|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تحليلُ مسائِلِ القَسَمِ وتوجِيهاتُ الفرَّاء لها (1) د. سعد الدين إبراهيم المصطفى قَالَ تَعالَى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾[1]. فـ" مَنْ " فِي مَوضِعِ رَفعٍ مُبتَدأٌ، وهِيَ جزاءٌ. لأنَّ العَربَ إذا أحدَثَتْ علَى الجزاءِ هذِهِ اللَّامَ صيَّرُوا فِعلَهُ علَى جِهةِ " فَعَل "، ولا يَكادُونَ يَجعَلُونَهُ علَى " يَفعَل " كَراهةَ أنْ يَحدُثَ علَى الجزاءِ حادِثٌ، وهُو مَجزومٌ. وقد وَقَعَ ما قبلَها علَيها، فَصَرَفُوا الفِعلَ إلَى فَعَل، لأنَّ الجزمَ لا يَستَبِينُ في " فَعَل "، فصيَّرُوا حُدُوثَ الَّلامِ، ثمَّ صَيَّرُوا جَوابَ الجَزاءِ بِما تُلقِي بِهِ اليَمِينُ - يُرِيدُ تَستَقبِلُ بِهِ - إمَّا بـ " لامٍ"، وإمَّا بـ " لا "، وإمَّا بـ " إنَّ "، وإمَّا بـ "ما "، فتقولُ في "ما ": لَئِنْ أَتَيْتَنِي ما ذلِكَ لَكَ بِضائِعٍ، وفي " إنَّ ": لَئِنْ أَتَيْتَنِي إنَّ ذلِكَ لَمَشكُورٌ لَكَ، وفي" لا "، وفي " اللام " قوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾[2]. وإنَّما جَعَلُوا جَوابَ الشَرطِ كَجَوابِ القَسَمِ، لأنَّ الَّلامَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي قَولِهِ تَعالَى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ إنَّما هِيَ لامُ القَسَمِ، كانَ مَوضِعُها فِي آخِرِ الكَلامِ، فلمَّا صَارَتْ فِي أَوَّلِهِ صَارَتْ كَالقَسَمِ فَأَخَذَتْ الحُكمَ الَّذِي يَأخُذُهُ القَسَمُ. تعليق ومقارنة: جَاءَ القَسَمُ في هذِهِ الآيةِ الكريمةِ ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ واضِحاً، فالَّلامُ للقَسمِ، و" مَنْ " اسمٌ مَوصُولٌ مبتدأٌ، وجملة " اشتَراهُ " صِلةُ المَوصُولِ لا محلَّ لها مِن الإعرابِ. وهِيَ فِعليَّةٌ. وجُملَةُ: ﴿ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ مُؤلَّفةٌ مِنْ مُبتَدأٍ وخَبرٍ. وهي واقِعةٌ فِي مَحلِّ رفعِ خَبرٍ للمبتدأ " مَنْ ". وجملة: ﴿ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾: في محلِّ نَصبٍ سَدَّتْ مَسَدَّ مَفعُولَي " عَلِمُوا "، وفي هذه الآية نحن نَتَّفِقُ معَ الفرَّاء أنَّ الَّلامَ لامُ القَسَمِ، ولكِنَّنا نُخالِفُهُ في " إعرابِ مَنْ " فَلَيسَتْ هنا للجزاءِ، بل هِيَ مَوصُولِيَّة، أي: لَيسَ هذا مَوضِعُ شَرطٍ، وهِيَ " مُبتَدأٌ " لأنَّهُ لا يَعمَلُ ما قَبلَ الَّلامَ فِيما بَعدَها. والمَشهُورُ عِندَ النَّحوِيِّينَ أنَّ الَّلامَ الدَّاخِلةَ علَى " قد " فِي مِثلِ هذِهِ الآيةِ إنَّما هِيَ لامُ القَسَمِ، وأمَّا الَّلامُ الدَّاخِلةُ علَى أداةِ الشَّرطِ فَهيَ للإيذانِ بِأنَّ الجوابَ بَعدَها مُرَتَّبٌ علَى قَسَمٍ قَبلَها لا علَى الشَّرطِ، لِذلِكَ تُسمَّى هذِهِ الَّلامُ الَّلامَ الموطِّئةَ لِلقَسَمِ، لأنَّها وَطَّأَتْ لَهُ، أي: مَهَّدتْ لَهُ، وعِندَما أَغنَى جَوابُ القَسمِ عن جَوابِ الشَّرطِ لَزِمَ أنْ يَكُونَ فِعلُ الشَّرطِ ماضِياً -ولو معنًى- كَالمُضارِعِ المنفِيِّ بـ "لم " غالِباً بِناءً علَى تَعلِيلِ الفرَّاء. إنَّ الَّلامَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي " لَقَد " دَخَلَتْ علَى جِهةِ القَسَمِ والتوَّكِيدِ، وللنَّحويينَ في قولِهِ تعالَى: ﴿ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ قَولانِ: جَعَلَ بَعضُهُم " مَنْ " بِمعنَى الشَّرطِ، وجَعَلَ الجَوابَ ﴿ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾، وهذا فيما أرى ليسَ بِموضِعِ شَرطٍ ولا جَزاءٍ، ولكِنَّ المعنَى: ولَقَد عَلِمُوا الَّذِي اشتَراهُ ما لَهُ فِي الآخِرةِ مِنْ خَلاقٍ، كما تَقُولُ: واللهِ لَقَد عَلِمْتَ لَلَّذِي جاءَكَ ما لَهُ مِنْ عَقلٍ. فأمَّا دُخُولُ الَّلامُ فِي الجَزاءِ فِي غيرِ هذا الموضِعِ، وفِيمَنْ جَعَلَ هذا مَوضِعَ شَرطٍ وجَزاءٍ، مثلُ قَولِهِ: ﴿ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾[3] ونحو قولِهِ تعالَى: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ فالَّلامُ الثانِيةُ هِيَ لامُ القَسَمِ فِي الحقيقةِ، لأنَّكَ إنَّما تحلِفُ علَى فِعلِكَ لا علَى فِعلِ غَيرِكَ فِي قَولِكَ: واللهِ لَئِنْ جِئْتَنِي لأُكرِمَنَّكَ، فَزَعَمَ بَعضُ النَّحويينَ أنَّ الَّلامَ لَمَّا دَخَلَتْ فِي أَوَّلِ الكَلامِ أَشبَهتْ القَسَمَ فَأُجِيبَتْ بِجَوابِهِ، وهذا خَطأٌ، لأنَّ جوابَ القَسَمِ لَيسَ يُشبِهُ القَسَمَ، أي: أنَّ جوابَ القَسَمِ يَأتِي للقَسَمِ نَفسِهِ لا لِما يُشبِهُهُ، ولكِنَّ الَّلامَ الأُولَى دَخَلَتْ إعلاماً أنَّ الجملةَ بِكَمالِها مَعقُودةٌ لِلقَسَمِ، لأنَّ الجزاءَ - وإنْ كانَ لِلقَسَمِ علَيهِ - فَقَد صَارَ لِلشَّرطِ فِيهِ حَظٌّ فلِذلِكَ دَخَلَتِ الَّلامُ. [1] الآية 102 من سورة البقرة. [2] الآية 12 من سورة الحشر. [3] الآية 58 من سورة الروم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |