|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أقلق من قلة المعرفة أ. عائشة الحكمي السؤال أنا شابٌّ في الثامنة عشرة من عمري، شَغُوف بالقِراءة وحُبِّ الاطِّلاع منذ صِغَري - والحمد لله - يُلاحِظ المقرَّبون منِّي أنَّني كثيرُ التفكير والسرحان، وأنَّني لا أنتبه لكلامهم، ولا أتفاعل مع الحديث إنْ كان جماعيًّا، فكَّرت أنْ أتخلَّص من هذه العادة، فوجدت أنَّ هناك أمورًا كثيرةً تُقلِقني وتُبعدني عن التَّفكِير في اللحظة الحاليَّة، من ضمنها: اعتقادي أنَّني ما زلتُ أجهل أشياء كثيرة، حتى الذي أعرفُه ليس له أساسٌ متين يمكنني من الاستفادة من هذه المعرفة، والعجيب أنَّني حينما أترُك التفكيرَ في الأشياء الكبيرة والعظيمة، وأترُك قراءة بعض الكتب (وهي عادةً كتب في الفكر الإسلامي)، أجد أنَّني أكثر تحرُّرًا وأكثر إقبالاً على العمل. فبماذا تُوجِّهونني؟ نفَع الله بكُم وبما تُقدِّمون. الجواب بِسم اللَّه المُلْهِم للصَّواب وهو المُستعان أَعِذْنِي رَبِّ مِنْ حَصَرٍ وَعِيٍّ ![]() وَمِنْ نَفْسٍ أُعَالِجُهَا عِلاَجَا ![]() وَمِنْ عُجْبٍ أَتِيهُ بِهِ غُرُورًا ![]() وَخَوْفٍ يَمْلأُ النَّفْسَ اخْتِلاَجَا ![]() أيُّها الأخ الفاضل: أُحيِّي فيكَ هذا الشَّغف المعرفيَّ، وأُكبِرُ فيكَ هذه المَقْدِرة على استبطان الذَّات، أُلهِمتَ الرُّشد والسَّداد. أمَّا سبب شُرود فِكْركَ وضَعْف انتباهِكَ لأحاديثِ أهلِكَ وأصدقائكَ في المجالِس، فمَرَدُّه إلى انشِغالِ ذِهْنكَ بإعدادِ الأجْوِبَة وتَفْسِيرها، وعَجْن الأفكارِ وتَخْميرها، والنَّاس يتَواثَبُون بين المَواضيع، الواحِدة تِلوَ الأُخرى، وأنتَ لا تزالُ تحاول رَمْي الفِكْرة التي لا تُصيبُ؛ لقلَّةِ خبرتكَ وضِيقِ مَعْرفتِكَ! وحسبُكَ بهذا العِي والشُّرود داعيًا لمُراجعة نِيَّتكَ، فما أحسبُكَ إلا قد صرفتَ الهمَّة في تصدُّر المَجْلس، طمعًا بأنْ يقول النَّاس عنكَ بأنَّكَ مُثقَّف! لا يُعْجِبَنَّكَ أَنْ يُقَالَ مُفَوَّهٌ ![]() حَسَنُ البَلاغَةِ أَوْ عَرِيضُ الجَاهِ ![]() أَصْلِحِ فَسَادًا مِنْ سَرِيرَتِكَ الَّتِي ![]() تَلْهُو بِهَا وَارْهَبْ مَقَامَ اللهِ ![]() فلتُصحِّح نيِّتكَ كي يكونَ حُضوركَ لِمَجالِس العِلْم حُضورَ مُستزيدٍ علمًا وأجرًا، لا حُضور مُتصدِّر مَهْمُوم القَلْب بنُطق الحِكْمة، وحَبْكِ اللُّغة، وسَرْد الثَّقافة، فهذه أمورٌ يُجرِيها اللهُ على ألسُن مَن وعوا العِلْم؛ حُبًّا في العِلْم، لا حُبًّا في استظهارِه أمام النَّاس؛ ولذلك يقولُ ابن حزم في "الأخلاق والسِّير": "إذا حضرتَ مَجْلِسَ عِلْمٍ، فلا يكُن حضُوركَ إلا حُضور مُستزيد علمًا وأجرًا، لا حُضور مُستغنٍ بما عندكَ، طالبًا عثرةً تُشيِّعها أو غريبةً تُشنِّعها، فهذه أفعال الأرذال الذين لا يُفلِحون في العِلْم أبدًا، فإذا حضرتَها على هذه النِّيَّة، فقد حصَّلتَ خيرًا على كلِّ حال، وإنْ لم تحضرها على هذه النِّيَّة، فجُلوسكَ في منزلكَ أَرْوَحُ لبدنكَ، وأكرم لخلقكَ، وأسلم لدِينكَ، فإذا حضرتَها كما ذكرنا، فالتزِمْ أحدَ ثلاثة أَوْجُه لا رَابِع لها، وهي: إمَّا أنْ تسكُتَ سُكوتَ الجُهَّال، فتحصُل على أَجرِ النِّيَّة في المُشاهدَة، وعلى الثَّناء عليكَ بِقلَّة الفُضُول، وعلى كرَم المُجالَسة، ومودَّة مَن تُجالِس، فإنْ لم تفعَلْ ذلكَ، فاسألْ سُؤال المُتعلِّم، فتحصُل على هذه الأرْبعِ مَحاسِن، وعلى خامِسة، وهي استزادة العِلْم". سُبُل اكتسابِ المَعْرفة: أوَّلاً: تعلُّم فنِّ الإصْغاء: لأنَّ الإصغاءَ أحدُ وسائلِ اكتساب المَعْرفة، فأصغِ إلى كُلِّ النَّاس والأشياءِ من حولكَ بكلِّ حُبٍّ واهتِمام، وتعلَّم من كلِّ ما يُحيطُ بكَ ويلتفُّ حولكَ؛ تعلَّمْ من العَجائز والأطفال، من المُسلمين وغيرِ المُسلمين، من التِّلفاز والمِذْياع، من الكتُب والجَرائِد، من العُلَماء والأُمِّيين، من الكبارِ والصِّغار، فكلُّ ما في الكَوْن يستحقُّ المَعْرفة، وكلُّ ما في الكوْنِ يحوي نُتَفًا من الأخبارِ والمَعارِف المُلهِمة. ثانيًا: التَّواضُع للعِلْم: وجَّه الرَّشيدُ إلى مَالِك بن أَنس - رحمهُ الله - ليأتيَهُ فيُحدِّثه فقال مَالِك: "إنَّ العلمَ يُؤتَى"! فسار الرَّشيد إلى منزلِه فاستندَ معه إلى الجِدَار، فقال: "يا أميرَ المُؤمنين، مِن إجْلالِ اللهِ تعَالى إِجْلالُ العِلْم"، فقامَ وجلَسَ بين يديْه، وبعثَ إلى سُفيان بن عُييْنة فأتاهُ وقعد بين يديْه وحدَّثَه، فقال الرَّشيدُ بعدَ ذلك: "يا مالِك، تواضعْنَا لعلمكَ فانتفعنا به، وتواضعَ لنا علمُ سُفيان فلم ننتَفِعْ به". ثالثًا: كُنْ واعيًا لما تسمع، حافِظًا لما تَقْرأ؛ قال ابنُ يَسِير: أَمَا لَوْ أَعِي كُلَّ مَا أَسْمَعُ ![]() وَأَحْفَظُ مِنْ ذَاكَ مَا أَجْمَعُ ![]() وَلَمْ أَسْتَفِدْ غَيْرَ مَا قَدْ جَمَعْتُ ![]() لَقِيلَ هُوَ العَالِمُ المِصْقَعُ ![]() وَلَكِنَّ نَفْسِي إِلَى كُلِّ نَوْعٍ ![]() مِنَ العِلْمِ تَسْمَعُهُ تَنْزِعُ ![]() فَلا أَنَا أَحْفَظُ مَا قَدْ جَمَعْتُ ![]() وَلا أَنَا مِنْ جَمْعِهِ أَشْبَعُ ![]() وَأُحْصَرُ بِالعِيِّ فِي مَجْلِسِي ![]() وَعِلْمِيَ فِي الكُتْبِ مُسْتَوْدَعُ ![]() رابعًا: تقييد المَعْلوماتِ بالكتابة؛ كي يسهُلَ عليكَ الرُّجوع إليها أو مُراجعتها فيما بَعْدُ. العِلْمُ صَيْدٌ وَالكِتَابَةُ قَيْدُهُ ![]() قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالحِبَالِ الوَاثِقَهْ ![]() فَمِنَ الجَهَالَةِ أَنْ تَصِيدَ غَزَالَةً ![]() وَتَفُوتَهَا بَيْنَ الخَلائِقِ طَالِقَهْ ![]() خامسًا: البحثُ الدَّائِم وترْك التَّلقِّي السَّلبي: فإذا سمعتَ بمعلومةٍ جديدةٍ في مَجْلسِ عِلْمٍ فدَوِّنها في عقلكَ، ثم تحقَّق من صحَّتها، وحتمًا ستكشفُ لكَ رحلةُ البحْث عن مَعارفَ ومَعْلوماتٍ شتَّى. سادسًا: المُبادرة بالسُّؤالِ والاهتمامِ: فلا تجعلْ جُلَّ غايتكَ أنْ تكونَ أنتَ المُجيب والمَسْؤُول، بل كُن أنتَ السَّائل السَّؤُول، قال بشَّار بن بُرد: شِفَاءُ العَمَى طُولُ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا ![]() تَمَامُ العَمَى طُولُ السُّكُوتِ عَلَى الجَهْلِ ![]() سابعًا: تجنُّب حَصْرِ الفِكْرِ بنوعيَّةٍ مُحدَّدة من الكُتب أو العُقول أو الألسُن أو الأقلام؛ فهذه الطَّريقة تُقيِّد العقلَ، وتُضيِّق الفِكرَ، وتحصر صدركَ بالعيِّ في المَجْلس، وقد قيل: "مَن لا يعلمُ إلا فنًّا واحدًا من العِلْم، سُمِّي الخَصِي من العُلماء". ثامنًا: شِراء الكُتب ما أُتيحتْ لكَ فُرصة الشِّراء: وإنشاء مَكْتبة خاصَّة بكَ تُمكِّنكَ من مُداوَمة النَّظر في الكُتب والمُطالعة بانتظام، ثمَّ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: 1]. تاسعًا: مُخالَطة المُثقَّفين وأهلِ العلمِ وأصحابِ الفِكْر اليَانِع: "وليعرفِ العُلماءُ حينَ تُجالسهمُ أنكَ على أنْ تسمعَ أحرصُ منكَ على أنْ تقولَ"، كما يقول ابنُ المُقفَّع في "الأدب الكبير". عاشرًا: دُعاءُ اللهِ أنْ يزيدكَ عِلمًا وفهمًا: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. واللهُ - سبحانه وتعالى - أعلَمُ بالصَّواب، ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. فله َالحمدُ أوَّلاً وآخرًا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |