق بالساق. فيا أيها العبد أفِق ولا تغترَّ بالصحة والشباب، فكم من صحيحٍ مات من غير علَّةٍ، وكم مِن مريضٍ عاش حينًا من الدهر، فكيف لا يخاف مَن قلبُه بيد المقلِّب، مَن ظنَّ أن عمرَ يُسلِم، مَن ظنَّ أن برصيصا يَكفُر؟ [1] مشكاة المصابيح 1/ 34 ورقم الحديث 95، قال الألباني فيه: رجال إسناده ثقات رجال الشيخين، غير أنه منقطع بين مسلم بن يسار وعمر، لكن له شواهد كثيرة. ا. هـ. [2] رواه الترمذي 5/ 26 ورقم الحديث 2642، وقال فيه: حديث حسن، عن عبد الله بن عمر.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |