|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() رحلة لـ تذوق الصلاة مع الإمام ابن القيم رحمه الله محمد أبوبكر المصلح التشويق للرحلة: مكانة الصلاة ومأدبتها (1) الصلاة نعمة ورحمة وقرة عين لا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين لله، ولذة أرواح الموحدين له، ومحك أحوال الصادقين معه، وميزان أحوال السالكين إليه، وهي رحمة الله المهداة إلى عبيده، هداهم إليها، وعرفهم بها، رحمة بهم، وإكرامًا لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل منه مَنًّا، وفضلًا منه عليهم، وتعبّد بها القلب والجوارح جميعًا، وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما، وهو إقباله على ربه سبحانه، وفرحه وتلذذه بقربه، وتنعمه بحبه، وابتهاجه بالقيام بين يديه، وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته، حتى تقع على الوجه الذي يرضاه. (2) الصلاة مأدبة متنوعة الأذواق والعطايا ولما امتحن الله – سبحانه – عبده بالشهوات وأسبابها من داخلٍ فيه وخارجٍ عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيَّأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخِلَع والعطايا، ودعاه إليه كل يوم خمس مرات، وجعل كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة ومصلحة – لهذا العبد الذي قد دعاه إلى المأدبة – ليست في اللون الآخر؛ لتكمل لذة عبده في كل لون من ألوان العبودية، ويكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة… وليثبه عليه نورًا خاصًا، وقوة في قلبه وجوارحه، وثوابًا خاصًا يوم لقائه… فدعا الله – سبحانه – الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم، وهيأ لهم فيها أنواع العبادة؛ لينال العبد من كل قول وفعل وحركة وسكون حظه من عطاياه. التهيئة القلبية للرحلة: مفتاح تذوق الصلاة إقبال القلب على الله وكان سِرُّ الصلاة ولبها إقبال القلب فيها على الله، وحضوره بكليته بين يديه، فإذا لم يُقبل عليه، واشتغل بغيره وَلَهًا بحديث النفس، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب المَلِك معتذرًا من خطئه وزللـِه، مستمطرًا لسحايب جوده ورحمته، مستطعمًا له ما يقوت قلبه؛ ليقوى على القيام في خدمته، فلما وصل إلى الباب، ولم يبق إلا مناجاة المَلِك، التفت عن الملك، وزاغ عنه يمينًا، أو ولّاه ظهره، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى المَلِك، وأقله عنده قدرًا، فآثره عليه، وصيره قبلة قلبه، ومحل توجهه، وموضع سره. تذوق مقدمات رحلة الصلاة (1) تذوق الدعوة لإقامة الصلاة، وفضل الخشوع فيها فأُمرنا بإقامة الصلاة، وهو الإتيان بها قائمة تامة القيام والركوع والسجود والأذكار، وقد علق الله – سبحانه – الفلاح بخشوع المصلي في صلاته، فمن فاته خشوع الصلاة، لم يكن من أهل الفلاح، ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر قطعًا، بل لا يحصل الخشوع قط إلا مع الطمأنينة، وكلما زاد طمأنينة ازداد خشوعًا، وكلما قل خشوعه اشتدت عجلته، حتى تصير حركة يديه بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع، ولا إقبال على العبودية. والله – سبحانه – قد قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، وقال: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [المائدة: 55]، وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45]، وقال: {فَإِذَا اطْمَأنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 103]، وقال: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النساء: 162]، وقال إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم: 40]، وقال لموسى عليه السلام: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. فلن تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل إلا مقرونًا بإقامتها، فالمصلون في الناس قليل، ومقيم الصلاة منهم أقل القليل، كما قال عمر – رضي الله عنه – في الحج: “الحاج قليل، والركب كثير. (2) تذوق الوضوء والتطهر للصلاة فبالوضوء يتطهر العبد من الأوساخ، ويُقدم على ربه متطهرًا، والوضوء له ظاهر وباطن، وظاهره طهارة البدن وأعضاء العبادة، وباطنه وسره طهارة القلب من أوساخه وأدرانه بالتوبة؛ ولهذا يقرن – سبحانه – بين التوبة والطهارة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، وشرع النبي – صلى الله عليه وسلم – للمتطهر بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين». فكمل له مراتب الطهارة باطنًا وظاهرًا. فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك، وبالتوبة يتطهر من الذنوب، وبالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة، فشرع أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله والوقوف بين يديه، فلما طهر ظاهرًا وباطنًا أُذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه. ![]() فإذا وقف العبد بين يدي ربه موقف العبودية والتذلل والانكسار، فقد استدعى عَطْف سيده عليه، وإقباله عليه… وأُمر بأن يستقبل القبلة بيته الحرام بوجهه، ويستقبل الله بقلبه… ثم قام بين يديه مقام الذليل الخاضع المسكين، المستعطف لسيده، وألقى بيديه مسلمًا مستسلمًا، ناكس الرأس، خاشع القلب، مطرق الطرف، لا يلتفت قلبه عنه ولا طرفه يمنة ولا يسرة، بل قد توجه بقلبه كله إليه، وأقبل بكليته عليه. تذوق مقامات رحلة الصلاة المقام الأول: تذوق تكبيرة الإحرام وإذا قال العبد: “الله أكبر” شاهد كبرياء الله… وكَبَّرَه بالتعظيم والإجلال، وواطأ قلبه في التكبير لسانه، فكان الله أكبر في قلبه من كل شيء، وصِدق هذا التكبير بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله يشغله عنه، فإذا اشتغل عن الله بغيره، وكان ما اشتغل به أهم عنده من الله، كان تكبيره بلسانه دون قلبه. فالتكبير:
![]() المقام الثاني: تذوق دعاء الاستفتاح فإذا قال المصلي: «سبحانك اللهم وبحمدك» وأثنى على الله بما هو أهله، فقد خرج عن الغفلة التي هي حجاب أيضًا بينه وبين الله. وأتى بالتحية والثناء الذي يخاطب به المَلِك عند الدخول عليه؛ تعظيمًا له وتمجيدًا، ومقدمة بين يدي حاجته، فكان في هذا الثناء من أدب العبودية ما يستجلب به إقباله عليه، ورضاه عنه، وإسعافه بحوائجه. وبقول المصلي: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك» يشاهد بقلبه ربًا منزهًا عن كل عيب، سالمًا من كل نقص، محمودًا بكل حمد، فحمده يتضمن وصفه بكل كمال، وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه … وكمال الاسم من كمال مسماه، فإذا كان هذا شأن اسمه – الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء – فشأن المسمى أعلى وأجل. وقول المصلي “وتعالى جَدُّك” أي: ارتفعت عظمة الرّب، وجلّت فوق كل عظمة، وعلا شأنه على كل شأن، وقهر سلطانه على كل سلطان، فتعالى جده أن يكون معه شريك في مُلكه وربوبيته، أو في إلاهيته، أو في أفعاله، أو في صفاته، كما قال مؤمن الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3]، فكم في هذه الكلمات من تجلٍ لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها. المقام الثالث: تذوق دلالة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وقبل أن يشرع المصلي في القراءة، يقدم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان، فإنه أحرص ما يكون على العبد في مثل هذا المقام، الذي هو أشرف مقاماته، وأنفعها له في دنياه وآخرته، فهو أحرص شيء على صرفه عنه، واقتطاعه دونه بالبدن والقلب، فإن عجز عن اقتطاعه وتعطيله عنه بالبدن، اقتطع قلبه وعطله عن القيام بين يدي الرب تعالى، فأُمر العبد بالاستعاذة بالله منه؛ ليسلم له مقامه بين يدي ربه، وليحيي قلبه، ويستنير بما يتدبره ويتفهمه من كلام سيده، الذي هو سبب حياته ونعيمه وفلاحه، فالشيطان أحرص على اقتطاع قلبه عن مقصود التلاوة. ولما علم – سبحانه – حسد العدو وتفرغه للعبد، وعجز العبد عنه، أمره بأن يستعيذ به سبحانه، ويلتجئ إليه في صرفه عنه، فيكتفي بالاستعاذة مؤنة محاربته ومقاومته، فكأنه قيل له: لا طاقة لك بهذا العدو، فاستعذ بي، واستجر بي، أكفيكه، وأمنعك منه… فإذا استعاذ بالله من الشيطان بَعُدَ منه، فأفضى القلب إلى معاني القرآن، ووقع في رياضه المونقة، وشاهد عجائبه التي تبهر العقول، واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وكان الحائل بينه وبين ذلك النفس والشيطان، والنفس منفعلة للشيطان سامعة منه، فإذا أبعد عنها وطُرد لمَّ بها الملك، وثبتها، وذكرها بما فيه سعادتها ونجاتها. فبقول المصلي: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» يكون قد آوى إلى ركنه الشديد، واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه، ويباعده عن قربه؛ ليكون أسوأ حالًا. المقام الرابع: استشعار مخاطبة الله ومناجاته في الصلاة فإذا أخذ المصلي في قراءة القرآن فقد قام في مقام مخاطبة ربه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه أن يناجيه ويخاطبه وهو معرض عنه ملتفت إلى غيره، فإنه يستدعي بذلك مقته، ويكون بمنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا فأقامه بين يديه، فجعل يخاطبه الملك، وقد ولّاه قفاه، أو التفت عنه بوجهه يمنة ويسرة، فما الظن بمقت الملك لهذا، فما الظن بالملك الحق المبين الذي هو رب العالمين وقيوم السماوات والأرض. ![]() من ذاق طعم الصلاة علم أن لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووجد يخصها.
وهو المحمود لذاته، وإن لم يحمده العباد، كما أنه هو الواحد الأحد ولو لم يوحده العباد، والإله الحق وإن لم يؤلهوه… فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فهذه المعرفة من عبودية الحمد. ومن عبوديته أيضًا أن يعلم أن حمده لربه – سبحانه – نعمة منه عليه، يستحق عليها الحمد، فإذا حمده على هذه النعمة استوجب عليه حمدًا آخر على نعمة حمده، وهلم جرا. فالعبد، ولو استنفد أنفاسه كلها في حمده على نعمة من نعمه، كان ما يجب له من الحمد ويستحق فوق ذلك وأضعاف، ولا يُحصي أحد البتة ثناء عليه بمحامده.
ويشهد المصلي عند ذكر اسم { الرَّحْمَنِ} ربًا محسنًا إلى خلقه بأنواع الإحسان، متحببًّا إليهم بصنوف النعم، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلًا، فوسعت رحمته كل شيء، ووسعت نعمته كل حي، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه… وخلق خلقه برحمته، وأنزل كتبه برحمته، وأرسل رسله برحمته، وشرع شرائعه برحمته، وخلق الجنة برحمته، والنار أيضًا برحمته، فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته، ويُطهر بها أدران الموحدين من أهل معصيته، وسجنه الذي يسجن فيه أعداءه من خليقته. فتأمل ما في أمره ونهيه ووصاياه ومواعظه من الرحمة البالغة، والنعمة السابغة، وما في حشوها من الرحمة والنعمة، فالرحمة هي السبب المتصل منه بعباده، كما أن العبودية هي السبب المتصل منهم به، فمنهم إليه العبودية ومنه إليهم الرحمة. ومن أخص مشاهد هذا الاسم شهود المصلي نصيبه من الرحمة الذي أقامه بها بين يدي ربه، وأهله لعبوديته ومناجاته، وأعطاه ومنع غيره وأقبل بقلبه وأعرض بقلب غيره وذلك من رحمته به.
ثم يُعطي المصلي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} عبوديتها ويتأمل تضمنها لإثبات المعاد، وتفرد الرب فيه بالحكم بين خلقه، وأنه يوم يدين فيه العباد بأعمالهم في الخير والشر وذلك من تفاصيل حمده، وموجبه…
ولذا؛ فَرَضَ الله – سبحانه – على عبده أن يسأله هذه الهداية في أفضل أحواله – وهي الصلاة – مرات متعددة في اليوم والليلة. ومضمون {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} :
ثم بين أن أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمته، دون {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه، ودون {الضَّالِّينَ}، وهم الذين عبدوا الله بغير علم… فسبيل المُنعَم عليه مغايرة لسبيل أهل الباطل كلها علمًا وعملًا.
يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |