|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() دعائم العزة الشيخ سيد سابق إنَّ في الحياة سننًا ثابتة، وقوانين مطَّرِدة لا تَقْبل التغيير ولا التبديل، وإنَّ موافقة هذه السنن، والسَّيْر على مقتضاها تُثْمِر ثمارها وتنتج آثارها، كما أنَّ مخالفَتَها تنتج العكس. وإن مِن سنن اللَّه في الأمم ألا يُغيِّر ما بها من ضعْف وذُلٍّ واستعْباد، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، فيأخذوا بأسباب القوَّة والعزَّة والحرِّية، واللَّه - سبحانه - يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]. وأسباب العزة تتمثَّل في إذْكاء رُوح الشجاعة، وإلهاب عواطف الحماس، وإثارة الحميَّة؛ من أجْل الحقِّ، وفي سبيل الحياة الحُرَّة الكريمة. إن المبادئ لا تَنْهض وحْدَها، والحقُّ لا يقوم بنفسه، وإنما يحتاج إلى الدِّرْع التي تَقِيه، والقوة التي تَفْديه، والحُمَاة الذين يَذُودون عنه، ويهَبُونهم كلَّ ما وَسِعهم من طاقة وجهْد، وهذه سنَّة اللَّه في قيام الحق ورفع رايته: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2 - 3]. وكان ضروريًّا أن يجمع الإسلام إلى مبادئه الكريمة ومثُلِه العليا تَشْريعَ الجهاد؛ ليُقِيم المسلمون حياتهم على أساس من الواقع، ولِتَبقى عزَّتهم مَصُونة، وأعلامهم خفَّاقة، ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8]. وما كان الإسلام باغيًا ولا عاديًا، وإنما كان عزيزًا يَأْبى الذُّل، كريمًا يَستعصى على الخضوع والاستسلام، وأول آية نزَلَت في الإذْن بالقتال بيَّنَت أنَّ هذا الإذْن إنَّما كان من أجْل الدِّفاع عن النَّفس ولردِّ العدوان ومنْع الظالمين من الاسْترسال في الظُّلم: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39 - 40]. وهذا الجهاد لا بدَّ وأن يَصْحبه ظهير يقوِّيه، ويشدُّ أزْرَه، وهذا الظهير يتمثَّل في قوَّة الترابط بين الأفراد، وفي توثيق العلاقات بينهم، حتَّى يكون المجتمع كالجسد الواحد، وكالبنيان المرْصُوص يشدُّ بعضه بعضًا. وقد أقام الإسلامُ هذه العلاقات على مبادِئ خالدة، تتجلَّى في الإيثار، وطَرْح الأثَرَة، وفي التَّأييد والنصرة، وفي المحبَّة والمودَّة، وفي التعاطف والتَّراحم، وفي التعارف والتآلف، وفي التعاون والتضامن، وفي الأمانة والعدل. فهذه هي المبادئ التي صنَعَت المجتمع الإسلامي الأوَّل، وصاغَتْه صياغةً عَجز العلماء والمربُّون والمصْلِحُون عن أن يأتوا بمِثْلها أو شَبِيه لها، وهذه المبادئ هي التي صانَتْه طوال هذه القرون من التصَدُّع، وحالَتْ بينه وبين التَّداعي والسقوط، مع كثرة المؤامرات وقوَّة الضَّربات التي وُجِّهت إليه. وكما تتمثَّل القوة في الإعداد الحَرْبي، والترابط الاجتماعي، فإنها تفتقر أشدَّ ما تفتقر في توفير الثَّروة، سواء أكانت ثروة مائية أمْ ثروة نباتيَّة أمْ ثروة معْدِنية أمْ ثروة حيوانية، فإنَّ المال عصَبُ الحياة، لا تستغني عنه الدولة، وهي تريد أن تَنهض بتَبِعاتها، وتقوم بمسؤوليَّاتها من العلْم والعمل والإعداد، وإعلاء الكلمة وبَسْط النفوذ، وتوفير أسباب الرَّخاء والرفاهية. واللَّه - سبحانه - جعَل الكون الفسيح مجالاً طبيعيًّا لنشاط الإنسان، وسَخَّره له؛ ليتعرَّف سُننَه ويكشف عن مجاهله، ويأخذ من المنافع والخيرات ما يَرْقى بوُجوده المادي والأدبي، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]. فهذه العناصر الثلاثة من الاستعداد الحربي والتماسك الاجتماعي والنشاط الاقتصادي، هي دعائم العِزَّة التي نهضَ بها مجتمَعُنا الأوَّل، فكانت له القيادة الحَكِيمة، والسِّيادة الرحيمة، ولا تزال هذه العناصر تَعْمل عمَلَها في مجتمعنا الحاضر. فهذه الثورات المتأجِّجة ضدَّ الاستعمار في الشَّرق والغرب، وهذا الترابط الوثيق بين شعوب العروبة والإسلام، وهذه الرغبة الأَكِيدة في اكتساب المال واستثماره، ما هي إلاَّ مظْهر من مظاهر العزَّة التي تَنْطوي عليها جوانِحُنا وقلوبُنا، إنَّ تَبِعاتنا تنحصر في المحافظة على مكَاسبنا وحماية مبادئِنا، وفي حِرْصنا على التزَوُّد بأسباب القوة، والتذرُّع بأسباب النصر، فإن الله مع الذين يُعِينون أنفسهم. فلْنكن أوفياء للحقِّ وأنصارًا للمظلومين، ودُعاةَ خير، وأُمَناء على ما استحفَظَنا الله إيَّاه؛ حتَّى تَسُود مبادئ العدالة، ويتحقَّق الأمن والسلام. والله لا يتخلَّى أبدًا عن الذين يَجْهرون بالحقِّ، ويدافعون عنه، ويحاربون الباطل ويطاردون الشرَّ والبغْي والفساد؛ ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40 - 41]. إن هذه الأُمَّة مَهْما حاول أعداؤها أن ينالوا منها، فإنها لا تزال فيها عناصر الصَّلاحية، ودعائم النهوض، وهي لا تَخْلو من قائمين لله بالحُجَّة، يَجْمعون ما تفرَّق، ويُصْلِحون ما فسد، وهم لا تؤثِّر فيهم التيَّارات، ولا تنال منهم الزلازل، ولا تثْنيهم عن غايتهم أيَّة قوَّة في الأرض.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |