|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله فواز بن علي بن عباس السليماني قال المصَنِّفُ: عن العرباض بن سارية رضي الله عنه[1] قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا يَا رَسُولَ الله: كَأَنَّهَا موعظة مودع؛ فأوصنا، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ[2]، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ[3]، قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ[4]. قوله: (ذرَفت منها العيون): قال في "النهاية" (2/ 396): ذرَفَتِ العينُ تذرِفُ إذا جرى دمعها؛ اهـ. قال الطيبي: ذرفت؛ أي: سالت وإسناده إلى العيون مبالغة؛ اهـ. قوله: (وجلِت منها القلوب): قال في "المرقاة" (2/ 43): وجلت ـ بكسر الجيم ـ والوجل خوف مع الحذر؛ أي: خافت منها القلوب لتأثيرها في النفوس، واستيلاء سلطان الخشية على القلوب؛ اهـ. فائدة في قول العرباض رضي الله عنه: ذرَفت منها العيون ووجلِت منها القلوب: قال في "المرقاة" ـ عقب كلامه السابق ـ: قال الطيبي: وفائدة تقديم ذرفت على وجلت، وحقه التأخير للإشعار بأن تلك الموعظة أثَّرت فيهم، وأخذت بمجامعهم ظاهرًا وباطنًا؛ اهـ. وتبِعه ابن حجر، ولا يخفى أن العلة المذكورة إنما هي للجمع بينهما لا للتأخير. ويمكن أن يقال: وجهه أن الظاهر عنوان الباطن، واستدل بالدمعة على الخشية، وإن كانت هي موجبة للدمعة، والله أعلم؛ اهـ. قلت: وقد وصف الله المؤمنين بهذه الصفة، فقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال:2]. وقال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحج:34 ـ 35]. قوله: (فأوصنا): قال العلامة العثيمين في "تعليقاته على الأربعين النووية" (ص50): لأن موعظة المودع تكون موعظة بالغة قوية؛ اهـ. قلت: وأيضًا تكون مشتملة على أهم الأمور، ومجامعها، والله أعلم. وقال العلامة العباد حفظه الله "في شرح هذا الحديث من الأربعين النووية": وهذه الموعظة متصفة بثلاث صفات: كونها بليغة، وكونها وجلِت منها القلوب، وكونها ذرفت منها العيون. تعريف الموعظة: قال العلامة العباد ـ عقب كلامه السابق ـ: والموعظة: هي الكلام الذي فيه ترغيب وترهيبٌ، يكون فيه ترقيقٌ للقلب وتخويفٌ وزجرٌ، فيؤثر ذلك في القلب ويوجل، وتدمع العين من الخوف من الله تعالى؛ اهـ. قوله: (أُوصيكم بتقوى الله): تعريف التقوى: التقوى لغةً: الوقاية، ومصدره وقاءً بمعنى حفظ الشيء عما يؤذيه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [الدخان: 56]. ومعنى قولنا: اتقِ الله: توقَّه؛ أي: اجعل بينك وبين عذاب الله كالوقاية، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة»، رواه البخاري برقم (1413)، ومسلم (2347)، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه. ومعنى اتقى فلان كذا: إذا جعله وقاية. وأجدر ما يتقون به من العذاب يوم القيامة الوجه، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الزمر:24]، ومنه قول النابغة الذبياني: سقط النصيفُ ولم ترد إسقاطَه ![]() فتناولتْه واتَّقتنا باليدِ ![]() ![]() ![]() وقول الآخر: فألقتْ قناعًا دونَه الشمسُ واتَّقت ![]() بأحسن موصولين كفٍّ ومِعصمِ ![]() ![]() ![]() اهـ ملخصًا من "تفسير الطبري" (8/ 665)، و"تفسير الألوسي" (12/ 374)، و"بصائر ذوي التمييز" (5/ 258). وفي الاصطلاح: لها أكثر من عشرة تعاريف: منها ما اقتصر على شيء دون شيء، أو لم يكن فيه إيضاح للقارئ، إما لإسهاب فيه أو قصر، أو تعريف جانبٍ دون آخر، وأحسن تعريف رأيته، هو ما روى بن أبي شيبة (30993) بسندٍ صحيح، عن طلق بن حبيب أنه قال: إذا وقعت الفتن فاطْفؤوها بالتقوى، قالوا: وما التقوى؟ قال: هي أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء رحمة الله، والتقوى ترك معاصي الله على نورٍ من الله مخافة عذاب الله. شرح أثر طلق بن حبيب في تعريف التقوى: فقوله: هي العمل بطاعة الله: قال الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا الله وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران:50]، وهذا في أكثر من عشرة مواضع في القرآن. وإلى هذا ينضم ما قاله الجرجاني في "تعريفاته" (ص65): أن التقوى في الطاعة يراد بها الإخلاص، وكذلك قول من عرف التقوى بأنها الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته. وقوله: على نور من الله؛ أي: على بصيرة، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال:29]. ويقول تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق:2]، والفرقان والمخرج عامان. وقوله: رجاء رحمة الله: قال الله تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف:156]. وقوله: والتقوى ترك معاصي الله: قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة:223]. وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الدنيا، واتقوا النساء»، رواه مسلم برقم (6948)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فقد استبرأَ لدينه وعرضه»، رواه البخاري (52) ومسلم (4094)، عن العمان بن بشير رضي الله عنه. ويدخل في هذا تعريف من قال: إن التقوى هي اجتناب كلِّ ما فيه ضرر، وكذا تعريف من قال: هي المحافظة على آداب الشريعة، ومجانبة كل ما يبعد المرء عن الله تعالى، وكل ما تقدم في تعريفها لغة. أقول: ولو لاحظت وجدت أن أكثرَ تعاريفها مبني على هذه الفقرة. وقوله: على نور من الله مخافة عذاب الله: قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة:2]. وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، عن عدي رضي الله عنه؛ رواه البخاري (1413) ومسلم (1016). وبقي تعاريف متممةٌ لما مضى؛ منها: ما ذكره السيوطي في "الدر" (1/ 61) أن رجلًا سأل أبا هريرة عن التقوى؟ فقال له: هل أخذت طريقًا ذات شوكٍ؟ قال: نعم، قال: فكيف كنت تصنع إذا رأيت الشوك؟ قال: أعدل عنها أو جاوزتها أو قصرت عنها، قال: ذاك التقوى أي: فكذلك التقوى. وبنحوه عن عمر أنه سأل أبي بن كعب، فقال له كما قال أبا هريرة رضي الله عنه. وفي هذا يقول عبدالله بن المعتز، كما في "تفسير ابن كثير" (1/ 53): خل الذنوب صغيرها ![]() وكبيرها ذاك التقى ![]() واصنع كماشٍ فوق أرض ![]() الشو ك يحذر ما يرى ![]() لا تحقرن من الذنوب صغيرة ![]() إن الجبال من الحصى ![]() وفي "شرح السنة" للبغوي (14/ 341)، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: التقي ملجم لا يفعل كل ما يريد؛ اهـ. حقيقة التقوى: وقال القرطبي في "تفسيره" (12/ 55) عند قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾: وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في صحيح الحديث: «التقوى ها هنا وأشار إلى صدره»؛ اهـ. وقال الإمام ابن القيم في "الرسالة التبوكية" (ص15): وحقيقة التقوى العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمره الله به إيمانًا بالأمر وتصديقًا بوعده، ويتر ك ما نهى الله عنه إيمانًا بالنهي وخوفًا من وعيده، ثم ذكر أثر طلق بن حبيب السابق. ثم قال: وهذا من أحسن ما قيل في حد التقوى؛ اهـ. أصل التقوى: قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" ـ تحت الحديث الثامن عشر ـ: وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذَره وقاية تَقيه منه. فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه، وسخطه وعقابه - وقاية تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه. ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرَّم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرًا، فهو خيرٌ إلى خيرٍ. قلت ـ أي: ابن رجب ـ: عملًا بقوله تعالى: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ [الفتح:26]، مع مراعاة الكتاب والسنة وملازمة الورع في كل شيء؛ اهـ. مكان التقوى: قال ابن القيم في "كتاب الفوائد" (ص55): والتقوى في الحقيقة تقوى الجوارح، قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج:32]. وقال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج:37]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «التقوى هاهنا وأشار إلى صدره»، عن أبي هريرة رضي الله عنه في "مسلم" (2664). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |