|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سالم (قصة قصيرة) أحمد كمال أحمد محمد يَختزل الرجولةَ في أن يعفِّر وجهَه تحت أقدام أمِّه، يحمِل لها الإناء البلاستيك في صلاة الفجر، يقبِّل يدَيها، ويغذِّي مسام روحه بدعائها له، قيراطٌ من الأرض وبعض دجاجات مع أمِّه تَكفيهم مؤنة التشرُّد، يضرب بفأسِه الأرضَ القاسية فتجود من باطنها، يسجد لله شكرًا كلَّما أنبتَت شجرات الرِّضا، يوزِّع الصدقةَ على الفقراء، يصوم الشهرَ تِلو الشهر كي يُطعِم والدته، دَفن فِكرة الزواج بسبب ضِيق ذات اليد، وأنَّى له الزَّواج؟ وهو ينزح من بئر حَنان أمه منذ إصابتها بالشلل النِّصفي، سخَّر نفسَه أن يكون لها حَمولة وفَرشًا، تنظر بعينين دامعتين لبيت عمِّه الشاهق، فيخفضهما سالم ويقول: أمَّاه سنسكن معًا مع أبينا في جنَّات الخُلد مع الصبر وحُسن الظن، تتمتِم بقولها: أستغفرك ربِّي وأتوبُ إليك. حين يسمع صوت مِرْجَل قلبها وهو يَغلي من الوجع، يَرتدي جلبابها ويحملها بين يدَيه ويقول في غبطة: أنا ابنك في الخَارج، وابنتك في الدَّاخل يا أغلى الأحبَّة، تلكزه في صدره لكزةً خفيفة وتقول في سرور: تذكِّرني بوالدك حين كان يحملني على بساط السَّعادة يا (مضروب)! حمى تزحف نحوَ جسدها، والعلاج باهِظ الثَّمَن، والطعام يَنفد بسبب الأمطار التي هاجمَت محصوله، وأنَّى له الاستدانة في زمن الشُّحِّ؟ اختلطَت دموعُه بالماء الذي يُنزله على جسدها البَئيل، الحمَّى تخترق الخلايا، خرج هائمًا على وجهه، مطأطئ الرَّأس يطرق بابَ عمه، طرقات كأنَّها أسياخ اللَّهيب في ظهره، عكَّازٌ مَعقوف يَخرج من الباب، ونظرةُ استكبار تَعلو وجهَ عمه، رعشة الكلمات زادَت وهي مختلطة بدماء دموعه: أمِّي تموت ولا سبيل لي بشراء الدَّواء والطعام؟ ضحكةٌ ساخِرة، ويدٌ تَضرب على جيبه، خمسون جنيهًا يفردها أمامَه ثمَّ يمزِّقها نصفين يعطيها له بيد الذلِّ، وينادي: يا عزيز، لا تُطعِم الطيور، ما تبقَّى من الطعام احمله في كِيس وأعطه لسالم. هرول على شوك المذلَّة، دخل على والدته، كان النَّبض يشير لمفارقتها للحياة، ارتطم على أرض الحَسرة، يقبل جبينها، زحف نحوَ جلبابها ليرتديه، وبكلمات الأنين يقول بذهول: أمَّاه، لبستُ لك جلبابَك الذي يُسعدك دومًا، كان الصَّمت يضرب بجدران الغُرفة، غصَّة تجتاح حَلْقَه، وبرودةٌ تخترق خلاياه، وثقل في عينيه، زحف بجوارها، ونظر للسماء، ومع خروج مَوكب الروح ينزف النجوى: سنسكن مع أبينا جنَّات الخُلد مع الصبر وحُسن الظن.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |