|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إبراهيم الزِّيبق .. بَحْرٌ مُغدِقٌ علاء مصري النهر ![]() وإنِّي لَوْ نَظَــــــــــرْتُ بِأَلْفِ عَيْنٍ لَمَا اسْتَوْفَتْ مَحَاسِنَها العُيُونُ [1]والآن يعيش في دمشق – “جميلات الجميلات” عند البيزنطيين، و”عروس الأرض” عند العرب – العلَّامة إبراهيم عُمَر الزِّيبق فارس ميدان التحقيق في عصر الدولة الأيُّوبيَّة. وُلِدَ فيها هذا الفارِس يوم الأربعاء 25 مارس عام 1953م، وتلقَّى تعليمَه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارسها. ولولوعه بالتاريخ التحق بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة دمشق، لكن وقع في الأشهر الأُولى بينه وبين أحد أساتذة القسم حوارٌ في أثناء محاضرةٍ له، أبدى فيها من الرأي خلاف ما يذهب إليه الأستاذ، فما كان منه إلَّا أن تلفَّظ بكلماتٍ لا تليق بأستاذٍ جامِعيٍّ؛ فتضاءل على إثرها اهتمامُه بالدراسة الجامعية، إلى أن وجد نفسَه عازِفًا عن متابعتها. لقد فعل ذلك وهو لا يدري أنَّه كان على خُطَا أبي فهر محمود شاكر يسيرُ، لمَّا ترك الجامعة بسببٍ من آرائه المُخالِفة للدُّكتور طه حسين. درَج الزِّيبق على حُبِّ القراءة وهو في شرْخ صِباه، فكان يقرأ ما يقع تحت يديه من مجلاتٍ وكتبٍ على غير هدًى، إلى أن قادته قراءاتُه إلى الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي[2]، فتعلَّق بكُتبه، ولا سيَّما كتابه الماتِع الفاذّ “وحي القلم”، وهذا التَّعلُّق بادٍ في نزعته الأدبية الوَسَط المتجلية في كتاباته. واتَّفق له أن زار مع مُستهَلِّ دراسته في المرحلة الثانوية المكتبة الوطنية الظاهرية – وهي زيارته الأُولى لها – فسحره ما حوته من آلاف الكتب، وتمنَّى وقتئذٍ أن يصبح ذات يومٍ في عِدَاد موظفيها، آمِلًا في الاطِّلاع على كنوزها عن كثبٍ. وقد تحقَّق له ذلك؛ فعُيِّن أمينًا لقاعة الباحثين فيها سنة 1974م؛ أي وهو في أوائل العشرينيات من عمره. تلقَّى العلم على بعض مشايخ الشَّام، بَيْدَ أنَّ علاقته تعمَّقت مع عالِمين جليلين منهم، فكان لهما فضلٌ كبيرٌ في تكوينه العلمي: أوَّلهما الشيخ المُحدِّث المُحقِّق شُعَيْب الأرنؤوط (ت. 1438هـ/2016م)[3] الذي اجتمع به في ربوع المكتبة الظاهرية؛ فغدا رأسَ مشايخه وأخذ بيده في عالَم التحقيق، وثانيهما العلَّامة اللُّغوي أحمد راتب النَّفَّاخ (ت. 1412هـ/1992م)[4]. ثُمَّ انصرف إلى تحقيق كتب التراث، بَدْءًا من سنة 1980م، وذلك بمشاركته في تحقيق كتاب “سير أعلام النبلاء” للإمام شمس الدِّين الذهبي. وفي سنة 2011م عُيِّن خبيرًا في لجنة المخطوطات وإحياء التراث في مجمع اللُّغة العربية بدمشق. وبيته بيتُ علمٍ؛ فزوجته هي الأستاذة غزوة بدير (1961م-) مُحقِّقة كتاب “فضائل القرآن” للحافِظ ابن الضُّرَيْس المُتوفَّى سنة 294هـ[5]. حادثته مِرَارًا فوجدته جَبَلَ علمٍ؛ فكُلُّ قلبِه مُعلَّقٌ بتاريخنا وتراثنا، إنَّه نجمٌ تشرُف الأوراقُ بذكراه ويعبَق الوجودُ بِرَيَّاه. يُحدِّثك بتواضُّعٍ جمٍّ وكأنَّك في رُتْبَته أو قرينه، شعاره الزُّهد في المناصب والبُعْد عن الأضواء: [الكامل] ألْقى الصَّحِيفةَ كي يُخفِّف رَحْلَهُ والزَّادَ حتَّى نَعْلَه ألْقــــــــاها [6) أخبرني أنَّ منهجه في التحقيق ودراسة التاريخ قائمٌ على استنطاق النَّصّ، ومعايشته، وكتابة التاريخ برَوِيَّةٍ وهدوءٍ، والغوْص على معانيه الدقيقة. ومَنْ يتأمَّل مُصنَّفاته عَلِمَ محلَّه من فنون العلم؛ إذ يتنوَّع نتاجُه ما بين تحقيقٍ وتأليفٍ، وكُلُّها قيمةٌ سارت في الدنيا مسيرَ الشمس في البهجة والجمال، وهي كالتالي: أوَّلًا- كتبٌ مُحقَّقة
![]() ثانيًا- كتبٌ مُؤلَّفة
![]() ومن أبرز أعماله التي ملكت عليه لبّه مُؤلَّفات أبي شامة المقدسي (ت. 665هـ) التاريخية؛ فأبو شامة – على حد تعبيره – هو وحده مَنِ استطاع صوْغ تاريخه عن نور الدِّين وصلاح الدِّين وِفاق رؤيةٍ إصلاحية، مبرزًا منهج عملهما لمَنْ أراد أن يقتدي بهما؛ لذلك أعاد تحقيق كتابه “الروضتين”. ويرى أنَّ هذا الكتاب يكتسب الآن أهميةً خاصّةً في ظل صراعنا مع الصهيونية؛ نظرًا للتشابه الواضح بين الصليبيين والصهيونيين، فالصهيونيون يدركون هذا التشابه بين احتلالهم لأرضنا واحتلال الصليبيين لها من قبلُ، فهناك فِرق عملٍ كاملة في الجامعة العبرية، تقوم بدراسة موقف أجدادنا وتُحلِّله من جذوره؛ كي يتفادوا نهايةً كنهاية حطِّين وما تلاها[7]. وإنْ تعجب فعجبٌ أنَّ الزِّيبق – من فرط حُبِّه لأبي شامة ولكتابه “الروضتين” – عاش زمنًا في المدرسة العادلية الكبرى بدمشق، التي عاش فيها من قبل أبو شامة وهو يُؤلِّف كتابَه؛ فحقَّق الكتابَ فيها، وذكر أنَّه كثيرًا ما كان يلقي بالقلم ويتمشَّى في باحتها، يتفيَّأ ظلالَ أشجار الليمون والنارنج، ويتحسَّس نبضَ الأحجار التي اكتحلتْ عيونُها برؤية أبي شامة، شاعرًا أن ما يفصله عنه تسع سنواتٍ، لا تسعة قرونٍ. ومن وفائه أنَّه زار قبرَ أبي شامة مِرَارًا بمقبرة الفراديس في دمشق، المعروفة الآن باسْم مقبرة الدحداح[8]. كما أنَّه يقتفي أثره في قوله عن نفسه: “عفا الله عنه”[9]؛ فأبو شامة يقول في ترجمته لنفسه في حوادث سنة 599هـ: “كان المذكور – وفَّقه الله تعالى – لا يكاد يكتب اسْمَه في فتوى أو شهادة أو طبقة سماع أو نسخ كتابٍ إلَّا أردفَ اسْمَه بكتابة عفا الله عنه”[10]. وأعاد الزيبق تحقيق كتاب “المذيَّل على الروضتين” لأبي شامة، وحقَّق كتابَه “نزهة المقلتين في سِيرة الدولتين العلائية والجلالية”، وأهداه لصديقه رمزي دمشقية مُؤسِّس دار البشائر الإسلامية. وكان صديقه الأثير المُحقِّق الكويتي محمد بن ناصر العجمي قد أرسل إليه نسخةً مصورةً من مخطوطة الكتاب، وكتب على صفحتها الأُولى: “نسخة أصيلة عليها خطّ الحافظ العلائي، أتمنَّى أن تُبعث على يديك”[11]، فبعثها الزِّيبق، مستكملًا بذلك إخراج أهم آثار أبي شامة التاريخية. ويرى الزِّيبق أن أبا شامة قد اختصر هذا الكتاب من “سِيرة السلطان جلال الدين مَنْكَبُرتي” لشهاب الدين النَّسوي، عقب فراغه مباشرةً من تأليف كتابه “الروضتين”، وهو بذلك يكمل رؤياه الإصلاحية – التي أشرنا إليها سلفًا – ليضعها بين يدي ملوك عصره: العدل الذي يعمر البلاد عبر سِيرتَي نور الدين وصلاح الدين، والظلم الذي يفضي إلى الخراب عبر سِيرتَي علاء الدين محمد الخُوارزمي وابنه جلال الدِّين منكبرتي[12]. حقيقٌ بالذكر أن الزِّيبق قد وضع دراسةً في غاية الأهمِّيَّة عن أبي شامة بعنوان “أبو شامة مُؤرِّخ دمشق في عصر الأيُّوبيين”، لم يتركْ صغيرةً ولا كبيرةً عن أبي شامة إلا أحصاها في هذا الكتاب الرائق. ويكفيك لتعرف مدى حُبّه لأبي شامة – وأنا أقاسمه هذا الحُبَّ، وإنْ كانت قسمة ضِيزَى؛ فحُبُّه قولٌ وفعل، وحُبِّي يكاد يكون مجرد قولٍ – ما ذكره في الإهداء من أن أبا شامة كان واحدًا من أفراد أُسرته مُدَّة تأليف الكتاب، ذاكرًا أنه في أثناء كتابة سِيرته ودراسة مؤلفاته التاريخية، عاش معه أشواقه وآماله وخيباته ونجاحاته وأحزانه وأفراحه، حتَّى إنه كان يتراءى له أحيانًا مِن خلال سطوره، وأحيانًا كاد يحسُّ بمشاعره وهو يدوِّنُ أخباره[13]. وبرغم ما تعانيه دمشق من اضطرابات وقلاقل منذ سنة 2011م حتَّى الآن، وما يشكوه الزِّيبق من “تصدُّعٍ في الإلف، وتشتُّتٍ في البال، وجوًى في القلب”[14]، ما يزال يعيش فيها، فلعله بذلك يأتسي بمؤرخه الأثير أبي شامة، الذي آثر البقاءَ في دمشق لمَّا سيطر عليها المغول سنة 658هـ/1260م، ولم يرحل إلى الديار المصرية كما فعل كثيرٌ من سكانها أيامئذٍ. فلَعَمْري إنَّه أبو شامة هذا العصر: [الطويل] وحَبَّبَ أَوْطانَ الرِّجالِ إليهمُ مآرِبُ قضَّاها الشَّبابُ هنالكا إذا ذكَروا أَوْطانَهم ذكَّرتْهمُ عُهودَ الصِّبا فيها فحنُّوا لذلكا [15)إنَّه أعلى منزلةً من نجم السماء؛ فلا ضَيْرَ إنْ وُصِف بما وصَف به الجوينيُّ تلميذَه الغزَّاليَّ بأنَّه “بَحْرٌ مُغدِقٌ” [16]. [1] ابن خليل: اختصار القِدْح المُعلَّى في التاريخ المُحلَّى لابن سعيد "تحقيق إبراهيم الأبياري"، ص181؛ ابن الخطيب: الإحاطَة في أخْبار غَرْناطة "تحقيق محمد عبد الله عنَان" 1: 213. [2] وله مقالة عنه بعنوان "الرافعي كما هو في نفسي"، مجلة الثقافة الإسبوعية، العدد 23، 1976م. [3] ويقول في حقّه: "هل تكفي كلمةُ شكرٍ أُزجيها لأستاذي وشيخي شُعَيْب الأرنؤوط؟ وهل تجزئ عني كلمةُ ثناءٍ أكتبها له بحروف المحبة والصدق؟ إنَّ ما بعنقي له أوسعُ من الشكر وأجزل من الثناء، إنَّ ما فتح عليه عيني من أمور الحياة، وأنا أَتَلمَّس طريقي بعقلٍ غضٍّ وقلبٍ مُرْهَفٍ جعل أيامي معه سنين في عُمقها وغِناها، ثُمَّ أخذ بيدي في عالَم التحقيق، فمنحني ثقتَه وما أغلاها، وأنار دَرْبي بعلمه وما أغزرَه، فلَك يا أستاذي شكرٌ أوسعُ من الشُّكر، وثناءٌ أعظمُ من الثَّناء، والله يتولَّى عنِّي حُسْن جزائك". (مقدمة تحقيقه لكتاب" طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي، ص7). [4] وأهدى إلى النَّفَّاخ آخِر مؤلفاته كتاب "فصل الخطاب" قائلًا: "إلى مَنْ أُشرِب قلبُه حُبَّ العربية، فعاش حياتَه لها؛ نافحًا طلابَه كنوزها، منافحًا أعداءها". [5] أحمد إبراهيم العلاونة: الزوجان العالمان، كتاب المجلة العربية رقم (261)، 1439هـ، ص16. [6]) البيت لمروان بن سعيد النحوي. (الكتاب لسِيبَوَيْه "تحقيق عبد السلام هارون" 1: 97). [7] من مقدمة تحقيقه لكتاب "الروضتين" 1: 6. [8] أبو شامة مؤرخ دمشق في عصر الأيُّوبيين، ص347 - حاشية (3)، وص406. [9] انظر مثلًا: المذيل على الروضتين 2: 225، حاشية (4)؛ ونزهة المقلتين، ص218، حاشية (1). [10] المذيل على الروضتين 1: 145 حوادث سنة (599هـ). [11] مقدمة تحقيقه لكتاب "نزهة المقلتين"، ص7. [12] أبو شامة مؤرخ دمشق، ص460-461. [13] أبو شامة مؤرخ دمشق، ص9. [14] أشار إلى ذلك في نهاية تحقيقه لكتاب "نزهة المقلتين"، ص218. [15] البيتان لابن الرومي. انظر: ديوانه "تحقيق حسين نصار" 5: 1826. [16] طبقات الشافعية للسبكي "تحقيق محمود الطناحي" 6: 196.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |