تاريخ النقابات المهنية في الحضارة الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 606 - عددالزوار : 66185 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14348 - عددالزوار : 757232 )           »          ركعتا الفجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          فوائد قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شهر الله المحرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الأب السبب والسند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التربية بالموقف نماذج وتعليق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حقوق الوالدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هل تندلع الحرب الكبرى؟ سقوط إيران يمهد لصدام إسرائيلي-تركي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          طبائع اليهود ومكائدهم في الآداب العالمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 21-07-2024, 04:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,900
الدولة : Egypt
افتراضي تاريخ النقابات المهنية في الحضارة الإسلامية

تاريخ النقابات المهنية في الحضارة الإسلامية
مختار خَواجَة


تجربة ذاتية
تأصيل نبوي
مَأسسة أموية
نقلة فنية
تحوّل تاريخي
تنظير قانوني
تأطير رسمي
روابط معرفية
تنوّع لافت
تميّز مؤسسي
تنظيم محكم
مؤهلات صارمة
تقاليد رمزية
انتماء حضاري
أدوار متعددة
صلاحيات محددة
وظائف قضائية
سابقة فريدة
إسهام مجتمعي

تاريخ النقابات المهنية في الحضارة الإسلامية

تاريخ النقابات المهنية في الحضارة الإسلامية : الحقُّ في التنظيم والتسيير الذاتي عرفٌ عربي أقرَّه الإسلام وقوّاه، فالمجتمع الحضاري الإسلامي ليس مجتمع أفراد وفردانية وإنما مجتمع جماعة وتناصر؛ إذْ ينضوي المسلم تحت أطُرٍ ذاتية التدبير من الشبكات الاجتماعية والمعرفية والمهنية التراحمية، جذرُها القديم هو العائلة والقبيلة، وتجلياتها الحضارية لا تنتهي متعديةً العلاقات الرحمية إلى الأخويات والمذاهب والطوائف والطُّرق والحِرَف والتجمعات السياسية والتربوية.

كانت تلك الأوعية الاجتماعية تعمل شبكاتِ دعمٍ وحمايةٍ ووسطاءَ بين المجتمع والسلطة، تختلف مسمياتها من زمن إلى زمن ومن جغرافيا إلى أخرى، ولكن جوهرها واحد. ففي اللحظة التي وطئ فيها النبي ﷺ ترابَ طيبة، بل قُبيلها بأشهر؛ تحركت تلك الفعاليات الاجتماعية إلى أقصى دلالتها، فعرف المجتمع المدني مصطلح “النقيب” العشائري الذي يمثّل التجمع الأهلي أمام النبي ﷺ بوصفه “إمامَ الأمَّة والمنفردَ بالرئاسة الدينية والدنيوية” وفق تعبير الإمام الباجي (ت 474هـ/1081م) في كتابه ‘المنتقَى‘.

ثم كانت -كما سنرى- “نقابة” أهل الصُّفّة الذين هم مجموعة من الصحابة الكرام كانوا فقراء بلا عوائل أو قبائل في مجتمع المدينة، ومع جريان الزمن ظهرت النقابات المناقبية مثل “نقابة الأنصار”، بل إن بعضها كان عبارة عن تنظيمات ثورية سرية كـ”نقابة العباسيين” بصيغتها الأولى، كما عمل بعضها جماعة ضغط سياسية مثل “نقابة العلويين”. وكانت تلك النقابات المجتمعية تقوم إلى جانب ذلك بدور الرعاية والدفاع عن مصالح أعضائها، بالإضافة إلى الدور التفاوضي مع السلطات.

وفي الدولة الأموية؛ ظهرت بدايات النقابات المهنية حين انتقل مصطلح “العريف” (اجتماعيا ورسميا) من حيزه القبلي المحض ليدخل الدوائر ذات التماس بين المجتمع والسلطة، فنطالع حينها مثلا توظيفا طريفا لهذا المصطلح في قطاع كشؤون المساجد وهو “عريف المؤذنين”، وفي ميدان الأدب ظهر فعلا أيامَها كذلك “عريف الشعراء”، كما اقتُرِحت فكرة تأسيس اتحاد لكُتّاب النثر الفني العربي.

ثم تطورت الأوضاع ليأخذ دور “العريف” في هذا العصر وضعه المؤسسي الواضح، والذي سيطبع لاحقا حياة النقابات بمختلف أنواعها على النحو الشامل والمستوعِب الذي يحكيه هذا المقال، مفنِّدا الأطروحات الاستشراقية التي تربط نشأة النقابات المهنية بالحركات السرية الهدّامة.

كان من سمات النقابات والتجمعات الأخوية أنها ذات مرونة حركية ووظيفية؛ فهي عند الحاجة الشخصية وعاءٌ اجتماعي تكافلي، وهي ساعة المظالم السلطوية تجمُّعٌ احتجاجي ثوري، وهي في مواجهة الغزاة كتيبة نضالية جهادية، وفي أوقات المجاعات والأزمات جبهة إسناد وإنقاذ للمجتمع بكل فئاته.

وهي -في جميع الأوقات- معهد تعليمي لأصول وآداب المهنة، ومؤسسة رقابية وقضائية تقوّم سلوك أعضائها وتؤدب المقصِّر منهم، وقد واكبتها في كل ذلك جهود تشريعية فقهية أطّرت الممارسات المهنية بما يحفظ جودتها ومصالح منتجيها ومستهلكيها، كما نظَّرت لمنح التعاضد النقابي مكانة تضاهي التكافل القرابي إن لم تتغلب عليه، وقدم فقهاء الإسلام في ذلك أفكارا كانت سابقة لعصرها فأسست لأول مدونة قانونية نقابية ومهنية.

وإلى جانب ذلك كله؛ فقد أخذت النقابات المهنية على عاتقها مزْج روح التجمع المهني بالنوازع العاطفية والدينية، من خلال إجلال كبراء الصناعة، وتسلُّم منتسبيها أسرار النقابة بـ”السند” المهني و”الإجازة” الحِرفية، في محاكاة ذات دلالة واضحة لتقاليد الجماعات المعرفية في تلقيها “صناعات” العلوم بالأسانيد والإجازات العلمية والشرعية، وهي محاولة لترقية تلك المهن لتكون مجتمعيا في مستوى “شرعية” النقابات العلمية الفقهية والحديثية.

ولأن النقابات المهنية في أغلبها هي تجمعات من أجل المعاش والنفع العام؛ فهي لم تعرف أي تميز على أساس الدين أو الطبقة أو حتى الجنس، بل كان بابها مفتوحا للجميع انتسابا وانتخابا، وظل شرطها مهنيا خالصا يخص الصلاحية والكفاءة فقط، وهو ما يعني أن غير المسلمين كان من الشائع منحهم حق العضوية في النقابات المهنية بل ورئاسة ما كان منها ذا مكانة خطيرة ومرموقة كنقابة الأطباء؛ كما سنرى في هذا المقال الذي يروي قصة النقابات المهنية في الحضارة الإسلامية وأسبقيتها لأبرز التقاليد النقابية السائدة في عصرنا.
تجربة ذاتية

جاء تطور النقابات والجماعات الحرفية في الحضارة الإسلامية ضمن سياق مركّب اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا؛ أما كونها نشأت من تأثيرات رومانية/بيزنطية أو فارسية، أو تأسست بجهود من التنظيمات السياسية الشيعية الإسماعيلية وخاصة القرامطة منها؛ فتلك دعوى ذهب إليها مستشرقون مثل لويس ماسينيون (ت 1382هـ/1962م) وبرنارد لويس (ت 1439هـ/2018م)، مفترضين ارتباط النقابات بالمرتكزات الفكرية والدينية التي تبنتها الحركة القرمطية، وأيضا بالظروف الاقتصادية المضطربة التي وظفتها لتجنيد القوى العاملة، لكنهما لم يقدما أدلة مقنعة تدعم تلك الآراء.

وقد عُرضت وجهات النظر الاستشراقية هذه بوضوح في المقالات التي نشرها الدكتور عبد العزيز الدُّوري (ت 1431هـ/2010م)، سواء تلك التي ترجمها للمستشرق برنارد لويس (أربعة مقالات بعنوان: “النقابات الإسلامية”؛ نُشرت في مجلة “الرسالة” المصرية ضمن أعداد: 355-356-357-362)؛ أو تلك التي كتبها هو ولخص فيها ما سبقه من طرح في هذا المجال (مقالان بعنوان: “الأصناف والحِرف الإسلامية”؛ نُشرا في مجلة “الرسالة” المصرية ضمن العددين: 983-984).

لقد قدّم الدوري -في مقاليْه- استدراكات عامة على تلك المقولات الاستشراقية الإطلاقية، لكنها لم تكن -رغم أهميتها- كافية في تعميق الاشتباك معها وبيان غلبة الادعاءات فيها على البينات، وهو ما سنحاول هنا تقديم مقاربة تاريخية فيه نعتقد أنها تتضمن قيمة مضافة في نقاش هذه القضية الجدلية.

فإذا كانت دعوى ماسينيون -كما ينقل عنه برنارد لويس في مقاله الأول- قائمة على أن “الحركة الإسماعيلية هي التي أوجدت الطوائف (= النقابات) الإسلامية وأعطتها ميزتها الخاصة التي حافظت عليها حتى الآن”؛ فإنه من الجلي أن علاقة بعض الحِرَفيين بالدعوة الإسماعيلية -وخاصة فرعها القرمطي- اتسمت بالفردية ولم تأخذ صيغة جماعية واضحة الملامح تؤهلها لإنشاء كيانات نقابية بالحجم والتعقيد المعروف تاريخيا، لاسيما أن هؤلاء الأفراد كانوا يعيشون في مناطق “السواد” شديدة الهامشية جنوبي من العراق.

ولعل أفضل وسيلة لدحض الفكرة الاستشراقية القائلة بالتأثير الروماني/البيزنطي أو الفارسي والأصل القرمطي أو الإسماعيلي لتعليل نشأة النقابات الحرفية والمهنية في الإسلام؛ هو وضع ظاهرة النقابات المهنية في سياقها التاريخي برصد تمظهراتها المختلفة اجتماعيا ومعرفيا وحِرَفيا، وبيان محطات تطورها المجتمعي وتنقُّلها بين القبيلة والدولة والمجتمع المدني (المعرفي والصناعي).

ذلك أن العودة إلى تطور تاريخ مصطلح “النقيب/النقابة” -وكذا نظائره المختلفة مثل العريف/العِرافة والشيخ والرئيس والمقدَّم- تظهر أن فكرة وجود رؤساء أو مشرفين على تجمعات وفئات مجتمعية -يرعون مصالحها ويسوّون نزاعاتها ويمثلونها أمام الآخرين- فكرة قديمة سبقت وجود تنظيمات الحركة الإسماعيلية الشيعية.

فقد كان معروفا مثلا في لغة العرب أن “النقباء جمع نقيب، وهو كالعريف على القوم المقدَّم عليهم، الذي يتعرّف أخبارَهم وينقِّب عن أحوالهم، أي يفتش” عنها؛ وفقا للإمام اللغوي جمال الدين ابن منظور الأنصاري (ت 711هـ/1311م) في معجمه ‘لسان العرب‘.

وتعود التطبيقات الأولى لهذه الفكرة إلى العهد المكي من تاريخ الإسلام، كما هو معروف في أحداث السيرة النبوية من قصة نقباء “بيعة العقبة” الثانية سنة 13ق.هـ/622هـ، الذين “هم اثنا عشر نقيبا رأْسُهم أسعد بن زرارة (ت 1هـ/622م)..، (فقد) نقَّب النبيُّ ﷺ أسعدَ على النقباء”؛ طبقا للذهبي (ت 748هـ/1347م) في ‘سير أعلام النبلاء‘.
تأصيل نبوي

وفي العهد المدني تلاقينا مظاهر أكثر رسوخا لفكرة النقابة المجتمعية، كما في الحديث النبوي “أن رسول الله ﷺ قال حين أذِنَ له المسلمون في عتق سَبْي هوازن: إني لا أدري مَنْ أذِنَ منكم ممن لم يأذِن؛ فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤُكم أمرَكم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤُهم فرجعوا إلى رسول الله ﷺ فأخبروه أن الناس قد طيَّبوا (= وافقوا) وأذنوا”؛ (صحيح البخاري).

بل إن النبي ﷺ نصّب نفسه نقيبا لأخواله بني النجار الذين هم بطن من الأنصار عندما توفي نقيبهم أسعد بن زُرارة؛ فالإمام الذهبي يروي -في ‘سير أعلام النبلاء‘- أنه “جاءت [إليه] بنو النجار فقالوا: مات نقيبُنا أسعد فنقِّب علينا يا رسول الله! قال: «أنا نقيبكم»”.

وفي هذا الحديث دلالة على أن القبائل كانت ترى وجود النقيب” ركنا أصيلا في كيانها المجتمعي، ولذا وُصف أيضا الصحابي الجليل أبو هريرة (ت 59هـ/670م) بأنه “نقيب أهل الصفة” كفئة مستقلة لأنه كان “عريفهم حين هاجروا”؛ طبقا للإمام النووي (ت 677هـ/1278م) في كتابه ‘تهذيب الأسماء واللغات‘.

وخلال عصر الفتوح، وتحديدا في خلافة عمر الفاروق (ت 23هـ/645م) -رضي الله عنه- نجد ظهورا واضحا للنقباء/العرفاء في تنظيم الدولة، وخاصة المؤسسة العسكرية وتنظيمات جيوش الفتوح في العراق والشام ومصر.

وهو ما تلخصه مادة “عريف” في كتاب ‘موجز دائرة المعارف الإسلامية‘ الاستشراقية الصادرة عن مؤسسة “بريل” الهولندية؛ فتقول إن العريف “مصطلح يطلق على الذين يتولون بعض المناصب المدنية أو العسكرية، على أساس من الكفاءة في الأمور التي تستند إلى العرف، وليس إلى المعرفة بالأمور الدينية التي يتميز بها العالم”.

وأضاف المصدر أنه “كان العريف زمن الراشدين والأمويين يقوم بجمع الضرائب من القبائل ويسلمها إلى ‘المصَّدِّق‘ (= الجابي) الذي يعيِّنه الخليفة..، ومن عهد عمر -وما بعد ذلك- نجد إشارات كثيرة عن وظيفة العريف فيما يتعلق بالتنظيم الحربي للدولة والأمصار..، [فـ]ـجند الكوفة قد قسموا بعد معركة القادسية إلى وحدات (عِرافات) يرأس كل منها «عريف»”.

وفي الدولة الأموية؛ طرأ تحول جديد حين انتقل مصطلح “العريف” (اجتماعيا ورسميا) من حيزه القبلي المحض ليدخل الدوائر ذات التماس بين المجتمع والسلطة، فنطالع مثلا خلال عهد معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ/681م) -رضي الله عنه- توظيفا طريفا لهذا المصطلح في قطاع كشؤون المساجد وهو “عريف المؤذنين”. وبالتالي يأخذ دور “العريف” في هذا العصر وضعه المؤسسي الواضح والذي سيطبع لاحقا حياة النقابات بمختلف أنواعها.

علم الفلك عند المسلمين
مَأسسة أموية

ويتجلى ذلك في كون “معظم التفاصيل عن مهام العريف ترجع إلى عهد معاوية فقط؛ فقد كان كل عريف يختص بعرافة ما، وكان مسؤولا عن توزيع العطاء (= المخصصات المالية) بين أفراده، ومن ثم كان عليه أن يحتفظ بسجل (ديوان) فيه أسماؤهم وعائلاتهم. وأكثر من ذلك كان مسؤولا عن الأمن في نطاق عِرافته، بجانب مسؤولياته عن جمع أموال الدعم والتحكيم في المنازعات بين أفراد ‘العرافة‘”؛ وفقا لكتاب ‘موجز دائرة المعارف الإسلامية‘.

ويؤكد المصدر ذاته أنه في العهد الأموي كان “من بين الوظائف المدنية التي يحمل صاحبها اسم ‘العريف‘.. في القرنين الأولين للهجرة (= السابع والثامن للميلاد).. موظف مخصوص مسؤول عن مصالح الأيتام والأطفال غير الشرعيين، وكذلك نقرأ عن عريف للذميين”.

ومن الواضح أن المقصود هنا ما ذكره ابن عساكر الدمشقي (ت 571هـ/1175م) -في ‘تاريخ بغداد‘- من أن قاضي مصر للأمويين عبد الرحمن بن معاوية بن حُدَيْج (ت 95هـ/715م) كان “أولَ قاضٍ نظر في أموال اليتامى وضمَّن عريفَ كل قوم أموال يتامى تلك القبيلة، وكتب بذلك كتابا فكان عنده.. وشهرها وأشهد فيها، فجرى الأمر على ذلك” بدءا من لحظة تعيينه قاضيا سنة 86هـ/706م!!

وفي المجال الأدبي أيضا ظهر “عريف الشعراء” في آخر العهد الأموي أيام خلافة مروان بن محمد (ت 132هـ/751م)؛ فقد كان له “عريف على الشعراء يَخْبُر (= يختبر) أشعارَهم فيُحسِّن لمُحْسنهم، ويرعَى مسيئَهم وينحّي لهم فاسدَه”؛ وفقا لابن عساكر في ‘تاريخ دمشق‘.

ومن الواضح أن هذا “العريف” كانت مسؤولياته تتطابق مع جوهر صلاحيات “النقيب” في أي جماعة وظيفية متخصصة، من صيانة مكانة الصنعة، ومكافأة المتميزين في منتجاتها، ورفع مستوى الضعفاء من منتسبيها، وتحقيق مستوى مقبول من التضامن والتكافل بينهم، وتمثيلهم جماعيا أمام السلطة وأجهزتها الرسمية.

ولا يبعد أن تكون نشأت لكُتّاب النثر الفني الأدبي نقابة بجانب “نقابة الشعراء”؛ فقد جاء في الرسالة التي وضعها عميد كتّاب العربية عبد الحميد بن يحيى الكاتب (ت 132هـ/751م) لزملائه الكتّاب لتكون دستورهم في مهنهتم التي صارت “صناعة” آنذاك:

“وتحابُّوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها فإنها شيم أهل الفضل والنبل من سلفكم، وإن نبا الزمانُ برجل منكم فاعطفوا عليه وواسوه حتى يرجع إليه حالُه، فإن أقعد الكِبَرُ أحدَكم عن مَكْسبِه ولقاء إخوانه فزوروه وعظموه وشاوروه، واستظهروا (= استعينوا) بفضل تجربته وقديم معرفته”؛ وفقا لبهاء الدين البغدادي (ت 562هـ/1167م) في ‘التذكرة الحمدونية‘.

ولذا رأى مؤرخ الآداب العربية العلامة شوقي ضيف (ت 1426هـ/2005م) -في ‘تاريخ الأدب العربي‘- أن هذا النص دليل على أن عبد الحميد “يطلب إلى الكتَّاب أن يؤلفوا بينهم ما يشبه النقابة في عصرنا، فقد حضهم على الأخذ بيد من ينبو به الزمان منهم ومساعدته حتى يعود إلى ما كان عليه من الرَّفَهِ في العيش”.

وهو استنتاج يأخذ وجاهتَه من أن عصر عبد الحميد -الذي كان كبير كتّاب آخر خلفاء بني أمية- هو الذي تأسست فيه “نقابة الشعراء”، فلا يبعد عليه أن يسعى لزملائه الكتّاب في نظيرة لها تجمعهم وترعى مصالحهم، على نحو ما نرى اليوم في نقابة الصحفيين.

وعلى كل؛ فإن نقابة الكتّاب (اتحاد الكتب) رأت النور فعلا في العصور اللاحقة تحت عنوان: “نقابة المتعمِّمين” أي حمَلَة الأقلام من كتّاب الإدارات الحكومية، وكان لهم رئيس يسمَّى “نقيب المتعممين” وفقا لما نجده في نصوص متعددة -عن أخبار هذه الوظيفة ومَنْ تولَّوها من النقباء- في مصادر تاريخ العصر المملوكي.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 142.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 140.79 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.21%)]