|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بيداغوجيا الأهداف د. جميل حمداوي توطئة: عرف قطاع التربية والتعليم في المغرب، وبالضبط في سنوات الثمانين من القرن العشرين، مقاربة تربوية جديدة تسمى بنظرية الأهداف. والغرض من هذه النظرية أو هذه المقاربة هو عقلنة العملية الديداكتيكية تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما، مع أجرأة الفلسفة التربوية التعليمية الفضفاضة في شكل أهداف عامة وخاصة. والغرض من ذلك كله هو تقويم المنظومة التربوية بصفة عامة، والبحث عن مواطن الضعف والقوة، وتحفيز المدرسين وتشجيعهم على تقديم الدروس بطريقة علمية هادفة وواعية ومركزة ومخططة، في ضوء تسطير مجموعة من الأهداف الإجرائية السلوكية الخاصة، مع انتقاء المعايير الكفيلة بالتقويم والملاحظة والرصد والقياس والاختبار. ومن ثم، العمل على تقويم مدى تحقق النتيجة أو الهدف في آخر الحصة الدراسية؛ لأن ذلك هو الذي يحكم على الدرس بالنجاح أو الإخفاق. فإذا تحقق الهدف المسطر في بداية الدرس، فقد تحقق نجاح العملية الديداكتيكية. وإذا لم يتحقق ذلك، فقد أخفق المدرس في عمليته التعليمية- التعلمية. وبالتالي، فما عليه سوى أن يعيد الدرس من جديد، عبر تمثل التغذية الراجعة منهجا وقائيا، ومعيارا تشخيصيا، ومؤشرا تقويميا لسد النواقص الكائنة، ودرء الشوائب غير المتوقعة، والحد من أسباب التعثر الدراسي، بتصحيح كل الأخطاء التي ارتكبها أثناء تقديم مقاطع الدرس في مختلف مراحلها الثلاث: الاستكشافية، والتكوينية، والنهائية. هذا، وقد أخذت المؤسسات التربوية المغربية بهذه المقاربة التربوية الجديدة مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي؛ بيد أنها سرعان ما تخلت عنها بدون روية أو تفكير أو عمق، لتجد نفسها أمام مقاربات تربوية مرتجلة أخرى، مثل: تطبيق دليل الحياة المدرسية، والأخذ بفلسفة الشراكة والمشروع، وتمثل تربية الجودة، والأخذ ببداغوجيا الكفايات والإدماج، والاستفادة من مدرسة النجاح، أو الاستهداء بالميثاق الوطني للتربية والتكوين... بمعنى أن المغرب قد أصبح حقلا للتجارب التربوية الغربية بامتياز، إذ عرف تقلبات بيداغوجية عدة، وتعرض كذلك لاهتزازات تربوية مجتمعية مرات ومرات؛ بسبب تذبذب وزارة التربية الوطنية سياسة وتدبيرا وتخطيطا، وعجزها عن اختيار إستراتيجية تربوية واضحة ودقيقة وناجعة. ربما يكون هذا التقلب راجعا إلى عوامل ذاتية ومزاجية، أو نتيجة لعوامل سياسية ومجتمعية داخلية، أو يكون ذلك نتاجا لعوامل خارجية تتمثل في ضغوطات المؤسسات الدولية، سيما المؤسسات المالية والبنكية التي تفرض على المغرب شروطا معينة في تدبير قطاع التربية والتعليم، مقابل الاستفادة من المنح والقروض والامتيازات. مفهوم بيداغوجيا الأهداف: إذا كانت بيداغوجيا الكفايات تعنى بتحديد الكفايات والقدرات الأساسية والنوعية لدى المتعلم أثناء مواجهته لمختلف الوضعيات - المشكلات في سياق ما، فإن بيداغوجيا الأهداف هي مقاربة تربوية تشتغل على المحتويات والمضامين في ضوء مجموعة من الأهداف التعليمية - التعلمية ذات الطبيعة السلوكية، سواء أكانت هذه الأهداف عامة أم خاصة، ويتم ذلك التعامل أيضا في علاقة مترابطة مع الغايات والمرامي البعيدة للدولة وقطاع التربية والتعليم. وبتعبير آخر، تهتم بيداغوجيا الأهداف بالدرس الهادف تخطيطا وتدبيرا وتقويما ومعالجة. أنواع الأهداف: من المعروف أن الهدف مصطلح عسكري يعني الدقة والتحديد والتركيز في الإصابة. ويعني اصطلاحا وضع خطة أو إستراتيجية معينة على أساس التخطيط والتدبير والتسيير بغية الوصول إلى نتيجة معينة. والآتي، أن هذا الهدف يخضع للتقويم والرصد والقياس والاختبار والتغذية الراجعة. وعليه، فثمة مجموعة من الأهداف، مثل: الغايات والأغراض والأهداف العامة والأهداف الخاصة، ويمكن توضيحها على النحو التالي: 1- الغايات: هي مجموعة من الأهداف العامة أو هي التوجهات والمرامي والأغراض البعيدة التي تريدها الدولة من التربية. بتعبير آخر، الغايات هي فلسفة الدولة في مجال التربية والتعليم، وتتجسد في المنهاج والبرامج الدراسية والمقررات التعليمية ومحتويات الدروس، مثل: عبارة " أن يكون مواطنا صالحا". ومن ثم، فالغايات هي مرام فلسفية وطموحات مستقبلية بعيدة، تتسم بالغموض والتجريد والعمومية. ويعرفها محمد الدريج بقوله:" إن الغايات هي غايات لأهداف تعبر عن فلسفة المجتمع، وتعكس تصوراته للوجود والحياة، أو تعكس النسق القيمي السائد لدى جماعة معينة وثقافية معينة، مثل قولنا:" على التربية أن تنمي لدى الأفراد الروح الديمقراطية" أو "على المدرسة أن تكون مواطنين مسؤولين" أو " على المدرسة أن تمحو الفوارق الاجتماعية... "... إلخ. فهذه أهداف عامة تتموضع على المستوى السياسي والفلسفي العام، وتسعى إلى تطبيع الناشئة بما تراه مناسبا للحفاظ على قيم المجتمع ومقوماته الثقافية والحضارية. [1]". ومن ثم، فالغايات هي أهداف تربوية كبرى تختلط بالسياسة العامة للدولة، وغالبا ما تكون أهدافا عامة ومجردة وفضفاضة. 2- الأهداف العامة أو الأغراض: يقصد بالأغراض أو الأهداف العامة توجهات التربية والتعليم. أي: تتعلق بأهداف قطاع التربية والتعليم في مجال التكوين والتأطير والتدريس. ومن ثم، فللتعليم الابتدائي أهدافه العامة، وللتعليم الإعدادي والثانوي أهدافه العامة، وللتعليم الجامعي أهدافه العامة، وللتكوين المهني كذلك أهدافه ومراميه وأغراضه. ويعني هذا أن الأغراض أقل عمومية من الغايات، وترتبط بفلسفة قطاع التربية والتعليم. في حين، ترتبط الغايات بسياسية الدولة العامة، كأن نقول – مثلا- يهدف التعليم المهني إلى تكوين مهنيين محترفين في مجال التكنولوجيا والصناعة. 3- الأهداف الوسطى: تتموقع الأهداف الوسطى بين الأهداف العامة والأهداف الخاصة. بمعنى أنها أقل عمومية وتجريدا من الأهداف العامة، وأقل إجرائية وتطبيقا من الأهداف الخاصة. والآتي، أن الصنافات المعرفية والانفعالية والحسية الحركية عبارة عن مراق لأهداف متدرجة في العمومية، بيد أنها تقترب من الخصوصية، مثل: أن يعرف التلميذ أخوات كان، و يستظهر القصيدة الشعرية، و يتذوق الشعر، ويقفز بالزانة... 4- الأهداف الخاصة: يقصد بالأهداف الخاصة الأهداف السلوكية أو الأهداف الإجرائية. ونعني بالأهداف الإجرائية تلك الأهداف التعليمية القابلة للملاحظة والقياس والتقييم. وغالبا ما تصاغ في شكل أفعال مضارعة محددة بدقة. ويعني هذا أن الهدف الإجرائي هو إنجاز فعلي خاضع للقياس والملاحظة الموضوعية، وقد يكون هدفا معرفيا أو وجدانيا أو حسيا حركيا. وفي هذا الصدد، نقيس سلوك المتعلم، لا سلوك المدرس، بأفعال مضارعة محددة بدقة قياسية. وفي هذا السياق، يقول محمد الدريج:" يمكن أن نلاحظ بأن صياغة الأهداف الخاصة تكون دائما صياغة واضحة، وتكون لكلماتها معاني واحدة غير قابلة للتأويل. إن صياغة الهدف الخاص يجب أن تتجنب العبارات الضبابية التي توحي بعدد كبير من التأويلات التي قد يفرضها تباين الأشخاص، واختلاف المواقف؛ مما قد يؤدي إلى تعطل التواصل بين المدرس والتلاميذ وبينه وبين زملائه في الفصل. ثم إن ما يميز الأهداف الخاصة هو كونها تصف سلوكا قابلا للملاحظة... ثم إن الأهداف الخاصة تحدد شروط ظهور السلوك... "[2]. وعليه، فالأهداف الخاصة أو الإجرائية هي أهداف سلوكية تعليمية معرفية، وانفعالية، وحسية حركية، تقيس إنجازات المتعلم بعبارات واضحة ودقيقة. ومن ثم، تكون قابلة للملاحظة والقياس والتقييم. السياق التاريخي لبيداغوجيا الأهداف: تبلورت نظرية الأهداف في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1948م لمناقشة أسباب الفشل الدراسي في المؤسسات التعليمية، وقد انعقد الاجتماع في بوسطن بمناسبة تنظيم مؤتمر الجمعية الأمريكية للسيكولوجيا، وقد ترتب عليه قرار بالإجماع لتوصيف السلوك التربوي، وتحديد استجابات المتعلمين في ضوء سلوك إجرائي محدد بدقة لقياسه إجرائيا. بمعنى أن المؤتمرين قد وصلوا إلى أن ترقية التعليم وتطويره، والحد من ظاهرة الإخفاق، سببه غياب الأهداف الإجرائية. أي: إن المدرس لا يسطر الأهداف التي يريد تحقيقها في الحصة الدراسية. ومن ثم، آن الأوان للتفكير في صنافات الأهداف المعرفية والوجدانية والحسية الحركية لوصف مختلف استجابات المتعلم، بصياغتها في عبارات سلوكية محددة ودقيقة، وتصنيفها في مراق متراكبة، تتدرج من السهولة إلى الصعوبة والتعقيد. ومن ثم، خرج المؤتمر السيكولوجي بنظرية تربوية جديدة، تسمى بنظرية الأهداف أو الدرس الهادف الذي يقوم على تحديد مجموعة من الأهداف السلوكية المرصودة والملاحظة، سواء أكانت أهدافا عامة أم خاصة. ومن هنا، فقد ارتبطت نظرية الأهداف بجماعة شيكاغو، وقد كان تيلر (Ralph Tyler) سباقا إلى تحديد مجموعة من الأهداف باعتبارها مداخل أساسية لتطوير التعليم، والرفع من مستواه. بمعنى أن رالف تايلر كان سباقا منذ سنة 1935م إلى عقلنة العملية الإنتاجية انطلاقا من تحديد مجموعة من الأهداف. وفي هذا الإطار، يقول محمد الدريج: " والحقيقة أن الفضل يعود في الدرجة الأولى إلى رالف تايلر (Ralph Tyler)، إذ كان من أبرز الداعين إلى تعيين الأهداف التي يجب أن يرمي إليها التعليم، وخاصة في كتيب له تحت عنوان (أساسيات المناهج)، والذي نقله إلى العربية أحمد خيري كاظم وجابر عبد الحميد جابر منذ سنة 1962م. وقد انطلق تايلر من أن التحقق من صحة أساليب التعليم وأساليب الامتحان، لا يتم بالرجوع إلى نصوص الكتب المدرسية والمناهج المقررة، إنما بالرجوع إلى الأهداف التي وراء هذه النصوص والمناهج، لأن النصوص والمناهج في نظره، يمكن أن تدرس بطرق متعددة، ولتحقيق غايات كثيرة، فهي لا تصلح إذن أن تكون المرجع للتحقق من صحة التعليم وسلامته أو صدق الامتحانات، ولذلك فمن الضروري أن يكون ضبط الأهداف سابقا للنشاط التعليمي. وقد وجدت نظرية تايلر صدى كبيرا في الأوساط التربوية والتعليمية، وستظهر مصنفات كثيرة في الاتجاه نفسه، ومتأثرة بآرائه. ومن أهمها المصنف الذي سبقت الإشارة إليه، والذي نشرته لجنة القياس والامتحانات(مجموعة شيكاغو)- وجل أعضائها من تلاميذ تايلر- والتي شددت على الأهداف التعليمية كأساس لتنظيم التربية. "[3]. وقد نتج عن هذا المؤتمر - الذي سلف ذكره - مجموعة من الصنافات تعنى بتنميط الأهداف الإجرائية في مراق متدرجة، مثل: مصنف بلوم الذي عنوانه(تصنيف الأهداف التربوية، المجال العقلي المعرفي) ونشر سنة 1956م بإشراف بنيامين بلوم (B. Bloom)، وأعقبه الجزء الثاني تحت عنوان (تصنيف الأهداف التربوية، المجال الانفعالي العاطفي) بإشراف كراثهول (D. Krathwohl). هذا، وقد انتشرت نظرية الأهداف في أمريكا وأوروبا منذ الستينيات من القرن الماضي، وأصبحت موضة تربوية معاصرة أكثر انتشارا في سنوات السبعين. وقد أخذ المغرب بهذه المقاربة الجديدة منذ سنوات الثمانين من القرن الماضي، بعد أن أرسلت بعثة من أساتذة كلية علوم التربية بالرباط إلى بلجيكا للتكوين والتدريب على نظرية الأهداف التربوية، بما فيها: الدكتور محمد الدريج صاحب كتاب(التدريس الهادف)[4]. وعليه، ترتبط نظرية الأهداف التربوية بالنظرية السلوكية القائمة على ثنائية المثير والاستجابة؛ لأن بيداغوجيا الأهداف تسعى إلى قياس السلوك التعليمي الخارجي، ورصده ملاحظة وقياسا وتقويما. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |