الفروق الفردية وتطبيقات نبوية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1201 - عددالزوار : 133622 )           »          سبل تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          إقراض الذهب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم المصلي إذا عطس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          فقه الاحتراز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          سُنّة: عدم التجسس وتتبع عثرات الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          القراءة في فجر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الصلاة قرة عيون المؤمنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          إلى القابضين على جمر الأخلاق في زمن الشح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الأخوة في الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-07-2023, 05:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,904
الدولة : Egypt
افتراضي الفروق الفردية وتطبيقات نبوية

الفروق الفردية وتطبيقات نبوية (1)

عبدالله بن محمد الإسماعيل
تمهيد:
الإنسان كائن معقَّد وعجيب، فهو حين يولَد يولَد فريدًا في تكوينه وحيدًا في شخصيَّته، ينمو مُحافظًا على فرديَّته ووحدته، مُتوازيًا مع نُموِّه الاجتماعي ككائن حي يتفاعل مع غيره[1]. وهذا مِن سُنن الله، فلقد فضَّل سبحانه النَّاس بعضَهم على بعض؛ كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ [الأنعام: 165].

ويقول أبو حيان التوحيدي: "إنِّي لأعجب مِن ناسٍ يقولون: كان ينبغي أنْ يكون النَّاس على رأيٍ واحدٍ، ومنهاجٍ واحدٍ، وهذا ما يستقيم ولا يقع به نظام.. والعاقل الحصيف يعلم أنَّه لا بُدَّ مِن التَّفاوت الذي يكون به التصالح"[2].
فلقد كان الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ذا رؤيةٍ واضحةٍ في تشخيص صحابته رضي الله عنهم، ومعرفة قدراتهم الفكريَّة والجسميَّة[3]، وكان معلِّم البشريَّة الأوَّل خير المُراعين لهذا الجانب نظرًا وتطبيقًا.
تطبيقات مِن السُّنة النبوية:
أ- اختلاف وصاياه صلَّى الله عليه وسلَّم باختلاف الأشخاص الذين طلبوا مِنه الوصيَّة:
فمِن ذلك: أنَّ رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام قال: (اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)[4]، وأيضًا ما أوصاه النَّبي عليه السَّلام لرجل: (لاَ تَغْضَبْ)، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قال: (لاَ تَغْضَبْ)[5]، وكذلك وصيَّة الحبيب المصطفى: (قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)[6].
فكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُراعي حال المُستَوصي، ويُعطي كل واحدٍ ما يراه أحوج إليه. فشأنه مع السَّائلين كالطَّبيب مع المَرضى، يُعطي كل واحد مِن الدَّواء ما يُناسبه.
ب- اختلاف أجوبته وفتاواه عن السُّؤال الواحد باختلاف أحوال السَّائلين:
ومِن ذلك: اتِّحاد السُّؤال، واختلاف الجواب:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا)، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ)، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[7].
وعن رجل من خثعم قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الإِيمَانُ بِاللَّهِ)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: (ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ)، قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: (ثُمَّ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ)[8].
وفي هذا مراعاة لأحوال السَّائلين، وما بينهم من فروق يجب اعتبارها.
ومن ذلك أيضًا: اختلاف الجواب عن السُّؤال الواحد في قضيَّةٍ واحدةٍ، وربَّما في مجلسٍ واحدٍ:
فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: (لَا)، فَجَاءَ شَيْخٌ، فَقَالَ: أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: (نَعَمْ)، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ)[9].
ج- اختلاف مواقفه وسلوكه باختلاف الأشخاص الذين يتعامل معهم:
ويوضِّح ذلك ماحكته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ - فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: (أَلَا أَسْتَحيي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحيي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ)[10].
وأيضًا حديث معاذ رضي الله عنه المشهور: (.. حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: (لاَ تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا)[11].
فأخبر معاذ رضي الله عنه ببعض المبشرات، ولم يأذن له بأن يبشر جمهور الناس مخافة أن يتَّكلوا، وغير ذلك من الأحاديث والوقائع الكثيرة.
د- اختلاف أوامره وتكليفاته، باختلاف مَن يكلِّفهم مِن الأشخاص واختلاف قُدراتهم:
فمن ذلك: في حادثة الهجرة كلَّف أبا بكر بأن يرافقه ويهيئ الأمر للمسير، وعلي بالمبيت مكانه، وأسماء بنت أبي بكر لإحضار الطعام، وكان يُكلِّف خالد بن الوليد بالحرب، وحسان بن ثابت بالشعر... إلخ، فلكلٍّ مُهمَّةٌ حسب ظُروفه وقُدراته.
هـ- قبوله من بعض الأفراد موقفًا أو سلوكًا لا يقبله مِن غيره لاختلاف الظُّروف:
ومثال ذلك: ما رواه طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ)، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَصِيَامُ رَمَضَانَ)، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: (لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)، قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ)، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)[12]. فراعى حال السَّائل ومكان قدومه، بخلاف ما لو كان السَّائل ممَّن معه في المدينة أو من السَّابقين في الإسلام.

[1] من أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية: نجيب العامر، ج1، ص156.
[2] مكتب التربية العربي لدول الخليج، من أعلام التربية العربية والإسلامية، ج2، ص200.
[3] من أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية: نجيب العامر، ج1، ص156.
[4] سنن الترمذي لأبي عيسى الترمذي، باب: ما جاء في معاشرة الناس (4/ 355) رقم الحديث: 1987.
[5] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الأدب، باب: الحذر من الغضب (8/ 28) رقم الحديث: 6116.
[6] مسند الإمام أحمد لأبي عبدالله الشيباني، مسند: الكوفيين - حديث سفيان الثقفي (32/ 170)، رقم الحديث: 19431.
[7] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها (1/ 112) رقم الحديث: 527.
[8] الترغيب والترهيب من الحديث الشريف لأبي محمد المنذري، كتاب: البر والصلة وغيرهما (3 /227)، رقم الحديث: 3791.
[9] مسند الإمام أحمد لأبي عبدالله الشيباني، مسند: المكثرين من الصحابة - مسند عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (11/ 351)، رقم الحديث: 6738.
[10] صحيح مسلم لأبي الحسن النيسابوري، كتاب: الفضائل، باب: من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه (4/ 1866) رقم الحديث: 2401.
[11] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: اسم الفرس والحمار (4/ 29) رقم الحديث: 2856.
[12] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام (1/ 18) رقم الحديث: 46.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-07-2023, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفروق الفردية وتطبيقات نبوية

الفروق الفردية وتطبيقات نبوية (2)

عبدالله بن محمد الإسماعيل

تمهيد:
قال علي رضي الله عنه: "حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ"[1]، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً"[2].

يقول الإمام الغزالي رحمه الله في وظائف المرشد المعلِّم: "أنْ يقتصر بالمتعلِّم على قدر فَهمه، فلا يُلقي إليه ما لا يبلغه عقله، فينفِّره أو يخبط عليه عقله؛ اقتداءً في ذلك بسيِّد البشر صلَّى الله عليه وسلَّم.. فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقلُّ بفَهمها.. فلا ينبغي أنْ يُفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد، وهذا إذا كان يفهمه المتعلِّم ولم يكن أهلًا للانتفاع به، فكيف فيما لا يفهمه؟ وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ [النساء: 5]، تنبيهًا على أنَّ حفظ العلم ممَّن يُفسده ويضره أولى، وإنَّ المتعلِّم القاصر ينبغي أن يُلقى إليه الجلي اللائق به، بل لا ينبغي أنْ يُخاض مع العوام في حقائق العلوم الدَّقيقة"[3].

ويقول ابن جماعة رحمه الله: ".. ولا يُشير على الطَّالب بتعلِّم ما لا يحتمله فَهمه أو سنُّه، ولا بكتابٍ يقصر ذهنُه عن فهمه.. "[4].

مِن فوائد تطبيق مبدأ الفروق الفرديَّة:
1. يفيد المربي في اكتشاف الموهبة في فترة مبكِّرة، وبالتَّالي توجيهها التَّوجيه المناسب.

2. استمرار الحركة العلميَّة، وذلك لمقدرة المعلِّم على تدريب المتعلِّم على علم يناسب استعداده وقُدراته، فهناك قدرات يتميَّز بها بعض الأفراد عن غيرهم.

3. الحُكم على شخصية المتعلِّم إن كانت لديه القُدرة والاستعداد على أداء عملٍ ما، أو عدم القدرة.

4. يُساعد على معالجة الأمراض النَّفسيَّة التي قد تُصيب المتعلِّمين؛ وذلك لأنَّ المتعلِّم مُتوافق نفسيًّا لتفاعله مع العلم الذي يُناسب قُدراته واستعداده، فلا يُصاب بتلك الأمراض لوجود البيئة المناسبة لإفراز مواهبه وقُدراته[5].

5. الجهل بالفروق الفرديَّة يُؤدِّي إلى عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، فيُعرقل مسيرة العمل لعدم كفاءته؛ ممَّا يؤدِّي إلى انخفاض الإنتاج الفعلي.

6. النُّظم الاجتماعيَّة النَّاجحة هي التي تستطيع أنْ تجعل الفروق الفرديَّة نقاط انطلاق ومراكز عمل وإنتاج، وموطن توزيع للكفاءات والوظائف والحقوق[6].

كيفيَّة التَّعامل مع الفروقات الفرديَّة:
على المعلِّم والمربِّي مُراعاة الفروق الفرديَّة التي أودعها الله في الأبناء والطُلاب، وتقبُّل ذلك والتَّعامل معها؛ تأسِّيًا بالحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمثلة والوقائع التي سردناها - في المقال السابق - حيث استطاع الحبَيب صلَّى الله عليه وسلَّم مِن خلال قُربه مِن أصحابه ومشاركته معهم في أحوالهم، وببصيرته ونظرته الثَّاقبة - اكتشاف الفروق الفرديَّة والتَّعامل معها، مِن خلال تنوُّع أساليب الطَّرح والتَّعامل والتَّكليف، وفقًا لخلفية وبيئة وقدرات واستعداد كل شخص.

ومن أساليب التَّعامل مع الفروق الفرديَّة[7]:
1. التَّنويع في الأساليب المستخدمة؛ مِثل: ( الحوار - تمثيل الأدوار - القصة ...إلخ ).

2. تنويع الأمثلة والمفاهيم والمبادئ المطروحة، وإتاحة الفرصة للطَّلبة والأبناء للتَّعليق وإبداء الرأي، مِن خلال الأمثلة الواقعيَّة في بيئاتهم المحلِّية وخلفياتهم الثَّقافيَّة.

3. توظيف وسائل مُتنوعة ومُثيرة وفعَّالة لتفريد التعليم؛ مثل: (صحائف الأعمال والبطاقات التعليمية المختلفة ... إلخ).

4. التَّنويع الحركي: وهو أنْ يُغيِّر المعلِّم والمربِّي مِن موقعه في مكان التَّعليم، فلا يظل طول الوقت جالسًا أو واقفًا في مكان واحد، فهذه الحركات البسيطة مِن جانب المعلِّم، يمكن أنْ تُغيِّر مِن الرَّتابة التي تسود، ولكن عليه ألا يبالغ في حركاته أو تحركاته.

5. تحويل التَّفاعل: يعتبر التفاعل داخل مكان التَّعليم مِن أهم العوامل التي تُؤدِّي إلى زيادة فاعليَّة العمليَّة التَّعليميَّة، فهناك تفاعل المعلِّم والطُّلاب، وتفاعل بين المعلِّم وطالب، وتفاعل بين طالب وطالب، وعلى المربي والمعلِّم ألَّا يقتصر على نوع واحِد مِن هذه الأنواع.

6. التَّنويع في استخدام الحواس: حيث تؤكِّد البحوث الحديثة في مجال الوسائل التَّعليميَّة أنَّ قُدرة الطُّلاب على الاستيعاب، يُمكن أنْ تزداد بشكل جوهري إذا اعتمدوا في تحصيلهم على استخدام السَّمع والبصر على نحو مُتبادل، وعلى المعلِّم والمربِّي أنْ يُعِد درسه بحيث يُخاطب كل قنوات الاتِّصال عند الطَّالب.

7. بناء المناهج ومُراعاة ما بين التلاميذ من فروق فردية واختلاف البيئات.

الفروق الفرديَّة والتَّفضيل:
يقول ابن جماعة عليه رحمة الله: "ألا يُظهِر للطَّلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودَّة واعتناء.. فإنَّ ذلك ممَّا يُوحِش مِنه الصَّدر، ويُنفِّر القلب، فإن كان بعضهم أكثر تحصيلًا، أو أبلغ اجتهادًا، فأظْهَر إكرامه وتفضيله، وبيَّن أنَّ زيادة إكرامه لتلك الأسباب، فلا بأس بذلك؛ لأنَّه يُنشِّط ويبعث على الاتِّصاف بتلك الصِّفات"[8].

وفي قصَّة رُؤيا عبدالله بن زيد رضي الله عنه الأذان، فأخبر رسول الله عليه السَّلام، فأمر الرَّسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم بلال بن رباح رضي الله عنه بالأذان، وعلَّل ذلك بقوله: (فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ)[9]، وأيضًا حين طلب أبو ذر رضي الله عنه الإمارة قال له صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ)[10]، فعلَّل له رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أسباب رفض ذلك، وأنَّها لا تُناسب قُدراته.

وعلى المعلِّم والمربِّي زيادة العناية ببعض المتعلِّمين لفرط ذكائهم، أو توسُّمه الخير فيهم، أو لمح مخايل الرَّجاحة والأصالة فيهم، كما في حديث معاذ رضي الله عنه، قال: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟)[11]، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ)[12]، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)[13].
فكيف يتم الجمع بين هذا وعدم تفضيلهم أمام غيرهم؟ على المعلِّم والمربِّي إذا فعل ذلك أنْ يُعلِّل للآخَرين سبب تمييزهم، وكذلك يُمكن الاستنتاج مِن هذه الأحاديث أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُخصِّص لهم وقتًا حينما يكون معهم مُنفردين عن بقية المتعلِّمين، فيخصُّهم بمزيد علم ونصائح، وهذا لتميُّزهم وحرصهم وقابليَّتهم للتَّعلُّم.

ومن التَّطبيقات في هذا العصر: الأندية الطُّلابية التي يُنتقى فيها الطُّلاب، وانتقاء المواهب والمتميِّزين والاهتمام بهم، وكذلك الآباء والأمهات عليهم استغلال وجودهم مع المميَّزين من أبنائهم حال انفرادهم بهم كأخذهم معهم بحجَّة عمل... إلخ.

[1] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم، كراهية ألا يفهموا (1/ 37) رقم: 127.
[2] صحيح مسلم، المقدمة، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/ 11).
[3] الغزالي؛ إحياء علوم الدين، ج1، ص76-77.
[4] هشام نشابه؛ التراث التربوي الإسلامي في خمس مخطوطات، ص132.
[5] محمد عودة و كمال إبراهيم؛ الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام.
[6] نجيب العامر؛ من أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية، ص156-160.
[7] مستفادة من: دورة تدريبية لمدرسي المعاهد والدور بالجامعة الإسلامية، 8 - 9 /10 /1432 هـ.
[8] هشام نشابه؛ التراث التربوي الإسلامي في خمس مخطوطات، ص134.
[9] سنن أبي داود لأبي داود السجستاني، كتاب: الصلاة، باب: كيف الأذان (1/ 135)، رقم الحديث: 499.
[10] صحيح مسلم، كتاب: الإمارة، باب: كراهة الإمارة بغير ضرورة (1/ 1457)، رقم الحديث: 1826.
[11] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: اسم الفرس والحمار (4/ 29)، رقم الحديث: 2856.
[12] سنن الترمذي لأبي عيسى الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4/ 248)، رقم الحديث: 2516.
[13] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الرِّقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) (8/ 89)، رقم الحديث: 6416.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.63 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]