|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سُورَةُ الشَّمْسِ يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف سُورَةُ الشَّمْسِ: مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ[1]، وَآيُها خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً. المَقَاصِدُ العَامَّةُ للِسُّورَةِ: حَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ[2]: • الْقَسَمُ بِأَشْياءَ مُعَظَّمَةٍ مِمَّا هُوَ دَليلٌ عَلى بَديعِ صُنْعِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ. • تَهْديدُ الْمُشْركينَ بِأَنْ يُصيبَهُمُ الْعَذَابُ؛ لِإِشْرَاكِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍصلى الله عليه وسلم كَمَا أَصابَ قَوْمَ ثَمُودَ. شَرْحُ الْآيَاتِ: قَوْلُهُ: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِالشَّمْسِ، وَأَقْسَمَ بِالضُّحَى الَّذِي هُوَ مِنْ طُلوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفاعِهَا إِلَى الزَّوالِ[3]، وَاللهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَذا الْمَخْلُوقِ الْعَظيمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى مُضِيئًا لِلْكَوْنِ، فَيَسْتَفيدُ مِنْ ضَوْئِهَا وَحَرِّهَا، وَمِنْ شُروقِهَا. قَوْلُهُ: ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا ﴾، أَيْ: إِذا تَبِعَ الْقَمَرُ الشَّمْسَ في طُلَوعِهِ وَمَغيبِهِ[4]. قَوْلُهُ: ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ﴾،أَيْ: إِذَا جَلَّى النَّهَارُ الظُّلْمَةَ وَكَشَفَهَا وَأَزالَهَا[5]. قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾،أَيْ: إِذا غَطَّى اللَّيْلُ الشَّمْسَ فَأَخْفَاهَا وَسَتَرَهَا[6]. قَوْلُهُ: ﴿ وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا ﴾، أَيْ: وَبِنَائِهَا الْمُحْكَمِ، وَسَقْفِهَا الْمَرْفُوعِ[7]، وَقِيلَ: (مَا) هُنَا مَوْصُولَةٌ، أَيْ: وَأَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالَّذِي بَنَاهَا وَهُوَ اللهُ تَعَالَى[8]. قَوْلُهُ: ﴿ وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾، أَيْ: بَسَطَهَا[9] وَمهَّدَهَا وَفَرَشَهَا لِمَصَالِحِ الْعِبادِ وَمَنافِعِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُون ﴾ [سورة الذاريات:48]. قَوْلُهُ: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾، أَيْ:أَحْسَنَ خَلْقَهَا[10]. قَوْلُهُ: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾،أَيْ: فَبَيَّنَ لَهَا طَريقَ الْخَيْرِ وَطَريقَ الشَّرِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن﴾[11]. قَوْلُهُ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾، هَذَا هُوَ جَوَابُ القَسَمِ، وَالتَقْدِيرُ: (لَقَدْ أفْلَحَ) بِمَطْلوبِهِ[12]، ﴿ مَن زَكَّاهَا ﴾،أَيْ: زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللهِ وَأَصْلَحَها، وَطَهَّرَهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي[13]. قَوْلُهُ: ﴿ وَقَدْ خَابَ ﴾، أَيْ: خَسِرَ في الدُّنْيَا وَالْآخرَةِ، ﴿ مَن دَسَّاهَا ﴾،أَيْ: مَنْ أَخْفَى نَفْسَهُ بِالْمَعْاصِي؛ لأنَّ (دَسَّاهَا) أَصْلُهُ: دَسَّسَهَا؛ مِنَ التَّدْسِيْسِ، وَهُوَ إِخْفَاءُ الشَّيْءِ[14]. قَوْلُهُ: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴾، أي: كَذَبَتْ رَسُولَهَا صَالِحًا عليه السلام ، ﴿ بِطَغْوَاهَا ﴾، أي:بِسَبَبِ طُغْيَانِهَا[15]. قَوْلُهُ: ﴿ إِذِ انبَعَثَ ﴾،أي: أَسْرَعَ لِعَقْرِ النَّاقَةِ[16]، ﴿ أَشْقَاهَا ﴾،أي: أَشْقَى الْقَوْمِ، وَاسْمُهُ قَدَّارُ بْنُ سَالِفٍ؛ حيثُ أَسْرَعَ إِلَىْ عَقْرِ النَّاقَةِ[17]، كَمَا في حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ، فَذَكَرَ النَّاقَةَ، وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ: ﴿ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾، انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ»[18]، وَكانَ عَقَرَهَا بِرِضَاهُمْ -وَالعِياذُ بِاللهِ-. قَوْلُهُ: ﴿ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ ﴾، أَيْ: ذَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ، وَاحْذَرُوا عَقْرَهَا[19]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَاقَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيب * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب ﴾ [سورة هود:64-65]، وَأَضافَهَا اللهُ إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةَ تَشْريفٍ[20]. ﴿ وَسُقْيَاهَا ﴾،أَيْ: وَذَرُوا شُرْبَهَا مِنَ الْمَاءِ يَوْمَ وِرْدِهَا[21]، كمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُوم * وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيم ﴾ [سورة الشعراء:155-156]، وَالْمَعْنَى: اقْتَصِرُوا عَلى شُرْبِكُمْ، وَلَا تُزاحِمُوْهَا فِيْ شُرْبِها[22]. قَوْلُهُ: ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾، فِيمَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ مِنْ حُلُولِ الْعَذابِ إِنْ فَعَلُوا[23]، ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾،أَيْ: قَتَلُوا النَّاقَةَ. قَوْلُهُ: ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ ﴾، أيْ: فَأطْبَقَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ بِسَبَبِ ذَنْبِهِمْ[24]،،﴿ فَسَوَّاهَا ﴾أَيْ: عَمَّهُمْ بِالْعُقوبَةِ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ[25]، كمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيز * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِين * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُود ﴾ [سورة هود:66-68]. قَوْلُهُ: ﴿ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾،أَيْ: عاقِبَةَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعِقابِ وَتَبِعَتِهِ[26]. بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ: ذِكْرُ بَعْضِ دَلالَاتِ قَسَمِ اللهِ بِمَخْلُوقَاتِهِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ [سورة الشمس: 1-6]: أَقْسامٌ كَثيرَةٌ عَظيمَةٌ، وَفي ذَلِكَ بَعْضُ الدَّلالَاتِ، مِنْهَا: أولًا: أَنَّه اللهَ لَمَّا أَقْسَمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِبَعْضِ الْمَظاهِرِ الْكَوْنِيَّةِ الدَّالَةِ عَلَى عَظَمَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ، وَبَديعِ خَلْقِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلى اسْتِحْقاقِهِ لِلْعِبادَةِ وَحْدَهُ لَا شَريكَ لَهُ. ثانيًا: أَنَّ إِقْسَامَ اللهِ بِبَعْضِ مَخْلوقَاتِهِ الْعَظيمَةِ -كالشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهارِ- يَكُوْنُ تَشْريفًا لَهَا وَتَكْريمًا، وَتَنْبيهًا عَلَى عَظَمَتِهَا، وَبَديعِ صُنْعِ اللهِ فِيهَا، وَعَظَمَةُ الْمَخْلوقِ دَالَّةٌ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ. ثالثًا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظيمَةِ، وَلَهُ تعَالَى أنْ يُقْسِمَ بِما شَاءَ مِنْ مَخْلُوقاتِهِ. عِنَايَةُ الشَّرِيعَةِ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [سورة الشمس:7-10]: الْإِقْسَامُ بِالنَّفْسِ، وَفي الْقَسَمِ بِهَا التَّنْبيهُ إلَى أَهَمِّيَّةِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَالْحِرْصِ الدَّائِمِ عَلى تَزْكِيَتِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِأَحَدَ عَشَرَ قَسَم -وَهُوَ أَطْوَلُ قَسَمٍ في الْقُرْآنِ- عَلَى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴾ [سورة الأعلى:14]، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي جَزاءِ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ﴾ [سورة طه:76]. فَتَزْكيَةُ النَّفْسِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ لِلتَّزْكِيَّةِ هو: تَزْكِيَةُ النَّفْسِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ[27]، ويَدْخُلُ فِيهِ: تَحْقيقُ شَهادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وَلَا شَكَّ في أَنَّ أَصْلَهَا وَاجِبٌ، بَلْ لَا يَتِمُّ إِسْلامُ الْمَرْءِ إِلَّا بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ دَرَجاتٌ متفاوتة؛ يَتَفَاوَتُ حُكْمُهَا بِحَسَبِ تَفاوُتِ أَحْكامِ مَرَاتِبِ الدِّينِ وَشُعَبِهِ. مِنْ ثِمَارِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ الْفَلَاحُ بكلِّ مَعَانِيْه: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [سورة الشمس:7-10]: أَنَّ مِنْ ثِمَارِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: الْفَلَاحُ بِكُلِّ مَعَانِيْهِ، وَهُوَ تَحْصيلُ الْمَطْلوبِ، وَالنَّجاةُ مِنَ الْمَرْهوبِ[28]. أَهَمِّيَّةُ الْأَمْرِ بَالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ [سورة الشمس:11-15]: بَيَانٌ لِأَهَمِّيَّةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ أَشْقَى قَوْمِ صالِحٍ عَلى قَتْلِ النَّاقَةِ، وَقَوْمُهُ رَاضُونَ عَنْهُ وَعَنْ فِعْلِهِ؛ هَلَكَ وَهَلَكُوا جَمِيعًا، وَلَوْ مَنَعوهُ وَأَمَروهُ بِالْمَعْروفِ وَنَهَوْهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَنَجَا وَنَجَوْا جَمِيعًا؛ وَلِهَذَا نَسَبَ اللهُ تَعَالَى الْعُقْرَ إِلَيْهِمْ جَميعًا؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِهِ فَقَالَ: ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾، مَعَ أَنَّهُ لمْ يَفْعَلْهُ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ[29]. وَلِهَذا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي حَديثِ النُّعْمانِ بْنِ بَشيرٍ رضي الله عنهما: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا»[30]، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَاضِحُ الدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنَّهُ سَبيلُ النَّجَاةِ وَطَريقُ صَلاحِ الْمُجْتَمَعِ، وَهُوَ الْوَسيلَةُ إلى سَلَامَتِهِمْ مِنْ أَسْبابِ الْهَلَاكِ. بيانُ أحوال ما أضافه الله لنفسه؛ مثل: ناقة الله: في قوله تعالى: ﴿ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾ [سورة الشمس:13]: أَضَافَ اللهُ تعالَى النَّاقةَ إليهِ، وذلكَ تَكْرِيمٌ وتشريفٌ لها. ومَا أَضافَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ يَنْقَسِمُ إِلَىْ ثَلَاثَةَ أَقْسامٍ[31]: الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ بِنَفْسِها، فَإِضَافَتُهَا مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَخْلُوقِ إِلى خَالِقِهِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ: قَدْ تَكُونُ عَلَى سَبيلِ الْعُمومِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ﴾ [سورة العنكبوت:56]. وَقَدْ تَكُونُ عَلى سَبِيلِ الخُصُوصِ لِشَرَفِيَّتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾ [سورة الشمس:13]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود ﴾ [سورة الحج:26]، وَهَذَا الْقِسْمُ مَخْلُوقٌ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْعَيْنُ الَّتِي يَقومُ بِها غَيْرُهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾ [سورة النساء:171]، فَإِضافَةُ هَذِهِ الرُّوحِ إِلى اللهِ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَخْلوقِ إِلى خَالِقِهِ؛ تَشْرِيفًا؛ فَهِيَ رُوحٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ، وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنَ اللهِ، إِذْ إِنَّ هَذِهِ الرُّوحَ حَلَّتْ في عِيسَى عليه السلام ، وَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ اللهِ، وَهَذا الْقِسْمُ مَخْلوقٌ أيْضًا. القِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكونَ وَصْفًا مَحْضًا يَكونُ فِيهِ الْمُضافُ صِفَةَ اللهِ، وَهَذا الْقِسْمُ غَيْرُ مَخْلوقٍ؛ لِأَنَّ جَميعَ صِفاتِ اللهِ غَيْرُ مَخْلوقَةٍ، وَمِثالُهُ قُدْرَةُ اللهِ، وَعِزَّةُ اللهِ، وَهُوَ في الْقُرْآنِ كَثيرٌ. مِنْ عِبَرِ مَا أَصَابَ ثَمُودَ مِنَ الْعَذَابِ: فِي قصَّةِ ثَمُوْد وَمَا ذَكَرَ اللهُ مِنَ الْعِقَابِ الذِيْ أصابهُمْ بَعْضُ الْعِبَرِ وْالدُرُوْسِ وَالْعِبَر؛ منها: أولًا: أَنَّ التَّكْذِيبَ سَبَبُهُ الطُّغْيانُ، وَالطُّغْيَانُ إِذَا اتَّصَفَ بِهِ الْإِنْسانُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- لَا يَنْفَعُ مَعَهُ مَوْعِظَةٌ وَلَا تَذْكيرٌ. ثانيًا: أَنَّ إِعْطَاءَ اللهِ تَعَالَى الْآيَاتِ لِلْمُطالِبينَ بِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ بِالضَّرورَةِ الْإِيمَانَ بِهَا، بَلِ الْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِخلَافِ ذَلِكَ -وَالْعِياذُ بِاللهِ-. ثالثًا: أَنَّ آيَةَ صَالِحٍ عليه السلام مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا قَوْمُهُ بِسَبَبِ عِنَادِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ. رابعًا: شُؤْمُ الْكُفْرِ وَالتَّكْذيبِ، وَسُوءُ عَاقِبَةِ أَهْلِهِ. اللهُ تَعَالَى لَا يَخَافُ عَاقِبَةَ مَا يَفْعَلُ: في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾: أَنَّ اللهَ تَعَالَى نَفَى عنْ نَفْسِهِ خَوْفَ عاقِبَةِ مَا فَعَلَهُ مِنْ إِهْلاكِ ثَمُودَ، وَإِطْبَاقِ الْعَذابِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، بِخِلافِ الْمَخْلُوقِ فَإِنَّهُ إِذَا انْتَقَمَ مِنْ عَدُوِّهِ فَإِنَّهُ يَخافُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، إِمَّا مِنَ اللهِ، وَإِمَّا مِنَ الْمُنْتَصِرينَ لِعَدُوِّهِ[32]. [1] ينظر: زاد المسير (4/ 450)، فتح القدير (5/ 545). [2] ينظر: مصاعد النظر بالإشراف على مقاصد السور (3/ 196)، التحرير والتنوير (30/ 366). [3] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 410). [4] ينظر: تفسير البغوي (8/ 435). [5] ينظر: تفسير الطبري (24/ 436)، تفسير الوسيط للواحدي (4/ 494). [6] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 282)، تفسير البيضاوي (5/ 315). [7] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 481). [8] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 332)، تفسير النسفي (3/ 648). [9] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 411). [10] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 283)، تفسير البغوي (8/ 438). [11] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 75)، تفسير ابن كثير (8/ 411). [12] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 76). [13] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 497)، تفسير البغوي (8/ 439). [14] ينظر: تفسير البغوي (8/ 439)، تفسير القرطبي (20/ 77)، تفسير ابن جزي (2/ 487). [15] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 413). [16] ينظر: تفسير البغوي (8/ 440). [17] ينظر: تفسير الطبري (24/ 448)، تفسير ابن كثير (8/ 414). [18] أخرجه البخاري (4942)، ومسلم (2855) واللفظ له. [19] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 316). [20] ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 479)، تفسير السعدي (ص294). [21] ينظر: تفسير البغوي (8/ 440). [22] ينظر: تفسير البيضاوي (4/ 147). [23] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 316). [24] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 333)، تفسير ابن عطية (5/ 489). [25] ينظر: تفسير الطبري (24/ 450)، تفسير البغوي (5/ 261). [26] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 414-415). [27] ينظر: تفسير الطبري (24/ 443)، تفسير القرطبي (20/ 77). [28] ينظر: تفسير القرطبي (1/ 182). [29] ينظر: بيان المعاني (1/ 223). [30] أخرجه البخاري (2493). [31] ينظر: الجواب الصحيح لمن بدل الدين المسيح (2/ 157 وما بعدها). [32] ينظر: تفسير البيضاوي (3/ 649)، الصواعق المرسلة (4/ 1444-1445).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |