تغير ابني المفاجئ بعد تغيير المسكن؟

[ابوالوليد المسلم]

تغير ابني المفاجئ بعد تغيير المسكن؟


أ. شروق الجبوري



السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


كنتُ وأسرتي نعيش في بيتِ أهلي، وقد شاركتْ عمتي في تربية ابني الكبير الذي يبلغ مِن العمر عشر سنوات؛ والذي كان وقتها مجتهدًا في الدراسة.


ثم انتقلنا إلى منزلٍ مُستقلٍّ؛ حيث تغيَّر حالُ ابني بشكل مفاجئ، وبدأ في الانعزالِ، وفشل في الدراسة، وصار يبكي إذا رأى عمتي ويُريد الذهاب معها، حتى إني أضطرُّ إلى ضرْبِه في بعض الأحيان!


فأرجو أن تُساعدوني في حلِّ هذه المشكلة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم.


أخي الكريم، وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.


نُرَحِّب بك في شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يُسدِّدنا في تقديم ما ينفعك، وينفع جميع المستشيرين.


وأودُّ أن أشيدَ باهتمامك بالحالة النفسية والدراسية لابنك، وتقَصِّيك الحل السليم لمشكلته مِن خلال سؤال المختَصِّين، لا سيما وأني أَسْتَشِفُّ رفضك الداخلي لِلُجوئِك لاستخدام الضرب ضده، من خلال إشارتك لعبارة: (أُضْطَرُّ إلى ضَرْبِه)؛ ولذلك أتمنى منك الحفاظ على تلك السمات الإيجابية، وتعزيزها بالصبر والاجتهاد الصائب في حل مشكلة ابنك الحالية، وفي تربيته وباقي أولادك بشكل عامٍّ.

أخي الكريم، ما يُمكن استنباطه مِن وضْع ابنك الحالي، أنَّ عمتك كان لها الدورُ الكبيرُ والأكثر تأثيرًا في تربيته وتنشئته، ولم يكنْ دورُها (مشاركة) فقط - كما ذكرت - وقد سبَّب هذا الأمرُ تعوُّدًا وتعلقًا كبيرين لديه بها، وهو ما جعل انتقالكم إلى بيتٍ مستقلٍّ وابتعادكم عنها يُسَبِّبان له مُعاناةً نفسيةً ومشكلاتٍ دراسيةً؛ ولذلك كان الأجدى أنْ يتمَّ انتقالكم بتمهيدٍ مُسبقٍ للأمر، وتدريجٍ يُساعده على التكيُّف شيئًا فشيئًا على الوَضْعِ الجديدِ.

ولِأَنَّ الأمر قد حدَث الآن، وتم انتقالكم فعليًّا إلى سَكَنٍ مُسْتَقِلٍّ، فإني أنصحك بالاجتهاد في (خَطَّيْن متوازِيَيْنِ)؛ لمساعدة ابنك الكبير بشكلٍ خاصٍّ على التكيُّف السليم مع الوضْع الجديد، وكذلك لمساعدة باقي أولادك عليه، حتى وإن لم تَبْدُ عليهم حاليًّا أيةُ آثار سلبية:

فالخط الأول:
هو أن تطلبَ مِن عمتك قيامها بزيارتكم بشكلٍ دوريٍّ، كأن تتمثلَ بزيارة في نهاية كل أسبوع، أو زيارتين أُسبوعيًّا، أو أكثر، بحسب ظرفها وظرفكم.

ويُفَضَّل أن يُخصَّصَ لها سريرٌ، يشعر ابنك مِن جهة بوجودها معكم حتى في أوقات غيابها، ويشعرها هي أيضًا مِن الجهة الأخرى بمكانتها في سكنكم الجديد، فإنَّ مِن الوفاء استشعارَ مشاعر عمتك أيضًا، والتي لا شك أنها تُعاني كذلك مِن ابتعاد ابنك عنها بعد ارتباطها المباشر والمكثَّف به لمدة عشر سنوات! ولذلك فإنَّ التدريج في هذا الأمر يعود بالفائدة عليهما وعلى باقي أفراد الأسرة.

أما الخطُّ الثاني الذي أنصح به فهو:
اجتهادك وزوجتك باستحداث وإيجاد ظروفٍ تُدخِل البهجةَ والسرورَ إلى نفس ابنك، كأن تتم مفاجأته بلعبةٍ أو جهازٍ يتوق لاقتنائه بدون أن يتوقعَ شراءكم له، أو مشاركته في السباقات ونحوها في الإجازات ونهايات الأسابيع، وغير ذلك مما يَزيد في رصيد خبراته الإيجابية والسارة مع أسرته الصغيرة ومع المسكن الجديد.

كما أنصحكَ بالتقرُّب إليه شخصيًّا مِن خلال اصطحابك له في قضاء بعض أمورك أو زياراتك، التي تجد أنها قد تُسهم في ارتياحه النفسي، وتقربه إليك أكثر.

أما من الناحية الدراسيةِ، فأرجو أن تَتَقَفَّى بحياديةٍ وحِرْصٍ أسبابَ تراجُع مستواه فيها، فقد يكون الأمرُ مُرْتَبِطًا بالبيئة المدرسية نفسِها؛ كتغيُّر معلميه، أو أساليبهم في التعامل معه، أو تغير أصحابه.. وما إلى ذلك. فإنَّ تشخيصَ الأسباب أمرٌ مهمٌّ في تحديد العلاج والتركيز عليه.

أما إذا تحددتْ تلك الأسباب بعامل ابتعاده عن عمتك، فإن تحقيقك للنصائح السابقة سيُسهم - بإذن الله تعالى - بشكلٍ كبيرٍ في الحدِّ مِنْ هذه المشكلة، لا سيما إن قامتْ عمتُك بالتحاوُر معه شخصيًّا وعلى انفراد عن أسباب تراجُعه، وقامتْ بتشجيعِه على العودة إلى مستواه، مع إخباره بأن اجتهاده سيُسْعِدُها، وسيُشَجِّعها على الاستمرار في زيارتكم، وما إلى ذلك مِن الدَّعْمِ المعْنَوِيِّ.


كما أنصحك بالقيام بزيارة شخصيةٍ إلى مدرسته، ومناقشة الأمر مع مُعَلِّميه وإدارة المدرسة، والتوصُّل إلى تعاوُنٍ مشتركٍ بينكم؛ لتشجيعه على العودة إلى حبِّ الدراسة والتفوُّق، و(مكافأته) في أول تقدُّم له بعدها، ليتم تعزيزه في نفسه، ويزيد مِن إقباله على الدراسة وحبه للمدرسة وبيئتها مجددًا.

وأخيرًا أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يصلح ابنك وباقي أولادك، وينفع بكم، ويديم صلة أرحامكم، ويبارك فيها، وسنسعد بسماع أخبارك الطيبة مجددًا.