|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مظاهر التكريم الإلهي للإنسان 1 ـ استخلافه في الأرض: لقد أعلنَ الإسلامُ كرامةَ الإنسان، فاعتبره خليفةَ الله في الأرض، وهي منزلة اشرأبَّت إليها أعناقُ الملائكة، وتشوَّفت إليها أنفسهم، فلم يُعْطَوها، ومنحها الله للإنسان: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ(32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33) ]. {البقرة}.. لقد كرَّم الله تعالى الإنسان بالخلافة في الأرض، وهيَّأه لها بالعقل والعلم الذي تفوَّق به على الملائكة. ب ـ خلقه في أحسن تقويم: وأعلن الإسلام كذلك أنَّ الله كرَّم الإنسان بالصورة الحسنة وبالخلقة الحسنة، كما قال تعالى: [لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ] {التِّين:4}. [وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ] {التغابن:3}. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يُكرِّر هذا الدعاء في سجوده: (سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره، وشقَّ سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين). جـ ـ تمييزه بالعنصر الروحي: وفوق ذلك كله كرمه بالروح العلوي الذي أودعه الله بين جنبيه، فهو قبس من نور الله، ونفخة من روح الله، استحقَّ به أن تنحني له الملائكة إجلالاً وإكباراً لمقدمه بأمر الله، كما قال تعالى لملائكته: [إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] {ص:72}. وهذه النفخة الروحيَّة الإلهيَّة ليست خاصَّة بآدم أبي البشر، كما قد يتوهَّم بعض الناس، فإنَّ بنيه ونسله جميعاً قد نالهم حظ منها، كما قال تعالى بعد أن ذكر خلق آدم: [ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ] {السجدة:9}. فلم يكن هذا التكريم والاحتفال لشخص آدم عليه السلام، وإنما كان تكريماً للنوع الإنساني في شخصه، فإنَّ الله ميَّزهم بما ميَّزه من مواهب العقل والعلم والروح واستخلفهم كما استخلفه في الأرض، ولهذا أعلن القرآن كرامة البشر كافّة حين قال: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] {الإسراء:70}. وهذا كله يثبت أنَّ الإنسان نوع مُتفرِّد مُتميز عن سائر الحيوانات، فإنها ـ وإن شابهته في عناصر تكوينها الطيني ـ تخالفه ويخالفها في التكوين المعنوي، إذ لم يكرمها الله بما كرَّمه من الروح والعقل؛ لأنها لم تُكلَّف ما كلَّفه من عمارة الأرض وخلافة الله فيها. فهي مجرد أداة له في مهمته، ليسخرها في حاجته، ولا ريب أن إيحاء هذا المعنى في نفس الإنسان، غير إيحاء الذين ينظرون إليه على أنه ليس إلا حيواناً (تطوَّر) وترقى حتى صار إلى ما هو عليه الآن. د ـ الكون مُسخَّر لخدمة الإنسان: وكان من تكريم الله للإنسان ـ في نظر الإسلام ـ أنه جعل الكون كله في خدمته، وسَخَّر لمنفعته العوالم كلها: السماء والأرض، الشمس والقمر والنجوم، والليل والنهار، الماء واليابس، البحار والأنهار، والنبات والحيوان والجماد، كلها مُسخَّرة لمصلحة الإنسان وسعادة الإنسان، كرامة من الله له، ونعمة منه عليه. يقول تعالى مخاطباً بني الإنسان: [اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ(32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ(34) ]. {إبراهيم}.. [اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ لِتَجْرِيَ الفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(13) ]. {الجاثية}. [أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ] {لقمان:20} . وتسخير الكون للإنسان يتضمَّن مَعْنيين كبيرين: أولهما: أنَّ الطاقات الكونيَّة كلها مُهيَّأة ومبذولة للإنسان، فعليه أن يبذل جُهده ويُعْمِلَ فِكْرَه في فتح مغاليقها، واكتشاف مخبوئها، ليستخدمها فيما يعود عليه بالخير والسعادة. والثاني: أنَّ الإنسان هو واسطة العقد في هذا العالم، فلا يجوز أن يؤله شيئاً فيه أو يتعبَّد له، رغباً أو رهباً، والذين عبدوا بعض مَظَاهر الطبيعة أو القوى الكونية في العالم العلوي أو السفلي، قلبوا الحقائق وحولوا الإنسان من سيد سُخِّرَ له الكون إلى عبدٍ ذليل، يسجدُ لنجم أو شجرة أو بقرة أو حجر من الأحجار!. هـ ـ حماية الإنسان: أكَّد الإسلام حرمةَ العِرْض والكرامة للإنسان، مع حرمة الدماء والأموال، حتى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أعلن ذلك في حجة الوداع أمام الجموع المحتشدة في البلد الحرام، والشهر الحرام، واليوم الحرام: (إنَّ اللهَ حرَّم عليكم دماءَكم وأعراضكم وأموالكم) رواه مسلم. فلا يجوز أن يؤذى إنسان في حضرته ولا أن يهان في غيبته، سواء أكان هذا الإيذاء للجسم بالفعل أم للنفس بالقول، فربما كان جرح القلب بالكلام أشد من جرح الأبدان بالسياط أو السنان. ومن ثَمَّ حرَّم الإسلام أشدَّ التحريم أن يُضرب إنسان بغير حق، وأن يجلد ظهره بغير حد، وأنذر باللعنة من ضرب إنساناً ظُلماً، ومن شهده يُضرب ولم يدفع عنه، وبهذا حمى بدن الإنسان من الإيذاء. وحرَّم الإسلام الهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسخرية والغيبة وسوء الظن بالناس، وأنزل الله في ذلك آيات تتلى في سورة الحجرات وبذلك حمى نفس الإنسان من الإهانة. ولم يَكتفِ الإسلامُ بحماية الإنسان في حالة حياته، فكفل له الاحترام بعد مماته، ومن هنا جاء الأمر بغسله وتكفينه ودفنه، والنهي عن كسر عظمه أو الاعتداء على جُثَّته خلافاً للأمم التي تحرق جثثَ موتاهم. وفي هذا جاء الحديث النبوي: (كسر عظم الميت ككسره حياً) رواه أحمد. قال ابن حجر في الفتح: (يستفاد منه: أنَّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته. وكما حمى جسمه بعد الموت حمى عرضه وسمعته أيضاً، لئلا تلوكها الأفواه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تذكروا موتاكم إلا بخير) رواه أبو داود الطيالسي. تميز (الإنسانية) في الإسلام: لا ريب أنَّ هناك أدياناً ونحلاً ومذاهب وفلسفات تهتمُّ بالإنسان، وتحرص على سعادته، وقد تعلن وتفاخر بأنها (إنسانية). ولكن العيب المشترك في هذه الديانات والمذاهب أنَّها لم تعرف الإنسان معرفةً محيطة به، و إنما نظرت إليه من زاوية مُعينة، أو من جانب خاص، غافلة عن الجوانب الأخرى، برغم أهميتها في وجوده، فجارت على الإنسان باسم الإنسان. إنَّ بعض الأديان والفلسفات نظرت إلى الجانب الروحي في الإنسان غير عابئة بجانبه العقلي، وجانبه الحسي والمادي، بل ربما دعت إلى تعذيب الجسم في سبيل سعادة الروح. وبعض المذاهب والفلسفات لم تنظر إلا إلى الجانب المادي في الإنسان ولم تُبالِ بغيره، ولم تعترفْ به، فالإنسان كائنٌ اقتصادي، أو حيوان مُنتج لا أكثر. وبعض المذاهب والفلسفات (ألَّهت) الإنسان، واعتبرته كائناً مُستقلاً (يقوم وحده) مُستغنياً عن الله فأساءت إلى الإنسان من حيث أرادت الإحسان إليه وجعلته: نباتاً شيطانياً، خرج إلى الوجود من غير زارع، ولغير هدف إلا أن ييبس ويصبح هَشيماً تذروه الرياح، أو تأكله النار. وبعض المذاهب ـ كالرأسمالية ـ تُدَلِّل الإنسان الفرد، وتطلق له العنان، حتى يتحطَّم في النهاية ـ باسم الحرية ـ دون أن يجعل للمجتمع حقاً في مُراقبته ومحاسبته وتقويمه، من أجل مصلحته هو في النهاية، ومصلحة المجتمع من ورائه. وبعض آخر ـ كالشيوعية ـ يضغط على الإنسان الفرد، ويُكَبِّله بقيود شتى، ويحرمه من كثير من الحريَّات، وكثير من الحقوق الطبيعية ـ باسم المجتمع ـ حتى يكادُ يسحقه سحقاً. أما الإسلام، فقد تميَّز عن هذه الأديان والفلسفات بنظرته الشاملة المحيطة لماهيَّة الإنسان، والنفاذ إلى أغوار طبيعته، والاعتراف بكل جوانبه وخصائصه، دون ميلٍ أو شطط، أو إهمال لناحية لحساب أخرى. بين إنسان المسيحية وإنسان الإسلام: إنَّ الأديان السماوية كلها قد جاءت لتحرير الإنسان وإسعاده والسمو به، ولكن أصابها الغلو أو التحريف والتزييف، بما بدَّل جوهرها، وأخرجها عن رسالتها، ونظراً لأنها كانت رسالات مرحلية موقوتة لم يكتب الله لها الخلود، ولم يتكفَّل بحفظها، كما تكفَّل بحفظ القرآن، بل استحفظها أهلها فضيَّعوا وبدَّلوا. وأبرز مثل لذلك المسيحية التي جاءت لإنقاذ الإنسان من سيطرة العقلية اليهودية في ماديَّتِها وشكليَّتها وعنصريتها، فلم تلبث أن حُرِّفت بالحذف والزيادة حتى أصبحت ـ في القرون الوسطى ـ غِلّا في عنق الإنسان، وقيداً في رجله. اعتبرت الإيمان ضداً للعقل، فكان شعارها: اعتقد وأنت أعمى!. واعتبرت الجسم عدواً للروح، فأهملت الأجسام إبقاءً على الأرواح، واعتبرت العمل للحياة مُنافياً للتعبِّد لله، فابتدعت نظام الرهبنة، والانقطاع عن الحياة. واعتبرت الإنسان مُلوَّثاً بالخطيئة من يوم يولد؛ لأنَّها لازمة لوجوده! ورثها من أبيه الأول. وحجرت على الإنسان أن يتَّصل بربه إلا بوساطة كاهن بيده مفاتيح الجنة، وملكوت السماء. هـ ـ إلغاء الوساطة الكهنوتية بين الله تعالى والإنسان: ذلكم هو إنسان المسيحية في صورتها التاريخية المعروفة، أما إنسان الإسلام، فهو شيء آخر. لقد كان من دلائلِ تكريمِ الله للإنسان في نظر الإسلام: أن فتح له باب التقرُّب إليه سبحانه وتعالى أنى شاء، ومتى شاء، ولم يحوجه إلى وسطاء يتحكمون في ضميره ويقفون حجاباً بينه وبين ربه! يقول الله تعالى مخاطباً: [قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا] {الإسراء:95}، ويقول في آية أخرى: [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] {غافر:60}. [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] {البقرة:152}. ويعلنُ الحديث القدسي أنَّ من تقرَّب إلى الله شبراً تقرَّب الله إليه ذراعاً، ومن تقرَّب إلى الله ذراعاً تقرَّب الله إليه باعاً) رواه البخاري. لا حاجةَ بالإنسان إذن إلى وساطة كاهن، يصل عن طريقة إلى الله ـ ولا يقبل الله منه عبادة بغير توسطه، فليس في الإسلام كاهن ولا كهنوت. وبهذا يستطيع الإنسان المسلم أن يقرع باب ربه متى شاء، وأين شاء، بعيداً عن سيطرة طبقة الدجاجلة المدعين للسمسرة بين الله وعباده. وليس هذا لخاصة الأتقياء والصالحين، دون العصاة والمذنبين كلا، فإنَّ باب الله مفتوحٌ على مِصْراعيه لكل من دعاه ورجاه، ووقف على عتبته ضارعاً مُستغفراً، وإن اقترف قبل ذلك كبائر الإثم وفواحش الذنوب، يقول تعالى: [وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {آل عمران:135}. وفي الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم) رواه مسلم، وفي القرآن الكريم: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الزُّمر:53}. و ـ الاعتراف بالكيان الإنساني كله: وكان من تكريم الإسلام للإنسان أن اعترف به كله كما فطره الله، جسمه وروحه، وعقله وقلبه، إرادته ووجدانه، فلم يغفل حقَّ جانب من هذه الجوانب لحساب آخر: 1 ـ ولهذا أمره بالسعي في الأرض والمشي في مناكبها، والأكل وفاءً بحظ جسمه. 2 ـ وأمره بعبادة الله وحدَه، والتقرُّب إليه بأنواع الطاعات، من صلاة وصيام وصدقة وزكاة، وحج وعمرة، وذكر ودعاء، و إنابة وتوكل، وخوف ورجاء، وبر وإحسان، وجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من ألوان العبادة الظاهرة والباطنة ـ وفاءً بحق الروح... 3 ـ وأمره بالنظر والتفكر في ملكوت السموات و الأرض وما خلق الله من شيء، وفي مصاير الأمم، وسنن الله في المجتمعات، كما أمره بطلب العلم، والتماس الحكمة من أي وعاء خرجت منه، وأنكر عليه الجمود والتقليد، للآباء والكبراء، كل ذلك وفاءً بحق العقل. 4 ـ ولفته إلى جمال الكون بأرضه وسمائه ونباته وحيوانه، وما زانه الله به من مظاهر الحسن والبهجة ليشبع حاسَّة الجمال في نفسه، ويشعر في أعماقه، بعظمة ربِّه الذي أحسنَ كلَّ شيء خَلَقه، كما أنَّه أباحَ له التمتع بألوان من اللهو وترويح النفس، دفعاً للسآمة عنها، فإنَّها تملُّ كما تملُّ الأبدان، و تتعب كما تتعب، وفي هذا رعاية لجانب الوجدان والعاطفة. ز ـ تحرير الإنسان من اعتقاد وراثة الخطيئة الأولى: ومن كرامة الإنسان في الإسلام: أنَّه أزال عنه وصمة التلوث بالخطيئة، التي يولد عليها كل إنسان، كما هي دعوى المسيحية، التي زعمت أن خطيئة آدم ـ بالأكل من الشجرة المحرمة ـ ورثت لبنيه ذكوراً وإناثاً، فلا يولد مولود إلا وفي عنقه هذه الخطيئة ولا ينجو إنسان من إثمها وتبعتها إلا بكفارة وفداء، ولم يتحقق هذا الفداء إلا بصلب المسيح فيما زعموا ـ ومن ثم كانت حتمية الإيمان بالمسيح فادياً مخلصاً!. أما الإسلام فقد ألغى هذا كله، وأعلن أن: (كل مولود يولد على الفطرة) رواه البخاري، غير ملوث بخطيئة، أو مثقل بذنب. كما قرَّر الإسلام بوضوح وحسم مسؤولية الإنسان عن نفسه، فلا يجوز في منطق العدل الإلهي أن يحمل الابن وزرَ أبيه، أو الحفيد وزر جده: [وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] {الأنعام:164} ، على أنَّ معصية آدم نفسها، قد غسلتها التوبة، وانتهى أمره بالاجتباء والهداية من ربِّه، كما قال تعالى:[ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى] {طه:122}. يقول الدكتور نظمي لوقا، المسيحي المصري في كتابه: (محمد الرسالة والرسول): (إنْ أنسَ لا أنسَ ما ركبني صغيراً من الفزع والهول من جراء تلك الخطيئة الأولى وما سيقت فيه من سياق مُرَوِّع، يَقترن بوصف جهنم، ذلك الوصف المخيف لمخيلة الأطفال وكيف تجدد فيها الجلود كلما أكلتها النيران، جزاء وفاقاً على خطيئة آدم بإيعاز من حواء، وأنه لولا النجاة على يد المسيح الذي فدى البشر بدمه الطهور! لكان مَصيرُ البشرية كلها الهلاك المبين!. (وإن أنسَ لا أنسَ القلب الذي ساورني وشغل خاطري عن ملايين البشر قبل المسيح أين هم؟ وما ذنبهم حتى يهلكوا بغير فرصة للنجاة)؟!.. (والحق أنَّه لا يُمكن أن يقدر قيمة عقيدة خالية من أعباء الخطيئة الأولى الموروثة، إلا من نشأ في ظلِّ تلك الفكرة القاتمة، التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثم كل أفعال المرء، فيمضي في حياته مضي المريب المتردد، ولا يقبل عليها إقبال الواثق، بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث!). (إنَّ تلك الفكرة القاسية تسمم يَنَابيع الحياة كلها، ورفعها عن كاهل الإنسان منَّة عُظمى، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه، بل هو ولادة جديدة حقاً، وردُّ اعتبارٍ لا شكَّ فيه، إنَّه تمزيق صحيفة السوابق، ووضع زمام كل إنسان بيد نفسه). وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. المصدر: مجلة الوعي الإسلامي العدد 130 شوال 1395. منقول
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |