|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كيف أعالج قوة الانفعال؟ أ. عائشة الحكمي السؤال أنا فتاة أبلغ من العمر 24 عامًا، غير متزوِّجة، مَن لا يعرفني يقول عني: كريمة، أو شجاعة، أو شخصيَّة قويَّة، أو حنون، وأنا في الحقيقة لست كذلك؛ إنما هو الاندفاع وقوَّة الانفعال، فلا أستطيع كَتْمَ مشاعري متى ما أردتُ. أحيانًا أُخَطط ليوم كاملٍ، ثم أقوم بتدمير هذا التخطيط في لحظة، فإذا غَضِبت أُبالغ في الغضب، ولا أَملِك نفسي، ولا أُبالي ماذا يكون أو النتيجة، وإن كنت لا أغضب إلاَّ قليلاً، وغالبًا ما يكون غضبي على مَن يهمُّني كلامُه، أمَّا مَن لا أهتمُّ به - وإن كان ذا منصبٍ، أو لا أعرفه - لا أغضب عليه، وإذا أحْبَبت شخصًا أُبالغ في الحب، ولا أحبُّ إلاَّ قلة من الناس ممن أُعْجَب بدينه وخلقه وعقله، لكن لا أستطيع أن أنفكَّ من شَرَكِ ذلك الحب، وإذا امْتَنَنت أُبالغ في الشكر؛ حتى يقول مَن حولي: هو لا يستحق ذلك كله، وإذا نَدِمت أُبالغ في الاعتذار؛ حتى يقولوا: هو لا يستحقُّ ذلك الذلَّ، وقد أُنفق كلَّ ما معي إذا رَحِمت أحدًا، ولا أُبقي شيئًا، ولا أُبالي، وإذا اسْتُغِثْتُ أُخاطر بنفسي ولا أُبالي؛ حتى يقولوا: مجنونة، أو متهوِّرة، وإذا جادَلت أحدًا أتحمَّس كثيرًا، وأُقَطِّب جبيني ولا أتركه حتى يُقِرَّ، ولو تعقَّلت لَم أفعل ذلك، لكنني لا أستطيع أن أكون متوازنة، لا أستطيع ضَبْطَ مشاعري وتخفيف اندفاعي. مَن يعرفني يقول: هي مُندفعة أو عصبيَّة، أو دمها حارٌّ، ولا يَعذِرني إلاَّ مَن ينظر إلى نواياي، مع العلم أنَّ تلك المشاعر آنية تنتهي سريعًا، فإذا غَضِبت أُخرج ما في قلبي، ثم لا يبقى في قلبي حقد أو رغبة في الانتقام أبدًا، وإذا فارَقت أحدًا - بموتٍ أو سفرٍ أو غيره، وقد يبكي على فراقي مَن حولي، وأنا أنسى مشاعري تُجاههم سريعًا - فلا أشعر بشوقٍ أو وَحْشة، وهكذا. لا أدري، أنا لا أفهم نفسي، تفكيري دائمًا منطقي وحدسي، وغالبًا ما يُصيب، حتى إني أُوْصَف بأنَّ عقلي كبير، أو في كلامي حكمة، ويَستشيرني مَن حولي، لكن من ناحية المشاعر، فالله المستعان! هل أجد عندكم تفسيرًا وحلاًّ؟ وهل هذا يحدث لي لأني امرأة؟ أو لأني في مرحلة الشباب؟ وهل الزمن كفيل بتغييري؟ أم إنَّ هناك خطوات ينبغي عليّ اتِّباعها؟ الجواب بسم الله الهادي للصواب وهو المستعان أيتها العزيزة، حين ننمو ونكبر، فإنَّ كلَّ ثمارنا الجسدية والجنسيَّة، والنفسية والعاطفيَّة، والانفعاليَّة والفكرية والاجتماعيَّة - تَكبر معنا وتَنضج فينا، يعمل فيها الزمن والدين، والتربية والتجربة عملاً يجعل من الكبار والراشدين كائنات بشرية مُذهلة! وهذا النُّضج هو ما يجعل رأي زيد مُقنعًا، وأهداف عمرو عظيمة، وعاطفة هند رائعة، وأخلاق دعْد مُهَذَّبة. أمَّا إذا كَبِرنا واستمرَّت تصرُّفاتنا وأفعالنا، وإراداتنا وانفعالاتنا وأفكارنا، كما لو كنَّا لا نزال أطفالاً صغارًا، وبَقينا نتصرَّف بطريقة لا تتناسب وأعمارنا الزمنية والعقلية، ومكاناتنا الاجتماعية، ومستوياتنا العلمية - فإنما يعني ذلك أننا قد كَبِرنا مع الزمن، ولكننا لَم نَنضج بعدُ! "والعيب يعلق بالكبير كبير!". وما أنت عليه - أيتها العزيزة - من طباع انفعاليَّة مُتطرِّفة، يدل على عدم نُضجك انفعاليًّا؛ فسرعة الغضب والتشنُّج، وقلة الصبر والهيجان الانفعالي غير المتناسب مع المواقف، والتطرُّف في الحب والشكر والاعتذار - كلها صُوَر لعدم النُّضج الانفعالي، و"الأمزجة عندما تكون فيها الأفكار لاعقلانيَّة، والمشاعر تبدو خارج السيطرة والضبط، تُشير إلى الحاجة إلى خِدمات متمرِّس مُختص في الصحة النفسية"؛ كما يقول د. محمد الحجار في كتابه "عالج مشكلاتك النفسية بنفسك". يُعَدُّ النُّضج الانفعالي شرطًا أساسيًّا من شروط الصحة النفسيَّة؛ لأننا لو ترَكنا انفعالاتنا تثور وتَنفلت وتَنفجر، بلا ضابط أو رادعٍ، فسنجد أنفسنا وقد انحرَفنا عن حدود الشخصيَّة السويَّة إلى حدود المرض النفسي العصابي، الذي يضمُّ مجموعة كبيرة من الأمراض النفسيَّة، وليدة الانفعالات المُتطرِّفة والمُنفلتة؛ كالقلق النفسي، والمخاوف، والهستيريا، والوسواس القهري، والاكتئاب العصابي، أو سنقترب حتمًا من حدود الشخصيَّات العصابية المضطربة، كالشخصية الهيستيرية، والشخصية الحدية، ممن يعانون قصورًا في الإرادة والقدرة على ضَبْط الانفعالات عند استجاباتهم لمواقف الحياة المختلفة. ما ينقصك تحديدًا هو: الاتزان الانفعالي أو الثبات الانفعالي، كما يحلو للتحليليين تسميته، والاتزان الانفعالي هو: قدرة الفرد على ضَبْط انفعالاته؛ حتى لا تتجاوز حدودَ المواقف التي تَستدعيها؛ سواء ما كان منها سارًّا أم مُكَدِّرًا؛ كيلا يتمَّ التعبير عنها بأساليب متطرِّفة أو مغالية انفعاليًّا، ولا بَكبتها انفعاليًّا، أو تجميدها عاطفيًّا، وإنما بالتوسُّط والقصد والاتزان. نحن المسلمين أُمَّةٌ وسطٌ، لا إفراط لدينا ولا تفريط، حتى فيما يختصُّ بانفعالاتنا وأخلاقنا، ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله - في "الفوائد": "للأخلاق حدٌّ متى جاوَزَتْه، صارَت عدوانًا، ومتى قصَّرتْ عنه، كان نقصًا ومَهانةً" إلى أن يقول: "وضابط هذا كله العدل، وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة، بل لا تقوم مصلحة البدن إلاَّ به، فإنه متى خرَج بعض أخلاطه عن العدل، وجاوَزه أو نقَص عنه، ذهَب من صحته وقوَّته بحسب ذلك". وقد ورَد النهي في الإسلام عن سلوك سُبل الانفعالات المتطرِّفة، كالجزع والهَلع والغضب، في مقابل الحثِّ على كرَم النفس وكَظْم الغيظ؛ ((لا تغضب))؛ رواه البخاري، ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ [آل عمران: 134]. أَسَاؤُوا فَإِنْ تَغْفِرْ فَإِنَّكَ أَهْلُهُ ![]() وَأَفْضَلُ حِلْمٍ حِسْبَةً حِلْمُ مُغْضَبِ ![]() وكذلك التوسط في التعبير الانفعالي والعاطفي؛ كما في الخبر المروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أحْبِب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بَغيضَك يومًا ما، وأبْغِض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما". وللوصول إلى هذا المستوى من الاتزان الانفعالي، ينبغي أولاً أن ترتقيَ درجة عالية من سُلَّم الذكاء الانفعالي - العاطفي؛ حيث يُمكِّننا الذكاء الانفعالي من مراقبة انفعالاتنا وفَهْمها، وإدارتها والسيطرة عليها، كما يرسم للذات خريطة توكيديَّة تُمَكِّننا من الدفاع عن حقوقنا الشخصيَّة، والتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا بطريقة صحيحة، دون تَعدٍّ على حقوق الآخرين أو التسبُّب في إيلامهم. وخير ما أنصحك به في هذا الباب كتاب "الذكاء العاطفي"؛ تأليف: دانييل جولمان، وترجمة ليلى الجبالي؛ فهو أصل عظيم يُعتمد عليه في موضوع الذكاء الانفعالي - العاطفي، وكذلك كتاب "تدريب المشاعر"؛ تأليف: بيتر بوبر، وترجمة: د. إلياس حاجوج؛ إذ يحوي بعض التدريبات العملية النافعة، كما ينبغي أن تُخَصِّصي لنفسك بضع دقائق يوميًّا لممارسة تمارين الاسترخاء. وستجدين في استشارة: "أعاني من ارتجاف في عضلات الوجه" بعضَ هذه الطُّرق؛ فانظري فيها. تحلَّي بالإرادة الصحيحة لضَبْط نفسك وانفعالاتك؛ فكل أفعالك المتهوِّرة وليدة إرادتك الحرَّة "الفاسدة" كما يَصفها ابن القيِّم؛ لأجْل ذلك كان لزامًا عليكِ أن تُجاهدي الشيطان على دَفْع ما يُلقيه إليك من شهوات وإرادات فاسدة. حقيقة، لا يَحضرني كلام ابن القيِّم بنصِّه، ولكن هذا بعض معناه من كتابه القَيِّم "زاد المعاد". ثم تذكَّري - أيتها العزيزة - أنَّك إن رُمْتِ الزواج مع هذه الطِّباع، رُمْتِ مُمتنعًا؛ لأن طبيعة الرجل لا تحتمل معاشرة المرأة المجادلة، ولا سريعة الغضب، ولا التي تُغرقه بالحب؛ وإن زعَم أنه غارق في حبِّها! فلتُخَفِّفي من هذه الأثقال؛ كي تنجحي مستقبلاً في بيت الزوجيَّة - إن شاء الله. تكلَّفي إصلاح نفسك ووطِّنيها على احتمال خصال الصبر والعفو والقصد، ومفارقة الهوى وقَمْع التهوُّر، وكَبْح الاندفاع، ولا تَنتصري لنفسك كلَّ مرة، بل غُضِّي عن الهفوات، ولا تَنشغلي بجدال الحمقى والمُتعنِّتين، وادْعي الله تعالى كما أحسَن خَلقك أن يُحسن خُلقك، ويُعينك على انتهاج طرق العدل في الرضا والغضب، والتوازن الانفعالي في الصحة والمرض، هُدِيتِ وعُوفِيتِ. والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |