|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أكلمه في السر كم هي كثيرة تلك الآداب الراقية التي نسيناها أو تناسيناها فهبطنا من علو إلى سفول، وكم خلعنا من زينة تحلى بها النبلاء فبدت قبائح ما كان لنا أن نسمح بظهورها ، وكم من جميل من الخلق والقول تسلل منا لواذًا فظهرت بدلها مساوئ الأخلاق ، والخلق الجميل إذا توارى لا بد أن يطل القبيح برأسه .. ولو تتبعنا مواقع التواصل الاجتماعي وما تحويه من غث لأصبنا بالصداع والدوار .. والكرامة عين الكرامة في تناوش العلاج من سهل التستري في نوره الذي أوقده فقال فأضاء : أكبر الكرامات أن تبدل خلقًا مذمومًا من أخلاقك بخلق محمود . ولما لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الفقير المهاجر المجاهد جعيل بن سراقة الضمري رضي الله عنه شيئًا من المال وأعطى من هو دونه منزلة ومكانة ، احترق قلب سعد بن أبي وقاص عليه وتوهم أن المنع إهمال لجعيل ، بادر لإبراز فضيلته فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم مبديًا رأيه بجعيل ومقترحًا .. قال سعد ( فساررته – اي للنبي صلى الله عليه وسلم - فقلت : مالك عن فلان ، والله إني لأراه مؤمنًا ؟ قال : أو مسلمًا ). رواه البخاري واستنبط ابن حجر أن هذا الحديث يحوي من الفقه والأدب ( أن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان ) وقال ( وقد يتعين إذا جر الإعلان إلى مفسدة ) .. قال النووي : (فيه التأدب مع الكبار ، وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه ولا يجاهَرون به ، فقد يكون في المجاهرة به مفسدة) . إن مخاطبة ومناصحة أكابر القوم والمتصدرين للناس والقادة الثقات من أهل الحكم والعلم ليست كمخاطبة غيرهم من الناس ، وقد أوضح هذا سيد قطب رحمه الله فقال : لا بد للمربي من وقار ، ولا بد للقائد من هيبة ، وفرق بين أن يكون هو متواضعًا لينًا ، وأن ينسوا هم أنه مربيهم . نباهة أسامة: الحرص على سمعة القادة الأعلام والدعاة الثقات من الأولويات التي ينبغي على أفراد الأمة مراعاتها وصيانتها ؛ لأن أهل الأهواء يهتبلون الثغرات لينفثوا سمومهم ويوجهوا سهام الطعن إليهم ، ولقد تنبه أسامة بن زيد رضي الله عنه لهذا المدخل الشيطاني فلم يفتحه له ، فعندما قالوا له : لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ ، قَالَ : إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لا أُكَلِّمُهُ ! إِلّا أُسْمِعُكُمْ ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ . رواه البخاري قال ابن حجر: أي كلمته فيما أشرتم إليه لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر بغير أن يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها .. وقال ابن بطال : يريد (أي أسامة) لا أكون أول من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية فيكون بابًا من القيام على أئمة المسلمين فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة ، كما كان بعد ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير ، ثم عرفهم أنه لا يداهن أبدًا ؛ بل ينصح له في السر جهده . استدراك عبد الله بن عكيم وتحسره : المساررة في النصيحة تحرم الفتن من محضنها التي تتكاثر وتتوالد فيها جراثيمها القاتلة ؛ وإلا فإن دم الدعوة معرض للهدر ، كما يصور لنا أبو معبد عبد الله بن عكيم الجهني -وهو أحد قدماء التابعين المخضرمين الثقات ممن أدرك رمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره- مبلغ أساه وندمه وحسرته على كلمات تفوه بها زمن عثمان رضي الله عنه نصحه بهن جهارًا، يظن أن فيه مساوئ ، وحاشا الراشد الثالث من المساوئ فتلقف كلماته أصحاب الأغراض ، واستباحوا دمه الشريف بهن وأمثالهن. ففي حلقة دراسية انعقدت في المدينة لتدريب وتفقيه الجيل الجديد من رجال دولة الإسلام المكلف باستدراك ما صنعته الفتنة: حاضر عبد الله بن عكيم، وطفق يلخص لهم تجارب المخلصين فقال: (لا أعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان). وكانت كلمة مثيرة منه حقا. وتأخذ الجميع إطراقة، فما ثم إلا عيون تتبادل النظر مستغربة ما يقوله الرجل الصالح. ما لهذا الشيخ البرئ المؤمن الذي لم يرفع في وجه عثمان سيفا أبدًا يتهم نفسه ويلومها على ما لم يفعل؟ وينبري جرئ لسؤاله: (يا أبا معبد: أو أعنت على دمه)؟ فيقول: (إني لأرى ذكر مساوئ الرجل عونا على دمه) فهو يتهم نفسه بجزء من دم عثمان لأنه رأى بأم عينه كيف أن ما ظنه وقام في نفسه من أنه الحق قد أدى إلى استغلال الرعاع له حين يتكلم به، وكيف طوروه حتى قتلوا عثمان رضي الله عنه. إنها حساسية النفس الصادقة في توبتها ينطق بها ابن عكيم، مع أنه ما كان يكره عثمان حين تفوه بتلك الكلمات، فإن ابنته تقول: (كان أبي يحب عثمان) وهذا يقتضي أنه قال كلماته الناقدة بلهجة المحب وما فيها من الرفق واللين، ومع ذلك نتج عنها من المفاسد ما نتج، فكيف لو أنضاف إلى علانية النقد لفظ رديء، وعبرت عنه لهجة عنيفة؟ إن الجيل الجديد من رجال دعوة الإسلام الحديث -إذ هو يتفقه اليوم في حلقاته الدراسية لاستدراك ما صنعته فتن الأمس- مدعو إلى ملاحظة المغزى العظيم المهم لقصة عبد الله بن عكيم، وتجربته الصادقة. لا تكن ساذجًا أيها الداعية، فإنها تحريشات من حولك لسفك دم الدعوة. احذر، والتفت إلى عيب نفسك، وصن سمعك وسارر بنصيحتك ونقدك، ولا تعن بلسانك. إنه دم الدعوة. (القصة مقتبسة من كتاب العوائق للراشد) وجوب الإسرار عند المفسدة: ولربما ظن ظان أن الإسرار في نصيحة قادة العدل ينافي طبيعة الإسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحتج بإنكار من أنكر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهارا لا إسرارا .. والأستاذ محمد أحمد الراشد يفند هذا الاحتجاج الخاطئ فيقول: لو فحصنا فحوى هذه الحوادث، لما وجدنا لها علاقة بسياسة أو عقيدة أو موقف عام جماعي، وإنما تتناول أمر مهور الزوجات، أو أمر توزيع بعض العطايا على من له حق في بيت المال، في قصة أخرى تروى، فضلا عن أن العامي المجهول الذي اعترض أو المرأة المجهولة، لا يصلح عملهما أن يناهض الأدب الذي اختاره سعد بن أبي وقاص أو أسامة، وهما على ما يعرف عنهما من الفقه والتجربة، ولا أن يكون مصدرًا لأصول الدعوة وابن حجر يفتيك بعد ابن عكيم بوجوب الإسرار عند خوف المفسدة. بل وإن عمر رضي الله عنه قد أسرع هو نفسه قبل غيره إلى الامتناع عن بحث الأمور العامة أمام الجمهور الواسع الذي قد يضم المغرضين والسذج، واقتصر على إسماع من يظن فيه الفقه والنبل فحسب، وذلك حين أراد أن يقوم في مكة أيام موسم الحج خطيبا ليفند لغطا لغط به بعض الجهال حول بيعة أبي بكر رضي الله عنه وأحداث يوم السقيفة، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. (يا أمير المؤمنين: لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنًا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على موضعها. فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة) رواه البخاري. فها قد تضافر لدليلنا من جديد: رأي ابن عوف، وفعل عمر، رضي الله عنهما. وهكذا الداعية: لا يضع كلامه إلا عند من هو أهل لوعيه، وليعتبر بما رأينا في الفتن، فإنها تكون أول ما تكون خفيفة، ثم يتلقف أصحاب شهوة الرياسة نقد الثقات، ويزيدون فيه عشرة أمثاله، فيكون هدمًا. إن الداعية الفطن الكيس إن كان عنده قول يرى أن لا بد من قوله لغير قادته فإنما يقوله لأهل الفقه من الدعاة وأشرافهم الذين تأدبوا بآداب السنة طويلا، ويسارر به، لا يوزعه هاهنا وهاهنا. والمخلص بنصيحته يتحمل مشاق التنقل أو السفر ليضع نصيحته في موضعها ، وله أسورة بالصحابي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ففي مسند أحمد بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه أو شهده أو سمعه . وورد في الإصابة في حياة الصحابة قال أبو سعيد : فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه . هذا هو فقه النصيحة كما يفهمه الأكابر الأعلام الهداة؛ لا كما نراه من واقعها المشوه .
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |