خوف من الموت واكتئاب

[ابوالوليد المسلم]

خوف من الموت واكتئاب


أ. عائشة الحكمي



السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
بعد ولادتي أتاني اكتئاب وخوف من الحسد، ثم تطوَّر وأصبحتُ أخاف من المرض والموت، وأُوَسْوَس أنني أموت، وأني سوف أَمْرَض، أفكر كثيرًا وعندي نسيان.
صارَت لي مشكلات، فزوجي لَم يتحمَّلني، بل كان يُحَطِّمني، ويَخرج من البيت وأجلس وحدي، وجاءَتني حالة رُعبٍ؛ حيث يُخَيَّل لي أن الجنَّ يدخلون عليّ ويذبحونني، ومرة أقول: أخاف أن أَذْبح طفلي، والآن أنا مُوسوسة؛ حيث يُخَيَّل لي أني مصابة بوَرَمٍ في رأسي؛ لأني منذ ثمانية أشهر وأنا أحس بدَوخة وعدم توازُن، ولَم أَقُمْ بإجراء أشعَّة رنين؛ لأنني خائفة، ودائمًا أتفحَّص رأسي؛ لأرى هل يوجد أورام أم لا؟ ومرَّات أحس أنه يوجد وَرَم، ولا أدري لماذا تزداد الدَّوخة عندما أذهب إلى مكان مُزدحم أو مرتفع، أو ضَيِّق، أو ألْتَفِت بسرعة.
أصبَحت الآن بليدة الفَهم بعدما كنتُ ذكيَّة، وأَفهم المشكلة بسرعة وأقوم بحلِّها، اهتزَّت ثقتي بنفسي؛ لأن زوجي كان يُحَطِّمني ويقول: أنت لا تعرفين أن تتكلَّمي مع الناس، وأهملت نظافتي ونظافة طفلي.
وعندما أسمع قصصًا، مثل: فلانة ماتت من مرضٍ، أو ماتت، تأْتيني حالة رعبٍ، وحاليًّا عندي مشكلات كثيرة؛ فأنا أَطلب من زوجي الطلاق، وزوجي تزوَّج عليّ، وهو يرفض أن يُطَلِّقني، مع أنه كذَّاب ومخادع؛ فهو لا يُحبُّني.
أنا الآن أصبحت أفضل من ناحية أنَّ الخوف والوسواس قد خَفَّت حِدَّته إلى حدٍّ ما؛ لأني أصبحت عندما أُوَسْوَس بألَمٍ، أو أحسُّ بضيقٍ في صدري، أقرأ القرآن، فيذهب، وقد أخبَرني بعض الشيوخ والعلماء بأني مُصابة بالحسد والعين.
عندي أعراض مثل التثاؤب عند قراءة القرآن، والتنميل، وبرودة في الأطراف، وخوف من الرُّقية، ولا أستطيع أن أُحَصِّن نفسي، يعني: أني ليس لي تحمُّل ولا صبرٌ، وقد أهْمَلتُ طفلي.

جُزِيتم خيرًا.


الجواب
بسم الله المُلْهِم للصَّواب
وهو المستعان

أيَّتها العزيزة، تبدو هذه الأعراض مُشابهة كثيرًا لأعراض ذُهان ما بعد الوِلادَة Postpartum Psychosis، وهو اضطرابٌ نادرٌ وطارئ ليس له ثبات، تُصاب به امرأة واحدة من ألفِ امرأةٍ عَقِب الوِلادَة بأيَّام، وقد تُصاب به في أيِّ وقتٍ من السنة الأولى بعد ولادة الطفل الأوَّل.
وهذا النوع من الذُّهان ذو طبيعةٍ اكتئابيَّة، إلاَّ أنَّه أكثر حِدَّة وشِدَّة من اكتئاب ما بعد الوِلادَة Postpartum Depression، ويبدأ غالبًا بأعراضٍ اكتئابيَّة ثمَّ يتطوَّر تدريجيًّا إلى أعراضٍ ذُهانيَّة تتضمَّن: الهَلاوس والأوهام، والهوَس وتغيُّر المزاج.

الأعراض الرئيسة:
- الاكتئاب الشديد، وتتمثَّل أعراضه لديكِ في:
1- البُطء الذِّهني.
2- البُطء الحركي.
3- الأوجاع المُتوهَّمة.
4- إهمال النفس والطفل.
5- فِقدان الاهتمام والرَّغبة في الحياة.

- الوسواس القَهْري، ويتمثَّل لديكِ في:
1- الوساوس القهريَّة حَوْل سلامة الطفل وصِحَّته.
2- الوساوس القهريَّة حَوْل الموت.
3- الوساوس القهريَّة حَوْل الإصابة بالمرَض.

- ضَعف التركيز وصُعوبة التذكُّر.
- الأرَق.
- الانفعالات المُتطرِّفة.
- الهَلاوس.

- الهُذاءات "ضلالات الاعتقاد"، وتتمثَّل لديكِ في:
1- توهُّمكِ بأنَّ الجنَّ سيذبحونكِ.
2- توهُّمكِ بإصابتكِ بورَم في رأسكِ.
3- توهُّمكِ بذَبْح ابنكِ، أو أيِّ نوعٍ من الإيذاء لطفلكِ.

الأسباب:
1- اضطرابات النوم.
2- التغيُّرات الهرمونيَّة السريعة أثناء الولادة.
3- المشكلات الزوجية قُبيْل الحَمْل وخلاله.
4- الاكتئاب خلال مدة الحَمْل.
5- خلفيَّة تاريخيَّة من الإصابة بالاكتئاب القُطبي.
6- هشاشة الشخصيَّة وضَعْف البناء النفسي.

العلاج:
خير ما يعالَج به هذا النَّوع من الاضطراب: الجمعُ بين مُضادَّات الاكتئاب ومُضادَّات الذُّهان، فلا تتأخَّري أكثر مما تأخَّرتِ في عَرْض مُشكلتكِ على طبيبة نفسيَّة؛ من أجل صحَّتكِ العقليَّة والنفسيَّة، وحفاظًا على حياتكِ الزوجيَّة وعلاقاتكِ الاجتماعيَّة، ومن أجل وليدكِ المُبارَك، عُوفيتِ.
ولعلَّ أفضل المعونات على سرعة الشفاء من هذا الاضطراب، وجود داعمٍ عاطفي ونفسي؛ "زوجًا كان، أو شقيقة، أو صديقة"، فاستندي على بعضهم بعد تمام التوكُّل على الله - سبحانه وتعالى.
ولا تَغفلي - عُوفيتِ - عن أهميَّة شَرْح حالتكِ النفسية لزوجكِ، ومَن هم قريبون من حولكِ، ممَّن يعيشون معكِ في بيتكِ أو في بيت أهلكِ؛ كي يكون لديكِ المُعين المُحب الذي يساعدكِ على الاعتناء بالطِّفل والانتباه إليه، حين تمرِّين بنوبة الذُّهان أو الاكتئاب.
أمَّا الطَّلاق فلتؤجِّلي التَّفكير فيه الآن؛ لانعدام استعدادكِ النَّفسي والفكري والعاطفي لاتخاذ قرار مصيري كهذا، فإن كان ولا بدَّ من البُعد بينكِ وبين زوجكِ، فاسْتَأْذِنيه إلى أبويكِ لبضعة أيام أو أسابيع؛ حتى تستريحي في بيت أهلكِ، وتستقرَّ حالتكِ النفسيَّة والذِّهنية، وتتمَّ لكِ السلامة والعافية - بإذن الله تعالى - ثم يُمكنكِ بعد ذلك أن تقرِّري مدى صلاح عيشكِ مع زوجكِ، بعد إعمال التفكير في عواقبِ الطلاق، وحُسن التقدير لِمَا سيكون عليه مُستقبلكِ ومُستقبل ابنكِ بعد الفِراق، ولا تُقَدِّري الأمرَ بينكِ وبين زوجكِ على ما كان بينكما خلال مدة مرَضكِ؛ فهذا أمرٌ عارض، وردَّة فِعله تُجاه الضَّلالات التي تَهذين بها - الجن وذَبْح الطفل ونحوها - يُعذَر عليها بجَهْله؛ فهي أمورٌ لا يَفهمها ولا يتفهَّمها إلاَّ طبيبٌ أو مُعالِجٌ نفسي.

ثم ارْفَعي حاجتكِ إلى الله - عزَّ وجلَّ - فهو مولاكِ ونِعمَ الوكيل، وعسى الله أن يمُنَّ عليكِ بالشِّفاء وتمام العافية، وأن يُصلح لكِ زوجكِ وما تداعى من بُنيان علاقتكِ به، وأن يُبارك لكِ في مولودكِ ويُقِرَّ عينكِ به وبصلاحه، آمين!

والله - سبحانه - أعلم بالصواب، وهو بكلِّ شيءٍ مُحيط.