|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سبب ترك قتل المنافقين الشيخ أسامة بدوي قال ابن كثير رحمه الله: « وَقَدْ سُئِلَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ حِكْمَةِ كَفِّهِ عَلَيْهِ الصلاة والسلام عَنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَعْيَانِ بَعْضِهِمْ، وَذَكَرُوا أَجْوِبَةً عَنْ ذَلِكَ مِنْهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه "أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ "[1]، وَمَعْنَى هَذَا خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَغَيُّرٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَعْرَابِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يَعْلَمُونَ حِكْمَةَ قَتْلِهِ لَهُمْ، وَأَنَّ قَتْلَهُ إِيَّاهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكُفْرِ فإنهم إنمايَأْخُذُونَهُ بِمُجَرَّدِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ، كَمَا كَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مع علمه بسوء اعْتِقَادِهِمْ... قال مالك: إِنَّمَا كَفَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُنَافِقِينَ، لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا مَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِنِفَاقِهِمْ، لِأَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عز وجل "[2]. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَهَا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهَا وَجَدَ ثَوَابَ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهَا لَمْ ينفعه جَرَيَانُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَكَوْنُهُ كَانَ خَلِيطَ أَهْلِ الْإِيمَانِ: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 3، 4]. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يقتلهم، لأنه لا يخاف من شرهم مع وجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يتلو عليهم آيات مُبَيِّنَاتٍ، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقْتَلُونَ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ وَعَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ مَالِكٌ: الْمُنَافِقُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هو الزِّنْدِيقُ الْيَوْمَ. ثم قال ابن كثير: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَتْلِ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَ الْكُفْرَ، هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا؟، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً أَمْ لَا؟، أَوْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ ارْتِدَادُهُ أَمْ لَا؟، أَوْ يَكُونُ إِسْلَامُهُ وَرُجُوعُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ؟ على أقوال متعددة »[3]. وقد يكون السبب أنهم كانوا أضعفَ من أن يُشهِر النبي صلى الله عليه وسلم في وجوههم سيفًا، وأتفهَ من أن يُعلِن عليهم حربًا. لقد دبَّر المنافقون فتنًا ومكائد لو كتب لها النجاح لكان الإسلام في شأن آخر. لقد تفنَّنوا في الكيد للإسلام والمسلمين، ولكن الوحي كان يحبط كلَّ خُطَطِهم، ويكشف عن مخبوء مكرهم. فأي ضررٍ على الإسلام والمسلمين من كيدهم ما داموا يدبرون فيفضَحون، ويتآمرون فيفشَلون؟ وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل المعانِد للدعوة، المقاوِم لها لشدة إيذائه، أو يأمر بالصفح عنه إن رأى الخير في ذلك. فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتل النضر بن الحارث، لشدَّة إيذائه للمسلمين، وحربه للإسلام. وقد قالت بنت النضر فيه شعرًا تبكيه، وتمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه: أَمُحَمَّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ![]() فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرَقُ ![]() مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ![]() مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ ![]() أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ![]() بِأَعَزَّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ ![]() فَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرَّتْ قَرَابَةً ![]() وَأَحَقُّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ![]() قال ابن هشام في سيرته: فيقال - والله أعلم - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: "لو بلغني هذا قبل مقتله لمننتُ عليه". ولقد جاء في قتلهم آيات تُتلى. قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11]. وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]. « وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي قَوْلِهِ: ﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ﴾ [المنافقون: 7] يَقُولُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْكَ فِي الصَّدَقَاتِ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِأَعْرَابِيَّةٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَئِنْ كَانَ اللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَعْدِلَ مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهُ صلى الله عليه وسلم: "ويلك، فمن ذا الذي يَعْدِلُ عَلَيْكَ بَعْدِي؟"، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ: "احْذَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ، فَإِنَّ فِي أُمَّتِي أَشْبَاهَ هَذَا، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ". وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قتادة يشبه ما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي قِصَّةِ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصٌ، لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَهُ: اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ فَقَالَ: "لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". وفيه: "فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّهُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ"[4]. وهذا ليس بتشريع جديد إنما هي سنَّة الله، سنَّها في الأمم السابقة بأن يقتل الأنبياءُ المنافقين، ويُذلُّوهُم. وأورد ابن هشام في سيرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل المنافق (أبي عَفَك) عندما قال شعرًا يهجو فيه النبيَّ صلى الله عليه وسلم والإسلامَ، فخرج سالمُ بن عمير فقتله. وقام (عُمَيْرُ بنُ عُدَي) بقتل (عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ)، التي نافقت بعد قتل (أبي عفك)، وقد كانت تقول شعرًا تعيب فيه الإسلام وأهله، فأجابها حسانُ بنُ ثابت رضي الله عنه. فلما قتلها عُمَيرٌ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَصَرْتَ اللهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ "،... وَأَسْلَمَ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ، رِجَالٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ، لَمَّا رَأَوْا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ [5]. حكمة ربانية وسنة إلهية: لقد شدَّد نبي الله موسى عليه السلام النكير على أخيه هارون عليه السلام لما ترك السَّامريَّ يدعو بني إسرائيل إلى عبادة العجل، في حين قال للسَّامريِّ: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 11]. وترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم المنافقين لمَّا كذَبوا عليه بأعذار واهية في سبب تخلفهم في غزوة تبوك، وعاقبَ الثلاثة الذين صدقوا معه. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحدَّ (حدَّ القذف) على ثلاثة أو أربعة تناقلوا حادث الإفك، وبعضهم ممن شهد بدرًا، بينما لم يقمه على عبد الله بن أبي بن سلول الذي أشاعه، وتولى كبره. ولعل الحكمة من ذلك: أن عذاب الآخرة أشدُّ وأبقى، وأن إقامة الحدِّ على هؤلاءِ، وعقوبتهم في الدنيا تُسقِط عنهم عقوبة الآخرة، وجريمة النِّفاق وخطره يلائمه أن يؤخِّرَهم الله تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، وقد توعَّدهم الله تعالى بالدَّرْك الأسفل من النار، وهذا من عدل الله تعالى، أحكم الحاكمين، فلا يجمع على عبد خوفين، فإن خافه العبد في الدنيا أمَّنه الله يوم القيامة، وإن أمِنَه في الدنيا أخافه يوم القيامة. وقد تكون جريمة النِّفاق خيانة عظمَى للدين، وإفشاء أسرار الوطن (جاسوسية). فالشريعة تبيح دم هؤلاءِ، وإن النِّفاق يؤدي إلى أن يكونوا بغاة وجب قتالهم. وإذا كانت جريمة المنافق تتفق مع جرائم الحدود أقيم عليه الحد، كالقصاص والزنا والسرقة والقذف، فإن تاب المنافق قبلت توبته، بشرط أن تكون الجريمة غير متعلِّقة بحقوق الأفراد. وإذا كانت عقوبة جريمة من الجرائم تمسُّ حقًا لله فإن التوبة تُسقطها، إلا إذا طلب الجاني نفسه أن توقع عليه العقوبة، لأنها تطهير له (كما فعل ماعز والغامدية رضي الله عنهما )[6]. [1] أخرجه البخاري: ك: التفسير، ب: قوله تعالى: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [المنافقون: 6]، ح (4905)، وأخرجه مسلم: ك: البر والصلة، ب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، ح (2584). [2] أخرجه البخاري: ك: الإيمان، ب: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [التوبة: 5]، ح (25)، ومسلم: ك: الإيمان، ب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ح (20،21). [3] تفسير ابن كثير (1/ 89- 90). [4] تفسير ابن كثير (4/ 114). [5] سيرة ابن هشام، تحقيق السقا، (2/ 636- 638). [6]راجع كتاب: التدابير الشرعية للمقاصد الضرورية (الدين. النفس. العقل. النسل. المال) للدكتور/ عبد الناصر بن جامع، فهي رسالة قيِّمة جدًّا في هذا الباب.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |