أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 3829 )           »          ورقات في ترجمة الشيخ محمد فودي توري رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مراحل الاستعداد لغزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          القارئ الخاشع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيف سارت عملية توزيع غنائم غزوة الطائف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          غزوة الطائف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 889 - عددالزوار : 119604 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 8877 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-09-2023, 02:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,306
الدولة : Egypt
افتراضي أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث

– أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة


الإيمان من أهمّ عناصر بناء الشخصيّة الإسلاميّة ومقوّماتها، والإيمان هو العقيدة الرّاسخة في القلب، والتّصديق الجازم بوجود الله -تعالى- وعبادته وحده، ووصفه بصفاته الثابتة التي وصف -عز وجل- نفسه بها، من غير تكييفٍ، أو تعطيلٍ، أو تحريف، فضلا عن التّصديق برسوله - صلى الله عليه وسلم - وما أُرسِلَ به، والإيمان بأركانه كما وردت في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإِيمانُ: أنْ تُؤمن بِاللهِ ومَلائِكتِه، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمن بِالقَدَرِ خَيرِهِ و شَرِّهِ».
من هنا كان تعميق الإيمان في القلوب الأساس في بناء الشخصية المسلمة؛ فمنه تتعمق القيم الفاضلة، والأخلاق الحسنة؛ فالقلوب هي المحركة للأبدان، ولا صلاح للعبد إلا بصلاحها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ».
الإيمان بين مقامي الإسلام والإحسان
الإيمان واسطة العقد بين مقامي الإسلام والإحسان، ووالله لن نستطيع الإذعان والتسليم والانقياد للإسلام ولما جاء به بإحسان إلا من خلال مقام الإيمان، ومن خلال عقيدة راسخة، قاعدة إيمانية صلبة قادرة على إعطائنا قوة الدفع الذاتية، والطاقة والوقود لنذعن للإسلام وما جاء به، ونؤدي ذلك بإحسان بين يدي المولى -تبارك وتعالى.
الإيمان قولٌ وعملٌ
الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، قول اللسان وعمل الجوارح والأركان، وللإيمان أصل يزول بزواله وله كمال واجب وكمال مستحب، والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لذلك إذا نجحنا في تحقيق الإيمان وعمل حراك حقيقي له في قلوبنا، بفضل الله -تبارك وتعالى- سنستطيع من خلاله الثبات، والقدرة على البذل والتضحية والأداء المتميز، وبعون الله وتوفيقه سنؤدي الواجبات والحقوق في أمثل صورها.
تعريف الإيمان
أجمل تعريف للإيمان وأقصره وأسهله ما ورد في حديث جبريل الأمين -عليه السلام- حينما جاء في صورة سائل ومُصدق ومُؤكد على إجابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: «.. قال: يا محمدُ، ما الإيمانُ؟ قال: الإيمانُ أن تؤمنَ باللهِ وملائكَتِه وكتبهِ ورسلهِ، وتؤمنَ بالجنةِ والنار والميزانِ، وتؤمنَ بالبعثِ بعد الموتِ، وتؤمنَ بالقدرِ خيرهِ وشرهِ، قال: فإذا فعلتَ هذا فأنا مُؤْمِن؟ قال: نعم. قال: صدقت..... الحديث»، لقد كانت دورة تدريبية للصحابة الكرام على أخصر معاني الإيمان، لذلك فالسؤال المهم الآن: هل يُكتفى على حفظ هذا المتن البسيط أو حتى متون الإيمان الأخرى أو أصول الإيمان وفقط؟ لا، ليس هذا هو المطلوب، وليس هذا هو الذي سيثمر الشخصية المسلمة المثالية الآسرة المؤثرة التي نرجوها جميعا.
تفعيل هذه المعاني
لذلك لابد أن نتعلم كيف نقوم بتفعيل هذه المعاني في حياتنا، وتكون منهج حياة لنا؛ لتعطينا الطاقة والوقود وقوة الدفع الذاتية التي بها سنحتسب ونصبر، ونتحمل ونواصل، ونستمر ونبذل ونضحي ونعمل العمل المثالي الذي يكون مؤثرا في نفسه ومؤثرا -بعون الله وتوفيقه- في الآخرين، ولنأخذ بعض الأمثلة من أركان الإيمان الستة التي من خلالها نستكشف كيف تؤثر هذا الأركان في بناء شخصية المسلم بناءً متكاملا.
الإيمان بالله تبارك وتعالى
الإيمان بالله -تعالى- هو الاعتقاد الجازم بأن الله رَبُّ كُلّ شَيءٍ ومَلِيكه، وأنَّه الخَالِق الرازق المُحْيِي المِمُيْت المُدَبِّر لِجمَيع الأُمور، وأنه المستحق لأنْ يُفْرَدَ بالعُبُودِيَّةِ والذَّلِ والخُضُوعِ وجَمِيعِ أَنواع العِبادة، وأنه المتصفُ بصفاتِ الكمال، المنزه عن كل عيبٍ ونقص، وهذا هو الأساس الأول الذي يَقُوم بِنَاء شَخْصِيَّةِ المُسْلِمِ عليه.
وحتى نفعل هذا الركن في قلوبنا عليك أن تسأل نفسك: كيف تؤمن بوجود الله -تعالى؟ أي أين الأثر بوجوده في قلبك؟ هل لإيمانك بوجود المولى -تبارك وتعالى- أثر في قلبك وعلى جوارحك وأركانك؟ هل فعلا الإيمان بوجوده أوجد لديك قدرا من التعظيم والإجلال والتوقير والتقدير لهذا الرب الذي آمنت بوجوده -سبحانه وتعالى؟
مدرسة خُلقية وتربية نفسية
إن الإيمان بالله -تعالى- مدرسة خُلقية، وتربية نفسية ذاتية، تجعل الإنسان يتمسك تلقائيا بالفضائل الخلقية، ويضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة والتضحية والأمانة والعفة، فكل خير وكل فضل في حياة الإنسان وأعماله ما هو إلا من ثمار كلمة التوحيد والإيمان بالله -تعالى-، قال الله -عزوجل-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم: 24-25).
من ثمرات الإيمان بالله تبارك وتعالى
ومن ثمرات الإيمان بالله -تبارك وتعالى- الطيبة الطمأنينة والرضى؛ فالمؤمن لا يكون بأي حال قنوطًا؛ لأن لديه العلم بأن الله هو مالك خزائن السموات والأرض، وبأن رحمته الواسعة لا حدود لها، هذا الإيمان يملأ قلبه رجاء وأملاً في رحمة الله وفضله، ومع أنه يصادف في الدنيا البؤس والحرمان والابتلاء، فإن الأمل والرجاء لا يفارقانه أبداً، وبقوة يمضى في حياته عاملاً متفائلاً، والكافرون محرومون من هذه النعمة؛ لذلك يسيطر عليهم اليأس، وغالبًا ما يؤدى بهم إلى الانتحار، والله -عزوجل- يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (العنكبوت: 23).
لكل صفة عبودية خاصة
قال الإمام ابن القيم: والأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها - أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها - وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي تقع على القلب والجوارح:
- فعلم العبد بتفرد الرب -تعالى- بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة، تثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً.
- وعلمه بسمعه -تعالى- وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطناً، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفة غناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.
- وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية الظاهرة هي موجباتها، وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها.
آثار توحيد الربوبية وثمراته
وللإيمان بربوبية الله -سبحانه وتعالى- آثار عظيمة، وثمرات كثيرة، فإذا أيقن المؤمن أن له ربّاً خالقاً هو الله -تبارك وتعالى- وأن هذا الرب هو رب كلِّ شيءٍ ومليكُه وهو مُصرّف الأمور، وأنه هو القاهر فوق عباده، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض، أَنِسَت رُوحُه بالله، واطمأنت نفسه بذكره، ولم تزلزله الأعاصير والفتن، وتوجه إلى ربه بالدعاء، والالتجاء، والاستعاذة، وكان دائماً خائفاً من تقصيره، وذنبه؛ لأنه يعلم قدرة ربه عليه، ووقوعه تحت قهره وسلطانه، فتحصل له بذلك التقوى، والتقوى رأس الأمر، بل هي غاية الوجود الإنساني، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «ذاق طعم الإيمان من رضي الله ربَّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً».
ومن ثمراته أن الإنسان إذا علم أن الله هو الرزاق، وآمن بذلك، وأيقن أن الله بيده خزائن السماوات والأرض، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع قطع الطمع من المخلوقين، واستغنى عما بأيديهم، وانبعث إلى إفراد الله بالدعاء والإرادة والقصد.
ثم إذا علم أن الله هو المحيي المميت، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن أمره كلَّه بيد الله انبعث إلى الإقدام والشجاعة غير هياب، وتحرر من رق المخلوقين، ولم يعد في قلبه خوف من سوى الله -عز وجل.
ثمرات الإيمان
بالأسماء والصفات
ومن ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلك سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله - تعالى -أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بالعبد.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته فإنه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء، وهو -سبحانه وتعالى- رحيم يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء، وهو ستير يحب من يستر على عباده، وعفو يحب من يعفوا عنهم من عباده، وغفور يحب من يغفر لهم من عباده، ورفيق يحب الرفق وحليم يحب الحلم، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله -تعالى- تلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة.
أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة
خلاصة القول في تأثير الإيمان على شخصية المسلم أن سلوك الإنسان وأخلاقَه وتصرفاتِه في الحياة انعكاس ومظهرٌ من مظاهر عقيدته في حياته الواقعية وممارساته اليومية، فإن صلَحت العقيدة الإيمانية صلَح السلوك واستقام، وإذا فسَدت فسد واعوجَّ، ومن ثَمَّ كانت عقيدة التوحيد والإيمان بالله ضرورةً، لا يستغني عنها الإنسان؛ ليستكمل شخصيته، ويحقق إنسانيته، وقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد أول شيء قام به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة المسلمة.
الفضائل الإنسانية العليا
وإذا سيطر الإيمان الصافي على النفس، أثمر الفضائل الإنسانية العليا، فتسمو النفس عن الماديات الوضيعة، وتتَّجه دائمًا نحو الخير والنبل، والنزاهة والشرف، ويتخلق صاحبُها بالشجاعة والكرم، والسماحة والطمأنينة، والإيثار والتضحية، وكذلك فإن سوء الخُلق دليل على ضعف الإيمان؛ ولذلك فقد ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك ربطًا قويًّا، ونلاحظ ذلك في نصوص كثيرة مثبتة في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخر فليُكرِمْ ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُلْ خيرًا أو ليصمت»؛ رواه البخاري، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم أخلاقًا»، رواه الترمذي وأبو داود، وعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما - قال: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا متفحِّشًا، وكان يقول: «إن من خياركم أحسنَكم أخلاقًا» رواه البخاري.


اعداد: الشيخ شريف الهواري
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-09-2023, 11:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,306
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث

– أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة



الحلقة الثانية



ما زلنا في استعراض محاضرات المنتدى الرمضاني الثالث، ومحاضرة الشيخ شريف الهواري التي كانت بعنوان: (أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة)؛ حيث أكد الشيخ أنَّ تعميق الإيمان في القلوب هو أساس بناء الشخصية المسلمة؛ فمنه تتعمق القيم الفاضلة، والأخلاق الحسنة، كما ذكر أنَّ الإيمان واسطة العقد بين مقامي الإسلام والإحسان، وأنَّ الإنسان لن يستطيع الإذعان والتسليم والانقياد للإسلام ولما جاء به بإحسان إلا من خلال مقام الإيمان، وبين أنَّ الإيمان قول وعمل، قول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.
وللإيمان أصل يزول بزواله، وله كمال واجب وكمال مستحب، عند أهل السنة والجماعة؛ فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ لذلك إذا نجحنا في تحقيق الإيمان بحيث يقر في قلوبنا؛ فبفضل الله -تبارك وتعالى- سنستطيع من خلاله الثبات، والقدرة على البذل والتضحية والأداء المتميز، وبعون الله وتوفيقه سنؤدي الواجبات والحقوق في أمثل صورها؛ بما لدينا من قاعدة إيمانية قوية.
الإيمان بربوبيته -سبحانه وتعالى
كيف تؤمن بربوبية الله -سبحانه وتعالى؟ قال السلف: الإيمان بربوبيته -سبحانه وتعالى- يستلزم الإيمان بكونه الخالق أي الموجد من العدم، وكذا الإيمان بكونه المالك -سبحانه وتعالى- والمدبر، أي هو المعطي والمانع، والخافض والرافع، والمعز والمذل، والقابض والباسط، والرزاق والمحي والمميت، رب هذا الكون والمتصرف فيه، لا شريك له.
أثر الإيمان بربوبيته -سبحانه وتعالى
والذي يتأمل معنى الإيمان بربوبية الله -تبارك وتعالى- من خلال هذا المضمون، لا شك أنه سيزداد لديه قدر التعظيم والإجلال والتوقير والتقدير والإذعان والاستسلام والخضوع لمعرفة الرب -سبحانه وتعالى-، وهذه المعاني لها أبلغ الأثر على الإنسان في حياته؛ فتعطيه العزة والأنفة والقوة والطمأنينة والسكينة واليقين والثقة والأمل؛ لأن الأمر بيد الرب -سبحانه وتعالى- والذي لا شريك له في مُلكه.
الإيمان بأسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى
كيف تؤمن بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا؟ كيف تتعبد إليه بمقتضاها؟ كيف تجعل لنفسك منها نصيبا حتى يؤثّر على حركتك في أداء دورك في هذه الدنيا.
اسم الله (العليم)
وإذا تأملنا على سبيل المثال اسم الله (العليم)، نجد أن الإيمان بهذا الاسم العظيم يقتضي أن تكون على يقين بأنه -سبحانه- قد وسع كل شيء علما، وقد أحاط بكل شيء علما، وأنه -سبحانه وتعالى- يعلم السر وأخفى، يعلم الغيب والشهادة، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لِمَ لا؟ وهو بكل شيء عليم -سبحانه وتعالى-، يعلم ما كان وما لم يكن وما سيكون لو كان كيف يكون، إنَّ أثر الإيمان بهذا الاسم على العبد لا شك عظيم جدا.
كيف تسمو وترتقي بإيمانك؟
كيف تسمو وترتقي بإيمانك من خلال اليقين بهذه الأسماء الحسنى؟
لا شك أن هذه الأسماء ستوصلك إلى أعلى مقامات الإيمان، كما في الأثر، يأتي الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيسأله: «أي الإيمان أعظم؟ قال: أن تعلم أن الله معك حيثما كنت»، الشعور بعظمة علمه وسمعه وبصره ورقابته -سبحانه وتعالى-، ولذلك هو أعظم الإيمان الذي يلازم الإنسان حيثما كان في أي وقت، في أي مكان، على أية حال، في رضا، في غضب، في سفر، في حضر، في سر، في علن، في بيته، في طريقه، في سوقه، في كل أحواله يستحضر هذا المعنى العظيم؛ ولذلك يؤدي هذا إلى الاستسلام والخضوع والانقياد والحياء وأداء الواجبات والحقوق.
الركن الثالث: الإيمان بالملائكة
الركن الثاني من أركان الإيمان هو الإيمان بالملائكة، هذا المخلوق العظيم، صاحب القدرات العظيمة، الذي خُلِقَ من نور، وأُمِر بإدارة بعض شؤون الكون من أجلك أيها العبد، هذا المخلوق العظيم له مهام يقوم بها عظيمة جدا جدا تقوم عليها حياتك، ناهيك أنه يوجد ملائكة للقطر، وللنبات، والجبال، ورقيب وعتيد، والكرام الحافظين.
فما أثر الإيمان بهذا الاسم؟ لا شك أنَّ الإيمان بالملائكة سيزيدك تعظيما لمن خلق هذا المخلوق العظيم، وستكون موقرا ومقدرا ومستحيا من هذا المخلوق العظيم، ولعلك تتعلم من جميل إذعانه للخالق -سبحانه وتعالى-، وأدائه لما يُؤمر به {لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}، لعلك تتمثل هذه المعاني الجميلة والراقية والفريدة بفضل الله -تبارك وتعالى- التي من شأنها أن تجعلك أكثر التزاما وانضباطا باستحضارك لرقابتهم ولملازمتهم ولعظيم أدوارهم، هذا لا شك سيجعلك إنسانا مثاليا منضبطا في كل لحظات حياتك؛ بإيمانك العظيم بوجود هذا المخلوق العظيم صاحب القدرات العظيمة.
الركن الثالث: الإيمان بالكتب
الإيمان بالكتب كصحف إبراهيم وموسى، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، يجعلك مُعظّما لربك أكثر، لامتنانه على عباده بهذه المناهج المباركة، غير أنَّ الناس حرّفوا وغيّروا وبدّلوا، لكن بفضل الله -تبارك وتعالى- حُفِظَ هذا المنهج العظيم -القرآن-، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
فكيف تؤمن بهذا القرآن؟ أولا: تؤمن بأنه كلام الله غير مخلوق، المنزّل على قلب نبيه -عليه الصلاة والسلام- بواسطة جبريل الأمين -عليه السلام-، بوصفه منهج حياة كاملا متكاملا، غنيا بنفسه مستغنيا عن غيره، كما أخبرك -تبارك وتعالى-: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، ليس هذا فحسب، بل بيّن -تبارك وتعالى- في غير موطن: {وفصلناه تفصيلا}، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} آيات في الباب عظيمة جدا.
كيف نُفَعّل الإيمان بالقرآن في قلوبنا؟
والسؤال: كيف نُفَعّل الإيمان بالقرآن في قلوبنا؟ وذلك من خلال تعظيم كلام الرب -سبحانه وتعالى-، ومن خلال الإذعان والتسليم التام لكتاب الله -تعالى-، من خلال العمل بما جاء فيه، وعقد الولاء والبراء عليه.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل فيه إشارة لعظيم رحمته -سبحانه- بعباده، وفضله عليهم، وامتنانه عليهم بإرسال المثال والأسوة والقدوة لهم ليُحسنوا تطبيق الغاية التي من أجلها خلقهم -سبحانه وتعالى-، فالمولى خلقنا لغاية، وسخّر لنا ما في كونه، وأسبغ علينا النعم الظاهرة والباطنة، فامْتَنّ علينا بهذا المثال المبارك، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وعلى وجه الخصوص {بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
فلو تأملنا مثلا {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} الذي آمنا بوجوده، وآمنا بربوبيته، وآمنا بأسمائه وصفاته، وآمنا بملائكته، وآمنا بكتبه، إن كنا صادقين في ذلك، ونرجو النجاة في اليوم الآخر فعلينا أن نُسلّم له القيادة، ثم تجد القرآن يشير إلى هذا المعنى إشارات لطيفة، أولا- {وإن تطيعوه تهتدوا}، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. ثم تجد الأوامر المباشرة {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، ثم تجد التحذير {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ..} الآيات التي نحفظها جميعا. ثم تجد النبي - صلى الله عليه وسلم - شديد الحرص لنفعل هذا الإيمان كما ينبغي «من عَمِلَ عَمَلا ليس عليه أمرنا فهو رد»، «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد». «من رغب عن سنتي فليس مني». «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، فقالوا: من يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».
كيف نُفعِّل الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قلوبنا؟
كيف نفعل الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قلوبنا؟ كيف تحقق المتابعة المستدامة؟ كيف تُسلّم نفسك لقيادته؟ كيف تسمع وتطيع له في صغير الأمر وكبيره؟ كيف تحرص على ألا تحيد عن منهجه -عليه الصلاة والسلام؟
إذا نجحنا في التسليم لهديه - صلى الله عليه وسلم - في كل شأننا، في مظهرنا وفي مخبرنا، في أقوالنا وفي أفعالنا، في بيوتنا ومع نسائنا، ومع أبنائنا، ومع أرحامنا وجيراننا، ومع زملائنا وأصدقائنا، وفي طريقنا وفي سوقنا، وفي مدرستنا وجامعاتنا، وفي أشغالنا وأفراحنا وأحزاننا، وفي بيعنا وشرائنا، وفي أخلاقياتنا وسلوكنا، هذا هو التفعيل الحقيقي، هذا هو الإيمان الذي يرجى من ورائه بناء الشخصية المسلمة، أن تسلّم التسليم الصحيح لنبينا -عليه الصلاة والسلام- في كل أمره.

اعداد: الشيخ شريف الهواري




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-09-2023, 03:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,306
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث

– أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة



الحلقة الثالثة



ما زلنا في استعراض محاضرات المنتدى الرمضاني الثالث، ومحاضرة الشيخ شريف الهواري التي كانت بعنوان: (أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة)؛ حيث أكد الشيخ أنَّ تعميق الإيمان في القلوب هو أساس بناء الشخصية المسلمة؛ فمنه تتعمق القيم الفاضلة، والأخلاق الحسنة، كما ذكر أنَّ الإيمان واسطة العقد بين مقامي الإسلام والإحسان، وأنَّ الإنسان لن يستطيع الإذعان والتسليم والانقياد للإسلام، وبين أنَّ الإيمان قول وعمل، قول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.
بعد الحديث عن الإيمان بوجود الله -سبحانه-، والإيمان بربوبيته، والإيمان بالأسماء والصفات، والإيمان بألوهيته، والإيمان بالملائكة، والكتب والرسل. واليوم جاء الكلام عن الركن الخامس وهو الإيمان باليوم الآخر، هذا اليوم العظيم، وكيف يُوظّف لضبط حركتك في الدنيا، لتنجو في الآخرة؟ وكيف تُفعّل الإيمان ليكون محفّز لك على الأداء المتميز طلبا للنجاة ومرضاة لله والجنة.
كيف تؤمن بهذا اليوم؟
للإيمان بهذا اليوم أصول: الإيمان بالموت، القبر إما روضة أو حفرة، والبعث، والعرض، والحساب، والجنة، النار، هذه المحطات التي أُمرنا أن نؤمن بها كما ورد بها الدليل السمعي في القرآن والسنة، ولا شك أنها مهمة جدا إذا فعلت كما ينبغي، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من آمن باليوم الآخر في قلبه؛ فكان لشدة خشيته ولشدة خوفه - رضي الله عنه - يقول: «والله لا أدري ما يُفعل بي ولا بكم وأنا رسول الله». لذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- قمة في هذا الباب، لم لا؟ وقد رُبّوا على يد النبي - صلى الله عليه وسلم .
نماذج من سير الصحابة في هذا الباب
وحين نطالع سيرة الصحابة في هذا الباب، نسمع العجب: فهذا صحابي يحكي مع بعض التابعين، يقول لهم: لقد رأيت الجنة والنار حقيقة، فقالوا: وكيف ذاك؟ فقال: لقد رأيت الجنة والنار بعيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعينيْ رسول الله آثر عندي من عينيّ هاتين -أي أصدق عندي من عينيّ هاتين- النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف لي هذا اليوم، وبعض التابعين يقول: أدركت أكثر من ثلاثين صحابيا لو قيل لأحدهم: إن القيامة غدا، ما وجد ما يزيد أو يضيف، والمعنى أنه أدرك هذا العدد لو قيل لأحدهم انتبه قيامتك غدا ما أضاف شيئا جديدا، ليس لعدم تصديقه ولا لزهده ولا لغروره، بل لكونه كان يعمل بكامل الجهد والطاقة، لم يدّخر وسعًا ولا جهدا.
وأحدهم يقول: والله لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقينا! أي لو كُشِف الغطاء عن اليوم الآخر ها هي ذي الجنة، وها هي ذي النار، تعال وانظر لتتعظ وتعتبر وتعمل، قال: والله ما ازددت يقينا! لأن يقينه أصلا في القمة.
أتدرون لماذا؟ لأن التفعيل لمعنى هذا اليوم في قلوبهم كان حقيقيا، ولأن الحراك الذي ينبغي للإيمان في قلوبهم كان على أمثل صوره.
الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره
ونختم بالركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، وما أروع هذا الركن العظيم!، فكيف نُفعّل هذا الركن في قلوبنا؟
- أولا: لابد أن يكون لديك إيمان حقيقي بأن الله -عز وجل- لمَّا خلق القلم قال: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة: الأرزاق، والآجال، والأحوال؛ فجرى القلم بما هو كائن، وأنك في هذه الدنيا مُبتلَى وممتحَن ومختبَر، فإذا وقع ما تحب فعليك الشكر؛ لأن الشكر زيادة، وإذا وقع ما لا تحب، فقل لنفسك: لا تحسبه شرا لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا، ذكّرها بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو التفعيل الحقيقي.
ولا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، لقمان الحكيم يقول لولده: واعلم يا بني أنك لن تتقرب إلى الله -عز وجل- بأعظم من أن ترضى بقضائه وقدره فيما تحب وفيما تكره، في الحالتن يكون عندك رضا بقضاء الله وقدره، وتسليم أنه الأحسن والأنفع لك في الدنيا وفي الآخرة.
أعظم ثمرة
لو أن الإيمان صحّ في قلوبنا على نحو ما ذكرنا، وقمنا بتفعيله بهذا المفهوم الذي بيّناه باختصار شديد، كيف ستؤدى العبادات؟ ستؤدى بمثالية، وستثمر الثمرة المرجوة من فرضها ومن إلزامنا بأدائها بعون الله وتوفيقه.
الصلاة
فلو أخذنا الصلاة مثالا، كيف نفهم هذه القضية؟ أسألك أسئلة عدة، أنت أصلا لماذا تصلي؟ إيمانا بالله الذي خلقك وبذلك أمرك، ولهذا المعنى العظيم {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}؛ لتكون متذكرا لربك -سبحانه وتعالى- ولإيمانك به. ثم كيف تصلي؟ أنا أصلي كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا كما رأيتموني أصلي». إذا صليت من هذا المنطلق لله -تبارك وتعالى- بإخلاص وصدق، واقتديت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أداء الصلاة كما ينبغي، فماذا تنتظر؟ {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}. ستثمر الصلاة في حياتك، وستكون إنسانا مثاليا؛ لأن الصلاة ستقودك إلى قمة المثالية بعون الله وتوفيقه.
الزكاة
كذلك الزكاة، قد يقول قائل: ما علاقة هذا بذاك؟ العلاقة قوية جدا ولا انفكاك بفضل الله -عز وجل-، إذا صحّ الإيمان على نحو ما ذكرنا. كيف تتعامل مع المال أيها المسلم يا من لديك المال؟ تتعامل من منطلق أن المال مال الله، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، وأنت بهذا -بفضل الله تبارك وتعالى- تطهّر نفسك كما في نص الآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}، والمعنى أن هذه الزكاة طهارة لك من الشح والبخل والأنانية، ومن العُجب والغرور، ومن الاستعلاء والاستغناء، ومن ثم تتم الطهارة حتى للفقير من الحقد والحسد والكراهية.
الصيام
لو قلنا: الصيام، فتؤدي الصيام من خلال قاعدة إيمانية متحركة قادرة على دفعك لاغتنام الصيام، وخصوصا من خلال المعنى المشهور الذي هو عنوان الصيام عندنا، من صام رمضان إيمانا واحتسابا، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ فالإيمان هو الذي دفعك لأداء الصيام من منطلق حرصك على احتساب الأجر والثواب عنده -سبحانه وتعالى-، لتنجو بذلك في اليوم الآخر.
الحج
الحج، وما أدراك ما الحج؟ قمة التوحيد، توحيد المعبود -سبحانه وتعالى-، وتوحيد المتبوع - صلى الله عليه وسلم - القائل: «خذوا عني مناسككم».
المعاملات
ولو أننا فعلا انطلقنا في معاملاتنا من قاعدة إيمانية فاعلة، فما أعظم الأثر الذي ستتركه هذه المعاملات في الآخرين! صدق ووفاء وأمانة وعهد وأداء متميز ونصح، معاملات متميزة مع القاصي والداني، ومع الأقارب والأباعد، ومع المسلمين وغير المسلمين، حتى مع البهائم والأنعام منضبطة بهذا الإيمان الذي يغذيها ويضبط حركتها على أرض الواقع.
الأخلاقيات والسلوكيات
كما في تفسير الآية عن ابن عباس وغيره {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال: أي إنك لعلى دين عظيم، فالدين هو العقيدة والشريعة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، بل انظروا لعجيب تربيته لأصحابه في هذا الباب! أفضل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا، أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. والأحاديث في الباب كثيرة جدا.
الأحكام والحدود
قضية الإيمان مع الأحكام والحدود قضية عجيبة! أنت تؤمن أن الله خصّ نفسه بحق الحكم والتشريع {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، هذا المعنى لو كان فيه حراك للإيمان حقيقي، فسيدفعك للإذعان والتسليم لحكمه -سبحانه وتعالى.
ولذلك قال المولى -عز وجل- في كتابه -كما في سورة النساء-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، بل الأروع أن جعل الإذعان لحكمه من دلائل الفلاح في الدنيا والآخرة {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
أثر الإيمان في القلب
إن أثر الإيمان في بناء الشخصية المسلمة يظهر من خلال حراك الإيمان في القلب لدفع الجوارح والأركان لأداء العمل الصالح بإخلاص ومتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك تعالوا نطوف مع الدليل، مع القرآن لنتعلم بعض المعاني المهمة، كيف أن الإيمان إذا فُعّل في صورة العمل الصالح المفروض منه والمسنون بشرطي الإخلاص والمتابعة، يثمر الحياة التي لا نظير لها؟ التي يسعى إليها كل عاقل وكل منصف وكل مسلم صادق في إسلامه لله -تبارك وتعالى.
التفعيل الحقيقي للإيمان
الخلاصة، ما أروع أن نقوم بتفعيل حقيقي للإيمان في قلوبنا ثم تَحَرّكنا من خلال هذا المنطلق، هذا هو طريقنا للتفعيل الصحيح لمقام الإسلام بإحسان في صورة العمل الصالح بإخلاص ومتابعة، هذا الذي سنحيا به الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة ونحقق به الطمأنينة والسكينة، الذي به الثبات والبذل والتضحية والصبر والاحتساب والاحتمال، الذي به الأداء المتميز، وبه ترك المخالفات والمنكرات، والتغلب على النفوس حينما تميل أو تركن.

أثر الإيمان
إن للإيمان أثرا لا نظير له بفضل الله -تبارك وتعالى- في إيجاد الصورة المثالية والشخصية المثالية الآسرة والمعبرة، التي تقول ها أنا ذا، أنا مسلم، هذا أثر إيماني عليّ، صورة مثالية ودعوة صامتة للآخرين.



اعداد: الشيخ شريف الهواري




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.43 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]