
04-09-2020, 01:41 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة :
|
|
مدارس إصلاحية متناقضة
مدارس إصلاحية متناقضة
الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
المنادون اليوم بالإصلاح وضرورته، يعلمون جيداً أن ميادين الإصلاح كثيرة وواسعة، تبدأ من إصلاح الفرد وتنتهي بإصلاح المجتمع والأمة، ويشمل الإصلاح ما يتعلق بالفرد والمجتمع والاقتصاد والسياسة وغيرها، ولا يقوم به اليوم فرد من أفراد الأمة الإسلامية بذاته، بل إن الحاجة إلى التعاون والاجتماع فيه أمر واجب وملح، استوجبته ضرورات الواقع الإسلامي اليوم.
ولكن في ذات الوقت تتجاذب هذا المصطلح القرآني والنبوي أيد خفية ماكرة، وتلهوا بالأمة من خلاله، ويقعون في صور من الانحراف والتخبط عما زعموه من الإصلاح، بل ويتفقون ويتعاونون فيما بينهم على ذلك، من أمثال العلمانيين، واللبراليين، والشيوعيين، والحداثيين وأذنابهم كما جاء به القرآن: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾[البقرة:11،12].
وهذه الفئات تزعم أنها تريد إصلاح المجتمعات، وبناء الأمة، وتخليصها مما شابها من التخلف الحضاري والتقني وغير ذلك، وترى أن التحرر – المزعوم – من الدين والانفلات من قيوده، هو الباب الأوحد لهذا الإصلاح الحضاري المرتقب، ولا ريب أن هؤلاء واهمون متهافتون.
لأن تاريخ الأمم الغابر من أمثال الحضارات البائدة، كقوم عاد وثمود وفراعنة مصر وغيرهم، لما خلفوا دعوة التوحيد والعبودية، ودعوة الإصلاح المنزلة من السماء، على أيد الأنبياء والرسل عليهم السلام، ما أغنت عنهم ما زعموه من حضارة أو تقدم، والقرآن دليل واضح البرهان في هذا، كما قال تعالى: "﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ﴾[فصلت:16].
فهذا حديث القرآن في شأن قوم عاد، وما آل بهم من كبر وبطش واستعلاء بغير الحق، حتى حق عليهم وعيد الله تعالى وعقابه، وكذلك قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾[الفجر:11-14].
ولكن على الجانب الآخر يظهر لنا مدرسة جديدة تنادي بالإصلاح والتغيير والبناء والعطاء، لما ألم بالأمة الإسلامية من ضعف وركون، ولما أصابها من تخلف وانحراف عن المنهج الصحيح الواضح، ولكنهم يريدون ذلك الإصلاح المنشود وفق ما تأثروا به وأعجبوا من واقع الغرب الحديث، أو ما تأثروا به من فرق الكلام كالمعتزلة والأشاعرة، وأول رواد هذا المدرسة الحديثة السيد أحمد خان الهندي المتوفى في 1897م، ثم تبعه جمال الدين الأسد آبادي المعروف بالأفغاني وتبعه كذلك شيخ الأزهر الأسبق الإمام محمد عبده ثم من صار على هذا الدرب، من أمثال محمد مصطفى المراغي ومحمود شلتوت ومحمد فريد وجدي غيرهم كثير.
ولكن ثَم حاجة ملحة إلى عمل إصلاحي كبير، ينهض بالأمة من رقادها، ويشد من عزمها نحو الإسلام من جديد، فكانت دعوة الشيخ حسن البنا - رحمه الله تعالى - في هذا الميدان من أبرز ما ظهر، حيث أنشأ جماعة الإخوان المسلمين، والتي قامت في مصر بجهود متعددة ومنوعة في هذا الاتجاه نحو الإصلاح، لكن دعوة الشيخ البنا كانت متأثرة بدعوة محمد عبده والأفغاني، إلى كونها متأثرة من جانب آخر ببعض الفرق التي شابها الغلو والانحراف في مدرسة التصوف والصوفية، مع رفض الشيخ لما هم عليه من غلو وانحراف، ثم تأثر الجماعة أيضاً بواقع الأحزاب السياسية مما أدخلها في طريق ابتعد بها كثيراً عن ميادين التغيير والإصلاح، ومن ثم تعددت جماعات أخرى كل وفق ما تصور وأراد، مع تنوعها في سائر البلاد، من أمثال مشروع مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف.
لكن يبقى هنا أن الله تعالى لا يسلم الناس إلى الشر المحض، ولا إلى أهل الأهواء والانحرافات، لأن الحق وأهله قائمون به في هذه الأمة كما جاء في الحديث: "لا تزال طائفة من أمتى قائمة بالحق ظاهرين.... الحديث".
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|