|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبي يرفض بقاء جدتي في بيته أ. مروة يوسف عاشور السؤال: أنا فتاةٌ في أواخر الثلاثينيات، أعيشُ مع والدي ووالدتي، المشكلةُ تكمُن في جدَّتي لأمي، التي تجاوزتِ الثمانين، وجدتي هذه ليس لديها أبناء ذكور! كانتْ تعيش مع جدِّي في بلدٍ آخر، ولما تُوُفِّي أَخَذَتْ بناتها وعادتْ بهنَّ إلى بلدنا، وكانتْ في بادئ الأمر تعيشُ عند أقاربها مُتنقِّلةً بينهم إلى أن تزوَّج كلُّ بناتها، وأصبحتْ بعد ذلك تَبِيتُ عند بناتها، مُتنقِّلة بينهنَّ أيضًا، وكان أزواج بناتها يحبونها، ويُشعِرونها بأنهم راغبون في زيارتها ومَبِيتِها لديهم، ومنهم أبي! فكَّر والدي منذ زمنٍ في شراء بيتٍ لها مِن مالها لتعيشَ فيه، وكان الثمنُ وقتها بسيطًا، إلا أنها رفضتْ وأَبَتْ ذلك! عندما أصبحتْ في الثمانين مِن عمرها صار يتضجَّر منها أزواجُ بناتها، منهم بالطبع أبي، حتى أصبح يُشعِرها بأنه مُنْزَعِجٌ مِن مَبِيتِها عندنا، وأنَّ ما نُنفِقه عليها هو غير راضٍ عنه، علمًا بأنَّ أبي لا يعمل منذ سنين، وأنا مَن يُنفق على أهلي! أصبح أبي يُعَلِّق لها على كلِّ فعلٍ تفعله، أصبح يُحاسبُها على كلِّ شيء، ويَصرُخ عندما تكون عندنا في البيت، ويقول: أنا لستُ مُجْبَرًا على ذلك، يتصرَّف حين وُجُودها وكأنه مجنون، والله أشعر وكأني في مشفى المجانين، واللهِ ما عدتُ أطيق تصرُّفاته، مع العلم بأنه في الأصل "سيِّئ الخُلُق"، وصَعْب المزاج، ولا أستطيع تحمُّله، فما بالكم به عندما تزورنا جدتي التي لا يُطِيق زيارتها؟! أمي حائرةٌ بين أَخواتها اللاتي يُرِدْن أن تكونَ جدَّتي عندهنَّ بالتناوُب، وبين والدتها التي ستغضب عليها لو أخبرتْها بألَّا تأتينا، وبين زوجها الذي يصبح مجنونًا بزيارة جدتي! مع العلم أنَّ لي إخوةً وأخوات تزوَّجوا جميعًا، وكلُّهم مشغولون بأمورهم، ولا يُعِيرون أمورنا هذه اهتمامًا. صِرْتُ أنتظر فُرْصَةَ سفرٍ - ولو بلا مَحْرمٍ! - مِنْ أجْل أن أهربَ من بيئتي المزعِجة هذه، والتي لا أستطيع تحمُّلها! أتمنى أنْ أجدَ عندكم حلًّا، وجزاكم الله خيرًا. الجواب: يَا نَفْسُ لَا تَجْزَعِي فَالْخَيْرُ مُنْتَظَرٌ ![]() وَصَاحِبُ الصَّبْرِ لَا تَبْلَى مَرَائِرُهُ ![]() لَعَلَّ بُلْجَةَ نُورٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا ![]() بَعْدَ الظَّلَامِ الَّذِي عَمَّتْ دَيَاجِرُهُ ![]() إِنِّي أَرَى أَنْفُسًا ضَاقَتْ بِمَا حَمَلَتْ ![]() وَسَوْفَ يَشْهَرُ حَدَّ السَّيْفِ شَاهِرُهُ ![]() شَهْرَانِ أَوْ بَعْضُ شَهْرٍ إِنْ هِيَ احْتَدَمَتْ ![]() وَفِي الْجَدِيدَيْنِ مَا تُغْنِي فَوَاقِرُهُ ![]() مِن المشكلات ما يُمكن حلُّه باتِّباعِ خطوات مُعيَّنةٍ، والسير على نهج مُحدد, والتعامل بأساليب خاصة, ومن المشكلات ما لا يكون حلُّها إلا برفْع المظلة لاتِّقاء قذائفها المتوالية، والاحتماء مِن ضرباتها المتتابعة, والانتظار حتى تهدأَ عاصفتها، وتبرد حدتُها, والجزءُ الأكبر مِن مشكلتك من هذا النوع, فليس لكِ أن تُغيِّري والدكِ - حفظه الله - أو أن تُقنِعي جدتكِ - أطال الله في عمرها على طاعته - بعد هذا العمر الذي تتحول فيه المرأة إلى طفلة عنيدة يصعب إقناعها أو السيطرة عليها، إلا باستخدام القوة والقهر، مما لا يجوز لكِ ولا لوالدتكِ أن تتعامل معها به! قدَّر الله عليكِ أن تبقَي في بيت أهلكِ لتشهدي تلك الأحداث, وتتألمي لها، وتُقاسي عذابها, بينما ذهب كلُّ واحدٍ مِن إخوتكِ إلى بيته، وأدار ظهره لها بانشغالهم في حياتهم الأسريةِ، وانشغالهم ببيوتهم وأبنائهم, والقدَر قد يبدو قاسيًا أحيانًا, لكن بانكشاف الغشاوة وذَهاب الحلم تتجلَّى الحكمةُ منه، ويظهر الخير الذي كان مدفونًا فيه؛ "وحكمته البالغة منها ألا يحزن عباده على ما فاتهم، إذا علموا أن المصيبةَ فيه بقدَره ولا بد قد كُتبتْ قبل خلقهم, هان عليهم الفائتُ؛ فلم يَأْسَوْا عليه, ولم يفرحوا بالحاصل؛ لعلمهم أنَّ المصيبةَ مُقَدَّرة في كلِّ ما على الأرض، فكيف يفرح بشيءٍ قد قُدِّرت المصيبة فيه قبل خلقه؟! ولما كانت المصيبةُ تتضمَّن فوات محبوب، أو خوف فواته, أو حصول مكروه أو خوف حصوله؛ نبَّه بالأسى على الفائت على مُفارقة المحبوب بعد حُصوله، وعلى فوته حيث لم يحصلْ، ونبَّه بعدم الفَرَح به, وهذه هي أنواع المصائب، فإذا تيقَّن العبدُ مِن أنها مكتوبة مُقدَّرة، وأنَّ ما أصابه منها لم يكنْ لِيُخطئه، وما أخطأه لم يكنْ ليصيبه؛ هانتْ عليه، وخفَّ حملها، وأنزلها منزلة الحر والبرد"؛ كما قال ابنُ القيِّم - رحمه الله - في (شِفاء العليل) بتصرُّف يسير. ما عليكِ فِعْلُه حيال ذلك: الهرَبُ ليس حلًّا حقيقيًّا للمشكلة, ولكنه نوعٌ من الحلول المؤقَّتة، ولا يصلح إلا لمشكلاتٍ قد تُحل مِن تِلقاء نفسها، ولا تحتاج إلا لبعض الوقت, وقد تكون مشكلتكِ مِن هذا النوع, إلا أنكِ بحاجةٍ للتفكير في وضْع أمكِ بين نارِ زوجِها وغضَبِ أمِّها, وليس مِن البرِّ تركُها تُقاسي مثل ذلك العذاب وحدَها, وقد يتصبَّر المرءُ بمشاركة غيره الألم، ويشعر بتهوين المصيبة حينها, وما أصدقَ مشاعرَ الخنساء في موْقِفها مع أخيها حين وفاته: وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ![]() عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي ![]() وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ![]() أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي ![]() فوالدُتكِ بحاجةٍ إليكِ في هذا العُمر الحسَّاس, وبحاجة لِمُسانَدَةٍ في وقتٍ عزَّ فيه السندُ وقلَّ المُعِين, وقد تَكْفِيها كلمةٌ حانيةٌ منكِ وقت اشتعالِ البيت، وتقاذُف الحِمَم بداخلِه؛ لتهدأ وتَسْتَكِين, وقد تكون كَفْكَفة دموعِها طريقك إلى الجنة - بإذن الله - فلا تُفكِّري في التخلِّي عنها في هذه الأيام العصيبة, واستعيني بالله وحدَه على أمركم، وسَلِيه الصبر على حالكم. وسَلِي نفسَك: مَن سيُنفِق على البيت في حال تركتِه؟ وهل يحقُّ لكِ التخلِّي عن الوالد، وأنتِ قادرة على مدِّ يدِ العون له ولأهل البيت, ولو لمْ تُكلَّفي بالإنفاق, لكن ترْكَ البيت وتنفيذَ فكرةِ السفر سيُغرِق البيت في دوَّامةٍ مِنَ المشكلات لا تنتهي؛ فسوءُ الأحوال الماديَّة أكثرُ ما يشيع المشكلات في البيت، ويَزِيد الأزمةَ، والتي مِن أكبر أسبابها المادِّيات. • ليس في مقْدوركِ أن تُقدِّمي للوالدِ والجدَّة إلا الشيء اليسير مِنَ الحلول، والتي تَتَمَثَّل في عزْلِ الجدَّة مدة بقائها عندكم عن مكان جلوسِ والدكِ، وتجنيبها لقاءَه قدْر المُستطاع, فبإمكانكِ شَغْلها ببعضِ ما يُدخل السرورَ عليها، وجعْل جهاز التلفاز - مثلاً - في الغرفةِ التي تجلس بها, أو أن تشتري لها جهازًا صغيرًا تَسعَد به، وتختلي بنفسِها معه؛ مُتجنِّبة الاحتكاك بالوالد، ولعلَّ إخبار الوالد بذلك يُخَفِّف مِن حِدَّة توتره وتبرُّمه بها. • عليكِ أيضًا أن تُوَجِّهي والدكِ ووالدتكِ وأهلَ البيت إلى الأخلاق الحميدة, ولن يتسنَّى لكِ ذلك بشكلٍ مباشرٍ؛ نظرًا لحساسية أعمارهم، وعلوِّ مكانتهم, فلا خير مِن محاولة إسماعهم بعض المحاضرات الطيِّبة التي تتحدَّث عن مكارم الأخلاق الإسلامية وسموِّها, ومكانة كِبار السنِّ وتوقيرهم، ومنْحهم الاحترام اللازم. • لعلَّ إِشْغال الوالد أيضًا في هذا العمر يُخفِّف عنه بعض الحساسية، ويُقَلِّل مِن حِدَّة أخلاقه، ويُزِيل عنه الشعور بالإهمال الذي ينعكس سلْبًا على تعامُله مع الجدة ومعكم جميعًا، فالرجلُ في هذا العمرِ ينتابهُ شعورٌ سيِّئ بالإهمال، نتيجة نقص الحاجة إليه, ومع انقطاعه عن العمل يزيد شعوره بالتهميش والتحقير, وكل ذلك يُمكن حله بالتفكير فيما يُمكنه أن يفعلَ على حسب قدراته الجسديَّة, وعليكِ أنْ تُفَكِّري فيما يُحسِن مِن عملٍ، أو ما كان يعمله في شبابه وبإمكانه مُواصلته, ومِن المؤسف حقًّا أن يُنظر إلى مَن تجاوز الستين مِن عمره نظرةَ الإشفاق الممزوج بالضَّجَر, ويُعامَل مُعامَلة مَن لا فائدة تُرجَى منه في بلادنا العربية, وهذا مِن أكثر ما يُثِير في نفوسِهم الشعور بالحنق على كل ما حولهم، وربما تمنِّي الموت أحيانًا, في حين يُعامَل مَنْ تخطَّى ذلك العمر مُعاملةً تختلف تمامًا - عما نفعلُه – في بعضِ جُزُر اليابان؛ فهو في نظرِهم يجمع بين الخبرة والقُدرة على العطاء, ويستمرُّ في عملِه حتى تجاوُزه الثمانين مِن عمره وربما التسعين, كل ذلك دون أن يُنظرَ له نظرةً تختلف عن الشباب, اللهم إلا نظرة تفضيل لما لديه مِن خبرةٍ وحكمةٍ يستفيد منها كلُّ مَن حوله! فوالدُكِ بحاجة لاستشعار تلك الأهمية، وبحاجة للعمل الذي يتناسَب مع ميوله وقدراته, ومتى تمكَّنتِ مِن تحقيق ذلك فستلحظين تغيُّرًا كبيرًا في سُلوكه الذي لا أُوافقكِ على وصْفِه بــ"سيِّئ الخُلق"؛ فهذا مما لا يليق بالوالد، ولو كان صحيحًا! أعانكِ الله على حياتكِ، ورزقكِ الزوج الصالح، وأثابكِ خيرًا على صبركِ، وهدى أهلكِ إلى أحسَن الأخلاق. والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |