|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الوحدة خير من جليس السوء خالد سعد النجار بسم الله الرحمن الرحيم الإنسان «مدني بطبعه"كما قال ابن خلدون, أو بالأحرى «مدني بفطرته»، أي لا يستطيع أن يعيش منفرداً، بل يميل إلى مخالطة الناس، فهو قليل بنفسه كثير بغيره، فكل فرد محتاج إلى ما عند غيره، خاصة أن الله تعالى خلق البشر أمة واحدة مرتبطة بعضها ببعض في المعاش، لا يسهل على أفرادها أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا إلا مجتمعين يعاون بعضهم بعضاً، فكل واحد منهم يعيش ويحيا بشيء من عمله لكن قواه النفسية والبدنية قاصرة في توفير جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من انضمام قوى الآخرين إلى قوته. لذلك فهو يتفاعل ويتأثر بما حوله ومن حوله، وينزع بفطرته إلى العيش ضمن جماعة يتجانس معها، فينشأ عن ذلك ألوان من المواقف الاجتماعية إيجابية تارة وسلبية تارة أخرى. ولما كان التشريع الإسلامي شاملاً مستوعبًا لشؤون الحياة كلها، فقد حوى طائفة من التشريعات السلوكية التي تنظم حياة المجتمعات والأفراد ليكيف المسلم حركته بها ويضبط سلوكه بمقتضياتها. فهذا الإنسان الاجتماعي بفطرته لا بد له من أصدقاء ومعارف، لكن الأمر ليس على إطلاقه لأن الفرد يؤثر في مخالطيه ويتأثر بهم، وقديما قالوا «الطبع لص» والصاحب ساحب .. ومن هنا حرص الإسلام على البحث عن البيئة الطاهرة، والرفقة الصالحة، وقد تبرأ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- من رجل يقم بين أظهر المشركين، وشرعت الهجرة بحثاً عن أرض يعبد فيها الإنسان ربه كما يريد، ورغبه في وجود من يعينه على الطاعات من الرفاق الصالحين. قال عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لاَ تَعْرِضَنَّ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ وَاعْتَزِلْ عَدُوَّكَ وَاحْتَفِظْ مِنْ خَلِيلِكَ إِلاَّ الأَمِينَ فَإِنَّ الأَمِينَ مِنَ الْقَوْمِ لاَ يَعْدِلُهُ شَىْءٌ وَلاَ تَصْحَبِ الْفَاجِرَ يُعَلِّمْكَ مِنْ فُجُورِهِ وَلاَ تُفْشِ إِلَيْهِ سِرَّكَ وَاسْتَشِرْ فِي دِيْنِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ". ويجلي ابن القيم رحمه الله مقامات هذه العلاقة بأوضح تقسيم فيقول: فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول. ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة، ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر: 1/ أحدها: من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة ثم إذا احتاج إليه خالطه .. هكذا على الدوام، وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر، وهم العلماء بالله تعالى وأمره ومكايد عدوه وأمراض القلوب وأدويتها، الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله. 2/ القسم الثاني: من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارات والعلاج للأدواء ونحوها، فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من القسم الثالث. 3/ القسم الثالث وهم من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه، فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن، وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا، ومع ذلك فلا بد من أن تخسر عليه الدين والدنيا أو أحدهما فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف. ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربا عليك فإذا فارقك سكن الألم. ومنهم من مخالطته حمى الروح وهو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به، فهو يحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض. ويذكر عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال: "ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر". ورأيت يوما عند شيخنا -قدس الله روحه- رجلا من هذا الضرب، والشيخ يحمله وقد ضعف القوى عن حمله، فالتفت إلي وقال: "مجالسة الثقيل حمى الربع" ثم قال: "لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى فصارت لها عادة". أو كما قال. وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح فعرضية ولازمة. ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا. 4/ القسم الرابع من مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس -لا كثرهم الله- وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فيجعلون البدعة سنة والسنة بدعة والمعروف منكرا والمنكر معروفا، إن جردت التوحيد بينهم قالوا تنقصت جناب الأولياء والصالحين، وإن جردت المتابعة لرسول الله قالوا أهدرت الأئمة المتبوعين، وإن وصفت الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا أنت من المشبهين، وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر قالوا أنت من المفتنين، وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا أنت من أهل البدع المضلين، وإن انقطعت إلى الله تعالى وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا قالوا أنت من المبلسين، وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم فأنت عند الله تعالى من الخاسرين وعندهم من المنافقين، فالحزم كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم، وأن لا تشتغل بإعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم ولا بغضبهم. هدي الإسلام الأصل في هدي الإسلام أن يباشر المؤمن مجتمعه إيجابية ونفعا، فعن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ [ابن أبى الدنيا في قضاء الحوائج، والطبراني في الكبير والأوسط والصغير] فالمؤمن يستثمر عمره في المخالطات الاجتماعية التي ترقي طبعه من صحبة الصالحين وأهل الهمة في الدين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعبّدون الناس لرب الناس وتلك هي الأعمار الذكية والتجارة الرابحة. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَرَّ بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَأَعْجَبَهُ طِيبُهُ، فَقَالَ: لَوْ أَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ فَاعْتَزَلْتُ النَّاسَ، وَلَا أَفْعَلُ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «(لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاةِ سِتِّينَ عَامًا خَالِيًا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ؟ اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ)» [أحمد وإسناده حسن] فالعزلة ليست بمحمودة في ذاتها اللهم إلا عن الفساق والسفهاء وشذوذ أهل الزمان أو كاستراحة الأكابر لترميم الذات وتجديد الإيمان بالأنس بالرحمن. وعلى هذا الأساس تفهم أقول السلف في مدح العزلة وتفضيلها، وإلا أخذنا الشطط في هذا الأمر إلى بدع المتصوفة وغرائب حكاياتهم في الانقطاع والتبتل، وهذا مما لا يرضي به شرع ولا يحمده دين الحنيفية السمحة. ** عن الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ: "لا تَجْلِسْ إِلا مَعَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ جَلَسْتَ إِلَيْهِ يُعَلِّمُكَ خَيْرًا فَتَقْبَلُ مِنْهُ، أَوْ رَجُلٍ تُعَلِّمُهُ خَيْرًا فَيَقْبَلُ مِنْكَ، وَالثَّالِثِ اهْرُبْ مِنْهُ". ** عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ لِي بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْعُزْلَةِ: "هُوَ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْقَوْمِ، فَإِنْ خَاضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَخُضْ مَعَهُمْ، وَإِنْ خَاضُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَأَمْسِكْ". ** عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: "جَلَسْتُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ يُسَبِّحُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَمْلِ الْخَيْرَ تُمْلأْ خَيْرًا، أَلَيْسَ خَيْرًا ؟ قُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى التَّسْبِيحِ، قَالَ: وَالسُّكُوتُ خَيْرٌ مِنْ إِمْلاءِ الشَّرِّ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟ قُلْتُ: بَلَى، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: وَالْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟ قُلْتُ: بَلَى". ** قَالَ أَبُو ذَرٍّ: "الصَّاحِبُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، وَالْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمُمَلِّ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ الصَّامِتِ، وَالصَّامِتُ خَيْرٌ مِنْ مُمَلِّ الشَّرِّ، وَالأَمَانَةُ خَيْرٌ مِنَ الْخَائِنِ، وَالْخَائِنُ خَيْرٌ مِنْ ظَنِّ السُّوءِ". ** عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: "جَلِيسُ الصِّدْقِ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، وَالْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ صَاحِبِ الْعِطْرِ، إِنْ لَمْ يُحْذِكَ يُعْبِقْكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْقَيْنِ إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ يُعْبِقْكَ مِنْ رِيحِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ لِتَقَلُّبِهِ، وَمَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ رِيشَةٍ فِي الْفَلاةِ أَلْجَأَتْهَا الرِّيحُ إِلَى شَجَرَةٍ، فَالرِّيحُ تُصَفِّقُهَا ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَإِنَّ بَعْدَكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: كُونُوا أَحْلاسَ الْبُيُوتِ". ** قَالَ حُذَيْفَةُ الْمَرْعَشِيُّ: "مَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلُ مِنْ لُزُومِكَ بَيْتَكَ، وَلَوْ كَانَتْ لَكَ حِيلَةٌ لِهَذِهِ الْفَرَائِضِ، كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَحْتَالَ لَهَا". ** عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي السَّوْدَاءِ، قَالَ: "قَالَ كَعْبٌ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَلا أُخْبِرُكَ بِثَلاثٍ مُنْجِيَاتٍ جَاءَ بِهِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ؟ لُزُومُكَ بَيْتَكَ، وَبُكَاؤُكَ عَلَى خَطِيئَتِكَ، وَكَفُّكَ لِسَانَكَ، قَالَ: فَعَارَضَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِثَلاثٍ مُهْلِكَاتٍ؟ نَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ، وَمُفَارَقَةُ الْجَمَاعَةِ". ** عن بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ"[لا تصفو القلوب بعضها لبعض]، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ:"هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ، فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ وَلَوْ أَنْ تَعُضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ". أي: اعتزل الناس واصبر على المكاره والمشاق، واخرج منهم إلى البوادي، وكُلْ ما فيها من أصول الشجر، واكتف بها. وليسعك بيتك ** روى الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «(امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)» ** عن عَبْد اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ الْفِتْنَةَ أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: (الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ)» [حديث حسن: أخرجه أبو داود] ** روى أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «"طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ"» . ** عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قال: "الْمَجَالِسُ ثَلاثَةٌ: مَجْلِسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَجْلِسٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ فَيُذْكَرُ بِهِ، وَمَجْلِسٌ فِي بَيْتِكَ لا تُؤْذِي وَلا تُؤْذَى". ** عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي:"يَا بُنَيَّ! اتَّقِ رَبَّكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَابْكِ مِنْ ذِكْرِ خَطِيئَتِكَ". ** قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: "لِتَسَعْكُمْ بُيُوتُكُمْ، وَلا يَضُرُّكُمْ أَلا يَعْرِفَكُمْ أَحَدٌ، وَسَابِقُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". ** قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ:"إِنَّ أَقَلَّ الْعَيْبِ عَلَى امْرِئٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي بَيْتِهِ"و َكَانَ يُقَالُ: "إِنَّهُ مِنْ حُكَمَاءِ قُرَيْشٍ". ** قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: "جُلُوسُ الْمَرْءِ بِبَابِهِ مُرُوءَةٌ". ** عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: "نِعْمَ صَوْمَعَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ، يَكُفُّ لِسَانَهُ، وَفَرْجَهُ، وَبَصَرَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَمُجَالَسَةَ الأَسْوَاقِ، تُلْهِي وَتُلْغِي". [من اللغو، وهو ما لا يعتد به من الكلام] ** عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَابِدِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ الْعَابِدَ يَقُولُ: "لَوْلا الْجَمَاعَةُ [يَعْنِي: الصَّلاةَ فِي الْجَمْعِ]، مَا خَرَجْتُ مِنْ بَابِي أَبَدًا حَتَّى أَمُوتَ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا وَجَدَ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَذَّةً فِي الدُّنْيَا أَحْلَى مِنَ الْخَلْوَةِ بِمُنَاجَاةِ سَيِّدِهِمْ، وَلا أَحَبَّ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ أَكْثَرَ فِي صُدُورِهِمْ وَأَلَذَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ"، قَالَ: ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ سَلَمَةُ يُفْطِرُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ، وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَبْلَ الْفَجْرِ إِلَى مِثْلِهَا. ** كَانَ طَاوُسٌ يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: "هِبْتُ حَيْفَ الأَمِيرِ، وَفَسَادَ النَّاسِ". ** عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ يَرْجِعُ مِنَ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَلا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحَجِّ مِنْ قَابِلَ، قَالَ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَيَدْعُو لَهُ الْمَسَاكِينَ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: لَوْ صَنَعْتَ طَعَامًا دُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لا يَكَادُونَ يَجِدُونَهُ. ** عَنِ ابْنِ السَّمَّاكِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَوْصِنِي، قَالَ: "هَذَا زَمَانُ السُّكُوتِ وَلَزُومِ الْبُيُوتِ". ** عن عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: في آخر الزمان عليكم بالصوامع، قلنا: وما الصوامع؟ قال: البيوت، فإنه ليس ينجو من شر ذلك الزمان إلا صفوته من خلقه؛ وكان يقول: ليس هذا زمان الكلام، هذا زمان السكوت ولزم البيوت؛ وقال أيضاً: ليكن شغلك في نفسك ولا يكن شغلك في غيرك، فمن كان شغله في غيره فقد مكر به. ** عن وَاصِل مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ صَحِيفَةً، فَقَالَ: هَذِهِ خُطْبَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أُنْبِئْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ كُلَّ عَشِيَّةِ خَمِيسٍ يَخْطُبُ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ، فِيهَا: إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تُمَاتُ فِيهِ الصَّلاةُ، وَيُشْرِفُ فِيهِ الْبُنْيَانُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الْحَلْفُ وَالتَّلاعُنُ، وَتَفْشُو فِيهِ الرِّشَى وَالزِّنَا، وَتُبَاعُ الآخِرَةُ بِالدُّنْيَا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَالنَّجَاةُ فَالنَّجَاةُ، قَالُوا: وَكَيْفَ النَّجَاةُ؟ قَالَ: كُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلاسِ بَيْتِكَ، وَكُفَّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ". ** عن بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلاءِ: مَا كَانَ يَصْنَعُ مُطَرِّفٌ إِذَا هَاجَ فِي النَّاسِ هَيْجٌ؟ قَالَ: كَانَ يَلْزَمُ قَعْرَ بَيْتِهِ وَلا يَأْتِي لَهُمْ صَفًّا وَلا جَمَاعَةً، حَتَّى تَتَجَلَّى عَمَّا انْجَلَتْ. ** عن جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ يَغْشَى السُّلْطَانَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ وَبَنُوهُ، فَقَالُوا: تَرَكْتَ السُّلْطَانَ وَحَظَّكَ مِنْهُ؟ فَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ لَتَمُوتَنَّ هَرْسًا، فَقَالَ: يَا بَنِيَّ! وَاللَّهِ لأَنْ أَمُوتَ مُؤْمِنًا مَهْرُوسًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ مُنَافِقًا سَمِينًا، قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلِمَ وَاللَّهِ، أَنَّ الْقَبْرَ يَأْكُلُ الشَّحْمَ وَاللَّحْمَ، وَلا يَأْكُلُ الإِيمَانَ. عندما تشتد الفتن ** روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « (يُوشَكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ شَاةٌ يَتَتَبَّعُ بِهَا صَاحِبُهَا شَعَفَ الْجِبَالِ [رؤوسها وشعفة كل شيء: أعلاه]، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ)» . يريد التي يدخل فيها غيره [البخاري] // قال في «التمهيد» لابن عبد البر: "وإنما جاءت هذه الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم -والله أعلم- لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها الناس، فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى، مثل: اسم الاعتكاف في المساجد، ولزوم السواحل للرباط والذكر، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس لأن من نأى عنهم سلموا منه وسلم منهم لما في مجالستهم ومخالطتهم من الخوض في الغيبة واللغو وأنواع اللفظ وبالله العصمة والتوفيق لا رب غيره". ثم قال: وهذا الحديث إنما ورد خبرا عن حال آخر الزمان وما المحمود في ذلك الوقت لكثرة الفتن، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحض في أول الإسلام على لزوم الخواص للجماعات والجُمعات ويقول: (من بدا جفا) والحديث المذكور في هذا الباب من أحسن حديث في العزلة والفرار من الفتنة والبعد عن مواضعها من الحواضر وغيرها، والفتنة المذكورة في هذا الحديث تحتمل أن تكون: فتنة الأهل والمال، وفتنة النظر إلى أهل الدنيا، وفتنة الدخول إلى السلطان، وغير ذلك من أنواع الفتن .. أراد بقوله: (يفر بدينه من الفتن) جميع أنواع الفتن والله أعلم، وفي ذلك دليل على فضل العزلة والانفراد في آخر الزمان كزماننا هذا! ** روى الطبراني عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: «"أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ رَجُلا؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ:"رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَنْتَظِرُ أَنْ يُغِيرَ أَوْ يُغَارَ عَلَيْهِ، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِهِمْ بَعْدَهُ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْحِجَازِ، فَقَالَ: "رَجُلٌ فِي غَنِيمَةٍ يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، قَدْ عَلِمَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، فِي مَالِهِ، وَاعْتَزَلَ شُرُورَ النَّاسِ".» ** روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً ؟ رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً بَعْدَهُ؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غَنِيمَةٍ لَهُ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"» . ** روى أحمد عن ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَوْمَ خَطَبَ بِتَبُوكَ: « "مَا فِي النَّاسِ مِثْلُ رَجُلٍ يَأْخُذُ بِرَأْسِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيَجْتَنِبُ شُرُورَ النَّاسِ، وَمِثْلُ رَجُلٍ بَادَ فِي غَنَمِهِ يَقْرِي ضَيْفَهُ [يضيفه] وَيُعْطِي حَقَّهُ"» [إسناده صحيح] ** عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلامُ- عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَقَالَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلا؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَلِيهِ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "امْرُؤٌ يَعْتَزِلُ فِي شِعْبٍ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْتَزِلُ شُرُورَ النَّاسِ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "الَّذِي يُسْأَلُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا يُعْطِي بِهِ» " [النسائي وإسناده حسن] قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»: "رجل يسأل بالله ولا يُعْطَى به": "هذا يحتمل الوجهين: أحدهما: أن قوله: "يُسْأَل" بلفظ المجهول، و "يُعْطَى" على بناء المعلوم، أي: شر الناس من يسأل منه صاحب حاجة بأن يقول: أعطني لله، وهو يقدر، ولا يعطى شيئًا، بل يرده خائبا، والثاني: أن يكون قوله: "يَسْأل"على بناء المعلوم، وقوله: "يُعطى" على بناء المفعول، أي: يقول: أعطني بحق الله ولا يعطى" اهـ. وقال في المجمع: "هذا مشكل إلا أن يتهم السائل بعدم استحقاقه". ** روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «"إِنَّ مِنْ خَيْرِ مَعَايِشِ النَّاسِ لَهُمْ [أي حياة الناس، والمعنى من خير أحوال عيشهم]: رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ [متأهب ومنتظر وواقف بنفسه على الجاهد في سبيل الله] يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ [يسرع جدًّا على ظهره حتى كأنه يطير]، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً [الصوت عند حضور العدو] أَوْ فَزْعَةً [النهوض إلى العدو]، طَارَ عَلَى مَتْنِهِ يَلْتَمِسُ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ مَكَانَهُ [يطلبه من مواطنه التي يرجى فيها، لشدة رغبته في الشهادة]، أَوْ رَجُلٌ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنَ هَذِهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبَدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلا فِي سَبِيلِ خَيْرٍ"» . // وفي رواية لأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ أَحْسَنَ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلَةً: رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً اسْتَوَى عَلَى مَتْنِهِ ثُمَّ طَلَبَ الْمَوْتَ مَكَانَهُ، أَوْ رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَدَعُ النَّاسَ إِلا مِنْ خَيْرٍ"» . ** عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِ، قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الْفِتَنَ، فَقَالَ: «"خَيْرُكُمْ فِيهَا، أَوْ خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا: رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي مَالِهِ يَعْبُدُ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوْ رَجُلٌ آخِذٌ بِفَرَسِهِ يُخِيفُ الْعَدُوَّ وَيُخِيفُونَهُ"» [إسناده ضعيف وصحيح بشواهده] ** عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- «قَالَ رَجُلٌ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» " [مسلم] ** وروى أبو يعلى في مسنده -بسند ضعيف- عن مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِنْ مَسْمُولٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَوِّلٍ الْبَهْزِيَّ ثُمَّ السُّلَمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي -وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلامَ-، يَقُولُ: نَصَبْتُ حَبَائِلَ لِي بِالأَبْوَاءِ، فَوَقَعَ فِي حَبْلٍ مِنْهَا ظَبْيٌ، فَأَفْلَتَ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ، فَوَجَدْتُ رَجُلا قَدْ أَخَذَهُ، فَتَنَازَعْنَا فِيهِ، فَتَسَاوَقْنَا فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَوَجَدْنَاهُ نَازِلا بِالأَبْوَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُسْتَظِلا بِنِطْعٍ [غطاء من الجلد]، فَاخْتَصَمْنَا إِلَيْهِ فَقَضَى بِهِ بَيْنَنَا شَطْرَيْنِ، ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُحَدِّثُنَا، قَالَ: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ الْمَالِ فِيهِ غَنَمٌ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، تَأْكُلُ مِنَ الشَّجَرِ وَتَرِدُ الْمَاءَ، يَأْكُلُ صَاحِبُهَا مِنْ رِسْلِهَا [القطيع من الإبل أو الغنم]، وَيَشْرَبُ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَيَلْبَسُ مِنْ أَشْعَارِهَا، أَوْ قَالَ: أَصْوَافِهَا، وَالْفِتَنُ تَرْتَكِسُ [تزدحم وتتردد] بَيْنَ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ، وَاللَّهِ مَا تُفْتَنُونَ)، يَقُولُهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثَلاثًا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْصِنِي، قَالَ: (أَقِمِ الصَّلاةَ، وَآتِ الزَّكَاةَ، وَصُمْ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَحُجَّ الْبَيْتَ وَاعْتَمِرْ، وَبِرَّ وَالِدَيْكَ، وَصِلْ رَحِمَكَ، وَأَقْرِ الضَّيْفَ، وَمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَزُلْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُ زَالَ). ** وما من أحد يسلم من قول الناس ونقدهم، وإذاً ما بقي إلا اتباع الحق والقول به، والإعراض عن النقد مادام الطريق نزيهاً واضحاً، ولذلك يقول أبو مسلم الخولاني: "كان الناس أوراق لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لا أوراق فيه، إن سَبَبْتَهُم سَبُّوك، وإن ناقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن فررت منهم أدركوك"، فقال له رجل: كيف أصنع؟ قال: "أعط من عرضك ليوم فقرك" أي سلمهم عرضك ما دمت تقوم بالحق، أعطهم من ذلك ليوم فقرك، حينما يجتمع الخصوم عند الله، فتكون فقيراً تحتاج إلى شيء يسير، يأتي إليك الغنى من أقوالهم وذمهم وطعنهم في عرضك، فَتُرْفَعُ عند الله منزله، كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(يخرج المؤمنون من النار، فيوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتصون حقوقاً كانت بينهم)» [البخاري] يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |