مفهوم الجملة عند سيبويه (عرض) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1074 - عددالزوار : 127193 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          عظات من الحر الشديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المشي إلى المسجد في الفجر والعشاء ينير للعبد يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          القلب الناطق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الظلم الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أدب المؤمن عند فوات النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          عن شبابه فيما أبلاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          بلقيس والهدهد وسليمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 29-06-2021, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,699
الدولة : Egypt
افتراضي مفهوم الجملة عند سيبويه (عرض)

مفهوم الجملة عند سيبويه (عرض)


حسن عبدالغني الأسدي





ملخص أطروحة الدكتوراه
مفهوم الجملة عند سيبويه[1]
للباحث حسن عبدالغني الأسديّ

تُعدُّ هذه الدِّراسةُ محاولةً لقِراءةٍ جديدةٍ للكتاب الأوَّل في النحو العربيِّ، الأرْقَى مكانةً فيه (أعني: كتاب سيبويه)؛ إذ إخال أنَّه كان قد كُتِب بمنهجيَّة لم تتأتَّ لأيٍّ مِن النحويِّين الخالِفين، وفي الحقِّ أنَّ صاحبَ الكتاب (المتوفَّى180هـ)[2] كان قد نزل منزلةً خاصَّةً عند عملاقِ النحو العربيِّ الأوَّل وعبقريِّ لُغته (الخليل بن أحمد الفراهيديّ ت: 175هـ)[3]، لم يصلْ غيرُه إليها، فقد رُوي عنه قولُه حين يرَى سيبويه مقبلاً عليه: (مرحبًا بزائرٍ لا يُملُّ)، وما سُمِع أنَّه قالها لغيرِه[4]، وكان أن يحدُث بينهما في طائفةٍ مِن محاوراتهما ما يَعجِز غيرُهما عن فَهمِه، كما حصَل للأخفش؛ فبينا هو عندَ الخليل إذ جاءَ سيبويه، فسأَلَ الخليلَ عن مسألةٍ ففسَّرها له؛ يقول الأخفش: "فلمْ أفهم ما قالاَ، فقمتُ وجلستُ له (يعني: لسيبويه) في الطريق، فقلت له: جَعَلني الله فداءَك، سألتَ الخليلَ عن مسألة، فلم أفهمْ ما ردَّ عليك ففهِّمنيها، فأخبرني بها، فلم تقعْ لي ولا فهمتُهما، فقلت له: لا تتوهَّم أنِّي أسالك إعْناتًا، فإنِّي لم أفهمْها ولم تقَعْ لي، فقال لي: ويلَك! ومتى توهمتَ أنَّني أتوهَّمُ أنَّكَ تعنِّتني؟! ثم زَجَرني وترَكَني ومضَى"[5]، ونقل السِّيرافيُّ عن الزجَّاج وصفَه لأحد أبواب الكتاب بقوله: (هذا باب لم يفهمْه إلاَّ الخليل وسيبويه)[6]، وغير ذلك مِن المواقف والأقوالِ التي تُصوِّر عملاقًا آخرَ للنحوِ العربيِّ، تتلمذَ على يدِ العملاق الأوَّل (الخليل).

وحسْبُنا من كلِّ هذا أنَّ علماءَ العربيَّة قاطبةً - على كثرتِهم وعبقريَّة كثيرٍ منهم - لم يستطيعوا أن يتجاوزوه، على الرغمِ مِن أنَّهم - كما سنرَى فيما بعدُ - تبنَّوا نظريَّةً للنحو العربي تختلف عن نظريتِه، إلاَّ أنهم لم يَجِدوا بُدًّا من أن يوظِّفوا كلامَه فيها؛ وقد عمِلوا على إعادةِ صِياغة كتابِه الصياغةَ التي يَرغَبون فيها، وتَمَّ ذلك لهم في كتابِ أبي بكر بن السرَّاج (ت 316هـ) "الأصول في النحو"، لقد تبنَّى ابن السَّرَّاجِ في كتابه منهجًا يقوم في إطارِه العام على الأصناف، بدأ فيه (بمرفوعات الأسماء، ثم المنصوبات والمجرورات، وانتقَل بعدَ ذلك إلى التوابع، ثم أشار إلى نواصبِ الأفعال وجوازمها، وزادَ بابَ التقديم والتأخير، وباب الإخبار بالذي وبالألف واللام، وانتهى إلى مسائل الصَّرْف)[7].

ووصَف بعضُ القدماءِ عملَه هذا، فقال: "...وأخَذَ مسائلَ سيبويه ورتَّبها أحسنَ ترتيب"[8]، ومِن ثَمَّ رأى محقِّق كتاب الأصول: أنَّ موضوعاتِه غيرُ متداخلة كموضوعاتِ سيبويه[9]، بل ذَكَر أنَّ القُدماءَ رأوا فيه ما يُجنِّبهم عناءَ البحث في الكتاب، فأصبح الأصول عندَهم (... غاية في الشَّرَف والفائِدة)[10].

وكان المبرِّد (ت: 285هـ) قد ألْمَح في مقولتِه المشهورة - في هذا السِّياق - التي كان يقولُها لمن يُريد أن يقرأَ عليه كتابَ سيبويه، وهي: (هل رَكبتَ البَحْر؟!) إلى الصُّعوبة التي كانوا يُعانونها في إدراكِ نَظريَّة سيبويه، ورأتِ الأستاذةُ الدكتورة خديجةُ الحديثيُّ في هذه المقولة (تعظيمًا له (تَعني: للكتاب)، واستصعابًا لما فيه، فكأنَّه لن يستطيعَ تحمُّلَ مشاقِّ قِراءته، والصبر على استخراج دقائقِه وعويصِه، إلاَّ مَن ركِب البحرَ، وتحمَّل أهوالَه، وإلاَّ مَن غاص فيه واستطاع استخراجَ دُررِه وجواهرِه)[11]، ولعلَّ تأليف المبرِّد "المقتضب" كان انعكاسًا للغُربة تُجاه الكتاب ومنهجه وفي محاولة فَهمِه الذي شاعَ وصفُهم إياه بـ(قرآن النحو).

إنَّ دِراستنا - كما يظهر - تحاول أن تتجاوزَ تلك التراكُماتِ التاريخيَّةَ والعلميَّة التي كوَّنت حجابًا حولَ الكِتاب امتَلَك سلطةً قويَّةً على الدِّراسات النحويَّة كافَّة إلى عصرِنا هذا، فإذا ما أرادَ بعضُ الباحثين النظرَ في الكتاب قَدَّم بيْن يديْ حاجته تلك تصوُّراتٍ عن الكتاب[12]، كان قد تعلَّمها في أغلبِ الأحيان مِن ألفيةِ ابنِ مالك وشُروحها أو كُتُب ابن هشام ونحوها، ولم يُمكِّن سيبويه مِن قيادِه، فكانتِ النتيجة الخروجَ بالموجود، بَيْد أنَّه ما يَنبغي أن يُفهمَ مِن كلامنا ها هنا أنَّنا نَسْعَى إلى أن نَعيبَ على أحدٍ ما عملاً، بل جَرَى القلم إلى هذا الموضِع مِن الكلام؛ لِمَا نرجوه مِن أن يتمَّ فهم سيبويه وغير سيبويه مِن علمائنا الأجلاَّء مِن خلال ما كتبوا أو ما نُقِل عنهم نقلاً حرفيًّا.

وفي الحقِّ فإنَّ سيبويه قادَنا إلى الكشفِ عن أبعادِ نظريته ولم نقدْهُ، وكان حِرصُنا شديدًا على ألاَّ نُخضِعه لأهوائنا، فمَع تواصل البحث على وَفق المنهج الفيلولوجي الذي تتبنَّاه الدِّراسة في فَهم النصوصِ، تكاملت خُطَّتها على الصورةِ الآتية:
المقدِّمة.
التوطِئة المنهجيَّة للدِّراسة.
الفصل الأول: مَنهَج سيبويه في التحليل النحويِّ.
المبحث الأول: مَنهَج سيبويه في دِراسة الظاهِرة النحويَّة.
المبحث الثاني: منهَج سيبويه في التدوين النحويِّ.
الفصل الثاني: مفهومات عناصِر الجملة العربيَّة.
المبحث الأول: مفهوم الفعليَّة عندَ سيبويه.
المبحث الثاني: مفهوم الاسميَّة عندَ سيبويه.
المبحث الثالث: مفهوم الظرفيَّة عند سيبويه.
الفصل الثالث: بناء الجُملة العربيَّة.
المبحث الأوَّل: مصطلحات أرْكان الجُملة عندَ سيبويه.
المبحث الثاني: التكوين الخَطِّي للجُملة عندَ سيبويه.
الفصل الرابع: فَهْم الجُملة عندَ سيبويه.
المبحث الأوَّل: المحتوَى الدَّلالي للجملة.
المبحث الثاني: معيار حُسن السكوتِ.
الفصل الخامس: المستوى القَبلي عندَ سيبويه.
المبحث الأوَّل: نَظرية الأصول عندَ سيبويه.
المبحث الثاني: مفهوم (تمثيل ولم يتكلَّم به) عندَ سيبويه.
المبحث الثالث: الجملة الأصلُ في العربيَّة عندَ سيبويه.
الخاتمة (نتائج الدِّراسة وتوصياتها).
ثَبَت المظان.
مُلخَّص الدراسة باللُّغة الإنكليزية.

فبعدَ أن يتمَّ توضيحُ منهجِ القِراءة التي نَنشُدها للكتاب عبْرَ التوطئة المنهجيَّة، يأتي الفصلُ الأول، وهو فصلٌ تَمهيديٌّ يَجري فيه توضيحُ البُعدَينِ المنهجيَّين اللَّذين تبناهما سيبويه في تحليلِه النحويِّ، يُبيِّن الأوَّل منهما طريقةَ سيبويه في تناولِ الظاهرةِ اللُّغويةِ.

أقول بعبارةٍ أخرى: إنَّ هذا المبحثَ يُحدِّد رؤيةَ سيبويه لوظيفةِ اللُّغوي وموقفِه مِن الظاهرةِ المدروسة؛ إذ يَرَى سيبويه له أن يتبنَّى منهجًا تفسيريًّا للظاهرة، وأعني بالتفسيري: كونَه مجتلبًا مِن المفسِّرين، أمَّا الثاني، فيقوم على مجالاتٍ خمسةٍ للتحليل النحويِّ، هي: المقولات، والبِنية، والعمل، والمحتوَى الدَّلالي، والمستوى القَبلي، وقدْ هيمنتْ هذه المجالات - بصورة واضحة - على خُطَّةِ الكِتاب في إيرادِ المادة النحويَّة، ومِن جِهةٍ أخرى كان ترتيبُ أبواب مقدِّمة الكتاب يعكِس ترتيبَ أقسام الكتاب التي وجَدْنا عددَها قد بلَغ تسعةَ أقسام.

وبعدَ الانتهاء مِن الفصل التمهيديِّ، يبدأ الفصلُ الثاني، فيبدأ معه بيانُ أوَّل مجال مِن مجالاتِ التحليل اللُّغويِّ، وهو مجال (المقولات Categories) أو الأصناف، ويتمُّ ذلك مِن خلال مباحثَ ثلاثةٍ خُصِّص كلُّ واحد منها لمقولةٍ مِن هذه المقولات المهمَّة في الجُملة، وهي مقولاتُ الفعليَّة والاسميَّة والظرفيَّة، وجَعْلُنا هذه المباحثَ لمفاهيم المقولات إنَّما يُراد به استيعابُ تَصوُّرات سيبويه في طوائفَ مِن البنَى مُفردَة أو مُركَّبة، يسلك بعضها مسلكَ إحدى المقولات الثالثة في الجملة.

ويَتناول الفصلُ الثالثُ بيانَ المجال الثاني والثالثَ مِن مجالات التحليل، وهما (البِنية والعمل)، وكان مِن المناسب أن نُفرِّغ مبحثًا لتحديدِ دَلالة المصطلحاتِ التي استعملها سيبويه في تحليلِ الجُمْلة مِن خلال مصطلحاتِ المسنَد والمسنَد إليه، والابتداء والمبتدأ، والمبني عليه، والخبر، والفعل والفاعل والمفعول، وغيرها، وكما قِيل فالمصطلحاتُ مفاتيحُ العِلم.

علمًا بأنَّ مصطلح (العمل) إذ نستعملُهُ في مجالِ التحليل يكون عامًّا لمفهومي سيبويه (التعدِّي والعمل النحويّ)، ويبرز مفهومُ التعدِّي بوصفِه مفهومًا خطيرًا عندَ سيبويه، بل لعلَّه أهمُّ مفهوماتِ الجُملة، ويَكفي وحْدَه أن يُقدِّمَ (مفهوم الجُملة عندَ سيبويه) على نحوٍّ جيِّد.

أما الفصل الرابع، فيتوجَّه نحوَ الجملةِ المتحقِّقة في الخِطابِ، بل لعلَّه أبرزُ موقِعٍ قد يوضِّح كون سيبويه قد تناول العربيةَ مِن منطلق كونِها لُغةَ الخطاب في أيَّامه، وتلك مسألة قدْ خالف فيها سيبويه سائرُ النحويِّين الخالِفين.

ويُصوِّر سيبويه في إطارِ مقبوليةِ الجُمْلة الأثَر المهم للمَجال الرابِع، وهو (مجال المحتوَى الدَّلالي)، الذي خُصِّص له المبحث الأوَّل، ويَليه مبحَث (حُسن السكوت)، ويقوم على وِجهة نظَر المتكلِّم في تكامُل المحتوى الدلالي للجُملة عندَ المخاطَب، بَيْدَ أنَّ ذلك لا يَعني بأيِّ حالٍ مِن الأحوال إمكانَ إدراك المحتوى الدَّلالي للجُملة بمعزل عن النَّمَط البِنائي الخاص بالبنية الافتراضيَّة الصُّغرى والكُبرى للجملة عندَ سيبويه.

ويُفرَد الفصل الخامس - وهو الفصلُ الأخير - لبيانِ المجال الأخير مِن مجالات التَّحليل، وهو المستوى القَبلي الذي يَكمُن خلفَ المجالات الأربعة السالِفة الذِّكر في التفسيرِ السيبويهي للظاهرةِ النحويَّة، وكأنَّ ذلك صور نظرية لُغويَّة متكاملة الأبعادِ في داخِل إطار النظريَّة اللُّغوية العامَّة في الكتاب، وتلك هي (نظرية الأصول اللُّغوية عند سيبويه)، وزَوَّدتنا هذه النظريَّةُ بطائفةٍ مِن قوانين العربية التي ترتكِز إلى الأصولِ الأُولى، وجرَى ضمنَ ذلك الكشفُ عن المصطلحات الخاصَّة بهذه النظرية، وهي مصطلحات (الأصل والحد والوجه وطريقة الكلام)، ومِن جملة الملاحظاتِ ها هنا: كون ظاهرة الممنوع مِن الصَّرْف تُمثِّل الأثَرَ المترتِّبَ لعدمِ خُضوع الكَلِم لتلك القوانين.

ويركز المبحث الثاني جهدَه على إبرازِ مفهوم تَكرّر ظُهوره الاصطلاحي في الكتاب، ويَنسجِم هذا المفهوم المصطَلح عليه بـ(تمثيل ولم يَتكلَّم به) ونحو ذلك مَع التصوُّرات الخاصَّة بنظريةِ الأصول، بوصفِه أصلاً تجريديًّا ظهَر في مبحثِ التكوين الخطِّي للجملة مِن الفصل الثالث، ووظَّفَ سيبويه هذا الأصلَ التجريديَّ في إطارِ مجالٍ تحليليٍّ للاستعمال النحويِّ، كما أنَّ هذا الأصلَ الذي تمثَّل فيما اصطلحْنا عليه بـ(البنية الافتراضيَّة الصُّغرى للجملة العربيَّة) سيكون أصلاً أوليًّا لجميعِ الجُمَل في العربيَّة.

وسَيعمل المبحثُ الثالث مِن هذا الفصلِ على تأكيدِ ذلك في إطار (الجُمْلة الأصل في العربيَّة عندَ سيبويه)، ومع انتهاءِ هذا المبحثِ تَنتهي الدراسةُ، ثم نَعْمَل بعدَ ذلك على محاولةِ صِياغة عرْضٍ موجز لأهمِّ نتائجها، وشَفْعِها بطائفةٍ مِن التوصيات التي رآها الباحث، يلي ذلك ثَبتٌ بمظانِّ الدراسة تُسطَّر فيه طائفة المصادر والمراجع المعتمَدة في الدِّراسة، ثم نُبذة مختصَرة للدراسة تُكتب باللغة الإنكليزيَّة.

إخال أنِّي قدِ استطعتُ بيانَ ما وصفتُه به مِن كونها محاولةً في قراءةٍ جديدةٍ للكتاب، تَمَّتْ بالبحث عن مفهوم الجُملة عندَ صاحبه، ولعلَّ الأمر قد اتَّضَح في كون سيبويه الذي لم يستعملِ الجملة بالمعنى الاصطلاحي إلاَّ أنَّ كلامه قد أتَى على المفهوم التَّركيبي (النحوي) للجُملة، وفي ظلِّ هيمنة المحتوى الدلالي لها إقامة الكتاب وإخراجه على الصورةِ التي تُظهِر لنا امتلاكَه للإدراك العقلي (أي: المفهوم) للجُملة، وقد سوَّغ لنا هذا الأمر عنونةَ دِراستنا هذه به، على أنَّ ذلك لا يَمنع - في زَعْمِنا - أن ننسُب إلى سيبويه وضْع البَذرة الأولى الممهِّدة لدخولِ اللفظة إلى حقلِ الاصطلاح النحويِّ، الأمر الذي ظهَر عندَ الفرَّاء والمبرِّد في كتابه المقتضَب؛ إذ كشَف الاستقراءُ لمادة الكتاب أنَّ سيبويه كان قدِ استعمل اللفظة (بمعناها اللُّغوي في تِسعَةِ مواضعَ، جاءتْ في موضعين منها على صِيغة الجمع (جُمَل، وجمْلات)، وجاءتْ في بقية المواضع على صيغة المفرَد (جملة).

لقدِ اتَّضح للباحِث كونُ مفهومِ الجُملة مفهومًا فعَّالاً في جانبٍ مهمٍّ مِن الكتاب، قد أُسِيء فَهمُه من لدن النحويِّين قديمًا وحديثًا، وذلك الجانِب هو خُطَّة الكتابِ في إيرادِ الأبواب النحويَّة، سمَّيْناه (منهج سيبويه في التدوين النحويّ)؛ إذ يُلاحَظ كونهم قد وَصفوا موضوعاتِ الكتاب بالتداخُل، وأنَّ أبوابَ الموضوع الواحِد مبعثرة هنا وهناك؛ فضلاً على نُزوع المحدِّثين إلى تَبنِّي منهج عام، ربَّما رأوه مخرجًا لسيبويه مِن ذلك التداخُلُ، وذلك المنهَج هو كون الكتاب قد أُلِّف على تتابُع (النحو والصَّرْف والأصوات)، وما ذلك في الحقيقةِ إلاَّ تأثُّرًا بنظرةٍ متأخِّرة عن زمَن تأليف الكتاب.

وقد حالَف التوفيقُ تلك النظرةَ حتَّى في بعضِ المحاولات المعاصِرِة لإعادةِ تقويم منهج الكتاب[13]، ولم يقتصرْ سوءُ الفَهم على ذلك فحسب، بل تجاوز إلى مصطلحاتِ الكتاب التي وصفت بكونها غيرَ مستقرَّة، فضلاً على كون دَلالاتها السيبويهيَّة قد نُسِيت تمامًا، بل ربَّما انحرف بها إلى عكسِ الاصطلاح عمَّا عندَ سيبويه كما حصَل في مصطلحي الإسنادِ في النَّمْط الاسمي؛ إذ تَمَّ بتأثيرِ نزعةٍ منطقيَّة تبنِّي خطيَّة القضية الحمليَّة، فاصطُلح على المبتدأ بالمسنَد إليه، واصطُلح على المبني عليه (الذي تحوَّل إلى الخبر دائمًا) بالمسنَد، في حين أنَّ سيبويه استعمل المسند للمبتدأ، والمسند إليه للمبني عليه، الأمْر الذي أدَّى إلى تحوُّلٍ كبيرٍ في مفهومِ تكوين الجُملة أدَّى فيما بعدُ إلى إلغاءِ تَصوُّراتِ سيبويه الخاصَّة بهيئةِ الجُملة وخطية نظريةِ العامِل النحويِّ، أو فعالية موقِع الصَّدارة في الجُملة.

وقدَّمتِ الدراسة - في محاولةٍ منها لإزالةِ سوءِ الفَهم المتقدِّم - ما تراه منهجًا كان سيبويه قدْ سار عليه في إيرادِ الأبواب النحْويَّة - جرَى إهماله أو الأصح عدَم إدراكه - يَعتمد على أُسستَقدّمها ما نُسمِّيها (نظرية التحليل النحويّ الخاصَّة بالكتاب)، متمثِّلة في المجالاتِ الخَمْسة الآتي ذِكرها لاحقًا، فالكِتاب مكوَّن مِن جزأين أساسيين هما: مُقدِّمة الكتاب (متمثِّلة في الأبوابِ السَّبْعة الأولى)، ومتْن الكتاب (وتلك مسألةٌ معروفة لدَى الباحثين)، ويقوم متنُ الكتاب على تِسعة أقسام تعتمد في إطارِها العام على تَصنيفٍ ثُنائي نحويٍّ للكلم، هو (مقولتَا الاسم والفعل).

تسبق مقولةُ الاسم (لبساطتها وأوَّليتها) مقولة الفِعل (المركَّبة المأخوذة مِن أحداث الأسماء)، وتتابع المقولتين على هذا التصنيف، وفي ضوءِ خمسة أمورٍ، هي ما يأتي:
الأمر الأوَّل: نظرية العامِل النحوي، والحالات الإعرابيَّة للمقولتَين الرئيستين الاسم والفعل المضارع لأسماءِ الفاعِلين.

الأمر الثاني: التمكُّن النَّحْوي أو التَّمام النَّحْوي المتمثِّل في ظهورِ التنوين أو عدَمه، ويُعدُّ عدَمُ التمكُّن اقترابَ اقترابًا للاسم من الفعليَّة.

الأمر الثالث: عدَم الخضوعِ للعامِل النحويِّ، ويتمثَّل هذا في الأسماء التي لا يَظهر عليها أثَر العمل لفظًا، وفي الفعل المضارع بدخولِ التوكيدِ ونون النِّسوةِ عليه.

الأمر الرابع: المحتوى الدَّلالي الخاص بالمقولةِ التي تُوصَف بكونِها أكثرَ أهميةً في تكوينِ الجُملة، وتلك هي مقولةُ الفعل؛ لكونِها العاملَ الفعَّال في إنشاءِ المجالات الخاصَّة بالوظائفِ في الجُملةِ، وتمثَّل هذا الأمر في محاولةٍ لحصْرِ معاني الأحداثِ بحَصْر أبنيتِها (صِيغها).

الأمر الخامس: قضيَّة الأصولِ والفُروع، وقدْ ظهرتْ خُطَّة الكتاب - على ما تَقدَّم - كما يأتي:
أولاً: المقدِّمة.

ثانيًا: متْن الكتاب: القِسم الأوَّل: وهو خاصٌّ بمواضعِ الاسم في الجُملة على وَفق الحالات الإعرابيَّة متتابعة:
مواضع النصب.
مواضع الجر.
مواضِع الرَّفْع.

القسم الثاني: وهو خاصٌّ بمواضِعِ الفِعل المضارِع في الجُملة، وهي متتابعة:
مواضع النَّصْب.
مواضع الجَزْم.
حالة الرَّفْع.

القسم الثالث: وهو خاصٌّ بالاسمِ مفهومًا، أعْنِي المؤولات الاسميَّة فيما نُلاحظ مثلاً في (أنْ وأنّ) مع معمولاتهما؛ إذ تسلكانِ مسلكَ المقولة الاسميَّة في الجُملة.

القسم الرابع: الاسم المنوَّن، والذي لا يُنوَّن، ومعنى ذلك كونُ الاسم بين حالةِ الإعراب والبناء، أو بكونه أكثرَ قربًا مِن الفعليَّة، ويعود ذلك إلى عدَمِ انسجامه مع قوانين العربيَّة الخاصَّة بنظريةِ الأصولِ اللُّغويَّة.

القسم الخامس: الأسماء المركَّبة الخاضِعة للعامِل النحوي (في هذا القِسم ينتقل سيبويه إلى حصْرِ مقولاتٍ اسميَّة مركَّبة بعدَ فراغه مِن الاسمِ المفرَد)، بَيْدَ أنَّ هذا التركيبَ غيرُ لازم فلا يؤدِّي إلى البناء، وهو تركيبُ الإضافة (النسب) والتصغير، والتثنية والجمع.

القسم السادس: الأفعال المركَّبة، ويُناظِر سيبويه في هذا القسمَ السابق (الأسماء المركَّبة)، إلاَّ أنَّ التركيب في الفعل (ويَعني به الفعل المضارع خاصَّة)، يؤدي إلى بنائه فلا يعود مُعربًا، ويكون التركيب ها هنا مع نونَي التوكيدِ ونون النِّسوة.

القسم السابع: الأسماء التي لا تُغيِّرها العوامل؛ بعدَ أن فرَغ سيبويه مِن مُعرَبات الأسماءِ في الإفراد والتركيب وما بين الإعرابِ والبِناء، بقِي أمامَه أن يتناولَها في حالةِ البناء؛ أي: عدَم خضوعِ تلك الأسماء للعامِل لفظًا، والأسماء هي: المقصورُ والأعدادُ المركَّبة، ولم يكُن له أن يَذكُر بعدها قسمًا للأفعال المركَّبة؛ لتَقدُّمِ ذلك في القسمِ السادس؛ إذْ لا وجودَ لقسمٍ خاصٍّ بتركيبِ الأفعال مع بعضِ الحروفِ مع بقائِها على إعرابِها.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 117.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 115.38 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]