أثر النظرة المقاصدية في فهم النص القرآني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118745 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40182 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366963 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-02-2021, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي أثر النظرة المقاصدية في فهم النص القرآني

أثر النظرة المقاصدية في فهم النص القرآني




د . أشرف محمود عقلة بنى كنانة ([·])



ملخص البحث:

تناولت هذه الدراسة أثر النظرة المقاصدية في فهم النص القرآني ؛ التي تتوافر بها الأهلية عند المفسر للفهم الصحيح لمعاني كتاب الله تعالى واستنباط أحكامه وحكمه وأسراره ، توسيعا للإدراك والفهم ؛ فالقرآن حمال ذو وجوه ، وقد يقع التعارض الظاهري بين نصوصه ؛ فيقع كثير من الناس في الزلل نتيجة إغفال مراعاة قصد الشارع ، أو لعدم المعرفة به؛ وقد حاولت الدراسة حصر جوانب هذا الموضوع ؛ فبينت معنى المقاصد والفهم وأهميتها في تحديد المعنى الصحيح ، ثم بينت أهمية النظرة المقاصدية في فهم الخطاب القرآني ، وأن مراعاة هذا الجانب من شأنه أن يعصم المجتهد من الوقوع في الزلل ، ويعينه على معرفة سياق الكلام وعلى ترجيح أحد محتملات النص القرآني ، ثم ختمت الدراسة ببيان أثر المعرفة بالمقاصد في فهم الخطاب القرآني ؛ ليتبين من خلال المثال العملي مدى عظم هذه المعرفة وأهميتها؛ في توجيه النص القرآني ، وفي فهم أحكام القرآن ، وفي توسيع دلالة الخطاب القرآني ليشمل بعض الأحكام المستجدة ، ومعرفة الحكم عند سكوت الشارع " وبذلك يظهر أن من لم يعرف مقاصد القرآن الكريم لا يحل له أن يتكلم فيه" فليس الأمر مجرد إصدار الحكم بقدر ما هو استحضار مال الحكم.

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:


فلا شك أن من خير الأعمال التي يتوجه بها المرء إلى ربه جل وعلا: هو معرفة معاني القرآن الكريم وطرق دلالته على الأحكام ، ولا زال العلماء يبذلون قصارى جهدهم في استثمار معاني الخطاب القرآني بشتى الوسائل والسبل، ومن هذه السبل العظيمة : معرفة مقاصد الشارع من تشريعه ، إذ المعرفة بهذه المقاصد خير سبيل يوصل إلى المعنى المراد من الخطاب القرآني.
وقد جاءت هذه الدراسة لتبين أثر النظرة المقاصدية في فهم النص القرآني ؛ إذ بها تتوافر الأهلية عند المفسر للفهم الصحيح لمعاني كتاب الله تعالى واستنباط أحكامه وحكمه وأسراره ، توسيعا للإدراك والفهم ، واستخراجا للأحكام المستجدة منه؛ فالقرآن حمال ذو وجوه ، وقد يقع التعارض الظاهري بين نصوصه ؛ فيقع كثير من الناس في الزلل نتيجة إغفال مراعاة قصد الشارع ، أو لعدم المعرفة له؛ وهذا ما جاءت الدراسة لتبينه وتحدد أطره في مباحثها الثلاثة ، حيث عني المبحث الأول منها ببيان معنى المقاصد والفهم وأهميتهما في تحديد المعنى الصحيح ، ثم بين المبحث الثاني منها أهمية النظرة المقاصدية في فهم الخطاب القرآني ، ثم ختمت الدراسة بالمبحث الثالث الذي كان عنوانه : أثر المعرفة بالمقاصد في فهم الخطاب القرآني ؟ ليتبين من خلال المثال العملي مدى عظم هذه المعرفة وأهميتها؛ موضحة ذلك في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول : اثر المعرفة بالمقاصد في توجيه النص القرآني.

المطلب الثاني : أثر المعرفة بالمقاصد في فهم أحكام القرآن .
المطلب الثالث : أثر المعرفة بالمقاصد في توسيع دلالة الخطاب القرآني، ارتآها الباحث للدلالة على عظم هذه النظرة ، وأخيرا انتهت الدراسة بخاتمة فيها أهم نتائج البحث.

وقد اتبعت المنهج التالي في كتابة البحث ، وفي بيان مباحثه ومطالبه:
بينت أهم المصطلحات التي يحتاجها البحث.
عزوت الآيات القرآنية إلى سورها وأرقام آياتها، مع مراعاة ضبطها برسم المصحف.
خرجت الأحاديث النبوية والآثار السنية ، مع الحكم عليها - ما أمكن- إن لم تكن في الصحيحين أو في أحدهما.
ضربت من الأمثلة أهمها فيما يتعلق بخدمة موضوع البحث.
بينت آراء الفقهاء مع أبرز أدلتهم التي تتعلق بموضوع البحث ، والتي تظهر من خلالها النظرة المقاصدية في فهم القرآن الكريم وأحكامه.
رجعت إلى كل فن من الفنون إلى كتبه المعتمدة فيه.
علقت عقب الأمثلة وعقب وجه الدلالة منها على المراد؛ بما يتناسب مع إظهار أهمية النظرة المقاصدية.
ترجمت للأعلام غير المشهورين ، أو الذين لا توجد لهم مؤلفات مطبوعة متداولة ؛ فلم أترجم للصحابة أو التابعين ، أو للمشهورين من أهل العلم قديما وحديثا؛ لعدم الجدوى من ذلك.
وقد جاءت خطة البحث التفصيلية على النحو التالي:
المبحث الأول : معنى المقاصد والفهم وأهميتهما:
المطلب الأول : معنى المقاصد والفهم.
أولا: تعريف المقاصد.
ثانيا: تعريف الفهم.
المطلب الثاني : أهمية معرفة المقاصد للفهم الصحيح.
المبحث الثاني : أهمية معرفة المقاصد في فهم الخطاب القرآني:
اولا: العصمة من الوقوع في الزلل:


في حمل الظاهر المحتمل لمعان على المراد منه شرعا.
في حمل المتشابه على معناه الألصق به.
ثانيا: الاعانة على معرفة مقام التشريع المحتف بالنص (سياق الكلام ).
ثالثا: الاعانة على معرفة أحد المعاني المحتملة للنص (ترجيح أحد محتملات النص القرآني ).
المبحث الثالث : أثر المعرفة بالمقاصد في فهم الخطاب القرآني:
المطلب الأول : أثر المعرفة بالمقاصد في توجيه النص القرآني:
أولا: مراعاة مآلات الأفعال التي هي محل الأحكام .
ثانيا: فهم الظاهر بحسب اللسان العربي وما يقتضيه.
ثالثا: معرفة معاني القيود الواردة في الخطاب القرآني.
المطلب الثاني : أثر المعرفة بالمقاصد في فهم أحكام القرآن :
أولا: رفع التعارض بين ظواهر القرآن الكريم.
ثانيا: الترجيح بين المتعارضين.
المطلب الثالث : أثر المعرفة بالمقاصد في توسيع دلالة الخطاب القرآني:
أولا: توسيع دلالة النص القرآني ؛ ليشمل بعض الأحكام المستجدة .
ثانيا: معرفة الحكم عند سكوت الشارع عنه.
الخاتمة : وفيها أهم نتائج البحث.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المبحث الأول

وأهميتهما

المطلب الأول

معنى المقاصد والفهم

أولا: تعريف المقاصد:

تعريف المقاصد لغة:

المقاصد: جمع مقصد ومقصد. وأصلها: الفعل (قصد)، والقصد: العدل والاعتزام، أي: الاعتزام والتوجه نحو الشيء على اعتدال . وفي الحديث : "القصد القصد تبلغوا"([1])، أي: عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل ، وهو: الوسط بين الطرفين . والقصد في الشيء: خلاف الافراط . والقاصد: القريب . والقاصد: السهل ، وفي التنزيل العزيز: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ )(التوبة: 42)، سفرا قاصدا: أي غير شاق ([2]).
تعريف المقاصد اصطلاحا:

تضم كلمة مقاصد لغة معنى : الاعتدال والسهولة والقرب ، ومقاصد الشريعة اصطلاحا لا تخرج عن هذه المعاني " فقد عرفها الطاهر ابن عاشور بانها: "المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها"([3]).
وهذا التعريف يشمل المقاصد العامة فقط، ولعل أقرب التعاريف التي تشمل المقاصد بأنواعها العامة والخاصة والجزئية قولهم : مقاصد الشريعة ؛ هي: "الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها ؟ لمصلحة العباد"([4]).
لا يشك شاك بأن الشريعة الاسلامية من أعظم الشرائع على الاطلاق وأقومها، وأن لها مقاصد وغايات ترمي إلى تحقيقها، وأن هناك حكما راعتها الشريعة في جميع أحوال التشريع ؛ تحقيقا لمصلحة العباد في العاجل والآجل، ولو لم يكن التشريع هذه صفته لكان ضربا من العبث ، والعبث بعيد من تصرفات العقلاء، فكيف بخالق العقلاء جل وعلا.
وبهذا يتبين أن هدف الشريعة وغايتها؛ هو: مصلحة الانسان كخليفة الله في الأرض ، وكمسؤول أمامه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؛ لأن الله تعالى استخلف بني آدم ليقيم العدل والانصاف والمساواة في الأرض بيسر وسهولة وعدم كلفة أو مشقة ، وغاية الغايات هي: تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة ، لمن اتبع هداه وانقاد لأمره ونهيه ([5]).

وقد يعبر عن المقاصد بألفاظ أخرى ، منها: الحكم، والعلل ، المعاني، المصالح . ويعبر عنها في القرآن الكريم والسنة المطهرة : بالإرادة . ويعبر في القرآن الكريم والسنة المطهرة عن المصالح بـ الخير والنفع والحسنات . وعن المفاسد: بالشر والضر والاثم والسيئات ([6]).

ثانيا: تعريف الفهم:

تعريف الفهم لغة:
الفهم هو: معرفتك الشيء بالقلب . يقال : فهمه فهما وفهامة؛ علمه وعرفه بالقلب . و فهمت الشيء عقلته وعرفته . ويقال : رجل فهم: سريع الفهم . ويقال : فهم و فهم و أفهمه الأمر و فهمه إياه : جعله يفهمه ، و استفهمه سأله أن يفهمه، واستفهمني فأفهمته وفهمته تفهيما، وتفهم الكلام : فهمه شيئا بعد شيء ([7]).
تعريف الفهم اصطلاحا :

الفهم اصطلاحا يطلق على: تصور المعنى من لفظ المخاطب . وقال الراغب هيئة للنفس بها يتحقق معاني ما يحس ([8]).
والتفهيم : إيصال المعنى إلى فهم السامع بواسطة اللفظ ([9]) وجودة الفهم وسرعته : ملكة للنفس يقتدر بها على الانتقال من الملزومات إلى اللوازم بلا فصل ([10]).
ويطلق الفهم على الفقه والبيان ؛ لأن الفقه في اللغة عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه ([11])، يقال فقه الرجل بالكسر يفقه فقها: إذا فهم وعلم . وفقه بالضم يفقه : إذا صار فقيها عالما. وقد جعله العرف خاصا بعلم الشريعة وتخصيصا بعلم الفروع منه ([12]).
والبيان : إظهار المقصود بأبلغ لفظ. وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللسان ، وأصله الكشف والظهور ([13]).
المطلب الثاني

أهمية معرفة المقاصد للفهم الصحيح:

بعد بيان معنى المقاصد ومعنى الفهم ، يظهر جليا مدى الارتباط الوثيق بين الفهم ومقاصد الشريعة الاسلامية ؛ فالمقاصد تتضمن معنى معرفة مرامي الشريعة القريبة والبعيدة ؛ ليتحقق الهدف من التشريع ؛ ولا شك أن ذلك يحتاج إلى جودة القريحة والى سرعة الفهم والتصور للمعنى المراد من اللفظ ، عن طريق إظهار المقصود بأبلغ لفظ، كما هو أسلوب القرآن الكريم في البيان .

والمعرفة بالمقاصد لا يستغني عنها العالم أو طالب العلم ؛ خصوصا المفسر والفقيه ؛ لأن المفسر يوضح معاني الفاظ القرآن الكريم ؛ ليتوصل إلى فقه اللفظ ، وفقه اللفظ لا يمكن إدراكه بدون "حسن التصور للمعنى المراد من لفظ المخاطب ، وادراك مراميه ومقاصده " ([14])، وذلك هو المقصود بالفهم ؛ فبين الفهم والمقاصد ارتباط وثيق ، ولا يمكن أن يحصل الفهم بدون معرفة المقاصد.
يقول الشاطبي في قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ )(النساء: 82 ومحمد: 24): "فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن ؛ فلم يحصل منهم التدبر... وإذا حصل التدبر لم يوجد في القرآن خلاف البتة "([15])؛ فمقاصد القرآن الكريم وأسراره لا تنكشف ولا تتضح إلا بالفهم الصحيح العميق ، مع التفكر في معاني النص ومدلولاته ودقة التأمل وطول النظر فيه، ومن هنا فإن زلة العالم اكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه ([16]).
ومن لم يفهم مقاصد الشريعة سوف يضل في فهم معاني القرآن والسنة؛ إذ الشريعة مبناها على الكتاب والسنة ، فإذا أغفلت المقاصد فقد أغفل جزء من الشريعة ، ومن لم يفهم مقاصد الشريعة الإسلامية ربما ضل في حمل الظاهر أو المتشابه المحتمل لمعان على المراد منه شرعا؛ إذ الواجب حمل اللفظ على ما يوافق نصوص الشارع ومقاصده ، وابطال كل تأويل يخالف ذلك ويناقضه ([17]). قال الشاطبي : "فإن القرآن والسنة لما كانا عربيين لم يكن لينظر فيهما إلا عربي ، كما أن من لم يعرف مقاصدهما لم يحل له أن يتكلم فيهما، إذ لا يصح له النظر حتى يكون عالما بهما، فإنه إذا كان كذلك " لم يختلف عليه شيء من الشريعة "([18]). قال الدكتور عبد الله دراز عقب كلام الشاطبي هذا: "أي؛ فالاختلاف منشؤه أحد أمرين : ضعف في اللغة العربية واستعمالاتها، أو جهل بمقاصد الشريعة ، أو هما معا" ([19]).

وقد عد كثير من الأصوليين المعرفة بالمقاصد شرطا من شروط المجتهد؛ حيث إن المجتهد يتصرف في الشريعة باستنباط الأحكام من النصوص والقواعد والمبادئ ، ويطبقها على الوقائع ؛ فهذا لابد له من معرفة مقاصد الشريعة ؛ لأن اجتهاده في النصوص التي لم تتضح دلالتها إنما يكون صوابا بحسب قربه وبعده من مقصد الشارع ، ولذلك وجب عليه اتباع ما هو الأقرب ([20]).

وقد بين الطاهر ابن عاشور - رحمه الله - أن مدى احتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشارع يقع على أنحاء خمسة وذكر منها: " فهم أقوالها – أي الشريعة -، واستفادة مدلولات تلك الأقوال ، بحسب الاستعمال اللغوي ، وبحسب النقل الشرعي بالقواعد اللفظية التي بها عمل الاستدلال الفقهي "([21]).
ورغم أن الأصوليين قرروا أن العوام والمقلدين ليسوا بحاجة إلى معرفة المقاصد، وأن الأصل فيهم أن يتلقوا الشريعة بدون معرفة مقاصدها التي ترمي إليها؛ لأن معرفة المقاصد نوع دقيق من أنواع العلم لا يخوض فيه إلا من بلغ حظا كبيرا من العلم ([22])؛ إلا أن ذلك ليس على إطلاقه ؛ ففد يستفيد العامي والمقلد من المعرفة بالمقاصد بأحد أنواع الاستفادة غير استنباط الأحكام من النصوص " فهو ليس أهلا للاستنباط ، وغير مطلوب منه الاستنباط ، لكن لا مانع من تعلمه لمقاصد الشريعة" لتتوسع مداركه ويأخذ من العلم ما ينفعه دون أن يتجاوز حدوده ومؤهلاته ، وليس له أن يفتى أو يستنبط ؛ وليزداد تمسكه بهذا الدين وينشرح صدره به ([23]).
إذن فلمعرفة مقاصد الشريعة والعلم بها فوائد وآثار إيجابية تعود على المسلم المكلف ، سواء كان مجتهدا أو قاضيا أو حاكما، أو طالب علم، أو داعية ومربيا، أو كان عاميا مقلدا، بل ربما كان لذلك فوائد تعود على غير المسلمين، وبيان ذلك على النحو التالي ([24]):

أهمية المقاصد بالنسبة للمجتهدين والقضاة والحكام :

هذه الفئة من الناس هي الأحوج لمعرفة مقاصد الشريعة الاسلامية ؛ حيث يتعلق بها تقدير النفع للأمة ، والموازنة بين المصالح والمفاسد، واختيار الأنسب للناس والمجتمع.

فالمجتهد يحتاج إلى المقاصد الشرعية لفهم القرآن الكريم ، وأخذ الحكم منه، وكذلك الشأن في السنة المطهرة ، وفي سائر أدلة التشريع ، واكثر ما يحتاج المجتهد لذلك عند تطبيق النصوص الشرعية على الوقائع والحوادث المستجدة ، وفي توجيه الفتوى وتغيرها حسب الظروف والأحوال ، إذ الهدف من الفتوى تطبيق النصوص على الوقائع ([25]).
والقاضي كالمجتهد - أيضا - في حاجته للمعرفة بمقاصد الشريعة ، وهذه المعرفة تعينه على العدل والحكم الصحيح المطابق للواقع.
أما الحاكم فقد اتفق الفقهاء على أن تصرفات الامام (الحاكم) على الرعية منوطة بالمصلحة ، أي إن جميع تصرفات الحاكم مرتبطة بتحقيق مصالح الناس ؛ فإن لم تحقق تصرفاته مصالح الناس لحقهم الحرج والضيق والمشقة ([26]).


أهمية المقاصد بالنسبة لطلاب العلم الشرعي:

طالب العلم الشرعي وخصوصا المبتدئ لا بد أن يخصص قدرا كبيرا من وقته للتعرف على مقاصد الشريعة الاسلامية ؛ حيث إن مجرد حفظ المعلومات العلمية ودراستها لا تكفي ؛ بل لا بد من دراستها مع الروح التي فيها، وإلا أصبح طالب العلم مجرد آلة تحفظ المعلومات دون وعي أو فهم، وبمعرفة طالب العلم الشرعي لمقاصد الشريعة تتكون عنده نظرة تكاملية للشريعة ولأحكامها، وتصبح عنده صورة شاملة عنها؛ فيسلم من الاضطراب والتشتت ، وتتبين له الأهداف السامية التي ترمي إليها الشريعة الغراء من تشريعها للأحكام ، والغايات الجليلة التي جاءت الشريعة لأجلها، فيزداد إيمانه وقناعته ومحبته للشريعة ، وتمسكه بدينه وثباته عليه ، وهو إذا وصل إلى هذه المرحلة ، سيعلم علم اليقين أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا، وأنه لم يصل بعد إلى درجة الاجتهاد؛ فيتواضع للآخرين ، ويحسن الاعتذار للمخالفين ، ولا يجزم بالحكم ، أو يلزم الغير به، وهذه من افضل درجات السلوك لدى الطالب المبتدئ .
أهمية المقاصد بالنسبة للدعاة :

الداعية والمربي له وظيفة فاعلة في الأمة وهو القدوة الصالحة إذا أحسن الدعوة والتربية ، والعلم بمقاصد الشريعة من اكبر الوسائل التي تعين المربي والداعية على دعوته وتربيته ؛ فإذا وضع نصب عينيه أن دعوته وتربيته ترمي إلى تحقيق مصالح المدعوين والمربين ، وتدفع المفسدة عنهم ، وتحقق السعادة لهم في الدنيا والآخرة ، ووازن بين ما ينفع وما يضر، وأعطى كل ذي حق حقه من ذلك، نجح في دعوته وتربيته ، وكان وريثا للأنبياء والصالحين في الدعوة إلى الاصلاح ، وخصوصا في هذه الأيام التي نحن أحوج ما نكون فيها إلى نشر سماحة الإسلام ويسر الشريعة وصفائها، ونشرها في الأرض بكافة الوسائل ؛ فإذا بصر الداعية والمربي الناس بأهداف الشريعة ومقاصدها من العدل والرحمة والاشفاق على الآخرين وحب الخير لهم، تم الاقتناع بدين الله تعالى ، وازدادت القناعات بهذه الشريعة الغراء، وتشوق الناس إلى التكاليف الشرعية ([27]).
أهمية المقاصد بالنسبة لعوام المسلمين:
لعل عوام المسلمين هم الطائفة الأقل استفادة من مقاصد الشريعة الاسلامية ؛ ذلك لأن لديهم عاطفة جياشة في حب الاسلام وأهله ، ولكنها عاطفة - في كثير من الأحيان - دون بصيرة أو علم، ودون فهم لمرامي الشريعة ومقاصدها القريبة والبعيدة ، لذلك نجد أن هناك تصرفات من العوام تخالف الشريعة الاسلامية ومقاصدها، ولكنهم يظنون أن فيها المصلحة والخير، لذلك يفعلونها، وقديما قالوا: وكم من باغ للخير لم يبلغه.
ومن هذه التصرفات مثلا: قول بعضهم : الدين في القلب ؛ تجده يترك كثيرا من التكاليف ويزعم أنه مؤمن ، والشيطان يسول له أنه على حق وصواب ؛ فبعض العوام بهذه الحجة يترك الصلاة قائلا: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أو يقول: الله لا يريد لي الهداية . أو يقوم بالجمع بين الصلوات دون سبب من مطر أو مرض، بحجة أنه لا يريد التعطل عن العمل ؛ لأن الاسلام حث على العمل ، وبعض الفتيات مثلا تترك اللباس الشرعي ؛ بحجة أن الاسلام دين السماحة واليسر وعدم التشدد، زاعمة أن اللباس الشرعي فيه تشدد وتنطع ، إلى غير ذلك من تسويلات الشيطان نتيجة للفهم الخاطئ للدين ، ونتيجة للجهل بمقاصد الإسلام .

فإذا تعلم هؤلاء جميعا مقاصد الشريعة الغراء، وما تهدف إليه من غايات ، وأن في تكاليفها السعادة للبشر وتحقيق مصالحهم ، ودرء المفاسد عنهم ، فلا شك أن هذه الأفكار الهدامة والتصرفات الخاطئة ستزول عنهم ، وسيعلمون أن ما ظنوه من تلك الأمور مصالح ، أنها أوهام وتلبيسات من الشيطان ، واكثر ما يحتاج العامي لمعرفة مقاصد الشريعة في وقتنا، الذي امتلأ بالغزو الفكري ، والتيارات المستوردة ، والمبادئ البراقة ، والدعوات الهدامة ، عبر وسائل الاعلام الحديثة، والتي تهدف إلى تشويه الإسلام والافتراء عليه وإلصاق الاتهامات به؛ كالتخلف والرجعية ، والسذاجة وغيرها ([28]).

أهمية المقاصد لغير المسلمين:

كثير من غير المسلمين يعيشون عيشة ضنكى، ويشعرون أنهم يعيشون إلى غير هدف، حتى سجلت في بعض البلاد التي تمتاز بالتقدم التكنولوجي والصناعي ، أعلى نسب انتحار؛ لماذا؟ لأنهم يبحثون عن السعادة ، فلا يجدونها. لأنهم يبحثون عما يحقق مصالحهم ويدفع عنهم المفاسد والآلام ، فلا يجدونه؛ نتيجة للخواء الروحي ، وفساد الفطرة .
فإذا ما وقف هؤلاء على المصالح الحقيقية والمضار الحقيقية في حياتهم، وعلموا أن الاسلام الحنيف جاء ليخرجهم من الظلام والشفاء، إلى النور والهدى والسعادة ، وعلموا أن التمسك بالإسلام يحقق لهم كل المصالح التي يريدونها، ويسد الفراغ الروحي لديهم، لا شك أنهم سيفكرون في أنفسهم ويراجعون عقيدتهم ودينهم ، وذلك كله يتوقف على نجاح الداعية الاسلامي في دعوة أمثال هؤلاء إلى الإسلام ، ومدى قدرته على إقناعهم بمبادئ الشريعة الغراء، واعطائهم التصور الصحيح عنها، وكم نجح كثير من الدعاة في ذلك، بسبب أنهم وقفوا على مقاصد الشريعة الاسلامية ، وأوقفوا غيرهم عليها كذلك، واكثر ما يدلل على أهمية تعريف غير المسلمين بمقاصد الاسلام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بينها في دعوته للمشركين وصرح بها، حتى دانت له قبائل العرب وخضعت لشريعته صلى الله عليه وسلم ([29]).



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 239.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 237.95 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.72%)]