بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4938 - عددالزوار : 2027982 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4513 - عددالزوار : 1304686 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 121958 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          يكفي إهمالا يا أبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          فتنة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          حفظ اللسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التحذير من الغيبة والشائعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-10-2023, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (١)

الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا


هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة، لشيخ الإسلام المجدد، لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله وأجزل له المثوبة-؛ فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.
بدأ -رحمه الله- كتابه بما يبدأ كتبه، والشيخ -رحمه الله- له منهج في كتبه ورسائله، ولا سيما الرسائل المختصرة والمتون وأمثالها، يبدأها بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) تأسيًا بالكتاب العزيز، وبكتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستئناسًا بما روي من غير وجه «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر»، وبقوله: (اعلم -رحمك الله): أمر بالعلم، والأمرُ بالعلم أمر بخير، وأفضل الخير أن تعلم، وهذا تشبه واقتداء بالكتاب العزيز؛ فإن أول أية أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، اقرأ: يعني: اعلم، والله -جل وعلا- قال في أعظم معلوم وأكمله وأشرفه في آية سورة محمد، وهو التوحيد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}، ولهذا نقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب في «ثلاثة الأصول» عن الإمام البخاري في كتاب العلم أنه قال: باب العلم قبل القول والعمل، وقول الله -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وهذه الجملة: البسملة ثم الأمر بالعلم والدعاء للمتعلم، منهج في رسائل الشيخ المختصرة ومتونه، تتميز به مختصراته ورسائله.
اعلم -رحمك الله
«اعلم -رحمك الله» وهذا دعاء للمتعلم برحمة الله عليه، وأن يرحمه ربه، ومن رحمة الله عليه أن يعرف ويتعلم أشرف معلوم، وأن يعلم أردأ معلوم، فأشرف معلوم هو توحيد الله -عزوجل-، وأردأ معلوم هو الشرك، ومعرفة الشرك لا لذاته بل للحذر منه ليحذره الإنسان، وليحذره طالب العلم من باب معرفة الشر والخبث ليجانبه، كما قال الأول:
عرفت الشر لا
للشر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر
من الخير يقع فيه
وحذيفة - رضي الله عنه - يقول: «كان الناس يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه»، والله -جل وعلا- ذكر عن إبراهيم -عليه السلام- أنه قال -لما دعا ربه-: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}، فدعا ربه أن يجنبه هو - وهو خليل الله - وأبناؤه -وهم أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام- الشرك بعبادة الأصنام؛ فمعرفة الشر لا تقل أهمية عن معرفة الخير، لا للشر ولكن للحذر منه والانتباه من الوقوع فيه! كما هو حال بعض المنتسبين إلى العلم في هذا الزمان، فإنه وإن لم يقع في الشرك، لكنه يهوِّن من شأنه، ومن الوقوع فيه، أو يسوغ للناس ما وقعوا فيه من الشرك أصغره وأكبره، بأمثال هذه الشُّبَه والتلبيسات والمغالطات التي تولى الشيخ -رحمه الله وجزاه عنا وعن المسلمين خيرًا- الجواب عنها.
التوحيد هو إفراد الله -سبحانه بالعبادة
قال -رحمه الله-: «اعلم -رحمك الله- أن التوحيد هو إفراد الله -سبحانه- بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، فأولهم نوح -عليه السلام-، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر»، هذه المقدمة في أن تعلم أن التوحيد الذي بعث الله به رسله من أولهم نوح - عليه السلام - إلى آخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكر الشيخ آدم -عليه السلام-؛ لأنه كان نبيا مبعوثًا إلى مؤمنين وهم أبناؤه وزوجته، وفي الحديث لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن آدم أنبي كان؟ قال: «نعم نبي مُكلم»، وبينه وبين نوح -عليهم الصلاة والسلام- عشرة قرون، فكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد، حتى حدث في قوم نوح الشرك، فبعثه الله بالتوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة.
فما هذا التوحيد؟
التوحيد له معنى عند أهل السنة، وله معنى عند القبورية، وله معنى عند الصوفية وله معنى عند الأشاعرة.
  • التوحيد عند أهل السنة
فمعنى التوحيد عند أهل السنة: هو إفراد الله بالعبادة، هو شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا المقدمة كلها دائرة على تحقيق هذا المعنى، التوحيد هو معنى لا إله إلا الله، وهو إفراد الله بالعبادة، بأنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله.
  • التوحيد عند القبورية
أما التوحيد عند القبورية: هو التقرب إلى الله -جل وعلا- بأوليائهم، بصرف أنواع من العبادة لهم؛ لأنهم لهم جاه وقدر عند الله؛ فغدا التوحيد شركا وجعلوا الشرك توحيدًا، وشركهم بذبحهم القرابين ونذورهم ودعائهم واستغاثتهم بعبدالقادر أو بالدسوقي، أو بالشاذلي، أو بالبدوي، أو التيجاني، أو بأسماء كثيرة عمت وطمت في بلاد المسلمين شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا؛ حيث جعلوا لأصحاب المقامات منزلة وتطور هذا عند بعضهم حتى اعتقدوا التأثير والنفع والضر والتصرف في أحوال الكون، وهذا شرك في الربوبية. 1 - جعلهم وسائط بينهم وبين الله شرك في العبادة. 2 - أن يعتقدوا أنهم مؤثرون يملكون النفع والضر والتصرف في العالم وهم أموات في قبورهم فهذا شرك في الربوبية.
  • التوحيد عند الصوفية
والتوحيد عند الصوفية غايته: الفناء في المعبود، وهو تحقيق الجبر بطريق تحقيق توحيد الربوبية.
  • التوحيد عند الأشاعرة والمتكلمين
أما التوحيد عند الأشاعرة والمتكلمين: فهو إفراد الصانع المخترع وهو أيضًا فناء في توحيد الربوبية، ولهذا التوحيد الذي هو غاية عند الصوفية في طبقاتهم وفرقهم وعند الأشاعرة عن المتكلمين والماتريدية وغيرهم فتوحيدهم الذي يفنون به أنفسهم هو الجبر، وهو ألا يشاهد غير الله، وكل فعل فهو طاعة لله، وسبيله وطريقه توحيد الربوبية: إفراد الله -عزوجل- بالخلق والرزق والصناعة والإحداث.
الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا
فهذا نوح -عليه الصلاة والسلام- أنكر قومه الشرك في أولئك الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم رجال صالحون كانوا في أولئك القوم فماتوا في وقت مقارب، فحزن عليهم قومهم فجاءهم الشيطان فسول لهم - والشيطان يطبخ على نار هادئة، لا يستعجل النتائج كما يفعل بعض المتهورين - جاء إلى هؤلاء وقال: صوروا عليهم صورًا -يعني انحتوا لهم منحوتات تشبههم- وانصبوها في مجالسكم فإذا رأيتموها نشطتم على العبادة، فجاءهم بمقصد طيب لكن السبيل إليه سيء وبدعة، ففعلوا ذلك فذهب ذلك الجيل وجاء جيل بعدهم من أحفادهم نُسي فيهم العلم، فجاءهم الشيطان، وقال لهم: إن آباءكم ما صوروا هذه الصور إلا أنهم كانوا صالحين، وكانوا يستشفعون بهم الله، يتوسلون بهم إلى الله، فدعوهم فوقعوا في الشرك وعند ذلك بعث الله نوحًا -عليه السلام-، وهو أول شرك وقع في بني آدم؛ فدل ذلك على أن الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا. ومختصو علم الاجتماع الذين أخذوا علمهم عن أساتذتهم في فرنسا أو أوروبا وأمريكا: من أمثال (سارتر) وغيره يقولون: إن الشرك في الإنسان أصيل؛ لأن الإنسان كان بدائيا في حياته وفي طعامه وشرابه ولبسه حتى في معتقداته، ثم ما زال يتطور حتى بلغ التوحيد وهذا من أبطل الباطل!. فمن أول إنسان؟ أليس آدم -عليه السلام؟ فآدم كان موحدًا، وكذا بنوه على عشرة قرون، حتى جاء الشرك، إذًا فالشرك طارئ ودخيل على الإسلام والتوحيد، والأصل في بني آدم أنهم كانوا أهل توحيد وإسلام.
كسر صور الصالحين
والنبي - صلى الله عليه وسلم- كسر صور الصالحين المنحوتة؛ حيث كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، صورت على رجال صالحين، منها الأصنام التي كان العرب يعبدونها، (اللات): وهو رجل كان في الطائف، وكان يلت السويق للحاج يطعمهم إياه، والسويق نوع من الطعام، فلما مات -وكان صالحًا- عكفوا على قبره، وأوحى إليهم الشيطان أن صوروا له صورة، فصوروا صورة هي رمز عن هذا الصنم؛ فأصبحوا يتقربون إليه، وكذا الحال في مناة والعزة وهبل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كسر الأصنام وأبطلها؛ لأن الإبطال لها إبطال لمادة الشرك.

اعداد: فضيلة الشيخ الدكتور :علي بن عبدالعزيز الشبل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-10-2023, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات

(2) الفر ق بين مشركي زمننا والمشركين الأولين


  • زعم القبوريون أن المقامات والأضرحة مشروعة لأنها خارجة عن معنى الأصنام وهذا غلط عظيم وجهل خطير بالتوحيد وأدلته
  • مشركو العرب كانوا يعبدون الله ويوحدونه في أنواع من العبادة لكنهم أشركوا في غيرها والعبادة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت خالصة من الشرك في جمـيــع أنواعهــا
  • مشركو العرب كانوا مقرين بأن الله هو الذي يخلقهم ويرزقهم ويحييهم ويميتهم ولكن شركهم في العبادة في التقرب في الاعتقاد
الشيخ: د. علي بن عبدالعزيز الشبل هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها. وقد ذكرنا في المقال السابق حقيقة التوحيد ومعناه، والفرق بين التوحيد عند أهل السنة وعند غيرهم من الفرق، ثم ذكرنا أن الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا، وقلنا: إن النبي - [- كسر الأصنام؛ لأنها رموز الشرك وتكسيره إياها من حسم مادة الشرك؛ فهم ما عبدوا الحجر لذاته ولكن عبدوا ما يرمز إليه الحجر، وتطور هذا ببعضهم مع طول العهد حتى عبدوا الأحجار واعتقدوا فيها النفع والضر، ولهذا بلغ العرب في جاهليتهم الحضيض الداني في الوثنية، ومن صور وثنيتهم أنَّ أحدهم اتخذ حجرًا ربا، فجاءه يومًا وإذا هذا الثعلب على ربه يتبول، فقال: أربٌّ يبـــول الثعلبــان برأســـه لقد هان من بالت عليه الثعالب فهُدي بهذا إلى التوحيد والإيمان بالله -عزوجل. وآخر يتخذ إلهه من التمر يعجنه ويعبطه ويشكله حتى يكون مثل الصلصال يرسمه، فإذا جاع أكله. هذه حالهم قبل بعثة النبي - [- فجاء النبي - [- فكسر صور الأصنام وصور الصالحين، فقد جاء داعيًا لهم بالتوحيد داعيًا إلى أن يفردوا الله بالعبادة، ولما سأل الحصين والد عمران -رضي الله عنهم- كم تعبد؟ قال: أعبد ستة آلهة، خمسة في الأرض وواحد في السماء، قال: من تقصده في حاجتك في رغبائك في سرائك قال: الذي في السماء، قال: إذن فأفرده بالعبادة، قال: نعم، لأنها وافقت بداهة الفطرة وبداهة العقل. تنبيه مهم مما سبق يتضح أن الأصنام والأوثان من حجارة أو نحوها لم تكن مقصودة لذاتها، وإنما هي رموز للصالحين والأولياء، وهذا ما لم يدركه القبوريون وغيرهم؛ حيث ظنوا الشرك محصورًا في عبادة الأصنام، وعليها نزلوا آيات أحاديث النهي عن الشرك في الكتاب والسنة. زعم مكذوب وزعموا أن المقامات والأضرحة مشروعة؛ لأنها خارجة عن معنى الأصنام، وهذا غلط عظيم وجهل خطير بالتوحيد وأدلته في الوجهين، قامت عليه أكثر شبههم في توحيد العبادة، وسيظهر لك هذا الغلط في تفهم شبهاتهم التي كشفها الشيخ المجدد -رحمه الله- في رسالته هذه، فليتنبه لهذا المسلم وليراعه طالب العلم فإنه مفيد جدا، يفيده ويعينه في جدال المشركين وإبطال شبههم، وليتدبره، قال -رحمه الله تعالى-: «وآخر الرسل محمد - [- وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا». حال العرب مع جاهليتهم هذه مقدمة في حال العرب مع جاهليتهم الجهلاء؛ فإنهم لم يكونوا خالين من مظاهر العبادة، بل كانوا يصلون ويحجون ويتصدقون ويعظمون الله ويعظمون حرمه ويتعبدون لله -جل وعلا-؛ فما كانوا خلوا عن العبادة لكنهم كانوا على انحراف خطير في أصل العبادة، وذلك بصرف نوع من العبادة أو أكثر، كأن يذبح أحيانًا لغير الله وسائر ذبحه لله، أو يدعو ويستغيث أحيانًا بغير الله وسائر حاله دعاء الله والاستعانة به...! ولهذا لو قلت لك هل كان العرب ليست لهم عبادة؟ الجواب: لا، بل كانوا يعبدون الله -جل وعلا-، ويُعظمونه ويحجون بيته ويتصدقون ويُصلون، ويُعظمون حرماته. الفرق بين القبوري والعربي في جاهليته وهذه مقدمة مهمة؛ لأنه سيأتي مشرك قبوري وعابد مقام وضريح يُقدم قرابين لهذا الضريح أو يطوف به أو يدعوه، ويقول لا إله إلا الله، فما الفرق بينه وبين العربي في جاهليته؟ وما الفرق بينه وبين أهل مكة في الجاهلية؟ الجواب: لا فرق؛ لأن أهل مكة كانوا يعظمون الله -جل وعلا-، ويعظمون الحرم، حتى إن الرجل من العرب كان إذا وجد في الحرم قاتل أبيه، وقاتل أخيه لا يُهيجه؛ تعظيمًا لحرم الله -جل وعلا-، بل إذا وجده في الأشهر الحرم في أي مكان لا يُهيجه ولا يصيب منه تعظيمًا لهذا الزمان من تعظيمهم للحرمات، وإذا أرادوا قتل أحد خرجوا به خارج الحرم، بل كانوا إذا جاءهم مظلوم انتصروا له حتى ولو من أنفسهم، وهذا مما جاء به النبي - [-، لكنه حذرهم من الشرك. وكانوا يحجون وكانوا لا يطوفون بالبيت بثياب عصوا الله فيها؛ ولهذا إن كان لأحدهم أحد أو صديق من أهل مكة يُعطيه ثيابا طاف بها وإلا طاف عُريانًا، فإن أهل مكة يُقال لهم «الحمس» وهم يطوفون بثيابهم وإنما الذي يتجرد من ثيابه هو الأفقي إن لم يجد من يعيره ثيابه من الحمس! وهذا من الازدواج والتناقض، وذلك أنهم في هذه الأمور يُشددون في المعاصي وفي التوحيد يتهاونون! ولهذا امتنع النبي - [- أن يحج على الفور لما فرض الله عليه الحج في العام التاسع لوجود مظهر الشرك ومظهر الفسوق، ولهذا أناب عنه من يحج بالناس أفضل الصحابة أبو بكر الصديق -]- ثم أردفه بعلي وأبي هريرة -رضي الله عنهما- يصيحان بالناس: «ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان»، وفيه أنزل الله قوله -جل وعلا-: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا} (الأعراف: 31). كانوا يعبدون الله ويوحدونه فهؤلاء كانوا يعبدون الله ويوحدونه في أنواع من العبادة، لكنهم أشركوا في غيرها، والعبادة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت خالصة من الشرك في جميع أنواعها، وقس هذا على أهل زماننا يتضح لك أنهم متساوون فيما هم فيه من الشرك؛ في مشركي زماننا مع المشركين السابقين؛ من حيث صرف العبادة أو بعضها لغير الله، مع زيادة مشركي زماننا عليهم في الشرك في الربوبية في حالي السراء والضراء. وسائط بينهم وبين الله قال -رحمه الله- «ولكنهم يجعلون المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأُناس غيرهم من الصالحين؛ فبعث الله محمدًا - [- يُجدد لهم دين أبيهم إبراهيم، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلًا عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون مقرون ويشهدون أن الله هو الخالق الرزاق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، وأن جميع السموات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت صرفه وقهره». الإقرار بتوحيد الربوبية لقد كان المشركون ومنهم أهل مكة يعبدون الله ويوحدونه، وكانوا مقرين بتوحيد الربوبية يعتقدون أن الخالق واحد هو الله، وأن الرازق واحد، وأن المحيي واحد، وأن المميت واحد، وأن المتصرف في كونه واحد، لا يعتقدون أن هناك متصرفا غيره، وبهذا يظهر الفرق بين المشركين الأولين وبين غُلاة المشركين المعاصرين الذين يدَّعون أن لصالحيهم وأن لمقربيهم تصرفات في العالم وفي الكون، وهذا شرك في الربوبية، وأولئك المشركون الأولون ما أشركوا مع الله في الربوبية، فانظر إلى الفرق بين مشركي زماننا والمشركين الأولين! هذه المسألة الأولى. المسألة الثانية أن مشركي العرب كانوا يشركون مع الله أناسًا صالحين إما ملائكة أو أنبياء أو رسلا أو أولياء، الملائكة مثل: جبريل، والأنبياء مثل: عيسى وعُزير ودانيال ويونس، وكانوا يشركون في صالحين مثل مريم وود واللات... إلخ، أما مشركو زماننا فقد يشركون بمن هو طالح فاسق فاجر والعياذ بالله، وقد يُقيم الضريح على جسم حمار أو كلب ويلبس على الناس أنه قبر رجل صالح، ألاحظتم أيها الإخوة الفرق بين هذا وذاك؟، ولهذا ساق الشيخ لكم أن هؤلاء شركهم في أنهم تقربوا إلى هؤلاء الصالحين بأنواع من العبادات، فمنهم من كان يعبد الجن خوفًا منهم، قال -تعالى-: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}، فقد كان ينزل أحدهم إلى المكان يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه، وهذا شرك في الاستعاذة. موحدون مقرون لله بالربوبية وأما في الربوبية فهم موحدون مقرون لله بالربوبية؛ ولهذا ساق الشيخ في هذا المقام آيتين من القرآن: آية سورة يونس، وآية سورة المؤمنون قوله -تعالى-: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}، وقوله -تعالى-: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}، فهم مقرون بأن الله هو الذي يخلقهم ويرزقهم ويحييهم ويميتهم، ولكن شركهم في العبادة في التقرب في الاعتقاد، شرك الاعتقاد: أن يعتقد أن هذا ينفعه عند الله ولو لم يقع هذا في الشرك لكان مشركًا في اعتقاده، وأعظم منه أن يعتقد أن هذا مؤثر يؤثر في الكون في العالم، يعلم الغيب، وهذا شرك في التأثير وهو شرك في الربوبية، وهو أقبح من الشرك في العبادة وكلاهما قبيحان!. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نبه على الفرق بينهما مرارًا، ومن مواضع هذا التفريق الشهيرة ما ذكره في نواقض الإسلام العشرة، فالناقض الأول في شرك الربوبية، والثاني في شرك الوسائط، والله المستعان.

اعداد: فضيلة الشيخ الدكتور :علي بن عبدالعزيز الشبل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-10-2023, 09:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (٣)

– مشركو العرب وجحد توحيد العبادة


هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.
  • قال -رحمه الله-: «فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يشهدون لله هذه الشهادة؛ فاقرأ قوله -تعالى-: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (يونس: 31) وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (المؤمنون) وغير ذلك من الآيات.
  • فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا، ولم يدخلهم في التوحيد الذي جحدوه وهو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا: الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله -سبحانه- ليلًا ونهارًا.
إخلاص العبادة لله وحده
  • ثم منهم من يدعو الملائكة؛ لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلًا صالحًا مثل اللات، أو نبيا مثل عيسى، وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده كما قال -تعالى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن) وكما قال -تعالى-: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} (الرعد: 14)، وتحققت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إنما قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله.
إقرارهم بتوحيد الربوبية
  • وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولنا: لا إله إلا الله.
النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد
  • فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي: لا إله إلا الله، والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها، والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة هو إفراد الله -تعالى- بالتعلق، والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه؛ فإنه لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله قالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5).
العجب ممن يدعي الإسلام!
  • فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة! بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.
  • إذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه. وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا، إذا عرفت كل ما ذكرته لك سابقًا أفادك ذلك فائدة:
الفائدة: الفرح بفضل الله ورحمته
  • كما قال -تعالى-: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس)، وأفادك أيضًا الخوف العظيم؛ فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله -تعالى- كما يظن المشركون، خصوصًا إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} (الأعراف: 138) فحينئذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.
أعداء التوحيد
  • واعلم أن الله -تعالى- بحكمته لم يبعث نبيا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (الأنعام: 112) وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (غافر: 83).
إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج، فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير سلاحًا تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك -عزوجل-: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حججه وبيناته فلا تخف ولا تحزن {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء: 76).
الذي جحدوه هو إفراد الله بالعبادة
  • قال المصنف - رحمه الله -: إذا تحققت أنهم كانوا مقرين بالربوبية، وإقرارهم بالربوبية لم يدخلهم في الإسلام، بل حاربهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذبهم وكفرهم، وتحققت أن الذي جحدوه وهو ما دعاهم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إفراد الله بالعبادة: وهو توحيد العبادة، إذا تحققت من هذا عرفت الشرك الذي يسميه الناس في زمانه - أي زمان الشيخ - بالاعتقاد في الأولياء والصالحين والأنبياء وغيرهم أنهم ينفعون عند الله، وأنهم وسائط بينننا وبين الله -جل وعلا- (فهذه المقدمة مهمة لكشف هذه الشبه)؛ لأن صاحب هذه الشبه يقول: إن التقرب بالذبح أو بالدعاء أو بالاستغاثة بالأولياء ليس شركًا ولا يخرج من الملة ولا يحل الدم والمال... إلخ.
الفرق بين هذا وبين شرك الأولين
  • يقول الشيخ: ما الفرق بين هذا وبين شرك الأولين: شرك العرب؟ لا فرق بينه لمن عقل وفهم التوحيد الذي جاء به النبي والأنبياء قبله -عليهم الصلاة والسلام-، وعرف ما نهوا عنه من الشرك، ولم يعاند ولم يكابر. فهؤلاء محتاجون أصلًا لمعرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - هذا أولًا.
  • وثانيًا: هم محتاجون لمعرفة ما ماهية الشرك الذي حاربه الرسل وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وحاربوا أهله وحذروا منه ومنهم!
  • وكلا الأمرين: معرفة التوحيد ومعرفة الشرك مهمان ومتلازمان؛ فإنه لا يتحقق أحدهما إلا بتحقيق الآخر؛ حيث قد يعرف التوحيد ولكن لا يحققه لله -عز وجل- بجهل ذلك العبد بالشرك القادح في التوحيد.
  • مثاله: من عرف وجوب العبادة لله وحده دونما شريك. ولم يتحقق أن التوسل بغير الله بسؤالهم الشفاعة والاستغاثة بهم شرك يقدح في أصل الدعاء، والسؤال الذي هو نوع من أنواع العبادة، فعدم تحقيقه علمًا وعملًا يوقعه في اللبس وعدم اعتباره شركًا قادحًا في التوحيد.
  • والسبب عدم تحقيق علم التوحيد الذي بعث الله به رسله - عليهم الصلاة والسلام - ومعرفة الشرك الذي نهوا عنه، فهذا مقصد عظيم قرره الشيخ في هذه المقدمة.
  • فأنت أيها المسلم، ويا طالب العلم إذا عرفت التوحيد المطلوب، وتحققته، وعرفت الشرك وفهمته، علمت ما يقع به الناس من التوحيد أو الشرك.


اعداد: بقلم: علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-10-2023, 03:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (4)

العامي من الموحدين يغلب رؤوس المشركين


  • لا تكن إمعة رخوًا خفيفًا أينما نُقلت انتقلت وكيفما حُوِلت تحولت ما دام أنك أخذت اعتقادك عن علم ويقين فاثبت عليه
  • العامي الموحد يغلب ألفًا من علماء المشركين لأنهم هباء لا شيء إنما هيكل ومنظر أما في الحقيقة فلا حجة ولا برهان
  • القرآن ما نزل إلا هدى فلا يشتبه إلا على من لا علم عندهم بل يدريه ويعلمه ويحققه الراسخون في العلم
هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.
  • قال -رحمه الله- {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات)، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما هم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، هذا الذي أشار إليه شيخ الإسلام أمر واقع، وحقيق، وملموس أيضًا، أن العامي الذي حقق لله -جل وعلا- التوحيد يغلب ألفًا من علماء السوء وعلماء الشرك فلم.
لأن معه من الله تأييدا، ومعه من الله برهانا، وهو من جند الله، والله -جل وعلا- تكفل بنصر جنده {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات) وقال -تعالى-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج) فجند الله هم الغالبون فإن لم يكن أهل التوحيد وأهل الإيمان هم جند الله فمن جند الله إذًا؟
علماء المشركين جبناء مع الحق
  • وعلماء المشركين الذين أوتوا علومًا وكتبًا وتأليفا جبناء مع الحق؛ لأن الحق مستقر والباطل مزهوق، كما قال -سبحانه في آية الإسراء-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء)، وهذا الكلام والتقرير في عرض أمثلته يطول، ومظانه كتب السير والتأريخ في التراجم، ولا سيما تراجم علماء العقيدة الصحيحة وعلماء التوحيد من السلف والخلف، وسير أئمة التوحيد والعقيدة بصبرهم وجهادهم وغيرتهم على دين الله.
فالعامي الموحد يغلب ألفًا من علماء المشركين؛ لأنهم هباء لا شيء، إنما هيكل ومنظر، أما في الحقيقة فلا حجة ولا برهان، أما أهل التوحيد معهم تأييد رب العالمين، ومعهم فطرة سليمة، ولهذا العامي الموحد في كل زمان ومكان يثبت في قوله وفعله ومبدئه وعقيدته، إذا كان صادقًا في إيمانه ثابتًا فيه، فتمسك بهذا الأصل، وحققه فإنه مفيد عزيز جدًا.
مثال بالحجة
  • وهناك مثال بالحجة في قصة ذكرها الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين -رحمه الله- في «رده على ابن جريس». قال: إن رجلًا عالمًا من أهل الطائف التقى بعامي من أهل نجد، فقال الطائفي للنجدي: أنتم تحتقرون الأولياء والشهداء، والله -تعالى- يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. فقال العامي النجدي: هل قال الله: {يُرْزَقُونَ} أو قال {يَرزقون} فقال الطائفي: بل قال: {يُرْزَقُونَ} قال العامي النجدي: ما دموا يرزقون. فأنا أسأل الذي رزقهم أن يرزقني - فقال الطائفي: ما أكثر حججكم يا أهل نجد!.
الخوف على الموحد
  • قال المصنف -رحمه الله-: «وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح»، انتبه أيها المؤمن! فالخوف على الموحد الذي يسلك الطريق فعنده توحيد وعنده عقيدة وعنده تصفية لهذا الإيمان ومحقق التوحيد لله لكن ما عنده سلاح، وما عنده علم، هذا الذي يُخاف عليه؛ حيث تأتيه شبهة فتقلب هذه الأصول عنده إلى أمور مشكوكة -والعياذ بالله- قد يضلُّ بها، إذًا الشأن مع التوحيد، العلم بدلائل هذا التوحيد وأدلته وبراهينه وكشف شبه أصحاب التشبيه والتشكيك وأصحاب الأهواء.
القرآن ينقض حجج الباطل
  • وقال -رحمه الله-: «وقد من الله -تعالى- علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل) فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال -تعالى-: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (الفرقان) قال بعض المفسرين: «هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة».
وهذا القول ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره أنها عامة في كل حجة يُدلي بها المبطل إلى يوم القيامة أن في القرآن كشفها، وإنما الشأن فيمن يفهم، ويستنبط ويُحسن الاستدلال بأدلة القرآن، وهذا لا يتأتى إلا بعد طول ممارسة ومدارسة وعلم بهذه الأصول: أصول التوحيد، أصول تلقي العلم وفهمها، ومن ثم تنكشف عنده شبه المبطلين وباطلهم، ولهذا غالبًا ذوو الشبهات يستطيلون على قليل العلم وضعاف البصيرة، الصغار سنا أو علمًا، فيستطيلون عليهم بأهوائهم وشهواتهم، أما طلبة العلم المحققون أو العلماء المحررون في علمهم فهؤلاء لا سبيل إلى ذوي الشبهات عليهم أبدًا، سواء كان في التوحيد، أم في فروع الشريعة.
  • قال -رحمه الله- «وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا. فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل، أما المجمل، فهو الإرث العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران: 7).
ذوو الشبهات لهم جوابان
الآن الدخول إلى مقصود المؤلف في كشف الشبهات، وذلك أن ذوي الشبهات لهم جوابان: 1 - مجمل. 2 - ومفصل.
  • خلاصة مقصده: وهو أنه إذا جاءك القبوري، أو المشرك، أو من يدعو غير الله -جل وعلا-، أو صرف له أنواعًا من العبادة يريد أن يصوب ما هو عليه، ويسوغ حاله فأتاك بأدلة وجاءك بنصوص يريد أن يستدل بها ويلبس عليك؛ فقل: أنا لا أعرف ما تقول بهذا القول، أنا عندي قواطع أبني عليها، وأنا أعرف أن الله -جل وعلا- ذكر لنا من يلوي لسانه بكلام الله ليوافق مذهبه، يلوي أعناق النصوص ليوافق قوله، وقد حذرنا من هؤلاء كما في أول آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران: 7).
لا تكن إمعة رخوًا
فأنا لا أدع المُحْكَم الذي عندي لأجل المتشابه، وهذا جواب مجمل ينفع مع كل ذي شبهة، ولا تكن إمعة رخوًا خفيفًا أينما نُقلت انتقلت، وكيفما حُوِلت تحولت، ما دام أنك أخذت اعتقادك عن علم ويقين فاثبت عليه! ولا تنتقل عنه إلا بشيء مثله بالوضوح أو أوضح منه، وهذا -يا أيها الإخوة- في كل أمر، وهو في العقيدة أولى، لا تنتقل عن اليقين إلا عن يقين واضح، وبدليل: بصحة استدلال أو بصحة تعليل. أما مجرد شبهة فتصير مثل المُنْبَّت الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، وهذا هو المُنْبَّت الخفيف المرجوج، أما الراسخ الثابت العاقل البصير فتجده أمهل الناس عند الشبهات، وعند الفتن فتنبه!
الله يعلم تأويل المتشابه
والوقوف على قوله -تعالى-: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} كما في المصاحف التي بين أيدينا وقف لازم، وعيب على من لا يقف؛ لأن الواو بعدها -في أشهر أقوال أهل العلم- استئنافية {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا}. وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ذكر وجهًا ثانيًا، أن المتشابه الله يعلم تأويله، ويعلم تأويله الذين أوتوا العلم وهم الراسخون في العلم فيكون الوقف عندئذ وقف مستحب، ولا معيبة على من أتم قراءته ولما يقف؛ لأن الراسخ في العلم يعلم تأويل هذا المتشابه يرده إلى المحكم. لم؟ لأنه بناها على أصل عظيم، وهو أنَّ القرآن ليس فيه متشابه تشابهًا كليا لا يعرف معناه أحد، وهذا أصل مهم؛ لأن القرآن ما نزل إلا هدى، فلا يشتبه إلا على من لا علم عندهم، على من لم يحققوا العلم فيه، لكنه لا يشتبه على الجميع بل يدريه ويعلمه ويحققه الراسخون في العلم.
أولئك الذين سمى الله
قال -رحمه الله- وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم»، وهذا في حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين، تقول -رضي الله عنها-: «تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم!
اعداد: بقلم: علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-10-2023, 03:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (5)

شبهـات المشـركين والـرد عليها


  • إذا حققت العلم بالتوحيد الذي أمر الله به وبالشرك الذي حرّمه الله زالت عنك هالات شبههم فغدت عندك سرابًا لا حقيقة
  • النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين على جحدهم توحيد العبادة ولم يقاتلهم على توحيد الربوبية
  • ظن المشركون أن الشرك فقط هو عبادة الأحجار وهذا ظن فاسد لأن الشرك كل من جعل مع الله أحدا ملكا مقربا أو عظيما أو ذليلا صغيرا أو كبيرا أو جليلا أو حقيرا
هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.
  • قال -رحمه الله-: إن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرا، فضلًا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم، فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، واقرأ عليهم ما ذكر الله في كتابه ووضحه، هذه أول شبهة سيكشفها الشيخ في كشف الشبهات، وهي نحو ثلاث عشرة شبهة، ثلاث منها رئيسية، وهي التي يكثر ذكرها من أولئك، وهي ما سنتناولها بالتفصيل في الحلقات القادمة إن شاء الله.
الشبهة الأولى
  • وهي قولهم: «نحن لا نشرك بالله، بل نعتقد أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله وحده»، هذه الشبهة تفيد أن صاحبها وملقيها ما عرف التوحيد الذي جاءت به الرسل؛ لأنه قال: نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله؛ فهذا هو توحيد الربوبية، ولم يمنع هذا التوحيد قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - للكفار مع أنهم كانوا يقرون به، لكن ما نفعهم إقرارهم به وحده، إذًا فهؤلاء ما عرفوا الشرك وما عرفوا التوحيد! فهذه الشبهة وما أكثر ما نسمعها من هؤلاء وأمثالهم! بل إن من طاوعهم على هذه الشبهة قادتهم إلى أن أشركوا بالربوبية؛ لأن هؤلاء المعتكفين عند المقامات والأضرحة المتعلقين بالأنبياء والصالحين اعتقدوا فيهم التأثير والنفع والضر والتصرف في الكون بعد ما كانوا يعتقدون أنهم مجرد وسائط إلى الله، ويعترفون أن المقصود وهو الله، والنافع الضار المؤثر المتصرف هو الله، لكنهم مع تطاول المدة وعدم الإنكار بلغوا هذا الحد، وانتقلوا من الشرك القبيح في العبادة إلى ما هو أقبح منه الشرك في الربوبية.
  • وقوله «واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه» يعني الآيات التي جاءت أن هؤلاء أقروا بذلك مثل قوله -تعالى-: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) وقوله -سبحانه-: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس:18)، يقولون المقصود هو الله لكن هؤلاء وسائط يشفعون لنا، والحجة لا تقوم إلا بفهم لها يعرفها وليس مجرد أن يردها من غير إدراك لمعانيها.
الشبهة الثانية
  • قال -رحمه الله-: «فإن قال هذه الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام، أم تجعلون الأنبياء أصنامًا؟ فجاوبه بما تقدم»، وانتبه إلى هذه الشبهة فهي ناشئة من الجهل بالشرك؛ فلم يعرفه، وذلك أن أولئك المشركين في الجاهلية ما عبدوا أصنامًا أحجارًا بذاتها، إلا لأنها رموز إلى أقوام ورجال صالحين؛ وليست هي المقصودة بالتعظيم والعبادة لذاتها، بل لكونها رموزًا لأولئك، كما قال -عز وجل-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} فهؤلاء المبررون من الملائكة والأنبياء والصالحين هذا شأنهم مع الله يبتغون رضوانه، ومع هذا ما عذرهم ذلك، وهذا من جهلهم بالشرك؛ فظنوا أن الشرك فقط هو عبادة الأحجار وهذا ظن فاسد، بل الشرك كل من جعل مع الله أحدا: ملكا مقربا، أو عظيما أو ذليلا، صغيرا أو كبيرا، أو جليلا، أو حقيرا.
أصل كبير لدى المخالفين
  • وهذه الشبهة أصل كبير لدى المخالفين من القبورية والمتكلمين الذين ظنوا أن الشرك المخرج من ملة الإسلام هو في عبادة الأصنام والحجارة، وفي اعتقاد التأثير في الصالحين مع الله، أما اتخاذهم إلى الله وسائل ووسائط تقرب إليه فهو التوحيد عندهم وأمثالهم، في تغافل وتجاهل عظيمين لقوله -تعالى- في أول سورة الزمر: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}.
إقرار الكفار بتوحيد الربوبية
  • قال -رحمه الله- «فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } (الإسراء: 57) الآية، ويدعون عيسى بن مريم وأمه وقد قال الله -تعالى-: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (المائدة) واذكر له قوله -تعالى-: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (سبأ) وقوله -سبحانه- و-تعالى-: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (المائدة) فقل له: أعرف أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفَّر أيضًا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
  • يعني أولئك المدعوون أي الذين يدعون المشركين من دون الله من الأنبياء ومن الملائكة ومن الجن ومن الصالحين يبتغون إلى ربهم الوسيلة - وهي التقرب والقربى - أيهم أقرب؟ ولهذا يوم القيامة يتبرؤون من دعوة هؤلاء كما تبرء عيسى - عليه الصلاة والسلام - ممن اتخذه وأمه إلَهَيْن، كما تتبرأ الملائكة ممن عبدهم {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (سبأ: 41)، «وقل له عرفت أن الله كفَّر من قصد الأصنام وكفَّر أيضًا من قصد الصالحين» فهم ظنوا أن التكفير لمن قصد الحجارة، ومعلوم أن الأصنام ما قُصدت لذاتها ولكن لأنها رموز عن أولئك الصالحين، ولهذا حرم التصوير لأنه وسيلة إلى الشرك».
ولهذا فالتصوير جاء الوعيد والتشديد في تحريمه؛ لأنه وسيلة وذريعة إلى الشرك، وبه حصل أول شرك في بني آدم سواءً نحتًا أم رسمًا باليد الذي يُسمى الآن: (الفن التشكيلي) أو تصويرا بالكاميرات والآلات، ثم تُعظم في المجالس والمنتديات والنوادي وغيرها. فإن هذا -وإن لم يعبده ويعتقد فيه صاحبه في الوقت الحاضر- لكن يكون ذريعة إلى هذا التعليم.
الشبهة الثالثة
  • قال -رحمه الله-: «فإن قال: الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم، فالجواب: أن هذا للكفار سواءً بسواء، واقرأ عليه قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) وقوله -تعالى-: {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } (يونس: 18)، هذه هي الشبهة الثالثة.
فالشبهة الأولى: يقول: أنا ما أشركت، أنا أعتقد أن الله هو الخالق الرازق، والشبهة الثانية يقول: إن هذه الآيات نزلت فيمن عبد الأصنام وأنا لا أعبد الأصنام، أنا أتقرب إلى الله بهؤلاء الصالحين، بجاههم وبقدرهم، فهذه الشبهة الثالثة يقول: إن الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار، فلاحظوا أنه رجع إلى توحيد الربوبية.
الجهل بكلمة التوحيد
وهذا من الجهل الذريع بهذه الكلمة، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، ولهذا الشيخ المجدد -رحمه الله- دندن كثيرًا حول بيان هذه الكلمة، فليس معناها: لا نافع ولا ضار ولا خالق إلا الله، وإنما معناها: لا معبود بحق إلا الله، وهذه مشكلة عظيمة وواقعة، وهذا المفهوم التبس على كثير من بلاد المسلمين خصوصًا المراكز العلمية الشهيرة والجامعات الشهيرة لدى المسلمين؛ حيث يدرِّسون الناس التوحيد بأن معناه: معنى لا إله إلا الله: لا خالق لا رازق إلا الله، كعقيدة علماء الكلام والصوفية التي يسمونها: التوحيد.
العلم بالتوحيد
فالعلم بالتوحيد أمرك الله به، وبعث إليك رسله -عليهم الصلاة والسلام- دعاة إليه، وأنزل به كتبه، والعلم بالشرك الذي حرّمه الله وعظَّمه وشدَّد النكير عليه وعلى أهله، إذا حققتهما وعرفتهما زالت عنك هالات شبههم، فغدت عندك سرابًا لا حقيقة، عجاجًا لا شيء تحتها، قال -رحمه الله- «واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم فإذا عرفت أن الله وضحها في كتابه، وفهمتها فهمًا جيدًا فما بعدها أيسر منها»
قواعد خمسة في الرد على شبهات المشركين
المقصد الأعظم في تأصيل ردِّ تلكم الشبه والجواب عليها واضح بأمور خمسة رئيسة: 1 - أن الله بين التوحيد بأنه لا معبود بحق إلا الله، وتوحيد هؤلاء هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، فلا ينفعهم والحال هذه، قال -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (الحج: 62)! 2 - النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على جحدهم توحيد العبادة ولم يقاتلهم على توحيد الربوبية. 3 - أنه - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم وحكم عليهم بالنار؛ لأنهم لم يُحققوا لله العبادة. 4 - أنهم ما اعتقدوا في آلهتهم النفع والضر، وإنما جعلوهم وسائط عند الله شفعاء صالحين. 5 - أن هذه الأصنام كانت رموزًا لصالحين، اعتقدوا فيهم الصلاح، فقصدوهم، إذا عرفت هذا وتبينته وتحققته فإن ما بعده من الشُبه كُله هين، ولا تهتم به.

اعداد: بقلم: علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 112.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.83 كيلو بايت... تم توفير 3.51 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]