|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وهم المثالية في تطبيقات الدولة الإسلامية د. عبدالله بن يوسف الأحمد قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]. حين طرح مفكرون نصارى من الشام قبيل منتصف القرن الماضي شعار "العلمانية" في أوساط المسلمين، ظهرت فكرة تقول: إن الدولة الدينية دولة مثالية لا تحتمل النقص، ولا يتطرق إليها الخلل، وكانت الشام يومئذٍ خاضعةً للدولة التركية العثمانية. وبتقريرهم الفكرةَ السابقة صوَّروا أن الدولة المتحللة من رِبقة الدين هي المثال الجيد الواقعي، وكثير ممن اغتر بأفكارهم تراه يجنح إلى مثالية الدولة المدنية؛ الأمر الذي أطلق خيالهم في تصوير الغرب على غير واقعه، وربما نسجوا عنه الأساطير. أقول: إن كلَّ من تولَّى حكم المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بشرٌ وعنده نقص في التطبيق، ولا محالة؛ فالكمال متعذر إلا في التنظير، وفي الخيالات الذهنية والأوهام الوجدانية، والعصمة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في جانب الوحي والتبليغ عن الله، وأما في الواقع؛ فقد نزل العتاب في مثل: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 43]، و﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ [الأنفال: 67]، و﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]، و ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ [عبس: 1 - 3]، وكم تطرب الآذان لمثل هذه المكاشفات القرآنية الصريحة، والتوجيهات الربانية الكريمة! والمقصود أن النقص الوارد لا يُغفل تحقيق الأهداف الكبرى للدولة المسلمة قدر المستطاع؛ من تحكيم الشريعة، وإظهار التوحيد، وإرساء العدل، والدعوة إلى الدين الحق. وفي هذه المسألة الهامة خرَّج ابن جرير في تفسيره أثرًا عن خليفةٍ راشدٍ رضي الله عن الصحابة أجمعين، ولك أن تعد هذا الأثر أصلًا من أصول هذا الباب، من رواية الحسن: أن قومًا أتَوا عمر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله لا يُعمل بها، فقال لرجل منهم: أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهم لا، قال: فهل أحصيتَه في بصرك؟ فهل أحصيتَه في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، ثم قال: ثكِلت عمرُ أمه، أتكلفونه أن يقيم على الناس كتاب الله؟ قد علم ربنا أنه سيكون لنا سيئات، قال: وتلا: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]. وبإسناده عن أنس بن مالك: أنه قال: لم أرَ مثل الذي بلغنا عن ربنا تعالى، ثم لم نخرج له عن كلِّ أهل ومال، ثم سكت، ثم قال: والله لقد كلَّفنا ربنا أهونَ من ذلك، لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر، فما لنا ولها؟ ثم تلا: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]، وخرَّجه البزار في "مسنده" مرفوعًا، والموقوف أصح. وقد وصف الله المحسنين باجتناب الكبائر؛ قال تعالى: ﴿ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 31، 32]. إن الصلاة وهي الصلاة ورد في الخبر أن المرء قد ينفتل عنها، وقد كُتب له نصفها أو ربعها أو سدسها، فلا يصح أن يأتي شخص ويترك الصلاة بحجة أنه لا يمكن أن يصلي صلاة كاملة. ووهم الكمال والمثالية هذا صدَّ كثيرًا من الناس عن طلب العلم والاستقامة على الدين، وكثيرٌ منهم صار يرى الدين ثقلًا وعبئًا؛ وهمًا منه وجهلًا. والإسلام علمنا كيف نتعامل مع نقصنا، وأن نستغفر ولا نقنط، وننهض بعد العثرة، وأن نتعامل مع زلل الآخرين بدرجات، فثمة الصغيرة، وثمة الكبيرة، وهناك البدعة، وهناك الكفر، ومن المسائل ما جرى فيه الخلاف بين العلماء من جهة أنه تنازعها مرتبتان من المراتب الآنفة، فاختلفوا أيهما يغلب. والخلل المتطرق إلى الدول بعد الخلافة الراشدة، منه ما لا يجعلها دينية من الأساس، وثمة خلل يجعل منها دولة مسلمة فيها ظلم، وهناك خلل يجعلها دولة مسلمة عادلة، فيها من النقص ما فيها. الليبراليون عندهم مشكلة في حكم الشرع لما فيه من إقامة للدين وتقييد للانحلال، فترى تركيز الليبرالي منصبًّا على النقص الوارد في الدول التي تخللت التاريخ الإسلامي، ويقابل ذلك تسامحٌ ملفتٌ مع النماذج التي يعظمها مهما صدر منها من خلل، بحجة أنها أفضل من غيرها، وأنها تحمينا من الظلاميين! والنموذج العلماني يسيطر عليه أمر الدنيا وحفظ المصالح العاجلة الملموسة، فليس في أدبياته شيء اسمه (مصلحة دينية أو أخروية)، كما يغيب فيه مقصد حفظ العِرض، إلا ما كان من قبيل الأعراف الاجتماعية. والله يُهيئ لأمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أمرَ رشدٍ يُعز فيه أهل طاعته، ويُهدى فيه أهل معصيته، والحمد لله رب العالمين الذي أتم علينا النعمة، ورضِيَ لنا الإسلام، وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام: ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |