سر القدر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 944 - عددالزوار : 120740 )           »          قواعد مهمة في التعامل مع العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مكارم الأخلاق على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تخريج حديث: أو قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أسباب المغفرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القوي، المتين) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مسألة تلبّس الجانّ بالإنسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2962 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 27-12-2020, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,389
الدولة : Egypt
افتراضي سر القدر

سر القدر
إسماعيل حور




الحمد لله الذي خَلَق وقدَّر، وقدَّم بحكمته وأخَّر، يسَّر لعباده سبيلَي الهدى والضلال، ولا يشاء العبدُ إلا أن يشاء الكبيرُ المتعال، جلَّت قدرتُه، وتعالت حكمتُه، له الحمد ما تعاقَبَ الليل والنهار، وما جرى الماء في الأنهار، وصلى الله وسلم على النبيِّ المختار، رحمة للعالمين، خير من وطئ الثَّرَى بلا فخر، أعلم الخلقِ بربِّه وأتقاهم له، أوتي جوامع الكلم فكان أفصح أهل الضاد وأفهمهم للغته، وآتاه الله كتابًا معجزًا في بيانه وبداعته، صلى الله عليه وعلى آله وحزبه ومن سار على هديه إلى يوم المحشر.

وبعد:
فلما كان العقل فيلسوفًا لا يحذق إلا في وضع الأسئلة والدَّور حولها، يحاول إدراك حقائقَ أكبر منه فيَتِيه، ويسعى للوصول إلى منتهى الحكمة المطلقة من الوجود، فلا يزال في دوَّامته الفلسفية لم يحر جوابًا؛ إذ كلما حاول كشفَ مسألةٍ بانت أمامه مسألةٌ أعقد منها، فلا يزال يهذي وحده عاجزًا ما لم يجد قائدًا اسمُه العِلم، كان لزامًا أن نقيد العقل بهذا الأخير، ونجعله تابعًا له، ومحكمًا له في الأمور كلِّها.

وإنَّ من بين الأمور التي تاه فيها العقل البشريُّ، وحاول الكشف عن سرِّها: أمرَ القدر في تسيير وتخيير البشر، فصار يتفلسف أأنا مسيَّر أم مخيَّر؟ أم بين الأمرين تكمن حكمة القَدَر؟

"ما مسيَّر وما مخيَّر؟ وما هذه الفلسفة الفارغة؟ لقد اشتغل بها البشر من يوم بدؤوا يفكِّرون، واختلفوا عليها وتجادلوا، ولا يزالون يختلفون ويتجادلون، ولم يصلوا إلى شيء؛ وإنما تاهوا في بيداء لا أول لها ولا آخِر، وهاموا على وجوههم في مَهْمَهٍ مُتشابهِ الأرجاء، بلا أمل ولا رجاء، فذهب هذا ينكر القَدَر، ويزعم أنَّ الحياة ملك الإنسان، وأحداثها صنعُ يديه، وراح ذاك ينكر إنسانيته، ويجحد نفسه، ويراها مسمارًا في آلةِ الكون، وحجرًا في جبلٍ يدور على الأرض أنَّى دارت... ونحن مع القَدَر بشر، لا آلهة ولا حجر، والدنيا ليست مسرَّة كلها ولا مصائب، ولكنها مسرَّة وكدر، وأنا كلما فكرت وذكرت ما رأيت من الحوادث بعيني، ازددت يقينًا بأنَّ أكثر الناس لا يعرفون سرَّ الإيمان بالقدر"[1].

ولقد وُجِّهت لي مؤخَّرًا أسئلة مفادها: إن كان الله تبارك وتعالى قد قدَّر علينا ما نعيشه، وحسم في أمرنا أنحن مِن أهل الجنة أم النار، فلِمَ الكد والتعب والعمل؟ فلنترُك أنفسنا إلى ما قدَّره الله لنا؛ إذ الأمر محسوم!

فأخذت في جمع ما يسَّر الله مِن حِكَم وعِبَر؛ لفكِّ لبس فَهم القَدَر، فقلت والله المستعان، ومن استعان بغيره لا يعان:
اعلم رحمني الله وإياك أنَّ القَدَر على أربع مراتب: علم، وكتابة، وإرادة، وخلق.

فالعلم: هو علم الله الأزليُّ؛ إذ إنه تبارك وتعالى عَلِم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، أحاط بكلِّ شيء علمًا، وأحصى كلَّ شيءٍ عددًا، ومِن عِلْمه أنْ عَلِم أعمال خلقه قبل خلقِهم؛ إذ هو ذو العلم المطلق سبحانه وتعالى.

وإذا تبيَّن لنا هذا، علمْنا أنَّ كتابة الله تعالى جاءت بعد علمه؛ ذلك أنه خَلَق القلم فأمره بكتابة ما سيكون إلى قيام الساعة، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أول ما خَلَق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة))[2]، وهذه هي المرتبة الثانية، وهي الكتابة: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وجاء في الحديث ((كتب الله مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلق السماواتِ والأرض بخمسين ألف سنة))[3].

لكن هل يعني هذا أنَّ الله تبارك وتعالى أجْبَرَنا على فعل ما نفعله، ولم يترك لنا المجال للاختيار؟ أيعني هذا أننا مسيَّرون؟ كلَّا.

لا أقول: مسيَّرون ولا مخيَّرون، ولا أقول: قد كُتب علينا فعل كذا؛ أي: إننا أُجبرنا على فعله، بل يجب التفريق هنا بين نوعين من الكتابة، وهي: أن الله كتَب علينا، وكتَب لنا.

فأمَّا الأولى، فهي الإرادة الكونيَّة، ولا مجال لاختيار العبد فيها، لكن هل سيحاسبه الله عليها؟ الجواب: لا.

مثال ذلك: أنت لم تختر أباك ولا أمَّك ولا بلدك... فالله لن يحاسبك لماذا أنت من هذا البلد، ولست من هذا البلد مثلًا؟
لكن قد يتبادر لذهنك سؤال فتقول: أوَ ليس الله تعالى خلق أناسًا من أبوين كافرين، هل سيحاسب النصرانيَّ الذي ترعرع في أحضان أسرة نصرانية مثلًا لماذا هو نصراني؟

أقول: نعم، إن كان الله تعالى قد هيَّأ له سبل الاختيار، فسمع ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه، فهذا ولا شك من أهل النار إن مات على حاله، وأما إن لم يسمع بهذا، فحينئذٍ يكون من أهل الفترة، وسيختبرهم الله يوم القيامة؛ إذ القاعدة العقدية تقول: "ولا تكليف إلا بعد مجيء الرسول"، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

وفي هذا المعنى أسوق لك حوارًا دار بين أبي إسحاق الإسفراييني أحد أئمة السُّنة، وعبدالجبار الهمداني أحد شيوخ المعتزلة:
دخل عبدالجبار الهمداني أحد شيوخ المعتزلة على الصاحب بن عبَّاد، وعنده أبو إسحاق الإسفراييني أحد أئمة السنة، فلما رأى الأستاذ قال: سبحان مَن تنزَّه عن الفحشاء.

فقال الأستاذ فورًا: سبحان مَن لا يكون في ملكه إلا ما يشاء.
فقال القاضي: أيشاء ربُّنا أنْ يُعصَى؟
فقال الأستاذ: أيُعصى ربُّنا قهرًا؟
فقال القاضي: أرأيت إن منعني الهدى، وقضى عليَّ بالرَّدَى، أحسنَ إليَّ أم أساء؟
فقال الأستاذ: إنْ منَعَك ما هو لك فقد أساء، وإنْ منَعَك ما هو له فالله يختصُّ برحمته من يشاء، فبُهت القاضي"[4].

فانظر رحمك الله إلى جواب أبي إسحاق الإسفرايينيِّ القاطع، قال: إن منعك ما هو لك فقد أساء؛ أي: إنَّ الله تعالى لم يمنعك ما هو لك، والذي هو هداية الدلالة؛ إذ أرسَل لك رسلًا ورسالةً، وجعل لك سمعًا وبصرًا وفؤادًا تُميِّز بهم وتختار، بل وجعل لك القدرة على القَبول والرفض: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]؛ فالأفعال المنسوبة إلينا تتمُّ بالأمرين جميعًا؛ أي: إرادة الله وقَدَره، ثم فعل العبد واختياره.

كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فأخذ شيئًا وجعل ينكت به في الأرض، فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة))، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتَّكل على كتابنا وندَع العمل؟ قال: ((اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له، أما من كان من أهل السعادة، فيُيسَّر لعمل أهل السعادة، وأما مَن كان من أهل الشقاء، فيُيسَّر لعمل أهل الشقاوة)) ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ الآية [الليل: 5، 6][5].


قال الإمام السمعاني: "سبيل معرفة هذا الباب التوفيق من الكتاب والسُّنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمَن عدل عن التوفيق منه، ضلَّ وتاه في مجال الحيرة، ولم يبلُغ شقاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئنُّ به القلب؛ لأنَّ القَدَر سرٌّ من أسرار الله تعالى ضُربت دونه الأستار، اختصَّ سبحانه به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لما علمه من الحكمة، وواجبٌ أن نقف حيث حدَّ لنا فلا نتجاوز، وقد حجب الله تعالى علم القَدَر عن العالم، فلا يعلمه ملَك ولا نبيٌّ مرسل"[6].

فالسر سرُّ الله، والحكمة حكمة لا يعلمها إلا اللهُ، فآمِن تأمَن، واعلم أنه رُكن من أركان الإيمان الستة التي لا يصحُّ الإيمان إلا بها، روى أبو داود في سننه أنَّ عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال لابنه: يا بُنيَّ، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أول ما خلق الله القَلم، فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))، يا بُني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن مات على غير هذا، فليس مني))[7].

"إنَّ هذا هو السرُّ الذي لا يعرفه أحد، فلا تحاولوا كشف سرِّ القدر، ولكن استفيدوا من حكمة القَدَر"[8].


[1] علي الطنطاوي، صور وخواطر، ص: 167 - 168.

[2] أبو داود: 4700.

[3] مسلم: 2653.

[4] د. عمر سليمان عبدالله الأشقر، "القضاء والقدر" ص: 61 - 62.

[5] صحيح البخاري، حديث: 4949.

[6] الرياض الندية في شرح الأربعين النووية، ص: 44.

[7] سنن أبي داود، حديث: 4700.

[8] علي الطنطاوي، صور وخواطر، ص: 169.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.31 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]