|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() معين السماء بحديث الاستسقاء محمد السيد حسن محمد قال ابنُ هشام رحمه الله تعالى: وحدَّثني مَن أثقُ به، قال: أقحَط أهلُ المدينة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوا ذلك إليه، فصعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى، فما لبِث أن جاء من المطر ما أتاه أهلُ الضواحي يشكون منه الغرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ حوالينا ولا علينا، فانجاب السحابُ عن المدينة، فصار حواليها كالإكليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسرَّه، فقال له بعض أصحابه: كأنك يا رسول الله أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ![]() ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل ![]() ![]() قال: أجل[1]. ولا يزال ربنا الرحمن سبحانه ممتنًّا على عباده فرحًا وغبطة وسرورًا وحبورًا، وحين يغدق عليهم نعمه، أو نحوًا من ذلك أمنًا وسلامًا، أو ابتلاءً، وحين يحلُّ بهم ما يكون داعية غم أو ترح أو حزن، أو ما أشبه ذلك من منغصات الدنيا التي ما انفكت أن تكون سبيل تمحيص لأولياء الله تعالى، وإن كانت نظرة آحادهم إليها لا كما يجب أن تكون من توجيهها وجهتها التي ما أنزلت إلا من أجلها قدرًا مقدورًا، وإن كل ذلك إلا ابتلاء، وإن عموم ذلك إلا اختبارٌ منه تعالى لعبيده، كيما يتحرك ساكن الإيمان في ألبابهم، وكيما يتأكد عامل اليقين في قلوبهم، ومن إلف فطرة فطر سبحانه الناس عليها، وكل ذلكم كيما يتنمى فيهم جانب صدقهم حين اللجأ إليه تعالى وحده، دليل توحيد، وموجب إفراد له تعالى بالألوهية، وذلك لأنه سبحانه يريد لفت أنظار عبيده إليه وحده، وإذ لا يكشف ضرًّا عنهم سواه، وإذ لا يعمهم نفعًا إليهم غيره سبحانه، ومنه فقد كانت حقيقة عبودية العبيد إلى مولاهم الحق الرحمن سبحانه؛ حين يتوجهون إليه تعالى وحده، وليس لأحد سواه؛ وذلك حين يطلبون منه نفعًا، أو حين يدعونه كشف الضر عنهم ودفعًا؛ لأنهم والحال هذه فإنما هم يدعون قادرًا حيًّا، سميعًا بصيرًا يجيب دعاءهم، ولأنهم حينئذ قد ربَّى فيهم ربهم عزتهم، وحين لا يكون لجأهم إلا إليه، وحين لا يكون صدق توكلهم إلا عليه، سبحانه وحده، وإذ إن ذلك هو موجب مطلق الإعزاز منه تعالى لعبيده، وإذ إنه لم يلجِئهم إلى سواه، فيكونون والحال هذه أذلاءُ لا يرفعون لهم رأسًا، ولا تعلو لهم قامة، والأمر عند هذا الحد ليبدو واضحًا جليًّا، حين كان الله تعالى هو المعبود وحده لا سواه، وبحيث كان نفع عبادة العبيد لا إلى ربهم عائدًا، وإنما كان نفعها إليهم وحدهم راجعًا، وإنما كان كشف الضر عنهم وحدهم مرفوعًا، وليس لربنا الرحمن في ذلك من نفع - ولو واحدًا، أو بعضًا منه قل أو كثُر - وحين قد نفع عبده، وليس يضيره سبحانه من نقص خزائنه، ولو من مثل مثقال ذرة، وإلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، وحين قد سأل كل واحد منهم مسألته، ولا تقل كيف تمييز، ولا تسل أنَّى تعريف؟! ولا تحسبن كيف سماع كل في آن؟! ولا تعجب إجابة كل واحد منهم مسألته، وفي آن أيضًا؟! وكل ذلكم خارج قدراتنا، بل ليس ذلكم من شيء من طاقاتنا القاصرة المتقاصرة القصيرة الممعنة في حدود قدراتها، والتي لا شأن لها من ذلكم من شيء! وجميع ذلكم داخل في قدرة ربنا وخالقنا، بل من قدرته، لا هي قدرته وحسب!!! وأنت حصيف حين علمك أن المخيط إذا أدخل بحرًا، بلغ جنس مائه ثلاثة أرباع الكرة الأرضية التي منحناها ربنا الرحمن سبحانه! فإنما لم ينقص منه شيئًا ظاهرًا، وهذا من تقريب المعاني إيجابًا لآثارها من صدق العبودية، والافتقار إلى الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه. فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطؤون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي، فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثَا على ركبتيه"[2]. ولعل هالة إخبات تغمرك، وحين تعرف أنه ليس عبد واحد هو ذاك الذي يرفع يديه إلى مولاه ليعطيه مسألته، وإنما سائر من خلق من عبيد إنسًا وجنًّا، من أزل وإلى الأبد! مؤمنهم وكافرهم، وحين دعوا الله مخلصين له الدين، وحين ابتلوا بقاصفة الريح وإعصارها إنسًا وجنًّا من أزل وإلى الأبد أيضًا! وأولاء هم المؤمنون، وإذ هم يعرفون ربهم رخاءهم ومن قبل شدتهم! وهؤلاء هم الكافرون، وإذ لا يرفعون له تعالى أكفًّا، وإلا حين شِدَّتهم وعُسرهم وضِيقهم، وأما حال يسرهم، وكأنما هم الخالقون، لما هم فيه من نعم! ومنه فلا يشكرون، ولا هم يذكرون! وأنت خبير بتشنيع القرآن الحكيم على من كان ذا وصفهم، وحين قال الله تعالى ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت:65]. وحديث بابنا غدق بعبارات علم عن ربنا جل وعز وتبارك، وتندرج منه نفحات فيض الرب الرحيم المتعال، وهو دال على حسن استنباط لأبي طالب، وحين قد تأكدت لديه بواعث النبوة، وإشراقات الرسالة لابن أخيه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وليس يكون ذلك إلا من فراسة قد منَّ الله تعالى بها على أبي طالب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكما أن الحديث دال على مدى ما أكرم الله تعالى به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من بركة دعائه، وحين كان صدق لجأ مفترض فيه صلى الله عليه وسلم إليه تعالى، وأنه دال على صدق بركته صلى الله عليه وسلم، وحين أجابه ربه سبحانه، وتوا حين دعا! والحديث وإن كان دالًّا على مشروعية صلاة الاستسقاء، وحين يقحط بأهل محلة من المحلات، إلا أنني أنحو فيه نحوًا دالًّا على أهمية صدق العبيد، وحينما حل بهم بلاء، وأنه ليس يكون أحد أحق بذلك التجاء إليه منه سبحانه قدرة نافذة له، وإعزازًا لعبيده منه تعالى وتنزه وتقدس وجل وعز. ودلالة الحديث واضحة في جواز الاستسقاء بالفاضل الحي، وهو هنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، مع وجود المفضول، وهم سائر أصحابه، وعموم أتباعه رضي الله عنهم أجمعين، وعمل الناس على ألا يستسقى إلا بفاضل، ودلك على هذا قول أنس بن مالك رصي الله تعالى عنه، أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون[3]. وبيد أنه إذا وجه الكلام وجهته، فإنك لا تكاد تتنسم منه إلا حقًّا، وإنك لا تنهض واجدًا فيه من شبهة، وذلك حين توجيه اللفظ على أنه طلب أن يدعو الفاضل الله تعالى لهم بإنزال المطر، والفرض أنه ها هنا هو العباس عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه فينتهض تعميمه، وفي كل نظير. وإلى ها هنا لا إشكال، وخروجًا مما قيل وأثير من هذا الجانب، ولأن التأويل الحسن السائغ هو الواجب، وحين حل الاحتمال، وبدل أن نعطل الاستدلال، أو نقحم قولًا على أساس ديننا الحنيفي العظيم، وتماشيًا مع أصول الشريعة، وتماهيًا مع قواعد الملة! وبه دل على أن الاستسقاء دعاء أيضًا. وهذا مِن فقه وكرم عمر رضي الله تعالى عنه، وحلمه وتكريمه لذوي رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حين قدم العباس في دعائه وسؤاله واستسقائه به، وذلك رغم فضله، وسبق علم الناس عن دينه وتقواه. لكنه وعلى أية حال سنن لنا، لنحذوه، وأن ننزل الناس منازلهم، حقًّا واجبًا في أعناق ذوي المروءة والفقه والعلم والدين من الناس، ولقد رأيت كم كان تقديم عمر الفاروق للعباس رضي الله تعالى عنهما، مع ما سبق ذكره من الفضل لكل، وهو وإن دل فإنما يدل على ذلكم تواضع آخر لعمر رضي الله تعالى عنه، ومن قد رفع قدر الناس رفع الله تعالى قدره، فحق له ليُرْفَعَنَّ! ومن قد أنزل قدرهم، فدين عليه لَيُقْضَيَنَّ! فتأمله جيدًا يا رعاك مولاك! على أن الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه إنما كان يعرف فضل العباس، وذلك لأنه ليس يغيب عن باله ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضرته، حيث قال: "... مهلًا يا عباسُ، لَإسلامُك يومَ أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطابِ، ومالي إلا أني قد عرفتُ أنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من إسلامِ الخطاب.."[4]. ومن حديث عمر الفاروق الآنف تبيَّن أن الاستسقاء بميت ليس في الشرع جائز؛ إذ لو كان الاستسقاء بالميت جائزًا، لقدِّم الرسول؛ لأنه الأفضل قطعًا. وحين القول بجواز الاستسقاء بالفاضل الحي، وعدمه بميت فاضلًا أو مفضولًا، فإنما كان ذلك لأن الميت - وضعًا - لا يجيب أحدًا، وكذا الحي، ولأن الله تعالى قال: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل:62]. وفي إلماحة قرآنية خاطفة آسرة، وأن ذلك مختص بمن له الخلق والأمر، ويكأنك تقرأ نظمًا هكذا، ويكأنك تطالعه ولأول مرة، وحين استحضار هذا الجفاء وهذا الاستدبار، وهذا الإمعان في ظلم النفس، وحين قال الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر:67]. وكذا قوله تعالى: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى:12]. وألا يجوز الاستسقاء بالميت؛ حمايةً لعقيدة العبد، وجناب توحيده؛ لأنه ليس يكشف ضرًّا، ولا يجلب نفعًا، وإنما ذلكم هو من اختصاص ذي القدرة كلها، وذي الإرادة كلها، وذو الملك كله، وذو الملكوت كله، وهو الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه وحده. وقول أبي طالب ولما لم يحدث قحط بعد! ولما لم تكن نبوته صلى الله عليه وسلم بعد! ولما لم يدعُ استسقاءً بعد! فإن ذلك دال على أنه علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى ما سبق وأنه فراسة من أبي طالب، منة من الله تعالى عليه، إذ إن الفضل كله لله تعالى، حين ينعم على عُبَيْدٍ مِن عبيده بفضله، وإذ قد أنعم عليه تعالى بجزيل منِّه، وعظيم عطائه، وفيض منحه. والحديث دال على ما لصلاح العبد في دينه من عظيم أهمية، وأن ذلك هو ترياقه عند مواجهة الأزمات، وحلول الابتلاءات، كما أنه دال على وجوب إصلاح العبد من نفسه، حين كان متعرفًا إلى مولاه حال رخائه؛ ليعرفه ربه حين حلول شدة به، وما أكثرها! لأنه سبحانه هو الركن الأحد، ولا ركن لأحد على الحقيقة غيره سبحانه، وذلك لأنه تعالى قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 194]، ولأنه تعالى قال: ﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر:14]، ومنه قوله تعالى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ [فاطر:13]. ودونك الفعل (فأُنزِلَ) مقترنًا بفاء التعقيب؛ دلالة على فورية إجابة الله لعبده، وإذ لا تراخي مع الإجابة، وإذ إنك تعامل ربًّا كريمًا، ذا جود، ومنٍّ وفضل، وإنعام، لا حدود لكل، وعلى حدة! ومنه فليكن أحدنا عبدًا منيبًا أولًا، فيحقق الله تعالى رجاءه، ويجيب مولاه سبحانه سؤله ودعاءه، وثانيًا أيضًا وفي لا زمن يكاد فيه أن يحسب في عداد العادين! ومادة الاستسقاء من المفاعلة؛ دلالة على وجوب مجاهدة العبد لتحقيق مراده، وداعية على اختبار صدق اللجأ إلى مولاه الله تعالى! وكون أن الاستسقاء من المفاعلة، دلالة أخرى على وجوب أن يكون المسلم جادًّا في عمله؛ فلا خور في عقيدة، ولا ضعف في التجاء إلى رب الأرض والسماء! ودلالة الحديث على وجوب تضرُّع العبد إلى مولاه سبحانه، وفي كل شأن يهمه، ولو كان شراك نعله! فربه مجيبه، ومولاه جابر بخاطره، فليس يرد أحدًا منكسرًا أبدًا، وحاله أنه وقد انطرح بين يديه، رافعًا شكواه وحاجته إليه. وبيد أننا لا نخرج عن نطاق الاستسقاء، وحين كان ابتهالًا إلى الله تعالى خالقنا ورازقنا أن ينزل علينا مطرًا سحًّا غدقًا مُجللًا، وليحيي الله تعالى به العباد والبلاد. ومنه فإن إظهار فقر العبد إلى ربه لداعية خير إلى استغنائه به تعالى، واستغنائه به وحده معه؛ لأنه كريم كرمًا لا حدَّ له، ولأنه حليم حلمًا لا نهاية له! ولئن كان الاستسقاء من المفاعلة، فإنه دال على أن البدء من العبد حين توجه إليه تعالى بطاعته، وحين قد أفرده سبحانه بدعائه، ودلك على هذا قول الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُون ﴾ [النمل:(62)]، فإنه سبحانه إذا دعاه عبده أجابه، وذلكم كله لدليل حنو رباني، وذلكم كله لموجب لطف إلهي، من الله تعالى على أولاء العبيد المحاويج المساكين إلى عفوه، ومنه وجوده، وإكرامه، وتجاوزه، فإنه سبحانه حسن التجاوز، عظيم المن، واسع الفضل، جازل المنح، باسط يديه بالرحمة، وهو سبحانه مبتدئ النعم قبل استحقاقها! ولا يبلغ مدحته قول قائل ولا يجزي بآلائه أحد! ومن حيث كان معنى الفعل (أقحط) هو احتِباس المطر، ثم ما يستتبع ذلك من الجدب، ولأَنه من أَثره، وهو فعل يقع على ما لم يسم فاعله[5]، والفعل (أقحط) دال بمعناه على وقوعه بشدة أفزعت القوم، وبدلالة سرعة قد أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى المنبر! ومنه نفيد أنه إذا اشتد خطب امرئ، أو أهل محلة، فإن مسارعتهم باللجأ إلى ربهم سبحانه؛ ولأنه آكد لإجابته، وإنما كان ذلك لموجب الاضطرار الموجب هو الآخر للإجابة، كما قد حكى القرآن العظيم في آية النمل السابقة الذكر. وإذ قد (أقحط أهل المدينة)، دلالة على حلول عموم البلاء على أهل المدينة، ومنه فإنه إذا عم البلاء، فلقد كان السبب منعقدًا، والحال كذلك إلى هرولة إلى الله تعالى؛ لاستجلاب رضاه ونفعه، ودفعًا لضرر مُحدق قد حلَّ بالبلاد والعباد، وإذ إنه ليس يُدرَى ما بعده، فقد تكون جائحة، وإنما قد كان ترياقها أن تدفع بالدعاء والاستسقاء. ومن قوله: أقحط أهل المدينة، دلالة على الاستسقاء عند حلول الجدب العام، أو شبهه أو خوفه أو مظنته. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |