|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بيان خطر الشرك السيد مراد سلامة الحمد لله الذي تفرَّد بجلال ملكوته، وتوحَّد بجمال جبروته، وتعزَّز بعلو أحديَّته، وتقدَّس بسمو صمديَّته، وتكبَّر في ذاته عن مضارعة كل نظير، وتنزَّه في صفائه عن كل تناهٍ وقصور، له الصفات المختصة بحقه، والآيات الناطقة بأنه غيرُ مُشبَّه بخلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، شهادة موقن بتوحيده، مستجير بحسن تأييده، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه. هذا النبي محمدٌ خيرُ الورى ونبيُّهم وبه تَشرَّف آدمُ وله البها وله الحياءُ بوجهه كلُّ الغنى مِن نوره يتقسَّمُ يا فوزَ مَن صلَّى عليه فإنه في جنة المأوى غدًا يتنعَّمُ صلى عليه الله جلَّ جلالُه ما راح حادٍ باسمه يترنَّمُ فيا أحباب الحبيب المحبوب، حبيب علام الغيوب - صلى الله عليه وسلم - نقف في هذا اليوم الطيب المبارك مع بيان خطر الشرك بالله تعالى، بعدما تعرفنا في اللقاء السابق عن فضل التوحيد، وبيان ما دلَّهم على الرحمن، فأعيروني القلوب والأسماع. اعلم أخي - جنَّبك الله الفتن - أن الشركَ بالله أقبحُ الذنوب وأكبرها على الإطلاق، لا يغفره الله لمن مات عليه، بل هو خالدٌ مخلدٌ في النار؛ لِعظم جُرمه في حق الله الكبير المتعال؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾[لقمان: 13]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾[النساء: 48]؛ أما بعد: فاعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الشرك بالله جل جلاله من أعظم الذنوب التي لا يغفرها علامُ الغيوب، وهو نوعان: النوع الأول: الشرك الأكبر، وهو أن يجعل لله ندًّا، ويعبُد غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمرٍ، أو نبي أو شيخ، أو نجم أو ملك، أو غير ذلك. النوع الثاني: الشرك الأصغر، وهو أن يريد بعمله غير الله، كمن يصلي أو يصوم لكي يحمَده الناس. أضرار وعقوبات الشرك بالله تعالى: الضلال في الدنيا والآخرة؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا ﴾[النساء: 116]. • الآية ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا ﴾؛ أي: عن الحق، فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى ﴿ فَقَدِ افْتَرَى ﴾ [النساء: 48]؛ لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شِركهم كان نوع افتراءٍ، وهو دعوى التبني على الله تعالى بقولهم: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18]؛ قاله القاضي. وفي (السمين): خُتمت الآية المتقدمة بقوله: ﴿ فَقَدِ افْتَرى ﴾، وهذه بقوله: ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ﴾؛ لأن الأولى في شأن أهل الكتاب، وهم عندهم علم بصحة نبوته، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، ومع ذلك فقد كابروا في ذلك وافتروا على الله، وهذه في شأن قوم مشركين ليس لهم كتاب ولا عندهم علمٌ، فناسَب وصفهم بالضلال، وأيضًا قد تقدم هنا ذكر الهدى وهو ضد الضلال؛ انتهى[1]. الشرك الأكبر لا يغفره الله إذا مات صاحبه قبل التوبة؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]. يقول القاسمي - رحمه الله -: عقيدة أهل السنة أن الشرك غير مغفور البتة، وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يَغفره له، هذا مع عدم التوبة، وأما مع التوبة فكلاهما مغفور، والآية إنما وردت فيمن لم يتُب، ولم يُذكر فيها توبة كما ترى، فلذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بالمشيئة، كما ترى، فهذا وجهُ انطباق الآية على عقيدة أهل السنة، وأما القدرية فإنهم يظنون التسوية بين الشرك وبين ما دونه من الكبائر، في أن كل واحد من النوعين لا يُغفر بدون التوبة، ولا شاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين، فإذا عرض الزمخشري هذا المعتقد على هذه الآية ردَّته ونبَت عنه؛ إذ المغفرة منفية فيها عن الشرك وثابتة لما دونه مقرونة بالمشيئة، فأما أن يكون المراد فيهما مَن لَم يتُب، فلا وجه للتفصيل بينهما بتعليق المغفرة في أحدهما بالمشيئة، وتعليقها بالآخر مطلقًا؛ إذ هما سيَّان في استحالة المغفرة، وأما أن يكون المراد فيهما التائب، فقد قال في الشرك: إنَّه لا يغفر، والتائب من الشرك مغفور له، وعند ذلك أخذ الزمخشري يقطع أحدهما عن الآخر، فيجعل المراد مع الشرك عدمَ التوبة ومع الكبائر التوبة، حتى تنزل الآية على وَفق معتقده، فيحمِّلها أمرين لا تحمل واحدًا منهما: أحدهما: إضافة التوبة إلى المشيئة وهي غير مذكورة، ولا دليل عليها فيما ذكر، وأيضًا لو كانت مرادة لكانت هي السبب الموجب للمغفرة على زعمهم عقلًا، ولا يمكن تعلق المشيئة بخلافها على ظنِّهم في العقل، فكيف يليق السكوت عن ذكر ما هو العمدة والموجب، وذكر ما لا مَدخل له على هذا المعتقد الرديء؟ الثاني: أنه بعد تقريره التوبة احتكم فقدَّرها على أحد القسمين دون الآخر، وما هذا إلا من جعل القرآن تبعًا للرأي، نعوذ بالله من ذلك. وأما القدرية فهم بهذا المعتقد يقع عليه بهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع)؛ لأن الله تعالى يصرِّح بكرمه بالمغفرة للمصرِّ على الكبائر إن شاء، وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناءً على قاعدة الأصلح والصلاح التي هي بالفساد أجدر وأحق؛ انتهى. عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وديوان لا يترك الله منه شيئًا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله، فالشرك بالله؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، وقال: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 72]. وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئًا، فظلم العبد نفسَه فيما بينه وبين ربه؛ من صوم يومٍ تركَه، أو صلاة تركها، فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئًا، فظلم العباد بعضهم بعضًا، القصاص لا محالة»؛ رواه الإمام أحمد، وقد تفرَّد به[2]. الشرك الأكبر يُحبط جميع الأعمال؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَلَو أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]. وقوله: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [الزمر: 65]؛ يقول تعالى ذكره: ولقد أوحى إليك يا محمد ربك، وإلى الذين من قبلك من الرسل، ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَْ ﴾؛ يقول: لئن أشركت بالله شيئًا يا محمد، ليبطلنَّ عملك، ولا تنال به ثوابًا، ولا تدرك جزاءً إلا جزاء مَن أشرك بالله، وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، ومعنى الكلام: ولقد أُوحي إليك لئن أشركت ليحبطنَّ عملُك، ولتكوننَّ من الخاسرين، وإلى الذين من قبلك، بمعنى: وإلى الذين من قبلك من الرسل من ذلك، مثل الذي أُوحي إليك منه، فاحذَر أن تشرك بالله شيئًا فتَهلك. ومعنى قوله: ﴿ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾، ولتكونن من الهالكين بالإشراك بالله إن أشركت به شيئًا[3]. الشرك الأكبر يوجب الله لصاحبه النار ويُحرم عليه الجنة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار"[4]. وقد قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾[المائدة: 72]. الشرك الأكبر يُخلد صاحبه في النار، قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6]. الشرك أعظم الظلم والافتراء، قال الله سبحانه وتعالى يحكي قول لقمان لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. يقول العلامة ابن عاشور - رحمه الله -: وجملة: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾؛ تعليل للنهي عنه وتهويل لأمره، فإنه ظلمٌ لحقوق الخالق، وظلم المرء لنفسه؛ إذ يضع نفسه في حضيض العبودية لأخس الجمادات، وظلم لأهل الإيمان الحق؛ إذ يبعث على اضطهادهم وأذاهم، وظلم لحقائق الأشياء بقلبها وإفساد تعلُّقها، وهذا من جملة كلام لقمان كما هو ظاهر السياق، ودل عليه الحديث في «صحيح مسلم» عن عبد الله بن مسعود قال: لَما نزلت ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]، شَقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّنا لا يَظلِم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [5]. وقال سبحانه: ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]. الله تعالى بريء من المشركين ورسولُهُ صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: ﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]. الشرك يطفئ نور الفطرة؛ لأن الله عز وجل فطر الناس على توحيده وطاعته؛ قال سبحانه: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يُمجِّسانه)[6]، وفي الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تعالى: (إني خلقت عبادي حنفاءَ كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتْهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتُهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا)[7]. الشرك الأكبر يبيح الدم والمال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)[8]. [1] محاسن التأويل 3/ 341]. [2] محاسن التأويل 3/ 19. [3] تفسير الطبري، ط الرسالة، ت أحمد شاكر 21/ 323. [4] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار، 1/ 94، برقم 93. [5] التحرير والتنوير 21/ 155]. [6] متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، 2/ 119، برقم 1358، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، 4/ 2047، برقم 2658. [7] مسلم، كتاب الجنة، باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار، 1/ 2197، برقم 2865. [8] متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [التوبة: 5]، 1/ 14، برقم 25، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، 1/ 53، برقم 20.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |